الباحث القرآني

قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتل، حَدَّثَنَا أسْبَاط بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الشَّيْباني عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -قَالَ الشَّيْبَانِيُّ: وَذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ السَّوَائي، وَلَا أظُنُّه ذَكَرَهُ إِلَّا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا﴾ قَالَ: كَانُوا إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ كَانَ أَوْلِيَاؤُهُ أَحَقُّ بِامْرَأَتِهِ، إِنْ شَاءَ بعضُهم تزوجها، وإن شاءوا زَوَّجُوها، وإن شاؤوا لَمْ يُزَوِّجوها، فَهُمْ أَحَقُّ بِهَا مِنْ أَهْلِهَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي ذَلِكَ. هَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَرْدُويه، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ -وَاسْمُهُ سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ-عَنْ عِكْرِمَةَ، وَعَنْ أَبِي الْحَسَنِ السُّوَائِيِّ وَاسْمُهُ عَطَاءٌ، كُوفِيٌّ أَعْمَى-كِلَاهُمَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمَا تَقَدَّمَ [[صحيح البخاري برقم (٤٥٧٩) وسنن أبي داود برقم (٦٠٨٩) وسنن النسائي الكبرى برقم (١١٠٩٤) .]] . وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ المَرْوزي، حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَين، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ﴿لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ [[في ر: "كما".]] يَرِثُ امْرَأَةَ ذِي قَرَابَتِهِ، فيَعْضلها حَتَّى تَمُوتَ أَوْ تَرُد إِلَيْهِ صَدَاقَهَا، فأحكَمَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ، أَيْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ. تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ [[سنن أبي داود برقم (٢٠٩٠) .]] وَقَدْ رَوَاهُ غَيْر وَاحِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِنَحْوِ [[في ر: "نحو".]] ذَلِكَ، فَقَالَ وَكِيع عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ بُذَيْمَةَ، عَنْ مِقْسم، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَتِ الْمَرْأَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا تُوفِّي عَنْهَا زَوْجُهَا فَجَاءَ رَجُلٌ فَأَلْقَى عَلَيْهَا ثَوْبًا، كَانَ أَحَقَّ بِهَا، فَنَزَلَتْ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا﴾ [[ورواه الطبري في التفسير (٨/١٠٨) من طريق ابن وكيع عن وكيع به إلا أنه أوقفه على مقسم.]] . وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا﴾ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا مَاتَ وَتَرَكَ جَارِيَةً، أَلْقَى [[في ر: "وألقى".]] عَلَيْهَا حَمِيمُهُ [[في أ: "خيمة".]] ثَوْبَهُ، فَمَنَعَهَا مِنَ النَّاسِ. فَإِنْ كَانَتْ جَمِيلَةً تَزَوَّجَهَا، وَإِنْ كَانَتْ دَميمة حبسها حتى تموت فيرثها. وَرَوَى [[في ر: "وقال".]] الْعَوْفِيُّ عَنْهُ: كَانَ الرَّجُلُ مَنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ إِذَا مَاتَ حميمُ أَحَدِهِمْ أَلْقَى ثَوْبَهُ عَلَى امْرَأَتِهِ، فَورِث نِكَاحَهَا وَلَمْ يَنْكِحْهَا أَحَدٌ غَيْرُهُ، وَحَبَسَهَا عِنْدَهُ حَتَّى تَفْتَدِيَ مِنْهُ بِفِدْيَةٍ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا﴾ وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ فِي الْآيَةِ [[في جـ، ر، أ: "في قوله".]] [ ﴿لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا﴾ ] [[زيادة من جـ، ر، أ.]] كَانَ أَهْلُ يَثْرِبَ إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَرِث امْرَأَتَهُ مَنْ يَرِثُ مَالَهُ، وَكَانَ يعضُلها حَتَّى يَرِثَهَا، أَوْ يُزَوِّجَهَا مَنْ أَرَادَ، وَكَانَ أَهْلُ تُهامة يُسِيء الرَّجُلُ صُحْبَةَ [[في جـ، أ: "صحبته".]] الْمَرْأَةِ حَتَّى يُطَلِّقَهَا، وَيَشْتَرِطَ عَلَيْهَا أَنْ لَا تَنْكِحَ إِلَّا مَنْ أَرَادَ حَتَّى تَفْتَدِيَ مِنْهُ بِبَعْضِ مَا أَعْطَاهَا، فَنَهَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ ذَلِكَ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدُويه: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إبراهيم، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُنْذِرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ يَحْيَى [[في أ: "محمد".]] بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو قَيْس بْنِ الْأَسْلَتِ أَرَادَ ابْنُهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَتَهُ، وَكَانَ لَهُمْ ذَلِكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا﴾ وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ، بِهِ. ثُمَّ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيج قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا إِذَا هَلَك الرَّجُلُ وَتَرَكَ امْرَأَةً، حَبَسَهَا أهلُه عَلَى الصَّبِيِّ يَكُونُ فِيهِمْ، فَنَزَلَتْ: ﴿لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا﴾ الْآيَةَ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا تُوُفي كَانَ ابْنُهُ أَحَقَّ بِامْرَأَتِهِ، يَنْكِحُهَا إِنْ شَاءَ، إِذَا لَمْ يَكُنِ ابْنَهَا، أَوْ يُنْكِحَهَا مَنْ شَاءَ أَخَاهُ أَوِ ابْنَ أَخِيهِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ عِكْرِمَةُ: نَزَلَتْ فِي كُبَيْشَةَ بِنْتِ مَعْن بْنِ عَاصِمِ بْنِ الْأَوْسِ، تُوُفِّيَ عَنْهَا أَبُو قيس ابن الْأَسْلَتِ، فجنَحَ عَلَيْهَا ابنُه، فَجَاءَتْ رسولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَا أَنَا وَرِثْتُ زَوْجِي، وَلَا أَنَا تُرِكْتُ فَأُنْكَحَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَقَالَ السُّدِّيُّ عَنْ أَبِي مَالِكٍ: كَانَتِ الْمَرْأَةُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا مَاتَ زَوْجُهَا، جَاءَ وَلَيُّهُ فَأَلْقَى عَلَيْهَا ثَوْبًا، فَإِنْ كَانَ لَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ أَوْ أَخٌ حَبَسَهَا حَتَّى يَشب [[في أ: "يشيب".]] أَوْ تَمُوتَ فَيَرِثَهَا، فَإِنْ هِيَ انْفَلَتَتْ فَأَتَتْ أَهْلَهَا، وَلَمْ يُلْقِ عَلَيْهَا ثَوْبًا نَجَتْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: [تَعَالَى] [[زيادة من ر.]] ﴿لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا﴾ وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي الْآيَةِ: كَانَ الرَّجُلُ يَكُونُ فِي حِجْرِهِ الْيَتِيمَةُ هُوَ يَلِي أَمْرَهَا، فَيَحْبِسَهَا رَجَاءَ أَنْ تَمُوتَ امْرَأَتُهُ، فَيَتَزَوَّجُهَا أَوْ يُزَوِّجُهَا ابْنَهُ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. ثُمَّ قَالَ: ورُوِيَ عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَأَبِي مِجْلَز، وَالضَّحَّاكِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، وَمُقَاتِلِ بْنِ حَيَّان -نحوُ ذلك. قُلْتُ: فَالْآيَةُ تَعُمُّ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَا ذَكَرَهُ مُجَاهِدٌ وَمَنْ وَافَقَهُ، وَكُلَّ مَا كَانَ فِيهِ نَوْعٌ مِنْ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ﴾ أَيْ: لَا تُضارّوهن فِي العِشرة لِتَتْرُكَ لَكَ مَا أَصْدَقْتَهَا أَوْ بَعْضَهُ أَوْ حَقًّا مِنْ حُقُوقِهَا عَلَيْكَ، أَوْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْقَهْرِ لَهَا وَالِاضْطِهَادِ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: ﴿وَلا تَعْضُلُوهُنَّ﴾ يَقُولُ: وَلَا تَقْهَرُوهُنَّ ﴿لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ﴾ يَعْنِي: الرَّجُلُ تَكُونُ لَهُ امْرَأَةٌ [[في جـ، ر، أ: "يكون له المرأة".]] وَهُوَ كَارِهٌ لِصُحْبَتِهَا، وَلَهَا عَلَيْهِ مَهرٌ فيَضرها [[في أ: "فيضربها".]] لِتَفْتَدِيَ. وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ، وَقَتَادَةُ [وَغَيْرُ وَاحِدٍ] [[زيادة من جـ، أ.]] وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ. وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي سِمَاك بْنُ الْفَضْلِ، عَنِ ابْنِ البَيْلمَاني [[في ر، أ: "السلماني".]] قَالَ: نَزَلَتْ هَاتَانِ الْآيَتَانِ إِحْدَاهُمَا فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَالْأُخْرَى فِي أمرالإسلام. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: يَعْنِي قَوْلَهُ: ﴿لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا﴾ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ﴿وَلا تَعْضُلُوهُنَّ﴾ فِي الْإِسْلَامِ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدُ بْنُ المُسَيَّب، والشَّعْبِيُّ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَمُجَاهِدٌ، وعِكْرَمَة، وعَطاء الْخُرَاسَانِيُّ، والضَّحَّاك، وَأَبُو قِلابةَ، وَأَبُو صَالِحٍ، والسُّدِّي، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي هِلَالٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ الزِّنَا، يَعْنِي: إِذَا زَنَتْ فَلَكَ أَنْ تَسْتَرْجِعَ مِنْهَا الصَّدَاقَ الَّذِي أَعْطَيْتَهَا وتُضَاجرهَا حَتَّى تَتْرُكَهُ لَكَ وَتُخَالِعَهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: ﴿وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ [فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ] [[زيادة من ر، أ.]] ﴾ الْآيَةَ [الْبَقَرَةِ:٢٢٩] . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةُ، وَالضَّحَّاكُ: الْفَاحِشَةُ الْمُبَيِّنَةُ: النُّشوز والعِصْيان. وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ أنَّه يَعُم ذَلِكَ كلَّه: الزِّنَا، وَالْعِصْيَانَ، وَالنُّشُوزَ، وبَذاء اللِّسَانِ، وَغَيْرَ ذَلِكَ. يَعْنِي: أَنَّ هَذَا كُلَّهُ يُبيح مُضَاجَرَتَهَا حَتَّى تُبْرئه مِنْ حَقِّهَا أَوْ بَعْضِهِ وَيُفَارِقَهَا، وَهَذَا جَيِّدٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مُنْفَرِدًا بِهِ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ النَّحْوِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا] [[زيادة من أ.]] فِي قَوْلِهِ: ﴿لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ﴾ قَالَ: وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَرِثُ امْرَأَةَ ذِي قَرَابَتِهِ، فيعضُلها حَتَّى تَمُوتَ أَوْ تَرُدَّ إِلَيْهِ صَدَاقَهَا، فَأَحْكَمَ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ، أَيْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ. قَالَ [[في جـ، ر، أ: ك "وهكذا قال".]] عِكْرِمَةُ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ السِّيَاقُ كُلُّهُ كَانَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ، وَلَكِنْ نُهِيَ الْمُسْلِمُونَ عَنْ فِعْلِهِ فِي الْإِسْلَامِ. قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ: كَانَ العَضْل فِي قُرَيْشٍ بِمَكَّةَ، ينكحُ الرجلُ الْمَرْأَةَ الشَّرِيفَةَ فَلَعَلَّهَا لَا تُوَافِقُهُ، فَيُفَارِقَهَا عَلَى أَنْ [[في جـ، أ: "أنه".]] لَا تُزوّج [[في أ: "تتزوج".]] إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَيَأْتِي بِالشُّهُودِ فَيَكْتُبُ ذَلِكَ عَلَيْهَا وَيُشْهِدُ، فَإِذَا خَطَبَهَا الْخَاطِبُ فَإِنْ أَعْطَتْهُ وَأَرْضَتْهُ أَذِنَ [[في ر: "فأذن".]] لَهَا، وَإِلَّا عَضلها. قَالَ: فَهَذَا قوله: ﴿وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ﴾ الْآيَةَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ﴾ هُوَ كَالْعَضْلِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ أَيْ: طيِّبُوا أَقْوَالَكُمْ لَهُنَّ، وحَسّنُوا أَفْعَالَكُمْ وَهَيْئَاتِكُمْ بِحَسَبِ قُدْرَتِكُمْ، كَمَا تُحِبُّ ذَلِكَ مِنْهَا، فَافْعَلْ أَنْتَ بِهَا مِثْلَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [الْبَقَرَةِ:٢٢٨] وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُم لأهْلي" [[جاء من حديث ابن عباس: رواه ابن ماجة في السنن برقم (١٩٧٧) وابن حبان في صحيحه برقم (١٣١٥) "موارد" من طريق جَعْفَرِ بْنِ يَحْيَى بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ عَمِّهِ عُمَارَةَ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عباس. وقال البوصيري في الزوائد (٢/١١٧) : "هذا إسناد ضعيف، عمارة بن ثوبان ذكره ابن حبان في الثقات، وقال عبد الحق: ليس بالقوى، فرد ذلك عليه ابن القطان، وجعفر بن يحيى. قال ابن المديني: شيخ مجهول، وقال ابن القطان الفاسي: مجهول الحال، وذكره ابن حبان في الثقات. وجاء من حديث عائشة: رواه الترمذي في السنن برقم (٣٨٩٢) وابن حبان في صحيحه برقم (١٣١٢) من طريق سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عائشة. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ"، من حديث الثوري، ما أقل من رواه عن الثوري.]] وَكَانَ مِنْ أَخْلَاقِهِ ﷺ أَنَّهُ جَمِيل العِشْرَة دَائِمُ البِشْرِ، يُداعِبُ أهلَه، ويَتَلَطَّفُ بِهِمْ، ويُوسِّعُهُم نَفَقَته، ويُضاحِك نساءَه، حَتَّى إِنَّهُ كَانَ يُسَابِقُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ يَتَوَدَّدُ إِلَيْهَا بِذَلِكَ. قَالَتْ: سَابَقَنِي رسولُ اللَّهِ ﷺ فَسَبَقْتُهُ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ أحملَ اللَّحْمَ، ثُمَّ سَابَقْتُهُ بَعْدَ مَا حملتُ اللحمَ فَسَبَقَنِي، فَقَالَ: "هذِهِ بتلْك" [[رواه النسائي في السنن الكبرى برقم (٨٩٤٢) وابن ماجة في السنن برقم (١٩٧٩) من طريق سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عائشة به.]] وَيَجْتَمِعُ نِسَاؤُهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي بَيْتِ الَّتِي يَبِيتُ عِنْدَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَيَأْكُلُ مَعَهُنَّ الْعَشَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ، ثُمَّ تَنْصَرِفُ كُلُّ وَاحِدَةٍ إِلَى مَنْزِلِهَا. وَكَانَ يَنَامُ مَعَ الْمَرْأَةِ مِنْ نِسَائِهِ فِي شِعَارٍ وَاحِدٍ، يَضَعُ عَنْ كَتِفَيْه الرِّداء وَيَنَامُ بِالْإِزَارِ، وَكَانَ إِذَا صَلَّى الْعِشَاءَ يَدْخُلُ [[في ر، أ: "فدخل".]] مَنْزِلَهُ يَسْمُر مَعَ أَهْلِهِ قَلِيلًا قَبْلَ أَنْ يَنَامَ، يُؤانسهم بِذَلِكَ ﷺ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الْأَحْزَابِ: ٢١] . وَأَحْكَامُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِتَفْصِيلِ ذَلِكَ مَوْضِعُهُ كِتَابُ "الْأَحْكَامِ"، ولله الحمد. * * * وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا [وَيَجْعَلُ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا] [[زيادة من جـ، ر، أ.]] ﴾ أَيْ: فعَسَى أَنْ يَكُونَ صَبْرُكُمْ مَعَ [[في أ: "على".]] إِمْسَاكِكُمْ لَهُنَّ وَكَرَاهَتِهِنَّ فِيهِ، خَيْرٌ كَثِيرٌ لَكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: هُوَ أَنْ يَعْطف عَلَيْهَا، فيرزقَ مِنْهَا وَلَدًا. وَيَكُونُ فِي ذَلِكَ الْوَلَدِ خَيْرٌ كَثِيرٌ [[في ر: "كبير".]] وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "لَا يَفْرَك مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ سَخِطَ مِنْهَا خُلُقا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ" [[رواه مسلم في صحيحه برقم (١٤٦٩) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ أَيْ: إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُفَارِقَ امْرَأَةً وَيَسْتَبْدِلَ مَكَانَهَا غَيْرَهَا، فَلَا يَأْخُذَنَّ مِمَّا كَانَ أَصْدَقَ الْأُولَى شَيْئًا، وَلَوْ كَانَ قِنْطَارًا مِنْ مَالٍ. وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ الْكَلَامَ عَلَى الْقِنْطَارِ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ عَنْ إِعَادَتِهِ هَاهُنَا. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ الْإِصْدَاقِ بِالْمَالِ الْجَزِيلِ، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ نَهَى عَنْ كَثْرَةِ الْإِصْدَاقِ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ [[في أ: "مسهر".]] بْنُ عَلْقَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرين، قَالَ: نُبِّئْت عَنْ أَبِي العَجْفَاء السُّلميِّ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: أَلَا لَا تُغْلُوا فِي صَداق [[في جـ، ر، أ: "صدق".]] النِّسَاءِ، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا أَوْ تَقْوَى عِنْدَ اللَّهِ كَانَ أَوْلَاكُمْ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ، مَا أصْدَقَ رسولُ اللَّهِ ﷺ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ، وَلَا أُصدِقَت امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّة، وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ ليُبْتَلَى بصَدُقَةِ امْرَأَتِهِ حَتَّى يَكُونَ لَهَا عَدَاوَةٌ فِي نَفْسِهِ، وَحَتَّى يَقُولَ: كَلِفْتُ إِلَيْكِ عَلَق القِرْبة، ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَهْلُ السُّنَنِ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي الْعَجْفَاءِ -وَاسْمُهُ هَرِمُ ابن مُسَيب الْبَصْرِيُّ-وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ [[المسند (١/٤٠) ورواه أبو داود في السنن برقم (٢١٠٦) والترمذي في السنن برقم (١١١٤) والنسائي في السنن (٦/١١٧) وابن ماجة: في السنن برقم (١٨٨٧) .]] . طَرِيقٌ أُخْرَى عَنْ عُمَرَ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنِ الْمُجَالِدِ [[في جـ: "مجالد".]] بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: رَكِبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مِنْبَرَ رَسُولِ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، مَا إِكْثَارُكُمْ فِي صُدُق النِّسَاءِ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وأصحابه وإنماالصدقات فِيمَا بَيْنَهُمْ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ فَمَا دُونَ ذَلِكَ. وَلَوْ كَانَ الْإِكْثَارُ فِي ذَلِكَ تَقْوًى عِنْدَ اللَّهِ أَوْ كَرَامَةً [[في جـ، ر، أ: "أو مكرمة".]] لَمْ تَسْبِقُوهُمْ إِلَيْهَا. فَلا أعرفَنَّ مَا زَادَ رَجُلٌ فِي صَدَاقِ امْرَأَةٍ عَلَى أَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ قَالَ: ثُمَّ نَزَلَ فَاعْتَرَضَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَتْ: [[في جـ، أ. "فقالت له".]] يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، نَهَيْتَ النَّاسَ أَنْ يَزِيدُوا النِّسَاءَ صَدَاقَهُمْ [[في جـ، ر، أ: "في صدقاتهن".]] عَلَى أَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَتْ: أَمَا سَمِعْتَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ [[في جـ، أ: "ما قال الله".]] فِي الْقُرْآنِ؟ قَالَ: وَأَيُّ ذَلِكَ؟ فَقَالَتْ: أَمَا سَمِعْتَ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا [فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا] [[زيادة من جـ، ر، وفي هـ: "الآية".]] ﴾ [النساء: ٢٠] قال: فقال: اللَّهُمَّ غَفْرًا، كُلُّ النَّاسِ أَفْقَهُ مِنْ عُمَرَ. ثُمَّ [[في أ: "قال: ثم".]] رَجَعَ فَرَكِبَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ: إِنِّي [[في جـ، أ: "أيها الناس، إني".]] كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ أَنْ تَزِيدُوا النِّسَاءَ فِي صَدَاقِهِنَّ [[في جـ، أ: "في صدقهن" وفي ر: "صدقاتهن".]] عَلَى أَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَمَنْ شَاءَ أَنْ يُعْطِيَ مِنْ مَالِهِ مَا أَحَبَّ. قَالَ أَبُو يَعْلَى: وَأَظُنُّهُ قَالَ: فَمَنْ طَابَتْ نَفْسُهُ فَلْيَفْعَلْ. إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ قَوِيٌّ [[ورواه سعيد بن منصور في السنن برقم (٥٩٨) "الأعظمي" ومن طريقه البيهقي في السنن الكبرى (٧/٢٣٣) فقال: أخبرنا هيثم أخبرنا مجالد عن الشعبي قال: خطب عمر رضي الله عنه الناس فذكر بنحوه. انظر: إرواء الغليل (٦/٣٤٨) للشيخ ناصر الألباني فقد بين ضعف هذه الرواية ومخالفتها لما في السنن.]] . طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ رَبِيعٍ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَا تُغَالُوا فِي مُهُورِ [[في أ: "مهر".]] النِّسَاءِ. فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: لَيْسَ ذَلِكَ لَكَ يَا عُمَرُ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: "وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا مِنْ ذَهَبٍ". قَالَ: وَكَذَلِكَ هِيَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: "فَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا" فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ امْرَأَةً خَاصَمَتْ عُمَرَ فَخَصَمَتْهُ [[رواه عبد الرزاق في المصنف برقم (١٠٤٢٠) من طريق قيس بن الربيع به. قال الشيخ ناصر الألباني في إرواء الغليل (١/٣٤٨) : "إسناد ضعيف فيه علتان: الأولى: الانقطاع، فإن أبا عبد الرحمن السلمي، واسمه عبد الله بن حبيب بن ربيعة، لم يسمع من عمر كما قال ابن معين. الأخرى: سوء حفظ قيس بن الربيع".]] . طَرِيقٌ أُخْرَى: عَنْ عُمَرَ فِيهَا انْقِطَاعٌ: قَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ حَدَّثَنِي عَمِّي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ جَدِّي قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَا تَزِيدُوا فِي مُهُورِ [[في أ: "لا يزيد في مهر".]] النِّسَاءِ وَإِنْ كَانَتْ بِنْتُ ذي الغُصّة -يعني يزيد ابن الْحُصَيْنِ الْحَارِثِيَّ -فَمَنْ زَادَ أَلْقَيْتُ الزِّيَادَةَ فِي بَيْتِ الْمَالِ. فَقَالَتِ امْرَأَةٌ-مِنْ صُفَّة النِّسَاءِ طَوِيلَةٌ، فِي أَنْفِهَا فَطَس -: مَا ذَاكَ لَكَ. قَالَ: وَلِمَ؟ قَالَتْ: لِأَنَّ اللَّهَ [تَعَالَى] [[زيادة من جـ، أ.]] قَالَ: ﴿وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا﴾ الْآيَةَ. فَقَالَ عُمَرُ: امْرَأَةٌ أَصَابَتْ [[في ر: "صابت".]] وَرَجُلٌ أَخْطَأَ [[ذكره السيوطي في الدر (٢/٤٦٦) ونسبه للزبير في الموفقيات. قال الحافظ ابن كثير في مسند عمر بن الخطاب (٢/٥٧٣) : "فيه انقطاع".]] . وَلِهَذَا قَالَ [اللَّهُ] [[زيادة من أ.]] مُنْكِرًا: ﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ﴾ أَيْ: وَكَيْفَ تَأْخُذُونَ الصَّدَاقَ مِنَ الْمَرْأَةِ وَقَدْ أَفْضَيْتَ إِلَيْهَا وأفضَتْ إِلَيْكَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَالسُّدِّيُّ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ: يَعْنِي بِذَلِكَ الْجِمَاعَ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ لِلْمُتَلَاعِنَيْنِ بَعْدَ فَرَاغِهِمَا مِنْ تَلَاعُنِهِمَا: "اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ. فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ" ثَلَاثًا. فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَالِي -يَعْنِي: مَا أُصْدِقُهَا [[في أ: "ما أصدقتها".]] -قَالَ: "لَا مَالَ لَكَ إِنْ كُنْتَ صدَقْت عَلَيْهَا فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عَلَيْهَا فَهُوَ أَبْعَدُ لَكَ مِنْهَا [[صحيح البخاري برقم (٥٣١٢) وصحيح مسلم برقم (١٤٩٣) من حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عنه.]] . وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِ عَنْ بَصْرَةَ بْنِ أَكْتَمَ [[في جـ، ر، أ: "بصرة بن أبي بصرة".]] أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِكْرًا فِي خِدْرِهَا، فَإِذَا هِيَ حَامِلٌ [[في جـ، أ: "حبلى".]] مِنَ الزِّنَا، فَأَتَى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذَلِكَ لَهُ. فَقَضَى لَهَا بِالصَّدَاقِ وفرَق بَيْنَهُمَا، وَأَمَرَ بِجَلْدِهَا، وَقَالَ: "الْوَلَدُ عَبْدٌ لَكَ" [[سنن أبي داود برقم (٢١٣١) .]] . فَالصَّدَاقُ فِي مُقَابَلَةِ البُضْع، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ﴾ * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ العَقْد. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَخَذْنَ مِنْكُم مِّيثَاقًا [غَلِيظًا] [[زيادة من جـ، ر، أ.]] ﴾ قَالَ: قَوْلُهُ: إِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَرُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ، وَمُجَاهِدٍ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وَالْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، وَيَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، وَالضَّحَّاكِ وَالسُّدِّيِّ-نَحْوُ ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ فِي الْآيَةِ [[في جـ، ر، أ: "وأخذن منكم ميثاقا غليظا".]] هُوَ قَوْلُهُ: أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، فَإِنَّ "كَلِمَةَ اللَّهِ" هِيَ التَّشَهُّدُ فِي الْخُطْبَةِ. قَالَ: وَكَانَ فِيمَا أَعْطَى النَّبِيُّ ﷺ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ قَالَ لَهُ: جَعَلْتُ أُمَّتَكَ لَا تَجُوزُ لَهُمْ خُطبة حَتَّى يَشْهَدُوا أَنَّكَ عَبْدِي وَرَسُولِي. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ جَابِرٍ فِي خُطبة حِجة الْوَدَاعِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ فِيهَا: "وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُروجهن بِكَلِمَة اللَّهِ" [[صحيح مسلم برقم (١٢١٨) .]] . * * * وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [إِلا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلا] [[زيادة من جـ، ر، أ، وفي هـ: "الآية".]] ﴾ يُحَرم تَعَالَى زَوْجَاتِ الْآبَاءِ تَكْرِمَةً لهم، وإعذظامًا وَاحْتِرَامًا أَنْ تُوطَأَ مِنْ بَعْدِهِ، حَتَّى إِنَّهَا لَتَحْرُمُ عَلَى الِابْنِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا، وَهَذَا أَمْرٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ أَشْعَثَ بْنِ سَوَّار، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو قَيْس -يَعْنِي ابْنَ الْأَسْلَتِ-وَكَانَ مِنْ صَالِحِي الْأَنْصَارِ، فَخَطَبَ ابنَه قَيْسٌ امْرَأَتَهُ، فَقَالَتْ: إِنَّمَا أعُدُّكَّ وَلَدًا وَأَنْتَ مِنْ صَالِحِي قَوْمِكَ، وَلَكِنْ آتِي [[في أ: "أتيت".]] رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَأَسْتَأْمِرُهُ. فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فقالت: إِنَّ أَبَا قَيْسٍ تُوفِّي. فَقَالَ: "خَيْرًا". ثُمَّ قَالَتْ: إِنَّ ابْنَهُ قَيْسًا خَطَبَنِي وَهُوَ مِنْ صَالِحِي قَوْمِهِ. وَإِنَّمَا كُنْتُ أَعُدُّهُ وَلَدًا، فَمَا تَرَى؟ فَقَالَ [[في جـ، ر، أ، "قال".]] لَهَا: "ارْجِعِي إِلَى بَيْتِكِ". قَالَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ﴿وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [إِلا مَا قَدْ سَلَفَ] [[زيادة من ج، ر، أ.]] ﴾ الآية. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، حَدَّثَنَا، حُسَيْنٌ، حَدَّثَنَا حَجَّاج، عَنِ ابْنِ جُرَيْج، عَنْ عِكْرمة فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [الْآيَةَ] [[زيادة من أ.]] قال: نزلت في أبي قيس ابن الْأَسْلَتِ، خُلِّفَ عَلَى أُمِّ عُبَيْدِ [[في أ: "عبد".]] اللَّهِ بِنْتِ صَخْرٍ [[في جـ، ر، أ: "ضمرة".]] وَكَانَتْ تَحْتَ الْأَسْلَتِ أَبِيهِ، وَفِي الْأَسْوَدِ بْنِ خَلَفَ، وَكَانَ خَلَفَ عَلَى ابْنَةِ أَبِي طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ العُزّى بْنِ عُثمان بْنِ عَبْدِ الدَّارِ، وَكَانَتْ عِنْدَ أَبِيهِ خَلَف، وَفِي فاخِتَة ابْنَةِ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدٍ، كَانَتْ عِنْدَ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَف، فخُلِّف عَلَيْهَا صفوان ابن أُمَيَّةَ [[تفسير الطبري (٨/١٣٣) .]] . وَقَدْ زَعَمَ السُّهيلي أَنَّ نِكَاحَ نِسَاءِ الْآبَاءِ كَانَ مَعْمُولًا بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿إِلا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ كَمَا قَالَ ﴿وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأخْتَيْنِ إِلا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ قَالَ: وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ كِنَانة بْنُ خُزَيْمَةَ، تَزَوَّجَ بِامْرَأَةِ أَبِيهِ، فَأَوْلَدَهَا ابْنَهُ النضْر بْنَ كِنَانَةَ قَالَ: وَقَدْ قَالَ ﷺ: "وُلِدتُ مِنْ نِكاحٍ لَا مِنْ سِفَاحٍ". قَالَ: فَدَلَّ عَلَى أنَّه كَانَ سَائِغًا لَهُمْ ذَلِكَ، فَإِنْ أَرَادَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عِنْدَهُمْ يَعُدُّونَهُ نِكَاحًا فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُخَرَّمِيُّ [[في أ: "المحرمي".]] حَدَّثَنَا قُرَاد، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عُمَرَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُحَرِّمون مَا حَرَّمَ اللَّهُ، إِلَّا امْرَأَةَ الْأَبِ وَالْجَمْعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ﴾ ﴿وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأخْتَيْنِ﴾ وَهَكَذَا قَالَ عَطَاءٌ وَقَتَادَةُ. وَلَكِنْ فِيمَا نَقَلَهُ السُّهَيْلِيُّ مِنْ قِصَّةِ كِنَانَةَ نَظَرٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَهُوَ حَرَامٌ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ، مُبَشَّع غَايَةَ التَّبَشُّعِ [[في ر: "التبشيع".]] وَلِهَذَا قَالَ: ﴿إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلا﴾ وَلِهَذَا قَالَ [[في جـ، ر، أ: "وقد قال".]] [تَعَالَى] [[زيادة من ر.]] ﴿وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ [الْأَنْعَامِ:١٥١] وَقَالَ ﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا﴾ [الْإِسْرَاءِ:٣٢] فَزَادَ هَاهُنَا: ﴿وَمَقْتًا﴾ أَيْ: بُغْضًا، أَيْ هُوَ أَمْرٌ كَبِيرٌ فِي نَفْسِهِ، وَيُؤَدِّي إِلَى مَقْتِ الِابْنِ أَبَاهُ بَعْدَ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِامْرَأَتِهِ، فَإِنَّ الْغَالِبَ أَنَّ مَنْ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ يُبْغِضُ مَنْ كَانَ زَوْجَهَا قَبْلَهُ؛ وَلِهَذَا حُرِّمَتْ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْأُمَّةِ؛ لِأَنَّهُنَّ أُمَّهَاتٌ، لِكَوْنِهِنَّ زَوْجَاتِ النَّبِيِّ ﷺ، وَهُوَ كَالْأَبِ [لِلْأُمَّةِ] [[زيادة من أ.]] بَلْ حَقُّهُ أَعْظَمُ مِنْ حَقِّ الْآبَاءِ بِالْإِجْمَاعِ، بَلْ حُبُّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى حُبِّ النُّفُوسِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ. وَقَالَ عَطاء بْنُ أَبِي رَباح فِي قَوْلِهِ: ﴿وَمَقْتًا﴾ أَيْ: يَمْقُتُ اللَّهُ عَلَيْهِ ﴿وَسَاءَ سَبِيلا﴾ أَيْ: وَبِئْسَ طَرِيقًا لِمَنْ سَلَكَهُ مِنَ النَّاسِ، فَمَنْ تَعَاطَاهُ بَعْدَ هَذَا فَقَدِ ارْتَدَّ عَنْ دِينِهِ، فَيُقْتَلُ، وَيَصِيرُ مَالُهُ فَيْئًا لِبَيْتِ الْمَالِ. كَمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَهْلُ السُّنَنِ، مِنْ طُرُقٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، عَنْ خَالِهِ أَبِي [[في ر: "أبو" وهو خطأ.]] بُرْدَةَ -وَفِي رِوَايَةِ: ابْنِ عُمَرَ-وَفِي رِوَايَةٍ: عَنْ عَمِّهِ: أَنَّهُ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ مِنْ بَعْدِهِ أَنْ يَقْتُلَهُ وَيَأْخُذَ مَالَهُ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هُشَيْم، حَدَّثَنَا أَشْعَثُ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عازب قال: مرَّ بِي عَمِّي الْحَارِثُ بْنُ عَمْرٍو، وَمَعَهُ لِوَاءٌ قَدْ عَقَدَهُ لَهُ النَّبِيُّ [[في ر: "رسول الله".]] ﷺ فَقُلْتُ لَهُ: أَيْ عَمِّ، أَيْنَ بَعَثَكَ النَّبِيُّ [ﷺ] [[زيادة من جـ، ر، أ.]] ؟ قَالَ: بَعَثَنِي إِلَى رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ [[المسند (٤/٣٩٢) .]] . مَسْأَلَةٌ: وَقَدْ أَجْمَعَ [[في أ: "اجتمع".]] العلماءُ عَلَى تَحْرِيمِ مَنْ وَطَئَهَا الأبُ بِتَزْوِيجٍ أَوْ مِلْكٍ أَوْ بِشُبْهَةٍ أَيْضًا، وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ بَاشَرَهَا بِشَهْوَةٍ دُونَ الْجِمَاعِ، أَوْ نَظَرَ إِلَى مَا لَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إِلَيْهِ مِنْهَا لَوْ كَانَتْ أَجْنَبِيَّةً. فَعَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهَا تَحْرُمُ أَيْضًا بِذَلِكَ. قَدْ رَوَى [الْحَافِظُ] [[زيادة من أ.]] ابْنُ [[في أ: "أبو".]] عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ خُدَيْج الحِصْنِيّ [[في جـ، أ: "الحمصي"، ولم أجد ترجمته فيما بين يدي من تاريخ دمشق لابن عساكر ولا في المختصر لابن منظور.]] مَوْلَى مُعَاوِيَةَ قَالَ: اشْتَرَى لِمُعَاوِيَةَ جَارِيَةً بَيْضَاءَ جَمِيلَةً، فَأَدْخَلَهَا عَلَيْهِ مُجَرَّدَةً وَبِيَدِهِ قَضِيبٌ. فَجَعَلَ يَهْوِي بِهِ إِلَى مَتَاعِهَا وَيَقُولُ: هَذَا الْمَتَاعُ لَوْ كَانَ لَهُ مَتَاعٌ! اذْهَبْ بِهَا إِلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ. ثُمَّ قَالَ: لَا ادْعُ لِي رَبِيعَةَ بْنَ عَمْرٍو الجُرَشِي -وَكَانَ فَقِيهًا-فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ: إِنَّ هَذِهِ أُتِيتُ بِهَا مُجَرَّدَةً، فَرَأَيْتُ مِنْهَا ذَاكَ وَذَاكَ، وَإِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَبْعَثَ بِهَا إِلَى يَزِيدَ. فَقَالَ: لَا تَفْعَلْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّهَا لَا تَصْلُحُ لَهُ. ثُمَّ قَالَ: نِعْمَ مَا رَأَيْتَ. ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعَدَةَ الْفَزَارِيَّ، فَدَعَوْتُهُ، وَكَانَ آدَمَ شَدِيدَ الْأُدْمَةِ، فَقَالَ: دُونَكَ هَذِهِ، بَيض بِهَا وَلَدَكَ. قَالَ: وَ [قَدْ] [[زيادة من جـ، أ.]] كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعَدَةَ هَذَا وَهَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِابْنَتِهِ فَاطِمَةَ فَرَبَّتْهُ ثُمَّ أَعْتَقَتْهُ ثُمَّ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ مَعَ مُعَاوِيَةَ مِنَ النَّاسِ عَلَى عَلِي [بْنِ أَبِي طَالِبٍ] [[زيادة من جـ، ر، أ.]] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب