الباحث القرآني

هَذَا مِنْ فَضْلِهِ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَكَرَمِهِ أَنَّهُ نَدَبَ عِبَادَهُ إِلَى دُعَائِهِ، وَتَكَفَّلَ لَهُمْ بِالْإِجَابَةِ، كَمَا كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَقُولُ: يَا مَنْ أحبُّ عِبَادِهِ إِلَيْهِ مَنْ سَأَلَهُ فَأَكْثَرَ سُؤَالَهُ، وَيَا مَنْ أَبْغَضُ عِبَادِهِ إِلَيْهِ مَنْ لَمْ يَسْأَلْهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ [[في ت، أ: "وليس أحد كذلك".]] غَيْرُكَ يَا رَبِّ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. وَفِي هَذَا الْمَعْنَى يَقُولُ الشَّاعِرُ: اللهُ يَغْضبُ إِنْ تركْتَ سُؤَالهُ ... وَبُنيُّ آدمَ حِينَ يُسألُ يَغْضَبُ ... وَقَالَ قَتَادَةُ:: قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: أُعْطِيَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ ثَلَاثًا لَمْ تُعطهُن [[في س: "يعطهن".]] أُمَّةٌ قَبْلَهُمْ إِلَّا نَبِيٌّ: كَانَ إِذَا أَرْسَلَ اللَّهُ نَبِيًّا قِيلَ لَهُ: "أَنْتَ شَاهِدٌ عَلَى أُمَّتِكَ"، وجَعلتُكم [[في ت: "وروى".]] شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ. وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: "لَيْسَ عَلَيْكَ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ". وَقَالَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [الْحَجِّ:٧٨] . وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: "ادْعُنِي [[في س: "ادعوني".]] أَسْتَجِبْ لَكَ "وَقَالَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. وَقَالَ [[في ت: "وروى".]] الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو إِبْرَاهِيمَ التُّرْجُمَانِيُّ، حَدَّثَنَا صَالِحٌ الْمُرِّيُّ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ -فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ-قَالَ: "أَرْبَعُ خِصَالٍ، وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ لِي، وَوَاحِدَةٌ لَكَ، وَوَاحِدَةٌ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنِكَ، وَوَاحِدَةٌ فِيمَا بَيْنِكَ وَبَيْنَ عِبَادِي [[في ت: "العباد".]] : فَأَمَّا التِي لِي فَتَعْبُدُنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا، وَأَمَّا الَّتِي لَكَ عليَّ فَمَا عَمِلْتَ مِنْ خَيْرٍ جَزَيْتُكَ بِهِ، وَأَمَّا التِي بَيْنِي وَبَيْنَكَ: فَمِنْكَ الدُّعَاءُ وَعَلِيَّ الْإِجَابَةُ، وَأَمَّا الَّتِي بَيْنَكَ وَبَيْنَ عِبَادِي فَارْضَ لَهُمْ مَا [[في ت، أ: "بما".]] تَرْضَى لِنَفْسِكَ" [[مسند أبي يعلى (٥/١٤٣) ورواه البزار في مسنده برقم (١٩) "كشف الأستار" من طريق الحجاج بن المنهال عن صالح المري به وقال: "تفرد به صالح المري" قال الهيثمي في المجمع (١/٥١) "في إسناده صالح المري وهو ضعيف وتدليس الحسن أيضا. والمحمل هنا على صالح بن بشير المري فهو ضعيف جدا وقد تفرد به.]] . وَقَالَ [[في ت: "وروى".]] الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ ذَرٍّ، عَنْ يُسيع الْكِنْدِيِّ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "إِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ الْعِبَادَةُ" ثُمَّ قَرَأَ: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ . وَهَكَذَا رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ: التِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ،وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، كُلُّهُمْ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، بِهِ [[المسند (٤/٢٧١) وسنن الترمذي برقم (٣٣٧٢) والنسائي في السنن الكبرى برقم (١١٤٦٤) وسنن ابن ماجه برقم (٣٨٢٨) وتفسير الطبري (٢٤/٥١) .]] . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا، مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ ذَرٍّ، بِهِ [[سنن أبي داود برقم (١٤٧٩) وسنن الترمذي برقم (٢٩٦٩) والنسائي في السنن الكبرى برقم (١١٤٤٦) وتفسير الطبري (٢٤/٥١) .]] . وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَنْصُورٍ وَالْأَعْمَشِ، كِلَاهُمَا عَنْ ذَرٍّ، بِهِ [[سنن الترمذي برقم (٣٢٤٧) .]] . وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ فِي صَحِيحَيْهِمَا، وَقَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ [[صحيح ابن حبان برقم (٢٣٩٦) "موارد" والمستدرك (١/٤٩١) .]] . وَقَالَ [[في ت: "وروى".]] الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنِي أَبُو مَلِيحٍ الْمَدَنِيُّ -شَيْخٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ-سَمِعَهُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، وَقَالَ مَرَّةً: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] [[زيادة من ت.]] قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَنْ لَمْ يَدْعُ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، غَضِبَ عَلَيْهِ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ [[المسند (٢/٤٧٧) وتفرد به أحمد بهذا اللفظ وإلا فقد رواه ابن ماجه في السنن برقم (٣٨٢٧) من طريق وكيع بهذا الإسناد بلفظ: "من لم يسأل الله يغضب عليه".]] ، وَهَذَا إِسْنَادٌ لَا بَأْسَ بِهِ. وَقَالَ [[في ت: "وروى".]] الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ الْفَزَارِيُّ، حَدَّثَنَا صُبيح أَبُو الْمَلِيحِ: سَمِعْتُ أَبَا صَالِحٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لَا يَسْأَلْهُ يَغْضَبْ عَلَيْهِ" [[المسند (٢/٤٤٢) .]] . قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: أَبُو الْمَلِيحِ هَذَا اسْمُهُ: صُبَيْح. كَذَا قَيَّدَهُ بِالضَّمِّ عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ. وَأَمَّا أَبُو صَالِحٍ هَذَا فَهُوَ [[في ت، س: "وهو".]] الخُوزي [[في أ: "الجزري".]] ، سَكَنَ شِعَب الْخُوزِ [[في أ: "الجزر".]] . قَالَهُ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ. وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَتِهِ أَبُو الْمَلِيحِ الْفَارِسِيُّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ الخُوزي، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "من لَا يَسْأَلِ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ" [[ورواه الترمذي في السنن برقم (٣٣٧٣) وقال: "أبو المليح اسمه صبيح، وسمعت محمدا يقوله وقال له: فارسي".]] . وَقَالَ [[في ت: "وروى".]] الْحَافِظُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرامهُرْمزي: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا نَائِلُ بْنُ نَجِيحٍ، حَدَّثَنِي عَائِذُ بْنُ حَبِيبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: لَمَّا مَاتَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْأَنْصَارِيُّ، وَجَدْنَا فِي ذُؤَابَةِ [[في ت: "رواية".]] سَيْفِهِ كِتَابًا: "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إِنَّ لِرَبِّكُمْ فِي بَقِيَّةِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ [[في ت: "في بقية أيام نفحات" وفي س، أ: "في بقية أيام دهركم نفحات".]] ، فَتَعَرَّضُوا لَهُ، لَعَلَّ دَعْوَةً أَنْ تُوَافِقَ رَحْمَةً فَيَسْعَدَ [[في ت: "يسعد".]] بِهَا صَاحِبُهَا سَعَادَةً لَا يَخْسَرُ بَعْدَهَا أَبَدًا" [[ورواه الطبراني في المعجم الكبير (١٩/٢٣٣) من وجه آخر.]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي﴾ أَيْ: عَنْ دُعَائِي وَتَوْحِيدِي، ﴿سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ أَيْ: صَاغِرِينَ حَقِيرِينَ، كَمَا قَالَ [[في ت: "روى".]] الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "يُحْشَر الْمُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ، فِي صُوَرِ النَّاسِ، يَعْلُوهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الصَّغَارِ حَتَّى يَدْخُلُوا [[في ت: "يدخلون".]] سِجْنًا فِي جَهَنَّمَ -يُقَالُ لَهُ: بُولَسُ-تَعْلُوهُمْ نَارُ الْأَنْيَارِ، يُسْقَوْنَ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ: عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ" [[المسند (٢/١٧٩) .]] . وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ خُنَيْس: سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنْ وُهَيب [[في ت: "وروى ابن أبي حاتم بسنده عن وهيب".]] بْنِ الْوَرْدِ: حَدَّثَنِي رَجُلٌ قَالَ: كُنْتُ أَسِيرُ ذَاتَ يَوْمٍ فِي أَرْضِ الرُّومِ، فَسَمِعْتُ هَاتِفًا مِنْ فَوْقِ رَأْسِ جَبَلٍ وَهُوَ يَقُولُ: يَا رَبِّ، عَجِبْتُ لِمَنْ عَرَفَكَ كَيْفَ يَرْجُو أَحَدًا غَيْرَكَ! يَا رَبِّ، عَجِبْتُ لِمَنْ عَرَفَكَ كَيْفَ يَطْلُبُ حَوَائِجَهُ إِلَى أَحَدٍ غَيْرِكَ -قَالَ: ثُمَّ ذَهَبْتُ، ثُمَّ جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى -قَالَ: ثُمَّ عَادَ الثَّانِيَةَ فَقَالَ: يَا رَبِّ، عَجِبْتُ لِمَنْ عَرَفَكَ كَيْفَ يَتَعَرَّضُ لِشَيْءٍ مِنْ سَخَطِكَ يُرضي [[في ت، س: "يرضى".]] غَيْرَكَ. قَالَ وُهَيْبٌ: وَهَذِهِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى. قَالَ: فَنَادَيْتُهُ: أَجِنِّيٌّ أَنْتَ أَمْ إِنْسِيٌّ؟ قَالَ: بَلْ إِنْسِيٌّ، اشْغَلْ نَفْسَكَ بِمَا يَعْنيك عَمَّا لَا يَعْنِيكَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب