الباحث القرآني

يَقُولُ تَعَالَى مُمْتَنًّا عَلَى خَلْقِهِ، بِمَا جَعَلَ لَهُمْ مِنَ اللَّيْلِ الَّذِي يَسْكُنُونَ فِيهِ وَيَسْتَرِيحُونَ مِنْ حَرَكَاتِ تَرَدُّدِهِمْ فِي الْمَعَايِشِ بِالنَّهَارِ، وَجَعَلَ النَّهَارَ مُبْصِرًا، أَيْ: مُضِيئًا، لِيَتَصَرَّفُوا فِيهِ بِالْأَسْفَارِ، وَقَطْعِ الْأَقْطَارِ، وَالتَّمَكُّنِ مِنَ الصِّنَاعَاتِ، ﴿إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ﴾ [[في ت: "ولكن أكثرهم". وهو خطأ.]] أَيْ: لَا يَقُومُونَ بِشُكْرِ نِعَمِ [[في أ: "ما أنعم".]] اللَّهِ عَلَيْهِمْ. ثُمَّ قَالَ: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ﴾ أَيِ: الَّذِي فَعَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ، خَالِقُ الْأَشْيَاءِ، الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، وَلَا رَبَّ سِوَاهُ، ﴿فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ أَيْ: فَكَيْفَ تَعْبُدُونَ غَيْرَهُ مِنَ الْأَصْنَامِ، الَّتِي لَا تَخْلُقُ شَيْئًا، بَلْ هِيَ مخلوقة منحوتة. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ أَيْ: كَمَا ضَلَّ هَؤُلَاءِ بِعِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ، كَذَلِكَ أُفِكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، فَعَبَدُوا غَيْرَهُ بِلَا دَلِيلٍ وَلَا بُرْهَانٍ بَلْ بِمُجَرَّدِ الْجَهْلِ وَالْهَوَى، وَجَحَدُوا حُجَجَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ قَرَارًا﴾ أَيْ: جَعَلَهَا مُسْتَقَرًّا لَكُمْ، بِسَاطًا مِهَادًا تَعِيشُونَ عَلَيْهَا، وَتَتَصَرَّفُونَ فِيهَا، وَتَمْشُونَ فِي مَنَاكِبِهَا، وَأَرْسَاهَا بِالْجِبَالِ لِئَلَّا تَمِيدَ بِكُمْ، ﴿وَالسَّمَاءَ بِنَاءً﴾ أَيْ: سَقْفًا لِلْعَالَمِ مَحْفُوظًا، ﴿وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ﴾ أَيْ: فَخَلَقَكُمْ فِي أَحْسَنِ الْأَشْكَالِ، وَمَنَحَكُمْ أَكْمَلَ الصُّوَرِ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ، ﴿وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ﴾ أَيْ: مِنَ الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ فِي الدُّنْيَا. فَذَكَرَ أَنَّهُ خَلَقَ الدَّارَ، وَالسُّكَّانَ، وَالْأَرْزَاقَ -فَهُوَ الْخَالِقُ الرَّازِقُ، كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ. الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [الْبَقَرَةِ: ٢١، ٢٠] [[في س: "اتقوا" وهوز خطأ.]] وَقَالَ هَاهُنَا بَعْدَ خَلْقِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ أَيْ: فَتَعَالَى وَتَقَدَّسَ وَتَنَزَّهَ رَبُّ الْعَالَمِينَ كُلِّهِمْ. ثُمَّ قَالَ: ﴿هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ﴾ أَيْ: هُوَ الْحَيُّ أَزَلًا وَأَبَدًا، لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ، وَهُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ، وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ، ﴿لَا إِلَهَ إِلا هُوَ﴾ أَيْ: لَا نَظِيرَ لَهُ وَلَا عَدِيلَ لَهُ، ﴿فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ أَيْ: مُوَحِّدِينَ لَهُ مُقِرِّينَ بِأَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ . قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: كَانَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَأْمُرُونَ مَنْ قَالَ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" أَنْ يتبعها بالحمد لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، عَمَلًا بِهَذِهِ الْآيَةِ. ثُمَّ رَوَى عَنْ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقَدٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [[في ت: "ثم روى بإسناده عن ابن عباس".]] قَالَ: مَنْ قَالَ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" فَلْيَقُلْ عَلَى أَثَرِهَا: "الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" فَذَلِكَ [[في ت، س: "وذلك".]] قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ . وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ وَغَيْرُهُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: إِذَا قَرَأْتَ: ﴿فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [غَافِرٍ: ١٤] ، فَقُلْ: "لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" وَقُلْ عَلَى أَثَرِهَا: "الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب