الباحث القرآني

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنِ ابْنِ [[في أ: "بنى".]] آدَمَ أَنَّهُ كُلَّمَا طَالَ عُمْرُهُ رُدَّ إِلَى الضَّعْفِ بَعْدَ الْقُوَّةِ وَالْعَجْزِ بَعْدَ النَّشَاطِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾ [الرُّومِ: ٥٤] . وَقَالَ: ﴿وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا﴾ [الْحَجِّ: ٥] . وَالْمُرَادُ مِنْ هَذَا -وَاللَّهُ أَعْلَمُ-الإخبارُ عَنْ هَذِهِ الدَّارِ بِأَنَّهَا دَارُ زَوَالٍ وَانْتِقَالٍ، لَا دَارُ دَوَامٍ وَاسْتِقْرَارٍ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿أَفَلا يَعْقِلُونَ﴾ أَيْ: يَتَفَكَّرُونَ بِعُقُولِهِمْ فِي ابْتِدَاءِ خَلْقِهِمْ ثُمَّ صَيْرُورَتِهِمْ إِلَى [نَفْسِ] [[زيادة من أ.]] الشَّبيبَة، ثُمَّ إِلَى الشَّيْخُوخَةِ؛ لِيَعْلَمُوا أَنَّهُمْ خُلقوا لِدَارٍ أُخْرَى، لَا زَوَالَ لَهَا وَلَا انْتِقَالَ مِنْهَا، وَلَا مَحِيدَ عَنْهَا، وَهِيَ الدَّارُ الْآخِرَةُ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ﴾ : يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ ﷺ [[في أ: "صلوات الله وسلامه عليه.]] : أَنَّهُ مَا عَلَّمَهُ الشِّعْرَ، ﴿وَمَا يَنْبَغِي لَهُ﴾ أَيْ: وَمَا هُوَ فِي طَبْعِهِ، فَلَا يُحْسِنُهُ وَلَا يُحِبُّهُ، وَلَا تَقْتَضِيهِ جِبِلَّته؛ وَلِهَذَا وَرَدَ أَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، كَانَ لَا يَحْفَظُ بَيْتًا عَلَى وزنٍ مُنْتَظِمٍ، بَلْ إِنْ أَنْشَدَهُ زَحَّفه أَوْ لَمْ يُتِمَّهُ. وَقَالَ أَبُو زُرْعة الرَّازِّيُّ: حُدِّثت عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُجَالِدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَا وَلَد عَبْدُ الْمُطَّلِبِ ذَكَرًا وَلَا أُنْثَى إِلَّا يَقُولُ الشِّعر، إِلَّا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ. ذَكَرَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ "عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ" الَّذِي أَكَلَهُ السَّبُع بِالزَّرْقَاءِ. [[لم أجد ترجمته فيما بين يدي من تاريخ دمشق، ولا في المختصر لابن منظور.]] قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ [[في ت: "وروى ابن أبي حاتم بإسناده عن الحسن".]] -هُوَ الْبَصْرِيُّ-قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَتَمَثَّلُ بِهَذَا الْبَيْتِ: كَفَى بالإسْلام والشيْب للمرْء نَاهيًا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: كَفى الشَّيْبُ وَالْإِسْلَامُ لِلْمَرْءِ نَاهِيًا ... قَالَ أَبُو بَكْرٍ، أَوْ عُمَرُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، يَقُولُ اللَّهُ: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ﴾ [[ورواه ابن سعد في الطبقات (١/٣٨٢) من طريق عارم عن حماد بن زيد عن على بن زيد عن الحسن به مرسلاً.]] . وَهَكَذَا رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لِلْعَبَّاسِ بْنِ مِرْدَاسٍ السُّلَمِيِّ: "أَنْتَ الْقَائِلُ: أَتَجْعَلَ نَهبي ونَهْب العُبَيد بَيْنَ الْأَقْرَعِ وَعُيَيْنَةَ". فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ: "بَيْنَ عُيَيْنَةَ والأقرع" فقال: "الكل سواء". [[دلائل النبوة للبيهقي (٥/١٨١) .]] يَعْنِي: فِي الْمَعْنَى، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ. وَقَدْ ذَكَرَ السُّهَيْلِيُّ فِي "الرَّوْضِ الْأُنُفِ" لِهَذَا التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ الَّذِي وَقَعَ فِي كَلَامِهِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي هَذَا الْبَيْتِ مُنَاسِبَةً أَغْرَبَ فِيهَا، حَاصِلُهَا شَرَفُ الْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ عَلَى عُيَيْنَة بْنِ بَدْرٍ الْفَزَارِيِّ؛ لِأَنَّهُ ارْتَدَّ أَيَّامَ الصِّدِّيقِ، بِخِلَافِ ذَاكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَكَذَا رَوَى الْأُمَوِيُّ فِي مَغَازِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ جَعَلَ يَمْشِي بَيْنَ الْقَتْلَى يَوْمَ بَدْرٍ، وَهُوَ يَقُولُ: "نُفلق هَامًا..................................". فَيَقُولُ الصِّدِّيقُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مُتَمِّمًا لِلْبَيْتِ: ..... مِنْ رجَال أعزَّةٍ ... عَلَيْنَا وَهُم كَانُوا أعَقَّ وَأظلما ... وَهَذَا لِبَعْضِ شُعَرَاءِ الْعَرَبِ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ، وَهِيَ فِي الْحَمَاسَةِ. [[الحماسة لأبي تمام (١/١٠٧) .]] وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هُشَيْم، حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ، عَنِ [[في ت: "وروى الإمام أحمد بإسناده إلى".]] الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا اسْتَرَاثَ الْخَبَرَ، تَمَثَّلَ فِيهِ بِبَيْتِ طَرَفَة: ويَأْتِيكَ بالأخْبار مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي "الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ" مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، [[المسند (٦/٣١) والنسائي في السنن الكبرى برقم (١٠٨٣٤) .]] عَنْهَا. وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الْمِقْدَامِ بْنِ شُرَيْح بْنِ هَانِئٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، كَذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ [[في ت: "وقال".]] التِّرْمِذِيُّ. هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. [[سنن الترمذي برقم (٢٨٤٨) والنسائي في السنن الكبرى برقم (١٠٨٣٥) وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".]] وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أُسَامَةُ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ سِمَاك، عَنْ عِكْرِمَة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَتَمَثَّلُ مِنَ الْأَشْعَارِ: وَيَأتيكَ بالأخْبَار مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ ... ثُمَّ قَالَ: رَوَاهُ [[في س: "ورواه".]] غَيْرُ زَائِدَةَ، عَنْ سِمَاك، عَنْ عِكرمة، عَنْ عَائِشَةَ. [[رواه ابن سعد في الطبقات (١/٣٨٣) من طريق الْوَلِيدُ بْنُ أَبِي ثَوْرٍ عَنْ سِمَاكٍ عَنِ عكرمة قال: سئلت عائشة فذكره نحوه.]] وَهَذَا فِي شِعْرِ طَرَفَةَ بْنِ الْعَبْدِ، فِي مُعَلَّقَتِهِ الْمَشْهُورَةِ، وَهَذَا الْمَذْكُورُ [هُوَ عَجُزُ بَيْتٍ] [[زيادة من أ.]] مِنْهَا، أَوَّلُهُ: سَتُبْدي لكَ الأيامُ مَا كُنْتَ جَاهلا ... وَيَأتيك بالأخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ ... وَيَأتيكَ بالأخْبَار مَنْ لَمْ تَبِع لهُ ... بَتَاتا وَلَمْ تَضرب لَهُ وَقْتَ مَوْعِدِ [[انظر ديوان طَرَفَةَ بن العبد ص (٦٦) .]] وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ بن أحمد بن نُعَيْمٍ -وَكِيلُ الْمُتَّقِي بِبَغْدَادَ-حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هِلَالٍ النَّحْوِيُّ الضَّرِيرُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ [[في س: "حاشية بخط جمال الدين المزي هذا موضوع على ابن عيينة".]] ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: مَا جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْتَ شِعْرٍ قَطُّ، إِلَّا بَيْتًا وَاحِدًا. [[في أ: "واحدا فقال".]] تَفَاءلْ بِمَا تَهْوَى يَكُنْ فَلَقَلَّمَا ... يُقَالُ لِشَيْءٍ كَانَ إِلَّا تَحَقَّقَا [[السنن الكبرى للبيهقي (٧/٤٣) وقال: "لم أكتبه إلا بهذا الإسناد، وفيهم مَنْ يجهل حاله".]] سَأَلْتُ شَيْخَنَا الْحَافِظَ أَبَا الْحَجَّاجِ الْمِزِّيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: هُوَ مُنْكَرٌ. وَلَمْ يُعْرَفْ شَيْخُ الْحَاكِمِ، وَلَا الضَّرِيرُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبة عَنْ قَتَادَةَ: قِيلَ لِعَائِشَةَ: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَتَمَثَّلُ بِشَيْءٍ مِنَ الشِّعْرِ؟ قَالَتْ: كَانَ أبغضَ الْحَدِيثَ إِلَيْهِ، غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ يَتَمَثَّلُ بِبَيْتِ أَخِي بَنِي قَيْسٍ، فَيَجْعَلُ أَوَّلَهُ آخِرَهُ، وَآخِرَهُ أَوَّلَهُ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لَيْسَ هَكَذَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إني وَاللَّهِ مَا أَنَا بِشَاعِرٍ وَلَا يَنْبَغِي لِي". رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ جَرِيرٍ، وَهَذَا لَفْظُهُ. [[تفسير الطبرى (٢٣/١٩) .]] وَقَالَ مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ: بَلَغَنِي أَنَّ عَائِشَةَ سُئلت: هَلْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَتَمَثَّلُ بِشَيْءٍ مِنَ الشِّعْرِ؟ فَقَالَتْ: لَا إِلَّا بَيْتَ طَرَفَة: سَتُبْدي لكَ الأيامُ مَا كُنْتَ جَاهلا ... وَيَأْتيك بالأخبارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدِ ... فَجَعَلَ يَقُولُ: "مَن لَمْ تُزَوّد بِالْأَخْبَارِ". فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَيْسَ هَذَا هَكَذَا. فَقَالَ: "إِنِّي لَسْتُ بِشَاعِرٍ، وَلَا يَنْبَغِي لِي" [[رواه عبد الرزاق في تفسيره (٢/١١٧) عن معمر عن قتادة، به.]] وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، تَمَثَّلَ يَوْمَ حَفْرِ الْخَنْدَقِ بِأَبْيَاتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ، وَلَكِنْ تَبَعًا لِقَوْلِ أَصْحَابِهِ، فَإِنَّهُمْ يرتجزون وهم يحفرون، فيقولون: لاهُمَّ لوْلا أنت [[في ت: "لولا الله".]] مَا اهْتَدَيْنَا مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلا تَصَدَّقْنَا وَلا صَلَّيْنَا ... فَأَنزلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... وَثَبِّت الأقْدَامَ إنْ لاقَيْنَا ... إِنَّ الْأُلَى قَدْ بَغَوا عَليْنَا ... إذَا أرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا ... وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ بِقَوْلِهِ: "أَبَيْنَا" وَيَمُدُّهَا [[صحيح البخاري برقم (٧٢٣٦) وصحيح مسلم برقم (١٨٠٣) من حديث البراء بن عازب، رضي الله عنه.]] . وَقَدْ رُوِيَ هَذَا بِزِحَافٍ فِي الصَّحِيحِ أَيْضًا. وَكَذَلِكَ ثَبَتَ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَهُوَ رَاكِبٌ الْبَغْلَةَ، يُقدم بِهَا فِي نُحُورِ الْعَدُوِّ: أَنَا النَّبِيّ لَا كَذِبْ ... أنَا ابْنُ عُبْد المُطَّلِبْ [[صحيح البخاري برقم (٢٨٦٤) وصحيح مسلم برقم (١٧٧٦) .]] لَكِنْ قَالُوا: هَذَا وَقَعَ اتِّفَاقًا مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ لِوَزْنِ شِعْرٍ، بَلْ جَرَى عَلَى اللِّسَانِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ إِلَيْهِ. وَكَذَلِكَ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جُنْدَب بْنِ عَبْدِ اللَّهُ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في غار @ فَنَكِبت أُصْبُعُهُ، فَقَالَ: هَلْ أنْت إِلَّا إصْبَعٌ دَمِيت ... وَفِي سَبيل اللَّهِ مَا لَقِيت [[صحيح البخاري برقم (٢٨٠٢) وصحيح مسلم برقم (١٧٩٦) .]] وَسَيَأْتِي عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِلا اللَّمَمَ﴾ [النَّجْمِ: ٣٢] إِنْشَادُ [[في أ: "إنشاده".]] إنْ تَغْفر اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمَّا ... وَأيُّ عَبْدٍ لكَ مَا ألَمَّا ... وَكُلُّ هَذَا لَا يُنَافِي كَوْنَهُ ﷺ مَا عُلِّم شِعْرًا وَلَا يَنْبَغِي لَهُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِنَّمَا عَلَّمَهُ الْقُرْآنُ الْعَظِيمُ، الذِي ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ [فُصِّلَتْ: ٤٢] . وَلَيْسَ هُوَ [[في أ: "هذا".]] بِشِعْرٍ كَمَا زَعَمَهُ طَائِفَةٌ مِنْ جَهَلَةِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، وَلَا كِهَانَةٍ، وَلَا مُفْتَعِلٍ، وَلَا سِحْرٍ يُؤثر، كَمَا تَنَوَّعَتْ فِيهِ أَقْوَالُ الضُّلال [[في ت: "أقوال أهل الضلال".]] وَآرَاءُ الجُهَّال. وَقَدْ كَانَتْ سَجِيَّتُهُ ﷺ تَأْبَى صِنَاعَةَ الشِّعْرِ طَبْعًا وَشَرْعًا، كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَر، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا شُرَحْبِيلُ بْنُ يَزِيدَ المَعَافري، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ [[في أ: "عبد الله".]] بْنِ رَافِعٍ التَّنُوخِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ [[في ت: "كما رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو قال".]] : [سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ] [[زيادة من ت، س، وأبي داود.]] : مَا أُبَالِي مَا أُوتِيْتُ إِنْ أَنَا شَربت تِرْيَاقًا، أَوْ تَعَلَّقْتُ تَمِيمَةً، أَوْ قُلْتُ الشِّعْرَ مِنْ قِبَلِ نَفْسِي". تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ. [[سنن أبي داود برقم (٣٨٦٩) .]] وَقَالَ [[في ت: "وروى".]] الْإِمَامُ أَحْمَدُ، رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ الْأُسُودِ بْنِ شَيْبَانَ، عَنْ أَبِي نَوْفَلٍ قَالَ: سألتُ عَائِشَةَ: أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَتَسَامَعُ عِنْدَهُ الشِّعْرَ؟ فَقَالَتْ: كَانَ أَبْغَضَ الْحَدِيثِ إِلَيْهِ. وَقَالَ عَنْ عَائِشَةُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُعْجِبُهُ الْجَوَامِعُ مِنَ الدُّعَاءِ، وَيَدَعُ مَا بَيْنَ ذَلِكَ. [[المسند (٦/١٤٨) .]] وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: "لِأَنَّ يَمْتَلِئُ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا". تَفَرَّدَ بِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. [[سنن أبي داود برقم (٥٠٠٩) .]] وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا بُرَيْدٌ، حَدَّثَنَا قَزَعةُ بْنُ سُوَيْد الْبَاهِلِيُّ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ مَخْلَد، عَنْ أَبِي الْأَشْعَثِ، الصَّنْعَانِيِّ (ح) وَحَدَّثَنَا الْأَشْيَبُ فَقَالَ: عَنِ ابْنِ عَاصِمٍ، عَنْ [أَبِي] [[زيادة من ت، س، والمسند.]] الْأَشْعَثِ [[في ت: " وروى الإمام أحمد بإسناده".]] عَنْ شَدَّاد بْنِ أَوْسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَنْ قَرَضِ بَيْتَ شِعْرٍ بَعْدَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ [[في ت: "لم يقبل الله له".]] صلاة تلك الليلة". [[المسند (٤/١٢٥) .]] وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَمْ يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ. وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ نَظْمُهُ لَا إِنْشَادُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. عَلَى أَنَّ الشِّعْرَ فِيهِ مَا هُوَ مَشْرُوعٌ، وَهُوَ هِجَاءُ الْمُشْرِكِينَ الَّذِي كَانَ يَتَعَاطَاهُ شُعَرَاءُ الْإِسْلَامِ، كَحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ، وَكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحة، وَأَمْثَالِهِمْ وَأَضْرَابِهِمْ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ. وَمِنْهُ مَا فِيهِ حِكَمٌ وَمَوَاعِظُ وَآدَابٌ، كَمَا يُوجَدُ فِي شِعْرِ جَمَاعَةٍ مِنَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَمِنْهُمْ أُمَيَّةُ بْنُ أَبِي الصَّلْتِ الَّذِي قال فيه النبي الله ﷺ: "آمَنَ شِعْرُهُ وَكَفَرَ قَلْبُهُ". [[رواه ابن عبد البر في التمهيد (٤/٧) من طريق أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عنه.]] وَقَدْ أَنْشَدَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ مِنْهُ لِلنَّبِيِّ ﷺ مِائَةَ بَيْتٍ، يَقُولُ عَقِبَ كُلِّ بَيْتٍ: "هِيهِ". يَعْنِي يَسْتَطْعِمُهُ، فَيَزِيدُهُ مِنْ ذَلِكَ. [[رواه مسلم في صحيحه برقم (٢٢٥٥) من حديث الشريد، رضي الله عنه.]] وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أُبي بْنِ كَعْبٍ، وبُريدة بْنِ الحُصَيْب [[في أ: "الخصيف".]] ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِنَّ مِنَ الْبَيَانِ سِحْرًا، وَإِنَّ مِنَ الشِّعْرِ حِكَمًا" [[سنن أبي داود برقم (٥٠١٠ - ٥٠١٢) .]] . وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ﴾ يَعْنِي: مُحَمَّدًا ﷺ مَا عَلَّمَهُ اللَّهُ شِعْرًا، ﴿وَمَا يَنْبَغِي لَهُ﴾ أَيْ: وَمَا يَصْلُحُ لَهُ، ﴿إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ﴾ أَيْ: مَا هَذَا الَّذِي عَلَّمْنَاهُ، ﴿إِلا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ﴾ أَيْ: بَيِّنٌ وَاضِحٌ جَلِيٌّ لِمَنْ تَأْمَّلَهُ وَتَدَبَّرَهُ. وَلِهَذَا قَالَ: ﴿لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا﴾ أَيْ: لِيُنْذِرَ هَذَا الْقُرْآنُ الْبَيِّنُ كُلَّ حَيٍّ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، كَقَوْلِهِ: ﴿لأنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ [الْأَنْعَامِ: ١٩] ، وَقَالَ: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ﴾ [هُودٍ: ١٧] . وَإِنَّمَا يَنْتَفِعُ بِنِذَارَتِهِ مَنْ هُوَ حَيّ الْقَلْبِ، مُسْتَنِيرُ الْبَصِيرَةِ، كَمَا قَالَ قَتَادَةُ: حَيُّ الْقَلْبِ، حَيُّ الْبَصَرِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: يَعْنِي: عَاقِلًا ﴿وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ أَيْ: هُوَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِ، وَحُجَّةٌ عَلَى الكافر.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب