هَذِهِ هِيَ النَّفْخَةُ الثَّالِثَةُ [[في ت: "الثانية".]] ، وَهِيَ نَفْخَةُ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ لِلْقِيَامِ مِنَ الْأَجْدَاثِ وَالْقُبُورِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿فَإِذَا هُمْ مِنَ الأجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ﴾ والنَّسلان هُوَ: الْمَشْيُ السَّرِيعُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ﴾ [الْمَعَارِجِ: ٤٣] .
﴿قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا﴾ ؟ يَعْنُونَ: [مِنْ] [[زيادة من ت.]] قُبُورِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَعْتَقِدُونَ فِي الدَّارِ الدُّنْيَا أَنَّهُمْ لَا يُبْعَثُونَ مِنْهَا، فَلَمَّا عَايَنُوا مَا كَذَّبُوهُ فِي مَحْشَرِهِمْ ﴿قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا﴾ ، وَهَذَا لَا يَنْفِي عَذَابَهُمْ فِي قُبُورِهِمْ؛ لِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا بَعْدَهُ فِي الشِّدَّةِ كَالرُّقَادِ.
وَقَالَ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ: يَنَامُونَ نَوْمَةً قَبْلَ الْبَعْثِ.
قَالَ قَتَادَةُ: وَذَلِكَ بَيْنَ النَّفْخَتَيْنِ.
فَلِذَلِكَ يَقُولُونَ: ﴿مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا﴾ ، فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ أَجَابَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ -قَالَهُ غَيْرُ واحد من السَّلَفِ-: ﴿هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾ . وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنَّمَا يُجِيبُهُمْ بِذَلِكَ الْمَلَائِكَةُ.
وَلَا مُنَافَاةَ إِذِ الْجَمْعُ مُمْكِنٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ: الْجَمِيعُ مِنْ قَوْلِ الْكُفَّارِ: ﴿يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾ .
نَقَلَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَاخْتَارَ الْأَوَّلَ، وَهُوَ أَصَحُّ، [[في أ: "وهو صحيح".]] وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الصَّافَّاتِ: ﴿وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ [الصَّافَّاتِ:٢٠، ٢١] ، وَقَالَ [اللَّهُ] [[زيادة من أ.]] تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الرُّومِ:٥٥، ٥٦] .
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿إِنْ كَانَتْ إِلا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ﴾ ، كَقَوْلِهِ: ﴿فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ﴾ [النَّازِعَاتِ:١٣، ١٤] . وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ﴾ [النَّحْلِ: ٧٧] ، [[في ت: "وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر أو هو أقرب" وهو خطأ.]] وَقَالَ: ﴿يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا﴾ [الْإِسْرَاءِ: ٥٢] .
أَيْ: إِنَّمَا نَأْمُرُهُمْ أَمْرًا وَاحِدًا، فَإِذَا الْجَمِيعُ مُحْضِرُونَ، ﴿فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا﴾ أَيْ: مِنْ عَمَلِهَا، ﴿وَلا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾
{"ayahs_start":51,"ayahs":["وَنُفِخَ فِی ٱلصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ ٱلۡأَجۡدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ یَنسِلُونَ","قَالُوا۟ یَـٰوَیۡلَنَا مَنۢ بَعَثَنَا مِن مَّرۡقَدِنَاۜۗ هَـٰذَا مَا وَعَدَ ٱلرَّحۡمَـٰنُ وَصَدَقَ ٱلۡمُرۡسَلُونَ","إِن كَانَتۡ إِلَّا صَیۡحَةࣰ وَ ٰحِدَةࣰ فَإِذَا هُمۡ جَمِیعࣱ لَّدَیۡنَا مُحۡضَرُونَ","فَٱلۡیَوۡمَ لَا تُظۡلَمُ نَفۡسࣱ شَیۡـࣰٔا وَلَا تُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ"],"ayah":"وَنُفِخَ فِی ٱلصُّورِ فَإِذَا هُم مِّنَ ٱلۡأَجۡدَاثِ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ یَنسِلُونَ"}