الباحث القرآني

تَفْسِيرُ سُورَةِ الْأَحْقَافِ وَهِيَ مَكِّيَّةٌ. بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * * * يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ نَزَّلَ الْكِتَابَ عَلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ دَائِمًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَوَصَفَ نَفْسَهُ بِالْعِزَّةِ الَّتِي لَا تُرَامُ، وَالْحِكْمَةِ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، ثُمَّ قَالَ: ﴿مَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلا بِالْحَقِّ﴾ أَيْ: لَا عَلَى وَجْهِ الْعَبَثِ وَالْبَاطِلِ، ﴿وَأَجَلٌ مُسَمًّى﴾ أَيْ: إِلَى مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مَضْرُوبَةٍ لَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ. قَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ﴾ أَيْ: لَاهُونَ [[في ت، م، أ: "لاهين".]] عَمَّا يُرَادُ بِهِمْ، وَقَدْ أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ كِتَابًا وَأُرْسِلَ إِلَيْهِمْ رَسُولٌ، وَهُمْ مُعْرِضُونَ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، أَيْ: وَسَيَعْلَمُونَ غِبَّ ذَلِكَ. ثُمَّ قَالَ: ﴿قُلْ﴾ أَيْ: لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْعَابِدِينَ مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ: ﴿أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأرْضِ﴾ أَيْ: أَرْشِدُونِي إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي اسْتَقَلُّوا بِخَلْقِهِ مِنَ الْأَرْضِ، ﴿أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ﴾ أَيْ: وَلَا شِرْكَ لَهُمْ فِي السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ، وَمَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ، إِنِ المُلْك والتصرّف كله إلا الله، عَزَّ وَجَلَّ، فَكَيْفَ تَعْبُدُونَ مَعَهُ غَيْرَهُ، وَتُشْرِكُونَ بِهِ؟ مَنْ أَرْشَدَكُمْ إِلَى هَذَا؟ مَنْ دَعَاكُمْ إِلَيْهِ؟ أَهْوَ أَمَرَكُمْ بِهِ؟ أَمْ هُوَ شَيْءٌ اقْتَرَحْتُمُوهُ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ؟ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا﴾ أَيْ: هَاتُوا كِتَابًا مِنْ كُتُبِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ [[في ت، م، أ: "هاتوا كتابا من الكتب المنزلة على أنبيائهم".]] ، عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، يَأْمُرُكُمْ بِعِبَادَةِ هَذِهِ الْأَصْنَامِ، ﴿أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ﴾ أَيْ: دَلِيلٍ بَيِّن عَلَى هَذَا الْمَسْلَكِ الَّذِي سَلَكْتُمُوهُ ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ أَيْ: لَا دَلِيلَ لَكُمْ نَقْلِيًّا وَلَا عَقْلِيًّا عَلَى ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا قَرَأَ آخَرُونَ: "أَوْ أثَرَة مِنْ عِلْمٍ" أَيْ: أَوْ عِلْمٍ صَحِيحٍ يَأْثُرُونَهُ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ قَبْلَهُمْ، كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ﴾ أَوْ أحد يأثُر علما. وَقَالَ العَوْفي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَوْ بَيِّنَةٍ مِنَ الْأَمْرِ. وَقَالَ [[في ت: "وروى".]] الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ [[في أ: "عن" وهو خطأ.]] سُلَيم، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ سُفْيَانُ: لَا أَعْلَمُ إِلَّا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: "أَوْ أثَرَة مِنْ عِلْمٍ" قَالَ: "الْخَطُّ" [[المسند (١/٢٢٦) .]] . وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ: أَوْ بَقِيَّةٍ مِنْ عِلْمٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: ﴿أَوْ أَثَارَةٍ﴾ شَيْءٌ يَسْتَخْرِجُهُ فَيُثِيرُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ أَيْضًا: ﴿أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ﴾ يَعْنِي الْخَطَّ. وَقَالَ قَتَادَةُ: ﴿أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ﴾ خَاصَّةٍ مِنْ عِلْمٍ. وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مُتَقَارِبَةٌ، وَهِيَ رَاجِعَةٌ إِلَى مَا قُلْنَاهُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَكْرَمَهُ، وَأَحْسَنَ مَثْوَاهُ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ﴾ أَيْ: لَا أَضَلَّ مِمَّنْ يَدْعُو أَصْنَامًا، وَيَطْلُبُ مِنْهَا مَا لَا تَسْتَطِيعُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَهِيَ غَافِلَةٌ عَمَّا يَقُولُ، لَا تَسْمَعُ وَلَا تُبْصِرُ وَلَا تَبْطِشُ؛ لِأَنَّهَا جَمَادٌ حجَارة صُمّ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ﴾ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا﴾ [مَرْيَمَ: ٨١، ٨٢] أَيْ: سَيَخُونُونَهُمْ [[في أ: "سيجدونهم".]] أَحْوَجَ مَا يَكُونُونَ إِلَيْهِمْ، وَقَالَ الْخَلِيلُ: ﴿إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾ [الْعَنْكَبُوتِ: ٢٥] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب