الباحث القرآني

يُخْبِرُ تَعَالَى: أَنَّ أَصْلَ الْمَاءِ فِي الْأَرْضِ مِنَ السَّمَاءِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَأَنزلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ [الْفُرْقَانِ:٤٨] ، فَإِذَا أَنْزَلَ الْمَاءَ مِنَ السَّمَاءِ كَمَن فِي الْأَرْضِ، ثُمَّ يَصْرِفُهُ تَعَالَى فِي أَجْزَاءِ الْأَرْضِ كَمَا يَشَاءُ، ويُنِبُعه عُيُونًا مَا بَيْنَ صِغَارٍ وَكِبَارٍ، بِحَسْبِ الْحَاجَةِ إِلَيْهَا؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأرْضِ﴾ . قَالَ [[في ت: "روى".]] ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ عُتْبَةُ بْنُ يَقْظَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ [[في ت: "بسنده".]] ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأرْضِ﴾ ، قَالَ: لَيْسَ فِي الْأَرْضِ مَاءٌ إِلَّا نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، وَلَكِنْ عروق في الأرض تُغَيِّرُهُ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأرْضِ﴾ ، فمن سره أن يعود الملح عذاب فَلْيُصَعِّدْهُ. وَكَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَعَامِرٌ الشَّعْبِيُّ: أَنَّ كُلَّ مَاءٍ فِي الْأَرْضِ فَأَصْلُهُ مِنَ السَّمَاءِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَصْلُهُ مِنَ الثَّلْجِ يَعْنِي: أَنَّ الثَّلْجَ يَتَرَاكَمُ عَلَى الْجِبَالِ، فَيَسْكُنُ فِي قَرَارِهَا، فَتَنْبُعُ الْعُيُونُ مِنْ أَسَافِلِهَا. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ﴾ أَيْ: ثُمَّ يُخْرِجُ بِالْمَاءِ النَّازِلِ مِنَ السَّمَاءِ وَالنَّابِعِ مِنَ الْأَرْضِ زَرْعًا ﴿مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ﴾ أَيْ: أَشْكَالُهُ وَطُعُومُهُ وَرَوَائِحُهُ وَمَنَافِعُهُ، ﴿ثُمَّ يَهِيجُ﴾ أَيْ: بَعْدَ نَضَارَتِهِ وَشَبَابِهِ يَكْتَهِلُ [[في ت، أ: "يتكهل".]] ﴿فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا﴾ ، قَدْ خَالَطَهُ اليُبْس، ﴿ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا﴾ أَيْ: ثُمَّ يَعُودُ يَابِسًا يَتَحَطَّمُ، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لأولِي الألْبَابِ﴾ أَيِ: الَّذِينَ يَتَذَكَّرُونَ بِهَذَا فَيَعْتَبِرُونَ إِلَى أَنَّ الدُّنْيَا هَكَذَا، تَكُونُ خَضرةً نَضِرَةً حَسْنَاءَ، ثُمَّ تَعُودُ عَجُوزا شَوْهَاءَ، وَالشَّابُّ يَعُودُ شَيْخًا هَرِما كَبِيرًا ضَعِيفًا [قَدْ خَالَطَهُ الْيُبْسُ] [[زيادة من ت، أ.]] ، وَبَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ الْمَوْتُ. فَالسَّعِيدُ مَنْ كَانَ حَالُهُ بَعْدَهُ إِلَى خَيْرٍ، وَكَثِيرًا مَا يَضْرِبُ اللَّهُ تَعَالَى مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا بِمَا يُنَزِّلُ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ، وَيُنْبِتُ بِهِ زُرُوعًا وَثِمَارًا، ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ حُطاما، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا﴾ [الْكَهْفِ:٤٥] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ أَيْ: هَلْ يَسْتَوِي هَذَا وَمَنْ هُوَ قَاسِي الْقَلْبِ بِعِيدٌ مِنَ الْحَقِّ؟! كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾ [الْأَنْعَامِ:١٢٢] ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ أَيْ: فَلَا تَلِينُ عِنْدَ ذِكْرِهِ [[في ت، أ: "ذكر الله".]] ، وَلَا تَخْشَعُ وَلَا تَعِي وَلَا تَفْهَمُ، ﴿أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب