الباحث القرآني

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ حُكْمِهِ فِي خَلْقِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَقَالَ: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ أَيْ: آمَنَتْ قُلُوبُهُمْ وَعَمِلَتْ جَوَارِحُهُمُ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَاتِ [[في ت، أ: "الصالحة".]] ، وَهِيَ الْخَالِصَةُ الْمُوَافِقَةُ لِلشَّرْعِ، ﴿فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ﴾ ، وَهِيَ الْجَنَّةُ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ اللَّهَ قَالَ لِلْجَنَّةِ: "أَنْتِ رَحْمَتِي، أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ" [[صحيح البخاري برقم (٤٨٥٠) من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه.]] . ﴿ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ﴾ أَيِ: الْبَيِّنُ الْوَاضِحُ. ثُمَّ قَالَ: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَفَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ﴾ أَيْ: يُقَالُ لَهُمْ ذَلِكَ تَقْرِيعًا وَتَوْبِيخًا: أَمَا [[في أ: "لما".]] قُرِئَتْ عَلَيْكُمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ فَاسْتَكْبَرْتُمْ عَنِ اتِّبَاعِهَا، وَأَعْرَضْتُمْ عِنْدَ [[في أ: "عن".]] سَمَاعِهَا، ﴿وَكُنْتُمْ قَوْمًا مُجْرِمِينَ﴾ أَيْ: فِي أَفْعَالِكُمْ، مَعَ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ قُلُوبُكُمْ مِنَ التَّكْذِيبِ؟ ﴿وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا﴾ أَيْ: إِذَا قَالَ لَكُمُ الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ، ﴿قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ﴾ أَيْ: لَا نَعْرِفُهَا، ﴿إِنْ نَظُنُّ إِلا ظَنًّا﴾ أَيْ: إِنْ نَتَوَهَّمُ وُقُوعَهَا إِلَّا تَوَهُّمًا، أَيْ مَرْجُوحًا [[في أ: "مرجوعا".]] ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ﴾ أَيْ: بِمُتَحَقِّقِينَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا﴾ أَيْ: وَظَهَرَ لَهُمْ عُقُوبَةُ أَعْمَالِهِمُ السَّيِّئَةِ، ﴿وَحَاقَ بِهِمْ﴾ أَيْ: أَحَاطَ بِهِمْ ﴿مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ أَيْ: مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ، ﴿وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنْسَاكُمْ﴾ أَيْ: نُعَامِلُكُمْ مُعَامَلَةَ النَّاسِي لَكُمْ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ﴿كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا﴾ أَيْ: فَلَمْ تَعْمَلُوا لَهُ لِأَنَّكُمْ لَمْ تُصَدِّقُوا بِهِ، ﴿وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ لِبَعْضِ الْعَبِيدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: "أَلَمْ أُزَوِّجْكَ؟ أَلَمْ أُكْرِمْكَ؟ أَلَمْ أُسَخِّرْ لَكَ الْخَيْلَ وَالْإِبِلَ، وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وتَرْبَع؟ فَيَقُولُ: بَلَى، يَا رَبِّ. فَيَقُولُ: أَفَظَنَنْتَ أَنَّكَ مُلاقيّ؟ فَيَقُولُ: لَا. فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: فَالْيَوْمَ أَنْسَاكَ كَمَا نَسِيتَنِي" [[صحيح مسلم برقم (٢٩٦٨) من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه.]] . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا﴾ أَيْ: إِنَّمَا جَازَيْنَاكُمْ هَذَا الْجَزَاءَ لِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ حُجَجَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ سُخْرِيًّا، تَسْخَرُونَ وَتَسْتَهْزِئُونَ بِهَا، ﴿وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ أَيْ: خَدَعَتْكُمْ فَاطْمَأْنَنْتُمْ إِلَيْهَا، فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا﴾ أَيْ: مِنَ النَّارِ ﴿وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾ أَيْ: لَا يُطْلَبُ مِنْهُمُ الْعُتْبَى، بَلْ يُعَذَّبُونَ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَلَا عِتَابٍ، كَمَا تَدْخُلُ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَذَابٍ وَلَا حِسَابٍ. ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَهُ فِي الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ قَالَ: ﴿فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السمواتِ وَرَبِّ الأرْضِ﴾ أَيِ: الْمَالِكِ لَهُمَا وَمَا فِيهِمَا؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ . ثُمَّ قَالَ: ﴿وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السمواتِ وَالأرْضِ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي السُّلْطَانَ. أَيْ: هُوَ الْعَظِيمُ الْمُمَجَّدُ، الَّذِي كَلُّ شَيْءٍ خَاضِعٌ لَدَيْهِ فَقِيرٌ إِلَيْهِ. وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى [[في ت: "أن الله تعالى يقول".]] الْعَظَمَةُ إِزَارِي وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا أَسْكَنْتُهُ نَارِي". وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْأَغَرِّ أَبِي مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، بِنَحْوِهِ [[صحيح مسلم برقم (٢٦٢٠) .]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ أَيِ: الَّذِي لَا يُغَالَبُ وَلَا يُمَانَعُ، ﴿الْحَكِيمُ﴾ فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، وَشَرْعِهِ وَقَدَرِهِ، تَعَالَى وَتَقَدَّسَ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ [[في أ: "لا إله غيره ولا رب سواه".]] . آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ الْجَاثِيَةِ [وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ] [[زيادة من ت، م، أ.]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب