الباحث القرآني

يَقُولُ تَعَالَى مُخَاطِبًا لِلْمُشْرِكِينَ ﴿فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ. إِلا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ﴾ أَيْ: مَا يَنْقَادُ [[في أ: "منقاد".]] لِمَقَالِكُمْ وَمَا [[في س: "ولما".]] أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الضَّلَالَةِ وَالْعِبَادَةِ الْبَاطِلَةِ مَنْ هُوَ أَضَلُّ مِنْكُمْ مِمَّنْ ذُري لِلنَّارِ. ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾ [الْأَعْرَافِ:١٧٩] . فَهَذَا الضَّرْبُ مِنَ النَّاسِ هُوَ الَّذِي يَنْقَادُ لِدِينِ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ وَالضَّلَالَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ﴾ [الذَّارِيَاتِ:٨، ٩] أَيْ: إِنَّمَا يَضِلُّ بِهِ مَنْ هُوَ مَأْفُوكٌ وَمُبْطِلٌ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُنزها لِلْمَلَائِكَةِ مِمَّا نَسَبوا [[في أ: "نسبوهم".]] إِلَيْهِمْ مِنَ الْكُفْرِ بِهِمْ وَالْكَذِبِ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ بَنَاتُ اللَّهِ: ﴿وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ﴾ أَيْ: لَهُ مَوْضِعٌ مَخْصُوصٌ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَقَامَاتِ الْعِبَادَةِ [[في ت، س، أ: "العبادات".]] لَا يَتَجَاوَزُهُ وَلَا يَتَعَدَّاهُ [[في س: "لا تتجاوزه ولا نتعداه"]] . وَقَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَتِهِ لِمُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ بِسَنَدِهِ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْعَلَاءِ بْنِ سَعْدٍ [[في أ: "سعيد".]] ، عَنْ أَبِيهِ -وَكَانَ مِمَّنْ بَايَعَ يَوْمَ الْفَتْحِ-أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ يَوْمًا لِجُلَسَائِهِ: "أطَّت السَّمَاءُ وحُقّ لَهَا أَنْ تَئِطّ، لَيْسَ فِيهَا مَوْضِعَ قَدَم إِلَّا عَلَيْهِ مَلَكٌ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ". ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ﴾ [[تاريخ دمشق لابن عساكر (١٥/٢٧٧ "القسم المخطوط") .]] . وَقَالَ الضَّحَّاكُ فِي تَفْسِيرِهِ: ﴿وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ﴾ قَالَ: كَانَ مَسْرُوقٌ يَرْوي عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَا مِنَ السَّمَاءِ الدُّنْيَا مَوْضِعٌ إِلَّا عَلَيْهِ مَلَكٌ سَاجِدٌ أَوْ قَائِمٌ". فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ﴾ [[ورواه أبو الشيخ في العظمة برقم (٥٠٨) والمروزي في تعظيم قدر الصلاة برقم (٢٥٣) من طريق عبيد بن سليمان عن الضحاك به.]] . وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ مَسْرُوقٍ: عَنِ [[في ت: "وعن".]] ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ لَسَمَاءٍ مَا فِيهَا مَوْضِعُ شِبْرٍ إِلَّا عَلَيْهِ جَبْهَةُ مَلَكٍ أو قدماه، ثم قرأ عبد اللَّهِ: ﴿وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ﴾ وَكَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانُوا يُصَلُّون الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ جَمِيعًا، حَتَّى نَزَلَتْ: ﴿وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ﴾ ، فَتَقَدَّمَ الرجال وتأخر النساء. ﴿وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ﴾ أَيْ: نَقِفُ صُفُوفًا فِي الطَّاعَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿وَالصَّافَّاتِ صَفًّا﴾ . قَالَ ابْنُ جُرَيْج، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُغِيثٍ قَالَ: كَانُوا لَا يُصَفُّونَ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى نَزَلَتْ: ﴿وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ﴾ ، فَصُفُّوا. وَقَالَ أَبُو نَضْرَة: كَانَ عُمَرُ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ اسْتَقْبَلَ النَّاسَ بِوَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، اسْتَوُوا قِيَامًا، يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ هَدْيَ الْمَلَائِكَةِ، ثُمَّ يَقُولُ: ﴿وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ﴾ ، تَأَخَّرْ يَا فُلَانُ، تَقَدَّمْ يَا فُلَانُ، ثُمَّ يَتَقَدَّمُ فَيُكَبِّرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي، حَاتِمٍ وَابْنُ جَرِيرٍ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ حُذَيْفَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "فُضِّلنا عَلَى النَّاسِ بِثَلَاثٍ: جُعلت صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ، وَجُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ مَسْجِدًا، وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا" الْحَدِيثَ [[سبق تخريجه في أول السورة.]] . ﴿وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ﴾ أَيْ: نَصْطَفُّ فَنُسَبِّحُ الرَّبَّ وَنُمَجِّدُهُ وَنُقَدِّسُهُ وَنُنَزِّهُهُ عَنِ النَّقَائِصِ، فَنَحْنُ عَبِيدٌ لَهُ، فُقَرَاءُ إِلَيْهِ، خَاضِعُونَ لَدَيْهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ: ﴿وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ﴾ الْمَلَائِكَةُ، ﴿وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ﴾ الْمَلَائِكَةُ، ﴿وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ﴾ : الْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. وَقَالَ قَتَادَةُ: ﴿وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ﴾ ، يَعْنِي: الْمُصَلُّونَ، يَثْبُتُونَ [[في ت: "ينبئون".]] بِمَكَانِهِمْ مِنَ الْعِبَادَةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ. لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ. يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ. وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾ [الْأَنْبِيَاءِ:٢٦-٢٩] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ. لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الأوَّلِينَ. لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ﴾ أَيْ: قَدْ كَانُوا يَتَمَنَّوْنَ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ يَا مُحَمَّدُ لَوْ كَانَ عِنْدَهُمْ مَنْ يُذَكِّرُهُمْ بِأَمْرِ اللَّهِ، وَمَا كَانَ مَنْ أَمْرِ الْقُرُونِ الْأَوْلَى، وَيَأْتِيهِمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الأمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلا نُفُورًا﴾ [فَاطِرٍ:٤٢] ، وَقَالَ: ﴿أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنزلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ. أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنزلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يَصْدِفُونَ﴾ [الْأَنْعَامِ:١٥٦، ١٥٧] ؛ وَلِهَذَا قَالَ هَاهُنَا:: ﴿فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ ، وَعِيدٌ أَكِيدٌ وَتَهْدِيدٌ شَدِيدٌ، عَلَى كُفْرِهِمْ بِرَبِّهِمْ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-وَتَكْذِيبِهِمْ -رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب