الباحث القرآني

يَقُولُ تَعَالَى: ثُمَّ جَعَلْنَا الْقَائِمِينَ بِالْكِتَابِ الْعَظِيمِ، الْمُصَدِّقُ لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكُتُبِ، الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا، وَهُمْ هَذِهِ الْأُمَّةُ، ثُمَّ قَسَّمَهُمْ إِلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ [[في ت: "أقسام".]] ، فَقَالَ: ﴿فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ﴾ وَهُوَ: الْمُفَرِّطُ فِي فِعْلِ بَعْضِ الْوَاجِبَاتِ، الْمُرْتَكِبُ لِبَعْضِ الْمُحَرَّمَاتِ. ﴿وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ﴾ وَهُوَ: الْمُؤَدِّي لِلْوَاجِبَاتِ، التَّارِكُ لِلْمُحَرَّمَاتِ، وَقَدْ يَتْرُكُ بَعْضَ الْمُسْتَحَبَّاتِ، وَيَفْعَلُ بَعْضَ الْمَكْرُوهَاتِ. ﴿وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ وَهُوَ: الْفَاعِلُ لِلْوَاجِبَاتِ وَالْمُسْتَحَبَّاتِ، التَّارِكُ لِلْمُحَرَّمَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ وَبَعْضِ الْمُبَاحَاتِ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ [اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا] ﴾ [[زيادة من ت، س.]] ، قَالَ: هُمْ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ﷺ وَرَّثهم اللَّهُ كُلَّ كِتَابٍ [[في ت: "ورثهم الله كتابا".]] أَنْزَلَهُ، فَظَالِمُهُمْ يُغْفَر لَهُ، وَمُقْتَصِدُهُمْ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا، وَسَابِقُهُمْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ. وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ بْنِ صَالِحٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُعَاوِيَةَ العُتْبِيّ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو الطَّاهِرِ بْنُ السَّرْحِ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصَّنْعَانِيُّ، حَدَّثَنِي ابْنِ جُرَيْج، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ [[في ت: "وروى القاسم الطبراني بسنده إلى".]] ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ ذات يوم: "شفاعتي لأهل الكبائر من أُمَّتِي". قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: السَّابِقُ بِالْخَيْرَاتِ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَالْمُقْتَصِدُ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِرَحْمَةِ اللَّهِ، وَالظَّالِمُ لِنَفْسِهِ وَأَصْحَابُ الْأَعْرَافِ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ ﷺ. [[المعجم الكبير (١١/١٨٩) وابن جرير مدلس وقد عنعن.]] وَهَكَذَا [[في ت، س: "وكذا".]] رُوي عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ: أَنَّ الظَّالِمَ لِنَفْسِهِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ مِنَ الْمُصْطَفَيْنَ، عَلَى مَا فِيهِ مِنْ عِوَجٍ وَتَقْصِيرٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ لَيْسَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَلَا مِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْوَارِثِينَ الْكِتَابَ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ هَاشِمِ بْنِ مَرْزُوقٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو [[في ت: "وروى ابن أبي حاتم بسنده".]] ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: [[في ت، س: "عنه".]] ﴿فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ﴾ قَالَ: هُوَ الْكَافِرُ. وَكَذَا رَوَى عَنْهُ عِكْرِمَةُ، وَبِهِ قَالَ عِكْرِمَةُ أَيْضًا فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيح، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ﴾ قَالَ: هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ. وَقَالَ مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَالْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ: هُوَ الْمُنَافِقُ. ثُمَّ قَدْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ: وَهَذِهِ الْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ كَالْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ "الْوَاقِعَةِ" وَآخِرِهَا. وَالصَّحِيحُ: أَنَّ الظَّالِمَ لِنَفْسِهِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهَذَا اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ، وَكَمَا جَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، مِنْ طُرُقٍ يَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَنَحْنُ نُورِدُ مِنْهَا مَا تَيَسَّرَ: الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ [[في ت: "رواه".]] الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْعَيْزَارِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا مِنْ ثَقِيفَ يُحَدِّث عَنْ رَجُلٍ مِنْ كِنَانَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ فِي هذه الآية: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ ، قَالَ: "هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ وَكُلُّهُمْ فِي الْجَنَّةِ". هَذَا [[في ت: "وهذا".]] حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَفِي إِسْنَادِهِ مَنْ لَمْ يُسَمَّ، وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، بِهِ نَحْوَهُ. [[المسند (٣/٧٨) وتفسير الطبري (٢٢/٩٠) .]] وَمَعْنَى قَوْلِهِ: "بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ" أَيْ: فِي أَنَّهُمْ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمْ فَرْقٌ فِي الْمَنَازِلِ فِي الْجَنَّةِ. الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ اللَّيْثِيُّ أَبُو ضَمْرة، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ [عَلِيِّ] [[زيادة من س، أ.]] بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْدِيِّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، [[في ت: "رواه الإمام أحمد بسنده عن أبي الدرداء".]] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "قَالَ اللَّهُ: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ ، فَأَمَّا الَّذِينَ سَبَقُوا فَأُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَأَمَّا الَّذِينَ اقْتَصَدُوا فَأُولَئِكَ [[في أ: "فأولئك الذين".]] يُحَاسِبُونَ حِسَابًا يسيرا، وأما الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ يُحْبَسُونَ فِي طُولِ الْمَحْشَرِ، ثُمَّ هُمُ الَّذِينَ تَلَافَاهُمْ [[في ت، س، أ: "تلافاهم الله".]] بِرَحْمَتِهِ، فَهُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ﴾ [[المسند (٥/١٩٨) .]] . طَرِيقٌ أُخْرَى: [[في ت: "وروي من طريق أخرى".]] قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أُسَيْدُ بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ﴾ قَالَ: "فَأَمَّا الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ فَيُحْبَسُ حَتَّى يُصِيبَهُ الْهَمُّ وَالْحُزْنُ، ثُمَّ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ". وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الْأَعْمَشِ قَالَ: ذَكَرَ أَبُو ثَابِتٍ أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَجَلَسَ إِلَى جَنْبِ أَبِي الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ، آنِسْ وَحْشَتِي، وَارْحَمْ غُرْبَتِي، وَيَسِّرْ لِي جَلِيسًا صَالِحًا. قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: لَئِنْ كُنْتَ صَادِقًا لَأَنَا أَسْعَدُ بِكَ مِنْكَ، سَأُحَدِّثُكَ حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَمْ أُحَدِّثْ بِهِ مُنْذُ سَمِعْتُهُ مِنْهُ، ذَكَرَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ﴾ ، فَأَمَّا السَّابِقُ بِالْخَيْرَاتِ فَيَدْخُلُهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ وَأَمَّا الْمُقْتَصِدُ فَيُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا، وَأَمَّا الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ فَيُصِيبُهُ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ مِنَ الْغَمِّ وَالْحُزْنِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾ [[تفسير الطبري (٢٢/٩٠) ورواه الحاكم في المستدرك (٢/٤٢٦) ومن طريقه البيهقي في البعث برقم (٦٢) من طريق الأعمش، به.]] . الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْعَبَّاسِ، حَدَّثَنَا ابْنُ مَسْعُودٍ، أَخْبَرَنَا سَهْلُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ [[في أ: "عبد الله".]] الرَّازِّيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَخِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى [[في ت: "رواه الحافظ أبو القاسم الطبراني بإسناده".]] ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ: ﴿فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ﴾ الْآيَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "كُلُّهُمْ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ". [[المعجم الكبير (١/١٦٧) وقد وقع في إسناده سقط، ورواه البيهقي في البعث برقم (٦٤) من طريق محمد بن سعيد، عن عَمْرُو بْنُ أَبِي قَيْسٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ليلى، عن أخيه عيسى، عن أبيه، عن أسامة بن زيد، به، ورواه أيضا برقم (٦٣) من طريق حصين بن نمير عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَخِيهِ، عَنْ أبيه، عن أسامة بن زيد، بنحوه.]] الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ [[في ت: "رواه".]] ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَزيز، حَدَّثَنَا سَلَامَةُ، عَنْ عَقِيل، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَوْف [[في أ: "أنس".]] بْنُ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: "أُمَّتِي ثَلَاثَةُ أَثْلَاتٍ: فَثُلُثٌ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ، وَثُلُثٌ يُحَاسَبُونَ حِسَابًا يَسِيرًا ثُمَّ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، وَثُلُثٌ يُمَحَّصون وَيُكْشَفُونَ، ثُمَّ تَأْتِي الْمَلَائِكَةُ فَيَقُولُونَ: وَجَدْنَاهُمْ يَقُولُونَ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ". يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: صَدَقُوا، لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا، [[في س: "إلا الله".]] أَدْخِلُوهُمُ الْجَنَّةَ بِقَوْلِهِمْ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ" وَاحْمِلُوا خَطَايَاهُمْ عَلَى أَهْلِ النَّارِ، وَهِيَ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ [[في س: "ولتحملن".]] أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالا مَعَ أَثْقَالِهِمْ﴾ [الْعَنْكَبُوتِ: ١٣] ،وَتَصْدِيقُهَا فِي الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الْمَلَائِكَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ فَجَعَلَهُمْ ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ [[في ت، س: "أفواج".]] ، وَهُمْ أَصْنَافٌ كُلُّهُمْ، فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ، فَهَذَا الَّذِي يُكْشَفُ وَيُمَحَّصُ". غَرِيبٌ جِدًّا. [[ورواه الطبراني في المعجم الكبير (١٨/٨٠) من طريق محمد بن عزيز، به، وقال الهيثمي في المجمع (٧/٩٦) : "فيه سلامة بن روح وثقه ابن حبان، وضعفه جماعة، وبقية رجاله ثقات".]] أَثَرٌ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي ابْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا الْحَكِيمُ بْنُ بَشِيرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى، عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ شَقِيق أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ: هَذِهِ الْأُمَّةُ ثَلَاثَةُ أَثْلَاثٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: ثُلُثٌ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَثُلُثٌ يُحَاسَبُونَ حِسَابًا يَسِيرًا، وَثُلُثٌ يَجِيئُونَ بِذُنُوبٍ عِظَامٍ حَتَّى يَقُولَ: مَا هَؤُلَاءِ؟ -وَهُوَ أَعْلَمُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى-فَتَقُولُ الْمَلَائِكَةُ: هَؤُلَاءِ جَاءُوا بِذُنُوبٍ عِظَامٍ، إِلَّا أَنَّهُمْ لَمْ يُشْرِكُوا بِكَ فَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: أَدْخِلُوا هَؤُلَاءِ فِي سِعَةِ رَحْمَتِي: وَتَلَا عَبْدُ اللَّهِ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا [فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ] ﴾ [[زيادة من أ.]] الْآيَةَ. أَثَرٌ آخَرُ: قَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ، عَنِ الصَّلْتِ بْنِ دِينَارٍ أَبُو شُعيب [[في هـ، س: "دينار بن الأشعث"، وفي أ: "عن الأشعث"، والمثبت من مسند الطيالسي.]] ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ صُهْبَان الهُنَائي قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، عَنْ قَوْلِ الله: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ﴾ الْآيَةَ، فَقَالَتْ لِي: يَا بُنَيَّ، هَؤُلَاءِ فِي الْجَنَّةِ، أَمَّا السَّابِقُ بِالْخَيْرَاتِ فَمَنْ مَضَى عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ،، شَهِدَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالْحَيَاةِ وَالرِّزْقِ، وَأَمَّا الْمُقْتَصِدُ فَمَنِ اتَّبَعَ أَثَرَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ حَتَّى لَحِقَ بِهِ، وَأَمَّا الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ فَمِثْلِي وَمِثْلُكُمْ. قَالَ: فَجَعَلَتْ نَفْسَهَا مَعَنَا. [[مسند الطيالسي برقم (١٤٨٩) .]] وَهَذَا مِنْهَا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، مِنْ بَابِ الهَضْم وَالتَّوَاضُعِ، وَإِلَّا فَهِيَ مِنْ أَكْبَرِ السَّابِقَيْنِ بِالْخَيْرَاتِ؛ لِأَنَّ فَضْلَهَا عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، رَحِمَهُ اللَّهُ: قَالَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ﴾ قَالَ: هِيَ لِأَهْلِ بَدْوِنَا، وَمُقْتَصَدُنَا أَهْلُ حَضَرِنَا، وَسَابِقُنَا أَهْلُ الْجِهَادِ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. وَقَالَ عَوْف الْأَعْرَابِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا كَعْبُ الْأَحْبَارِ قَالَ: إِنَّ الظَّالِمَ لِنَفْسِهِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَالْمُقْتَصِدَ وَالسَّابِقَ بِالْخَيْرَاتِ كُلُّهُمْ فِي الْجَنَّةِ، أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ﴾ قَالَ: فَهَؤُلَاءِ أَهْلُ النَّارِ. [وَ] [[زيادة من ت.]] رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ عَوْفٍ، بِهِ. ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّة، أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ سَأَلَ كَعْبًا [[في ت: "ثم روي عن ابن عباس أنه سأل كعبا".]] عَنْ قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ قَالَ: تماسَّت مَنَاكِبُهُمْ ورَب كَعْبٍ [[في أ: "الكعبة".]] ، ثُمَّ أُعْطُوا الْفَضْلَ بِأَعْمَالِهِمْ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا الْحَكَمِ بْنِ بَشِيرٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعي فِي هَذِهِ الآية: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ الْآيَةَ، قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: أَمَّا مَا سَمِعْتُ مُنْذُ سِتِّينَ سَنَةً فَكُلُّهُمْ نَاجٍ. ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنْ [[في ت: "وعن".]] مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: إِنَّهَا أُمَّةٌ مَرْحُومَةٌ، الظَّالِمُ مَغْفُورٌ لَهُ، وَالْمُقْتَصِدُ فِي الْجِنَانِ عِنْدَ اللَّهِ، وَالسَّابِقُ بِالْخَيْرَاتِ فِي الدَّرَجَاتِ عِنْدَ اللَّهِ. وَرَوَاهُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ سَمِيع، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ، بِنَحْوِهِ. وَقَالَ أَبُو الْجَارُودِ: سَأَلْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ -يَعْنِي: الْبَاقِرَ-عَنْ قَوْلِهِ: ﴿فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ﴾ فَقَالَ: هُوَ الَّذِي خَلَطَ عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا. فَهَذَا مَا تَيَسَّرَ مِنْ إِيرَادِ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَذَا الْمَقَامِ. وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَإِنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ الْأَقْسَامِ الثَّلَاثَةِ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَالْعُلَمَاءُ أَغْبَطُ النَّاسِ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ، وَأَوْلَى النَّاسِ بِهَذِهِ الرَّحْمَةِ، فَإِنَّهُمْ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ رَجَاءِ بْنِ حَيْوَة [[في ت: "كما روى الإمام أحمد رحمه الله بإسناده".]] ، عَنْ قَيْسِ بْنِ كَثِيرٍ قَالَ: قَدِمَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ -وَهُوَ بِدِمَشْقَ-فَقَالَ: مَا أَقْدَمَكَ أيْ أَخِي؟ قَالَ: حَدِيثٌ بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَدِّثُ بِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. قَالَ أَمَا قَدِمْتَ لِتِجَارَةٍ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: أَمَا قَدِمْتَ لِحَاجَةٍ؟ قَالَ: لَا؟ قَالَ: أَمَا قَدِمْتَ إِلَّا فِي طَلَبِ هَذَا الْحَدِيثِ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ [[في س: "فيها".]] عِلْمًا، سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، [[في أ: "العلم رضا بما يصنع".]] وَإِنَّهُ لَيَسْتَغْفِرُ لِلْعَالَمِ مَنْ فِي السموات وَالْأَرْضِ حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ، وَفَضْلُ الْعَالَمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ. إِنَّ الْعُلَمَاءَ هُمْ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمِنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ". وَأَخْرَجَهُ [[في ت: "رواه".]] أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ كَثِيرِ بْنِ قَيْسٍ -وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: قَيْسُ بْنُ كَثِيرٍ-عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ [[المسند (٥/١٩٦) وسنن أبي داود برقم (٣٦٤١) وسنن الترمذي برقم (٢٦٨٢) وسنن ابن ماجه برقم (٢٢٣) .]] . وَقَدْ ذَكَرْنَا طُرُقَهُ وَاخْتِلَافَ الرُّوَاةِ فِيهِ فِي شَرْحِ "كِتَابِ الْعِلْمِ" مِنْ "صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ"، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ "سُورَةِ طه" حَدِيثُ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلْعُلَمَاءِ: إِنِّي لَمْ أَضَعْ عِلْمِي وَحُكْمِي فِيكُمْ إِلَّا وَأَنَا أُرِيدُ [أَنْ] [[زيادة من ت، س، أ.]] أَغْفِرَ لَكُمْ، عَلَى مَا كَانَ مِنْكُمْ، وَلَا أبالي". [[تقدم تخريج الحديث عند تفسير الآية (٢) من سورة طه.]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب