الباحث القرآني

يَأْمُرُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْخَالِقُ الرَّازِقُ الْمُنْعِمُ الْمُتَفَضِّلُ عَلَى خَلْقِهِ فِي جَمِيعِ الْآنَاتِ وَالْحَالَاتِ، فَهُوَ الْمُسْتَحِقُّ مِنْهُمْ أَنْ يُوَحِّدُوهُ، وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِمُعَاذٍ: "أتَدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ [[في أ: "عبادة".]] ؟ " قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "أَنْ يَعْبدُوهُ ولا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا"، ثُمَّ قَالَ: "أتَدْري مَا حَقُّ العبادِ عَلَى اللهِ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ؟ أَلَّا يُعَذِّبَهُم" [[رواه البخاري في صحيحه برقم (٧٣٧٣) ومسلم في صحيحه برقم (٣٠) .]] ثُمَّ أَوْصَى بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ، فَإِنَّ اللَّهَ، سُبْحَانَهُ، جَعَلَهُمَا سَبَبًا لِخُرُوجِكَ مِنَ الْعَدَمِ إِلَى الْوُجُودِ، وَكَثِيرًا مَا يقرنُ اللَّهُ، سُبْحَانَهُ، [[في أ: "تعالى".]] بَيْنَ عِبَادَتِهِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ، كَقَوْلِهِ: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ﴾ [لُقْمَانَ:١٤] وَكَقَوْلِهِ: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الْإِسْرَاءِ: ٢٣] . ثُمَّ عَطَفَ عَلَى الْإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ الْإِحْسَانَ [[في ر: "والإحسان".]] إِلَى الْقَرَابَاتِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "الصَّدَقَةُ عَلَى المِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وعَلَى ذِي الرَّحِم صَدَقَةٌ وصِلَةٌ" [[رواه أحمد في مسنده (٤/١٧) من حديث سلمان بن عامر، رضي الله عنه.]] . ثُمَّ قَالَ: ﴿وَالْيَتَامَى﴾ وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ قَدْ فَقَدُوا مَنْ يَقُومُ بِمَصَالِحِهِمْ، وَمَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ، فَأَمَرَ اللَّهُ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ وَالْحُنُوِّ عَلَيْهِمْ. ثُمَّ قَالَ: ﴿وَالْمَسَاكِينِ﴾ وَهُمُ الْمَحَاوِيجُ مِنْ ذَوِي الْحَاجَاتِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِمْ، فَأَمَرَ اللَّهُ بِمُسَاعَدَتِهِمْ بِمَا تَتِمُّ بِهِ كِفَايَتُهُمْ وَتَزُولُ بِهِ ضَرُورَتُهُمْ. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ﴾ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى﴾ يَعْنِي الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ، ﴿وَالْجَارِ الْجُنُبِ﴾ الَّذِي لَيْسَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ قُرَابَةٌ. وَكَذَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمةَ، ومُجَاهد، وَمَيْمُونِ بنِ مهْرانَ، وَالضَّحَّاكِ، وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَمُقَاتِلِ بْنِ حيَّان، وَقَتَادَةَ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ نَوْف البِكَالِي فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى﴾ يَعْنِي الْمُسْلِمَ ﴿وَالْجَارِ الْجُنُبِ﴾ يَعْنِي الْيَهُودِيَّ وَالنَّصْرَانِيَّ رَوَاهُ ابنُ جَريرٍ، وابنُ أَبِي حَاتم. وَقَالَ جَابِرٌ الْجُعْفِيّ، عن الشعبي، عن علي وابنِ مَسْعُودٍ: ﴿وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى﴾ يَعْنِي الْمَرْأَةَ. وَقَالَ مُجَاهِد أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالْجَارِ الْجُنُبِ﴾ يَعْنِي الرَّفِيقَ فِي السَّفَرِ. وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ بِالْوَصَايَا بِالْجَارِ، فَنَذْكُرُ مِنْهَا مَا تَيَسَّرَ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ: الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ مُحَمَّدًا يُحَدِّثُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "مَا زَالَ جِبرِيل يُوصِينِي بالْجَارِ حَتِّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِثُه". أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، بِهِ [[المسند (٢/٨٥) وصحيح البخاري برقم (٦٠١٥) وصحيح مسلم برقم (٢٦٢٥) .]] . الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَالَ الإمامُ أحمدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ داودَ بنِ شَابُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَا زالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بالْجَارِ حتى ظننْتُ أنَّه سَيُوَرِّثُهُ" [[المسند (٢/١٦٠) .]] . وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ نَحْوَهُ، مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ بَشِيرِ أَبِي [[في ر: "ابن".]] إسْمَاعيلَ -زَادَ التِّرْمِذِيُّ: وَدَاوُدَ بْنِ شَابُورٍ -كِلَاهُمَا عَنْ مُجَاهِدٍ، بِهِ ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ [[سنن أبي داود برقم (٥١٥٢) وسنن الترمذي برقم (١٩٤٣) .]] وَقَدْ رُوي عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ [[في أ: "و"]] عائشةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ. الْحَدِيثُ الثَّالِثُ عَنْهُ: قَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيد، أَخْبَرَنَا حَيْوةُ، أَخْبَرَنَا شَرْحَبِيلُ بنُ شُرَيكٍ أَنَّهُ [[في ر: "أو".]] سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلي يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بنِ الْعَاصِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنه قَالَ: "خَيْرُ الأصْحَابِ عِندَ اللهِ خَيْرُهُم لِصَاحِبِهِ، وخَيْرُ الجِيرانِ عِنْدَ اللهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ". وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ -بِهِ، وَقَالَ: [حَدِيثٌ] حَسَنٌ غَرِيبٌ [[المسند (٢/١٦٧) وسنن الترمذي برقم (١٩٤٤) .]] . الْحَدِيثُ الرَّابِعُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ عُمَر قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لَا يَشْبَعُ الرَّجُلُ دُونَ جَارِهِ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ [[المسند (١/٥٤) وقال الهيثمي في المجمع (٨/١٦٧) : "رجاله رجال الصحيح إلا أن عباية بن رفاعة لم يسمع من عمر".]] . الْحَدِيثُ الْخَامِسُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوان، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيُّ، سَمِعْتُ أَبَا ظَبْية الكَلاعِيّ، سَمِعْتُ المقدادَ بْنَ الْأَسْوَدِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأَصْحَابِهِ: ["مَا تَقُولُونَ فِي الزِّنَا؟ " قَالُوا: حَرَامٌ حَرَّمَهُ اللهُ ورسُولُه، فَهُوَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. فَقَالَ: رسولُ اللَّهِ ﷺ] [[زيادة من أ، والمسند.]] لأنْ يَزني الرَّجُلُ بِعَشْرِ نِسْوَة، أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَن يزنيَ بامرَأَةِ جَارِهِ". قَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي السَّرِقَة؟ قَالُوا: حَرَّمَهَا اللهُ وَرَسُولُهُ فَهِيَ حَرَامٌ. قَالَ "لَأَنْ يَسْرِقَ الرَّجُلُ مِن عَشْرَةِ أَبْيَاتٍ، أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يسرِقَ مِنْ جَارِهِ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ [[المسند (٦/٨) .]] وَلَهُ شَاهِدٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أيُّ الذَّنْب أَعْظَمُ؟ قَالَ: "أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وهُوَ خَلَقَكَ". قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: "أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَن يُطْعَم مَعَكَ". قُلتُ: ثُمَّ أيُّ؟ قَالَ: "أَنْ تُزَاني حَليلةَ جَارِكَ" [[صحيح البخاري برقم (٤٧٦١) وصحيح مسلم برقم (٦٨) .]] . الْحَدِيثُ السَّادِسُ: قَالَ الإمامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أَخْبَرَنَا هِشَامُ، عَنْ حَفْصَةَ، عَنْ أبِي الْعَالية، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ قَالَ: خَرَجْتُ مِنْ أَهْلِي أريدُ النَّبِيَّ ﷺ، فإذَا بِهِ قَائِمٌ وَرَجُلٌ مَعَهُ مُقْبِل [[في أ: "يقبل".]] عَليه، فَظَنَنْتُ أَنَّ لَهُمَا حَاجة -قَالَ الأنْصَارِيُّ: لَقَدْ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حتى جَعَلْتُ أَرْثِي لِرَسُولِ اللهِ ﷺ مِنْ طُولِ الْقِيَامِ، فَلمَّا انْصَرفَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ قَامَ بِكَ هَذَا الرَّجُلُ حَتَّى جَعَلْتُ أَرْثِي لَك مِنْ طُولِ الْقِيَامِ. قَالَ: "وَلَقَدْ رَأَيتَه؟ " قُلتُ: نَعَمْ. قَالَ: "أَتَدْرِي مَن هُوَ؟ " قُلْتُ: لَا. قَال: "ذَاكَ جِبْرِيِلُ، مَا زَالَ يُوصِينِي بِالجِارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّه سَيُورثُه. ثُمَّ قَالَ: أَمَا إِنَّك لَو سَلَّمْتَ عَلَيْهِ، رَدَّ عَلَيْكَ السَّلَامَ" [[المسند (٥/٣٢) وقال الهيثمي في المجمع (٨/١٦٤) : "رجاله رجال الصحيح".]] . الْحَدِيثُ السَّابِعُ: قَالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي مَسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ عُبَيْد، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ -يَعْنِي الْمدَنيّ-عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْعَوَالِي وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ وجِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُصَلِّيانِ حَيْثُ يُصَلَّى عَلَى الْجَنائِز، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ الرَّجُلُ: يَا رسولَ اللَّهِ، مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي رَأَيْتُ مَعَكَ؟ قَالَ: "وَقَدْ رأيْتَه؟ " قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "لَقَدْ رأَيْتَ خَيْرًا كَثِيرًا، هَذَا جِبْرِيلُ مَا زَالَ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى رُئِيت أَنَّه سَيُورثُه". تَفَرَّدَ بِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ [[ورواه البزار في مسنده (١٨٩٧) "كشف الأستار" من طريق الفضل بن مبشر أبو بكر المدنى به. قال الهيثمي في المجمع (٨/١٦٥) : "فيه الفضل بن مبشر وثقه ابن حبان وضعفه غيره، وبقية رجاله ثقات".]] وَهُوَ شَاهِدٌ لِلَّذِي قَبْلَهُ. الْحَدِيثُ الثَّامِنُ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ [[في أ: "عبد الله".]] بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو الرَّبِيعِ الْحَارِثِيّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْن أَبِي فُدَيْك، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحمن بنُ الْفَضل [[في د، ر: "الفضيل".]] عَنْ عَطَاء الخَراساني، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رسولُ اللَّهِ ﷺ: "الجِيرانُ ثَلاثَةٌ: جَارٌ لهُ حَقٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَدْنَى الجيرانِ حَقًّا، وَجَارٌ لَهُ حقَّان، وجَارٌ لَهُ ثلاثةُ حُقُوقٍ، وَهُوَ أفضلُ الجيرانِ حَقًّا، فَأَمَّا الَّذِي لَهُ حَقٌّ وَاحِدٌ فَجَارٌ مُشْرِكٌ لَا رَحمَ لَهُ، لَهُ حَقُّ الجَوار. وأمَّا الَّذِي لَهُ حقانِ فَجَارٌ مُسْلِمٌ، لَهُ حَقُّ الْإِسْلَامِ وَحَقُّ الْجِوارِ، وأَمَّا الَّذِي لَهُ ثَلاثةُ حُقُوقٍ، فَجَارٌ مُسْلِمٌ ذُو رَحِمٍ لَهُ حَقُّ الْجِوَارِ وَحَقُّ الْإِسْلَامِ وحَقُّ الرحِمِ". قَالَ البَزَّارُ: لَا نَعْلَمُ أَحَدًا رَوَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْفُضَيْل [[في أ: "الفضل".]] إِلَّا ابْنُ أَبِي فُدَيْك [[مسند البزار برقم (١٨٩٦) "كشف الأستار" وقال الهيثمي في المجمع (٨/١٦٤) : "رواه البزار عن شيخه عبد الله بن محمد الحارثي وهو وضاع".]] . الْحَدِيثُ التَّاسِعُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ، عنْ طَلْحَةَ بنِ عَبْد اللهِ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا سَأَلَتْ رسولَ اللهِ ﷺ فَقَالَتْ: "إنَّ لِي جَارَيْنِ، فَإِلَى أيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: "إِلَى أقْرَبِهِمَا مِنْك بَابًا". وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، بِهِ [[المسند (٦/١٧٥) وصحيح البخاري برقم (٦٠٢٠) .]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ﴾ قَالَ الثوريُّ، عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِي، عَنِ الشَّعبي، عَنْ عَلِيٍّ وابنِ مسعودٍ قَالَا هِيَ الْمَرْأَةُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ورُويَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، وَالْحَسَنِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَير -فِي إِحْدَى الرِّوَايَاتِ-نحوُ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ومجاهدٌ، وعِكْرِمَةُ، وقَتَادةُ: هُوَ الرَّفِيقُ فِي السَّفَرِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ الرَّفِيقُ الصَّالِحُ. وَقَالَ زَيْدُ بنُ أَسْلَمَ: هُوَ جَلِيسُكَ فِي الْحَضَرِ، وَرَفِيقُكَ فِي السَّفَرِ. وَأَمَّا ﴿ابْنِ السَّبِيلِ﴾ فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ هُوَ: الضيف. وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الباقرُ، والحسنُ، والضحاكُ، ومقاتلُ: هُوَ الَّذِي يَمُرُّ عَلَيْكَ مُجْتَازًا فِي السَّفَرِ. وَهَذَا أَظْهَرُ، وَإِنْ كَانَ مُرَادُ الْقَائِلِ بِالضَّيْفِ: الْمَارَّ فِي الطَّرِيقِ، فَهُمَا سَوَاءٌ. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى أَبْنَاءِ السَّبِيلِ فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ، وَبِاللَّهِ الثِّقَةُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ وَصِيَّةٌ بِالْأَرِقَّاءِ؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ ضَعِيفُ الْحِيلَةِ أَسِيرٌ فِي أَيْدِي النَّاسِ، وَلِهَذَا ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ جَعَلَ يُوصِي أُمَّتَه فِي مرضِ الْمَوْتِ يَقُولُ: "الصلاةَ الصلاةَ وَمَا ملكتْ أيمانُكُم". فَجَعَلَ يُرَدِّدُها حَتَّى مَا يَفِيضُ بِهَا لِسَانُهُ [[رواه أبو داود في السنن برقم (٥١٥٤) مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.]] . وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي الْعَبَّاسِ، حَدَّثَنَا بَقِيّة، حَدَّثَنَا بَحِيرُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَان، عَنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ يكَرِب قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَا أَطْعَمْتَ نَفْسَك فَهُوَ لَكَ صدقةٌ، وَمَا أطعمتَ وَلَدَكَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ، وَمَا أَطْعَمْتَ زَوْجَتَكَ فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ، ومَا أطعَمْتَ خَادِمَكَ فَهُوَ لَك صَدَقَهٌ". وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ بَقِيَّة، وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ [[المسند (٤/١٣١) وسنن النسائي الكبرى برقم (٩١٨٥) .]] وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ لِقَهْرَمَانَ لَهُ: هَلْ أَعْطَيْتَ الرَّقِيقَ قُوتَهم؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَانْطَلِقْ فَأَعْطِهِمْ؛ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُمْ" رَوَاهُ مُسْلِمٌ [[صحيح مسلم برقم (٩٩٦) .]] . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وكِسْوتُه، وَلَا يكلَّف مِنَ الْعَمَلِ إِلَّا مَا يُطيق". رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا [[صحيح مسلم برقم (١٦٦٢) .]] . وَعَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "إِذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ، فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ، فَلْيُنَاوِلْهُ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ أَوْ أكْلَةً أَوْ أكْلَتين، فَإِنَّهُ وَليَ حَرّه وَعِلَاجَهُ". أَخْرَجَاهُ وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ وَلِمُسْلِمٍ [[صحيح البخاري برقم (٥٤٦٠) وصحيح مسلم برقم (١٦٦٣) .]] فَلْيُقْعِدْهُ مَعَهُ فَلْيَأْكُلْ، فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ مَشْفُوها قَلِيلًا فَلْيضع فِي يَدِهِ أَكْلَةً أَوْ أَكْلَتَيْنِ". وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "هُمْ إِخْوَانُكُمْ خَوَلكم، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ، فَأَعِينُوهُمْ". أَخْرَجَاهُ [[صحيح البخاري برقم (٣١) وصحيح مسلم برقم (١٦٦١) .]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا﴾ أَيْ: مُخْتَالًا فِي نَفْسِهِ، مُعْجَبًا مُتَكَبِّرًا، فَخُورًا عَلَى النَّاسِ، يَرَى أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْهُمْ، فَهُوَ فِي نَفْسِهِ كَبِيرٌ، وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَقِيرٌ، وَعِنْدَ النَّاسِ بغيض. قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا﴾ يَعْنِي: مُتَكَبِّرًا ﴿فَخُورًا﴾ يَعْنِي: يَعُد مَا أُعْطِيَ، وَهُوَ لَا يَشْكُرُ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ. يَعْنِي: يَفْخَرُ عَلَى النَّاسِ بِمَا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنْ نِعَمِهِ، وَهُوَ قَلِيلُ الشُّكْرِ لِلَّهِ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَاقِدٍ أَبِي رَجَاءٍ الْهَرَوِيِّ قَالَ: لَا تَجِدُ سَيِّئَ الْمَلَكَةِ إِلَّا وَجَدَّتَهُ مُخْتَالًا فَخُورًا -وَتَلَا ﴿وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا] ﴾ وَلَا عَاقًّا إِلَّا وَجَدَّتَهُ جَبَّارًا شَقِيًّا -وَتَلَا ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا﴾ [مَرْيَمَ: ٣٢] . وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنِ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ، مِثْلَهُ فِي الْمُخْتَالِ الْفَخُورِ. وَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا الْأُسُودُ بْنُ شَيْبَان، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّير قَالَ: قَالَ مُطَرِّف: كَانَ يَبْلُغُنِي عَنْ أَبِي ذَرٍّ حَدِيثٌ كُنْتُ أَشْتَهِي لِقَاءَهُ، فَلَقِيتُهُ فَقُلْتُ: يَا أَبَا ذَرٍّ، بَلَغَنِي أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حَدَّثَكُمْ: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ ثَلَاثَةً ويُبْغض ثَلَاثَةً"؟ قَالَ: أَجَلْ، فَلَا إِخَالُنِي [[في ر: "إخالك".]] أَكْذِبُ عَلَى خَلِيلِي، ثَلَاثًا. قُلْتُ: مَنِ الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ يُبْغِضُ اللَّهُ؟ قَالَ: الْمُخْتَالُ الْفَخُورُ، أَوَلَيْسَ تَجِدُونَهُ عِنْدَكُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ الْمُنَزَّلِ؟ ثُمَّ قَرَأَ الْآيَةَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا﴾ [[ورواه أحمد في مسنده (٥/١٧٦) من طريق يزيد عن الأسود بن شيبان بأطول منه وأتم.]] [النِّسَاءِ: ٣٦] . وَحَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبُ عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَلْهُجَيم قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوْصِنِي. قَالَ: "إِيَّاكَ وإسبالَ الْإِزَارِ، فَإِنَّ إِسْبَالَ الْإِزَارِ مِنَ المَخِيلة، وَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ المَخِيلة" [[ورواه أحمد في مسنده (٥/٦٤) من طريق وهيب بن خالد به.]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب