الباحث القرآني

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا أَنَّهُ وَهَبَ لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ، أَيْ: نَبِيًّا كَمَا قَالَ: ﴿وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ﴾ أَيْ: فِي النُّبُوَّةِ وَإِلَّا فَقَدَ كَانَ لَهُ بَنُونَ غَيْرُهُ، فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ عِنْدَهُ مِائَةُ امْرَأَةٍ حَرَائِرَ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾ ثَنَاءٌ عَلَى سُلَيْمَانَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، بِأَنَّهُ كَثِيرُ الطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ وَالْإِنَابَةِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ [[في ت: "روى".]] ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ حَدَّثَنَا [[في ت: "بإسناده".]] مَكْحُولٌ قَالَ: لَمَّا وَهَبَ اللَّهُ لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ [[في ت، س: "عليهما".]] السَّلَامُ قَالَ لَهُ: يَا بُنَيَّ مَا أَحْسَنُ؟ قَالَ: سَكِينَةُ اللَّهِ وَإِيمَانٌ. قَالَ: فَمَا أَقْبَحُ؟ قَالَ: كَفْرٌ بَعْدَ إِيمَانٍ. قَالَ: فَمَا أَحْلَى؟ قَالَ: رَوْحُ اللَّهِ بَيْنَ عِبَادِهِ. قَالَ: فَمَا أَبْرَدُ؟ قَالَ: عَفْوُ اللَّهِ عَنِ النَّاسِ وَعَفْوُ النَّاسِ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ. قَالَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: فَأَنْتَ نَبِيٌّ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ﴾ أَيْ: إِذْ عُرِضَ عَلَى سُلَيْمَانَ فِي حَالِ مَمْلَكَتِهِ وَسُلْطَانِهِ الْخَيْلُ الصَّافِنَاتُ. قَالَ مُجَاهِدٌ: وَهِيَ الَّتِي تَقِفُ عَلَى ثَلَاثٍ وَطَرَفِ حَافِرِ الرَّابِعَةِ، وَالْجِيَادُ: السِّرَاعُ. وَكَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ. وَقَالَ [[في ت: "روى".]] ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُؤمَّل حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِيهِ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ﴾ قَالَ: كَانَتْ عِشْرِينَ فَرَسًا ذَاتَ أَجْنِحَةٍ. كَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ أَخْبَرَنِي إِسْرَائِيلُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ [[في ت: "بإسناده".]] عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ قَالَ: كَانَتِ الْخَيْلُ الَّتِي شَغَلَتْ سُلَيْمَانَ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عِشْرِينَ أَلْفَ فَرَسٍ، فَعَقَرَهَا وَهَذَا أَشْبَهُ [[في أ: "الأشبه".]] وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ [[في ت: "وروى".]] أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنِي عُمَارة بْنُ غَزيَّة: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ [[في ت: "بإسناده".]] عَنْ عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ -أَوْ خَيْبَرَ-وَفِي سَهْوَتِهَا سَتْرٌ فَهَبَّتِ الرِّيحُ فَكَشَفَتْ نَاحِيَةَ السَّتْرِ عَنْ بَنَاتٍ لِعَائِشَةَ -لُعَب-فَقَالَ: "مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ؟ " قَالَتْ: بَنَاتِي. وَرَأَى بَيْنَهُنَّ فَرَسًا لَهُ [[في أ: "لها".]] جَنَاحَانِ مِنْ رِقَاعٍ فَقَالَ: "مَا هَذَا [[في أ: "ما هذا يا عائشة".]] الَّذِي أَرَى وَسَطَهُنَّ؟ " قَالَتْ: فَرَسٌ. قَالَ: "وَمَا هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ؟ " قَالَتْ: جَنَاحَانِ قَالَ: "فَرَسٌ لَهُ جَنَاحَانِ؟! " قَالَتْ: أَمَا سَمِعْتَ أَنَّ لِسُلَيْمَانَ خَيْلٌ لَهَا أَجْنِحَةٌ؟ قَالَتْ: فَضَحِكَ حَتَّى رَأَيْتُ نَوَاجِذَهُ ﷺ [[سنن أبي داود برقم (٤٩٣٢) .]] * * * وَقَوْلُهُ: ﴿فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ﴾ [[في ت، س: "قال".]] ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَالْمُفَسِّرِينَ أَنَّهُ اشْتَغَلَ بِعَرْضِهَا حَتَّى فَاتَ وَقْتُ [[في ت، أ: "عن وقت".]] صَلَاةِ الْعَصْرِ وَالَّذِي يُقْطَعُ بِهِ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْهَا عَمْدًا بَلْ نِسْيَانًا كَمَا شُغِلَ النَّبِيُّ ﷺ يَوْمَ الْخَنْدَقِ عَنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى صَلَّاهَا بَعْدَ الْغُرُوبِ [[في أ: "المغرب".]] وَذَلِكَ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، مِنْ ذَلِكَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: جَاءَ عُمَرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ، وَيَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا" فَقَالَ: [[في ت: "قال".]] فَقُمْنَا إِلَى بُطْحَان فَتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ وَتَوَضَّأْنَا [[في ت: "فتوضأنا".]] لَهَا فَصَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ [[صحيح البخاري برقم (٤١١٢) وصحيح مسلم برقم (٦٣١) .]] وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ [[في أ: "ادعى هذا طائفة".]] سَائِغًا فِي مِلَّتِهِمْ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ لِعُذْرِ الْغَزْوِ وَالْقِتَالِ. وَالْخَيْلُ تُرَادُ لِلْقِتَالِ. وَقَدِ ادَّعَى طَائِفَةٌ [[في س، أ: "أنه قد كان".]] مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ هَذَا كَانَ مَشْرُوعًا فَنُسِخَ ذَلِكَ بِصَلَاةِ الْخَوْفِ وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ فِي حَالِ الْمُسَايَفَةِ وَالْمُضَايَقَةِ، حَيْثُ لَا يُمْكِنُ صَلَاةٌ وَلَا رُكُوعٌ وَلَا سُجُودٌ كَمَا فَعَلَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي فَتْحِ تُسْتَرَ، وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ مَكْحُولٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَالْأَوَّلُ أُقَرَبُ؛ لِأَنَّهُ قَالَ بَعْدَهَا: ﴿رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأعْنَاقِ﴾ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ. قَالَ: لَا وَاللَّهِ لَا تَشْغَلِينِي عَنْ عِبَادَةِ رَبِّي آخِرَ مَا [[في أ: "أحر ما".]] عَلَيْكِ. ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَعُقِرَتْ. وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: ضَرَبَ أَعْنَاقَهَا وَعَرَاقِيبَهَا بِالسُّيُوفِ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: جَعَلَ يَمْسَحُ أَعْرَافَ الْخَيْلِ، وَعَرَاقِيبُهَا حِبَالُهَا. وَهَذَا الْقَوْلُ اخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ قَالَ: لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيُعَذِّبَ حَيَوَانًا بِالْعَرْقَبَةِ وَيُهْلِكَ مَالًا مِنْ مَالِهِ بِلَا سَبَبٍ سِوَى أَنَّهُ اشْتَغَلَ عَنْ صِلَاتِهِ بِالنَّظَرِ إِلَيْهَا وَلَا ذَنْبَ لَهَا. وَهَذَا الَّذِي رَجَّحَ بِهِ ابْنُ جَرِيرٍ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي شَرْعِهِمْ جَوَازُ مِثْلِ هَذَا وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ غَضَبًا لله عز وجل بسبب أنه اشْتَغَلَ بِهَا حَتَّى خَرَجَ وَقْتُ الصَّلَاةِ؛ وَلِهَذَا لَمَّا خَرَجَ عَنْهَا لِلَّهِ تَعَالَى [[في ت، س: "عز وجل".]] عَوَّضَهُ اللَّهُ تَعَالَى مَا [[في ت، س: "بما".]] هُوَ خَيْرٌ مِنْهَا وَهِيَ [[في ت، س، أ: "وهو".]] الرِّيحُ الَّتِي تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ فَهَذَا أَسْرَعُ وَخَيْرٌ مِنَ الْخَيْلِ [[وهذا هو الصواب، وانظر كلام القرطبي في: الجامع لأحكام القرآن (١٥/١٩٥، ١٩٦) .]] وَقَالَ [[في ت: "وروى".]] الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ [[في ت: "وروى الإمام أحمد بإسناده".]] عَنْ أَبِي قَتَادَةَ وَأَبِي الدَّهْمَاءِ -وَكَانَا يُكْثِرَانِ السَّفَرَ نَحْوَ الْبَيْتِ-قَالَا أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، فَقَالَ الْبَدَوِيُّ: أَخَذَ بِيَدِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فجعل يُعَلِّمُنِي مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ: "إِنَّكَ لَا تَدَعُ شَيْئًا اتِّقَاءَ اللَّهِ [[في أ: "لله".]] -عَزَّ وَجَلَّ-إِلَّا أَعْطَاكَ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهُ" [[المسند (٥/٧٨) وقال الهيثمي في المجمع (١٠/٢٩٦) : "رجاله رجال الصحيح".]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب