الباحث القرآني

يَقُولُ تَعَالَى: بَلْ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ، أَيْ: قَدْ جَاءَهُمُ الْيَقِينُ [[في ت: "المبين".]] ، وَهُمْ يَشُكُّونَ فِيهِ، وَيَمْتَرُونَ وَلَا يُصَدِّقُونَ بِهِ، ثُمَّ قَالَ مُتَوَعِّدًا لَهُمْ وَمُتَهَدِّدًا: ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ﴾ . قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ مِهْرَان الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي الضُّحَى مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْح [[في ت: "روى البخاري ومسلم في صحيحيهما".]] ، عَنِ مسروق قال: دخلنا الْمَسْجِدَ -يَعْنِي مَسْجِدَ الْكُوفَةِ-عِنْدَ أَبْوَابِ كِنْدَةَ، فَإِذَا رَجُلٌ يَقُصُّ عَلَى أَصْحَابِهِ: ﴿يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ﴾ تَدْرُونَ مَا ذَلِكَ الدُّخَانُ؟ ذَلِكَ دُخَانٌ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَأْخُذُ بِأَسْمَاعِ الْمُنَافِقِينَ وَأَبْصَارِهِمْ، وَيَأْخُذُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ شِبْهُ الزُّكَامِ. قَالَ: فَأَتَيْنَا ابْنَ مَسْعُودٍ فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ، وَكَانَ مُضْطَجِعًا فَفَزِعَ فَقَعَدَ، وَقَالَ [[في ت، م: "فقال".]] إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ لِنَبِيِّكُمْ ﷺ: ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ﴾ [ص: ٨٦] ، إِنَّ مِنَ العلم أن يقول الرجل لما لا يعلم: "اللَّهُ أَعْلَمُ" سَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ، إِنَّ قُرَيْشًا لَمَّا أَبْطَأَتْ عَنِ الْإِسْلَامِ وَاسْتَعْصَتْ [[في أ: "واستصعبت".]] عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، دَعَا عَلَيْهِمْ بِسِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ، فَأَصَابَهُمْ مِنَ الْجَهْدِ وَالْجُوعِ حَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ وَالْمَيْتَةَ، وَجَعَلُوا يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فَلَا يَرَوْنَ إِلَّا الدُّخَانَ -وَفِي رِوَايَةٍ: فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ، فَيَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنَ الْجَهْدِ-[قَالَ] [[زيادة من أ.]] قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَسْقِ اللَّهَ لِمُضَرَ، فَإِنَّهَا قَدْ هَلَكَتْ. فَاسْتَسْقَى لَهُمْ فَسُقُوا فأنزل الله: ﴿إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ﴾ قَالَ: ابْنُ مَسْعُودٍ: فَيُكْشَفُ الْعَذَابُ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَلَمَّا أَصَابَهُمُ الرَّفَاهِيَةُ عَادُوا إِلَى حَالِهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ﴾ ، قَالَ: يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: فَقَدْ مَضَى خَمْسَةٌ: الدُّخَانُ، وَالرُّومُ، وَالْقَمَرُ، وَالْبَطْشَةُ، واللِّزام. وَهَذَا الْحَدِيثُ مُخَرَّجٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ. [[صحيح البخاري برقم (٤٨٢٠) وصحيح مسلم برقم (٢٧٩٨) .]] وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَهُوَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ فِي تَفْسِيرِهِمَا [[في م: "تفسيريهما".]] ، وَعِنْدَ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ، عَنِ الْأَعْمَشِ، بِهِ [[المسند (١/٣٨٠، ٤٣١) وسنن الترمذي برقم (٣٢٥٤) والنسائي في السنن الكبرى برقم (١١٤٨١) وتفسير الطبري (٢٥/٦٦)]] وَقَدْ وَافَقَ ابْنَ مَسْعُودٍ عَلَى تَفْسِيرِ الْآيَةِ بِهَذَا، وَأَنَّ الدُّخَانَ مَضَى، جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ كَمُجَاهِدٍ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالضَّحَّاكِ، وَعَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُسَافِرٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعة، حَدَّثَنَا [[في ت: "وروى ابن أبي حاتم بإسناده عن".]] عَبْدُ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجُ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ﴾ قَالَ: كَانَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ. وَهَذَا الْقَوْلُ غَرِيبٌ جِدًّا بَلْ مُنْكَرٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَمْ يَمْضِ الدُّخَانُ بَعْدُ، بَلْ هُوَ مِنْ أَمَارَاتِ [[في ت: "آيات".]] السَّاعَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَرِيحة [[في ت: "أبي سريحة في".]] حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَشْرَفَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ غُرْفَةٍ وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ السَّاعَةَ، فَقَالَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَرَوْا عَشْرَ آيَاتٍ: طُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَالدُّخَانُ، وَالدَّابَّةُ، وَخُرُوجُ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَخُرُوجُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَالدَّجَّالُ، وَثَلَاثَةُ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بِالْمُشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَنَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ تَسُوقُ النَّاسَ -أَوْ: تَحْشُرُ النَّاسَ-: تَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ بَاتُوا وَتَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قَالُوا" تَفَرَّدَ بِإِخْرَاجِهِ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ [[صحيح مسلم برقم (٢٩٠١) .]] . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ لِابْنِ الصَّيَّادِ: "إِنِّي خَبَأْتُ لَكَ خَبْأ" قَالَ: هُوَ الدُّخ. فَقَالَ لَهُ: "اخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ" قَالَ: وخبأ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ﴾ [[صحيح البخاري برقم (٣٠٥٥) وصحيح مسلم برقم (٢٩٣٠) من حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.]] . وَهَذَا فِيهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّهُ مِنَ الْمُنْتَظَرِ الْمُرْتَقَبِ، وَابْنُ صَيَّادٍ كَاشِفٌ عَلَى طَرِيقَةِ الْكُهَّانِ بِلِسَانِ الْجَانِّ، وَهُمْ يُقَرطمون الْعِبَارَةَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: "هُوَ الدُّخ" يَعْنِي: الدُّخَانَ. فَعِنْدَهَا عَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَادَّتَهُ وَأَنَّهَا شَيْطَانِيَّةٌ، فَقَالَ لَهُ: "اخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ". ثُمَّ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَحَدَّثَنِي عِصَامُ بْنُ رَوَّاد بْنِ الْجَرَّاحِ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ الثَّوْرِيُّ، حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ رِبْعِي بْنِ حِرَاش قَالَ: سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ [[في ت: "وروى ابن أبي حاتم عن حذيفة قال".]] : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّ أَوَّلَ الْآيَاتِ الدَّجَّالُ، وَنُزُولُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَنَارٌ تَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ عَدَنَ أَبْيَنُ، تَسُوقُ النَّاسَ إِلَى الْمَحْشَرِ، تَقِيلُ مَعَهُمْ إِذَا قَالُوا، وَالدُّخَانُ-قَالَ حُذَيْفَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الدُّخَانُ؟ فَتَلَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ -يَمْلَأُ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، يَمْكُثُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلَيْلَةً، أَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيُصِيبُهُ مِنْهُ كَهَيْئَةِ الزُّكْمَةِ [[في ت، م: "الزكام".]] ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ السَّكْرَانِ، يَخْرُجُ مِنْ مَنْخِرَيْهِ وَأُذُنَيْهِ وَدُبُرِهِ" [[تفسير الطبري (٢٥/٦٨) ومن طريقه رواه الثعلبي في تفسيره كما في تخريج أحاديث الكشاف للزيلعي (١١٧٤) والبغوي في معالم التنزيل (٧/٢٣٠) .]] . قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: لَوْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ لَكَانَ فَاصِلًا وَإِنَّمَا لَمْ أَشْهَدْ لَهُ بِالصِّحَّةِ؛ لَأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ خَلَفٍ الْعَسْقَلَانِيَّ حَدَّثَنِي أَنَّهُ سَأَلَ رَوَّادًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ: هَلْ سَمِعَهُ مِنْ سُفْيَانَ؟ فَقَالَ لَهُ: لَا قَالَ: فَقُلْتُ: أَقَرَأْتَهُ عَلَيْهِ؟ قَالَ: لَا قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: فَقُرِئَ عَلَيْهِ وَأَنْتَ حَاضِرٌ فَأَقَرَّ بِهِ؟ فَقَالَ: لَا فَقُلْتُ لَهُ: فَمِنْ أَيْنَ جِئْتَ بِهِ؟ فَقَالَ: جَاءَنِي بِهِ قَوْمٌ فَعَرَضُوهُ عَلَيَّ، وَقَالُوا لِي: اسْمَعْهُ مِنَّا. فَقَرَءُوهُ عليَّ ثُمَّ ذَهَبُوا بِهِ، فَحَدَّثُوا بِهِ عَنِّي، أَوْ كَمَا قَالَ [[تفسير الطبري (٢٥/٦٨) .]] . وَقَدْ أَجَادَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هَاهُنَا، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ بِهَذَا السَّنَدِ، وَقَدْ أَكْثَرَ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ سِيَاقِهِ فِي أَمَاكِنَ مِنْ هَذَا التَّفْسِيرِ، وَفِيهِ مُنْكَرَاتٌ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَلَا سِيَّمَا فِي أَوَّلِ سُورَةِ "بَنِي إِسْرَائِيلَ" فِي ذِكْرِ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، حَدَّثَنَا خَلِيلٌ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يَهِيجُ الدُّخَانُ بِالنَّاسِ، فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَأْخُذُهُ كَالزُّكْمَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيَنْفُخُهُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ كُلِّ مسمع منه". وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبة، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَوْقُوفًا. وَرَوَاهُ عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ قَوْلَهُ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنِي ضَمْضَم بْنُ زُرعَة، عَنْ شُريح بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إن رَبَّكُمْ أَنْذَرَكُمْ ثَلَاثًا: الدُّخَانَ يَأْخُذُ الْمُؤْمِنَ كَالزُّكْمَةِ، وَيَأْخُذُ الْكَافِرَ فَيَنْتَفِخُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ كُلِّ مَسْمَعٍ مِنْهُ وَالثَّانِيَةُ الدَّابَّةُ وَالثَّالِثَةُ الدَّجَّالُ". وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنْ هَاشِمِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، بِهِ [[تفسير الطبري (٢٥/٦٨) والمعجم الكبير (٣/٢٩٢) وقول الحافظ ابن كثير هنا: "هذا إسناد جيد" متعقب فإن لهذه النسخة ثلاث علل: الأولى: محمد بن إسماعيل بن عياش قال أبو حاتم: "لم يسمع من أبيه شيئا، حملوه على أن يحدث فحدث". الثانية: ضمضم بن زرعة، ضعفه أبو حاتم ووثقه ابن معين ومحمد بن إسماعيل بن عياش قال أبو داود: "لم يكن بذاك". الثالثة: شريح بن عبيد، قد كلم في سماعه من أبي مالك الأشعري قال أبو حاتم: "شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ مرسل".]] وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحِ بْنِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمْ تَمْضِ آيَةُ الدُّخَانِ بَعْدُ، يَأْخُذُ الْمُؤْمِنَ كَهَيْئَةِ الزكام، وتنفخ الكافر حتى ينفذ. وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ الْوَلِيدِ بْنِ جُمَيْعٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: يَخْرُجُ الدُّخَانُ فَيَأْخُذُ الْمُؤْمِنَ كَهَيْئَةِ الزُّكَامِ، وَيَدْخُلُ فِي مَسَامِعِ الْكَافِرِ وَالْمُنَافِقِ حَتَّى يَكُونَ كَالرَّأْسِ الْحَنِيذِ، أَيِ: الْمَشْوِيِّ عَلَى الرَّضف. ثُمَّ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّة عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ [[في ت: "وروى ابن أبي حاتم بإسناده".]] ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: غَدَوْتُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: مَا نِمْتُ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ. قُلْتُ: لِمَ؟ قَالَ: قَالُوا طَلَعَ الْكَوْكَبُ ذُو الذَّنَبِ، فَخَشِيتُ أَنْ يَكُونَ الدُّخَانُ قَدْ طَرَقَ، فَمَا نِمْتُ حَتَّى أَصْبَحْتُ [[تفسير الطبري (٢٥/٦٨) .]] وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ [[في ت: "ورواه ابن جرير هكذا"، وفي أ: "وهكذا رواه ابن جرير".]] ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَذَكَرَهُ. وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ حَبْرِ الْأُمَّةِ وَتُرْجُمَانِ الْقُرْآنِ. وَهَكَذَا قَوْلُ مَنْ وَافَقَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ أَجْمَعِينَ، مَعَ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ مِنَ الصِّحَاحِ وَالْحِسَانِ وَغَيْرِهِمَا، الَّتِي أَوْرَدْنَاهَا مِمَّا فِيهِ مَقْنَعٌ وَدَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّ الدُّخَانَ مِنَ الْآيَاتِ الْمُنْتَظَرَةِ، مَعَ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ﴾ أَيْ: بَيِّنٍ وَاضِحٍ يَرَاهُ كُلُّ أَحَدٍ. وَعَلَى مَا فَسَّرَ بِهِ ابْنُ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّمَا هُوَ خَيَالٌ رَأَوْهُ فِي أَعْيُنِهِمْ مِنْ شَدَّةِ الْجُوعِ وَالْجَهْدِ. وَهَكَذَا قَوْلُهُ: ﴿يَغْشَى النَّاسَ﴾ أَيْ: يَتَغَشَّاهُمْ ويَعُمهم [[في أ: "ويغمهم".]] ، وَلَوْ كَانَ أَمْرًا خَيَالِيًّا يَخُصُّ أَهْلَ مكة المشركين لما قِيلَ فِيهِ: ﴿يَغْشَى النَّاسَ﴾ * * * وَقَوْلُهُ: ﴿هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أَيْ: يُقَالُ لَهُمْ ذَلِكَ تَقْرِيعًا وَتَوْبِيخًا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾ [الطُّورِ: ١٣، ١٤] ، أَوْ يَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ذَلِكَ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ﴾ أَيْ: يَقُولُ الْكَافِرُونَ إِذَا عَايَنُوا عَذَابَ اللَّهِ وَعِقَابَهُ سَائِلِينَ رَفْعَهُ وَكَشْفَهُ عَنْهُمْ، كَقَوْلِهِ: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الْأَنْعَامِ: ٢٧] . وَكَذَا قَوْلُهُ: ﴿وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: ٤٤] ، وَهَكَذَا قَالَ هَاهُنَا: ﴿أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ﴾ يَقُولُ: كَيْفَ لَهُمْ بِالتَّذَكُّرِ، وَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رَسُولًا بَيِّنَ الرِّسَالَةِ وَالنِّذَارَةِ، وَمَعَ هَذَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَمَا وَافَقُوهُ، بَلْ كَذَّبُوهُ وَقَالُوا: مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ. وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾ [الْفَجْرِ: ٢٣، ٢٤] ، وَقَوْلُهُ [[في ت، م: "وكقوله".]] تَعَالَى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ. وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ. وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ﴾ [سَبَأٍ: ٥١ -٥٤] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ﴾ [[في ت: "كاشف".]] يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَقُولُهُ [[في أ: "يقول".]] تَعَالَى: وَلَوْ كَشَفْنَا عَنْكُمُ الْعَذَابَ وَرَجَعْنَاكُمْ إِلَى الدَّارِ الدُّنْيَا، لَعُدْتُمْ إِلَى مَا كُنْتُمْ فِيهِ مِنَ الْكُفْرِ وَالتَّكْذِيبِ، كَقَوْلِهِ: ﴿وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الْمُؤْمِنُونَ: ٧٥] ، وَكَقَوْلِهِ: ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [الْأَنْعَامِ: ٢٨] . وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ: إِنَّا مُؤَخِّرُو الْعَذَابِ عَنْكُمْ قَلِيلًا بَعْدَ انْعِقَادِ أَسْبَابِهِ [[في ت، م، أ: "سببه".]] وَوُصُولِهِ إِلَيْكُمْ، وَأَنْتُمْ مُسْتَمِرُّونَ فِيمَا أَنْتُمْ فِيهِ مِنَ الطُّغْيَانِ وَالضَّلَالِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنَ الْكَشْفِ عَنْهُمْ أَنْ يَكُونَ بَاشَرَهُمْ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِلا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾ [يُونُسَ: ٩٨] ، وَلَمْ يَكُنِ الْعَذَابُ بَاشَرَهُمْ، وَاتَّصَلَ بِهِمْ بَلْ كَانَ قَدِ انْعَقَدَ سَبَبُهُ [وَوُصُولُهُ] [[زيادة من ت، أ.]] عَلَيْهِمْ، وَلَا يَلْزَمُ أَيْضًا أَنْ يَكُونُوا قَدْ أَقْلَعُوا عَنْ كُفْرِهِمْ ثُمَّ عَادُوا إِلَيْهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ شُعَيْبٍ أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ حِينَ قَالُوا: ﴿لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّه مِنْهَا﴾ [الْأَعْرَافِ: ٨٨، ٨٩] ، وَشُعَيْبٌ [عَلَيْهِ السَّلَامُ] [[زيادة من ت، م، أ.]] لَمْ يَكُنْ قَطُّ عَلَى مِلَّتِهِمْ وَطَرِيقَتِهِمْ. وَقَالَ قَتَادَةُ: ﴿إِنَّكُمْ عَائِدُونَ﴾ إلى عذاب الله. * * * وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ﴾ فَسَّرَ ذَلِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ بِيَوْمِ بَدْرٍ. وَهَذَا قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِمَّنْ وَافَقَ ابْنَ مَسْعُودٍ عَلَى تَفْسِيرِهِ الدُّخَانَ بِمَا تَقَدَّمَ، وَرُوِيَ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [وَجَمَاعَةٍ] [[زيادة من ت.]] مِنْ رِوَايَةِ الْعَوْفِيِّ، عَنْهُ. وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَجَمَاعَةٍ، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَإِنْ كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ يَوْمَ بَطْشَةٍ أَيْضًا. قَالَ [[في ت: "وروى".]] ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الْبَطْشَةُ الْكُبْرَى: يَوْمُ بَدْرٍ، وَأَنَا أَقُولُ: هِيَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ [[تفسير الطبري (٢٥/٧٠) .]] . وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَنْهُ، وَبِهِ يَقُولُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَعِكْرِمَةُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ [[في ت: "القولين".]] ، عَنْهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب