الباحث القرآني

يَذْكُرُ تَعَالَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَضَلَّ الْمُشْرِكِينَ، وَأَنَّ ذَلِكَ بِمَشِيئَتِهِ وَكَوْنِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَهُوَ الْحَكِيمُ فِي أَفْعَالِهِ، بِمَا قَيَّض لَهُمْ مِنَ الْقُرَنَاءِ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ: ﴿فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ أَيْ: حَسَّنوا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ فِي الْمَاضِي، وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُسْتَقْبَلِ فَلَمْ يَرَوْا أَنْفُسَهُمْ إِلَّا مُحْسِنِينَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ [الزُّخْرُفِ: ٣٦، ٣٧] . * * * وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ﴾ أَيْ: كَلِمَةُ الْعَذَابِ كَمَا حَقَّ عَلَى أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ، مِمَّنْ فَعَلَ كَفِعْلِهِمْ، مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ﴾ أَيِ: استوَوَا هُمْ وَإِيَّاهُمْ فِي الْخَسَارِ وَالدَّمَارِ. * * * وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ﴾ أَيْ: تَوَاصَوْا فِيمَا بَيْنَهُمْ أَلَّا يُطِيعُوا لِلْقُرْآنِ، وَلَا يَنْقَادُوا لِأَوَامِرِهِ [[في ت: "لأمره".]] ، ﴿وَالْغَوْا فِيهِ﴾ أَيْ: إِذَا تُلِيَ لَا تَسْمَعُوا لَهُ. كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿وَالْغَوْا فِيهِ﴾ يَعْنِي: بِالْمُكَاءِ [[في ت، أ: "بالمكاء والتصدية".]] وَالصَّفِيرِ وَالتَّخْلِيطِ فِي الْمَنْطِقِ عَلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قَرَأَ الْقُرْآنَ قُرَيْشٌ تَفْعَلُهُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَالْغَوْا فِيهِ﴾ عِيبُوهُ [[في ت، س: "قعوا فيه، عيبوه".]] . وَقَالَ قَتَادَةُ: اجْحَدُوا بِهِ، وَأَنْكِرُوهُ وَعَادُوهُ. ﴿لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾ هَذَا حَالُ هَؤُلَاءِ الْجَهَلَةِ مِنَ الْكُفَّارِ، وَمَنْ سَلَكَ مَسْلَكَهُمْ عِنْدَ سَمَاعِ الْقُرْآنِ. وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ-عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَقَالَ: ﴿وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ [الْأَعْرَافِ: ٢٠٤] . ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: مُنْتَصِرًا لِلْقُرْآنِ، وَمُنْتَقِمًا مِمَّنْ عَادَاهُ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرَانِ: ﴿فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا﴾ أَيْ: فِي مُقَابَلَةِ مَا اعْتَمَدُوهُ فِي الْقُرْآنِ وَعِنْدَ سَمَاعِهِ، ﴿وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ أَيْ: بشَرِّ أَعْمَالِهِمْ وسيِّئ أَفْعَالِهِمْ ﴿ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلانَا مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأسْفَلِينَ﴾ قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْل، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُصَيْنِ الفزاري، عن أبيه [[في ت: "عن أبيه روى".]] ، عن علي، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: ﴿الَّذَيْنِ أَضَلانَا﴾ قَالَ: إِبْلِيسُ وَابْنُ آدَمَ الَّذِي قَتَلَ أَخَاهُ. وَهَكَذَا رَوَى حَبَّةُ العُرَنِي عَنْ عَلِيٍّ، مِثْلَ ذَلِكَ. وَقَالَ السُّدِّيُّ، عَنْ عَلِيٍّ: فَإِبْلِيسُ يَدْعُو بِهِ كُلُّ صَاحِبِ شِرْكٍ، وَابْنُ آدَمَ يَدْعُو بِهِ كُلُّ صَاحِبِ كَبِيرَةٍ، فَإِبْلِيسُ -لَعَنَهُ اللَّهُ-هُوَ الدَّاعِي إِلَى كُلِّ شَرٍّ مِنْ شِرْكٍ فَمَا دُونَهُ، وَابْنُ آدَمَ الْأَوَّلُ. كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ: "مَا قُتِلَتْ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ" [[الحديث أخرجه الجماعة سوى أبي داود، وانظر تخريجه عند الآية: ٢٩ من سورة المائدة.]] . * * * وَقَوْلُهُ [[في س: "وقولهم".]] ﴿نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا﴾ أَيْ: أَسْفَلَ مِنَّا فِي الْعَذَابِ لِيَكُونَا أَشَدَّ عَذَابًا مِنَّا؛ وَلِهَذَا قَالُوا: ﴿لِيَكُونَا مِنَ الأسْفَلِينَ﴾ أَيْ: فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي "الْأَعْرَافِ" مِنْ سُؤَالِ الْأَتْبَاعِ مِنَ اللَّهِ أَنْ يُعَذِّبَ قَادَتَهُمْ أَضْعَافَ عَذَابِهِمْ، قَالَ: ﴿لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الْأَعْرَافِ: ٣٨] أَيْ: إِنَّهُ تَعَالَى قَدْ أَعْطَى كُلًّا مِنْهُمْ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ، بِحَسَبِ عَمَلِهِ وَإِفْسَادِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ﴾ [النحل: ٨٨] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب