الباحث القرآني

يَذْكُرُ تَعَالَى نِعَمَهُ عَلَى عَبِيدِهِ فِيمَا سَخَّرَ لَهُمْ مِنَ الْبَحْرِ ﴿لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ﴾ ، وَهِيَ السُّفُنُ فِيهِ بِأَمْرِهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي أَمَرَ الْبَحْرَ أَنْ يَحْمِلَهَا ﴿وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ﴾ أَيْ: فِي الْمَتَاجِرِ وَالْمَكَاسِبِ، ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ أَيْ: عَلَى حُصُولِ الْمَنَافِعِ الْمَجْلُوبَةِ إِلَيْكُمْ مِنَ الْأَقَالِيمِ النَّائِيَةِ وَالْآفَاقِ الْقَاصِيَةِ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ﴾ أَيْ: مِنَ الْكَوَاكِبِ وَالْجِبَالِ، وَالْبِحَارِ وَالْأَنْهَارِ، وَجَمِيعِ مَا تَنْتَفِعُونَ بِهِ، أَيِ: الْجَمِيعُ مِنْ فَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ وَامْتِنَانِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿جَمِيعًا مِنْهُ﴾ أَيْ: مِنْ عِنْدِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي ذَلِكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ﴾ [النَّحْلِ: ٥٣] . وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ﴾ كُلُّ شَيْءٍ هُوَ مِنَ اللَّهِ، وَذَلِكَ الِاسْمُ فِيهِ اسْمٌ مِنْ أَسْمَائِهِ، فَذَلِكَ جَمِيعًا مِنْهُ، وَلَا يُنَازِعُهُ فِيهِ الْمُنَازِعُونَ، وَاسْتَيْقَنَ أَنَّهُ كَذَلِكَ. وَقَالَ [[في ت: "وروى".]] ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَلَف الْعَسْقَلَانِيُّ، حَدَّثَنَا الفِرْياني، عَنْ سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنِ المِنْهال بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي أَرَاكَةَ قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ: مِمَّ خُلِقَ الْخَلْقُ؟ قَالَ: مِنَ النُّورِ وَالنَّارِ، وَالظُّلْمَةِ وَالثَّرَى. قَالَ وَائْتِ ابْنَ عَبَّاسٍ فَاسْأَلْهُ. فَأَتَاهُ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ: ارْجِعْ إِلَيْهِ فَسَلْهُ: مِمَّ خُلِقَ ذَلِكَ كُلُّهُ؟ فَرَجَعَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ، فَتَلَا ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ﴾ هَذَا أَثَرٌ غَرِيبٌ، وَفِيهِ نَكَارَةٌ. ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ * * * وَقَوْلُهُ: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ﴾ أَيْ: يَصْفَحُوا عَنْهُمْ وَيَحْمِلُوا [[في أ: "ويحتملوا".]] الْأَذَى مِنْهُمْ. وَهَذَا كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ، أُمِرُوا أَنْ يَصْبِرُوا عَلَى أَذَى الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ، لِيَكُونَ ذَلِكَ لِتَأْلِيفِ قُلُوبِهِمْ [[في ت، م، أ: "كالتأليف لهم".]] ، ثُمَّ لَمَّا أَصَرُّوا عَلَى الْعِنَادِ شَرَعَ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ الْجِلَادَ وَالْجِهَادَ. هَكَذَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَتَادَةَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ [فِي قَوْلِهِ] [[زيادة من أ.]] ﴿لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ﴾ لَا يُبَالُونَ [[في أ: "ينالون".]] نِعَمَ اللَّهِ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ أَيْ: إِذَا صَفَحُوا [[في أ: "أي اصفحوا".]] عَنْهُمْ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ اللَّهَ مُجَازِيهِمْ بِأَعْمَالِهِمُ السَّيِّئَةِ فِي الْآخِرَةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾ أَيْ: تَعُودُونَ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَتُعْرَضُونَ بِأَعْمَالِكُمْ [عَلَيْهِ] [[زيادة من ت، م، أ.]] فَيَجْزِيكُمْ بِأَعْمَالِكُمْ خَيْرِهَا وَشَرِّهَا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب