يَأْمُرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِأَخْذِ الْحَذَرِ مِنْ عَدُوِّهِمْ، وَهَذَا يَسْتَلْزِمُ التَّأَهُّبَ لَهُمْ بِإِعْدَادِ الْأَسْلِحَةِ وَالْعُدَدِ وَتَكْثِيرِ الْعَدَدِ بِالنَّفِيرِ فِي سَبِيلِهِ.
﴿ثُبَاتٍ﴾ أَيْ: جَمَاعَةً بَعْدَ جَمَاعَةٍ، وَفِرْقَةً بَعْدَ فِرْقَةٍ، وَسَرِيَّةً بَعْدَ سَرِيَّةٍ، وَالثُّبَاتُ: جَمْعُ ثُبَة، وَقَدْ تُجْمَعُ الثُّبَةُ عَلَى ثُبين.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: ﴿فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ﴾ أَيْ: عُصبا يَعْنِي: سَرَايَا مُتَفَرِّقِينَ ﴿أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا﴾ يَعْنِي: كُلَّكُمْ.
وَكَذَا رُوي عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَالسُّدِّيِّ، وَقَتَادَةَ، وَالضَّحَّاكِ، وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، ومُقاتل بْنِ حَيَّان، وخُصَيف الجَزَري.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ، وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: ﴿لَيُبَطِّئَنَّ﴾ أَيْ: لَيَتَخَلَّفَنَّ عَنِ الْجِهَادِ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَتَبَاطَأُ هُوَ فِي نَفْسِهِ، وَيُبَّطِئُ غَيْرَهُ عَنِ الْجِهَادِ، كَمَا كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ -قَبَّحَهُ اللَّهُ-يَفْعَلُ، يَتَأَخَّرُ عَنِ الْجِهَادِ، ويُثَبّط النَّاسَ عَنِ الْخُرُوجِ فِيهِ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ جُرَيْج وَابْنِ جَرِيرٍ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنِ الْمُنَافِقِ أَنَّهُ يَقُولُ إِذَا تَأَخَّرَ عَنِ الْجِهَادِ: ﴿فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ﴾ أَيْ: قَتْلٌ وَشَهَادَةٌ وَغَلَبُ الْعَدُوِّ لَكُمْ، لِمَا لِلَّهِ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ ﴿قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا﴾ أَيْ: إِذْ لَمْ أَحْضُرْ مَعَهُمْ وَقْعَةَ الْقِتَالِ، يَعُدُّ ذَلِكَ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَدْرِ مَا فَاتَهُ مِنَ الْأَجْرِ فِي الصَّبْرِ أَوِ الشَّهَادَةِ إِنْ قُتِلَ.
﴿وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ﴾ أَيْ: نَصْرٌ وَظَفَرٌ وَغَنِيمَةٌ ﴿لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَه مَوَدَّةٌ﴾ [[في ر: قال".]] أي: كَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ دِينِكُمْ ﴿يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ أَيْ: بِأَنْ يُضْرَبَ لِي بِسَهْمٍ مَعَهُمْ فَأَحْصُلَ عَلَيْهِ. وَهُوَ أَكْبَرُ قَصْدِهِ وَغَايَةُ مُرَادِهِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿فَلْيُقَاتِلْ﴾ أَيِ: الْمُؤْمِنُ النَّافِرُ ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ﴾ أَيْ: يَبِيعُونَ دِينَهُمْ بعَرَض قَلِيلٍ مِنَ الدُّنْيَا، وَمَا ذَلِكَ [[في د، ر: "وذاك".]] إِلَّا لِكُفْرِهِمْ وَعَدَمِ إِيمَانِهِمْ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ أَيْ: كُلُّ مَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ -سَوَاءٌ قُتِلَ أَوْ غَلَب وسَلَب-فَلَهُ عِنْدَ اللَّهِ مَثُوبَةٌ عَظِيمَةٌ وَأَجْرٌ جَزِيلٌ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ [[رواه البخاري في صحيحه برقم (٧٤٦٣، ٧٤٥٧) ومسلم في صحيحه برقم (١٨٧٦) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.]] وَتَكَفَّلَ اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِهِ، إِنْ [[في د، ر، أ: "بأن".]] تَوَفَّاهُ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ يُرْجِعَهُ إِلَى مَسْكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنْهُ نَائِلًا مَا نَالَ مِنْ أجر أو غنيمة.
{"ayahs_start":71,"ayahs":["یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ خُذُوا۟ حِذۡرَكُمۡ فَٱنفِرُوا۟ ثُبَاتٍ أَوِ ٱنفِرُوا۟ جَمِیعࣰا","وَإِنَّ مِنكُمۡ لَمَن لَّیُبَطِّئَنَّ فَإِنۡ أَصَـٰبَتۡكُم مُّصِیبَةࣱ قَالَ قَدۡ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَیَّ إِذۡ لَمۡ أَكُن مَّعَهُمۡ شَهِیدࣰا","وَلَىِٕنۡ أَصَـٰبَكُمۡ فَضۡلࣱ مِّنَ ٱللَّهِ لَیَقُولَنَّ كَأَن لَّمۡ تَكُنۢ بَیۡنَكُمۡ وَبَیۡنَهُۥ مَوَدَّةࣱ یَـٰلَیۡتَنِی كُنتُ مَعَهُمۡ فَأَفُوزَ فَوۡزًا عَظِیمࣰا","۞ فَلۡیُقَـٰتِلۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِینَ یَشۡرُونَ ٱلۡحَیَوٰةَ ٱلدُّنۡیَا بِٱلۡـَٔاخِرَةِۚ وَمَن یُقَـٰتِلۡ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ فَیُقۡتَلۡ أَوۡ یَغۡلِبۡ فَسَوۡفَ نُؤۡتِیهِ أَجۡرًا عَظِیمࣰا"],"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ خُذُوا۟ حِذۡرَكُمۡ فَٱنفِرُوا۟ ثُبَاتٍ أَوِ ٱنفِرُوا۟ جَمِیعࣰا"}