الباحث القرآني

يَقُولُ تَعَالَى: ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْكَافِرِينَ بِالْقُرْآنِ: ﴿أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ﴾ هَذَا الْقُرْآنُ ﴿مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ﴾ أَيْ: مَا ظَنُّكُمْ أَنَّ اللَّهَ صَانِعٌ بِكُمْ إِنْ كَانَ هَذَا الْكِتَابُ الَّذِي جِئْتُكُمْ بِهِ قد أنزله عليَّ لِأُبَلِّغَكُمُوهُ، وَقَدْ كَفَرتم بِهِ وَكَذَّبْتُمُوهُ، ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ﴾ أَيْ: وَقَدْ شَهِدَتْ بِصِدْقِهِ وَصِحَّتِهِ الْكُتُبُ الْمُتَقَدِّمَةُ الْمُنَزَّلَةُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ قَبْلِي، بَشَّرَتْ بِهِ وَأَخْبَرَتْ بِمِثْلِ مَا أَخْبَرَ هَذَا الْقُرْآنُ بِهِ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿فَآمَنَ﴾ أَيْ: هَذَا الَّذِي شَهِدَ بِصِدْقِهِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِمَعْرِفَتِهِ بِحَقِّيَّتِهِ ﴿وَاسْتَكْبَرْتُمْ﴾ أَنْتُمْ: عَنِ اتِّبَاعِهِ. وَقَالَ مَسْرُوقٌ: فَآمَنَ هَذَا الشَّاهِدُ بِنَبِيِّهِ وَكِتَابِهِ، وَكَفَرْتُمْ أَنْتُمْ بِنَبِيِّكُمْ وَكِتَابِكُمْ ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ وَهَذَا الشَّاهِدُ اسْمُ جِنْسٍ يعم عبد الله بن سلام وغير، هـ فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَكِّيَّةٌ نَزَلَتْ قَبْلَ إِسْلَامِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ. وَهَذِهِ كَقَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ﴾ [الْقَصَصِ: ٥٣] ، وَقَالَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأذْقَانِ سُجَّدًا وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولا﴾ [الْإِسْرَاءِ: ١٠٧، ١٠٨] . قَالَ مَسْرُوقٌ، وَالشَّعْبِيُّ: لَيْسَ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، هَذِهِ الْآيَةُ مَكِّيَّةٌ، وَإِسْلَامُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ كَانَ بِالْمَدِينَةِ. رَوَاهُ عَنْهُمَا ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ. وَقَالَ مَالِكٌ، عَنْ أَبِي النَّضْر، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ [[في أ: "سعيد".]] ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَا سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ لِأَحَدٍ يَمْشِي عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ: "إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ"، إِلَّا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، قَالَ: وَفِيهِ نَزَلَتْ: ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ﴾ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ، مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، بِهِ [[صحيح البخاري برقم (٣٨١٢) وصحيح مسلم برقم (٢٤٨٣) والنسائي في السنن الكبرى برقم (٨٢٥٢) .]] . وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَالضَّحَّاكُ، وَقَتَادَةُ، وَعِكْرِمَةُ، وَيُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَهِلَالُ بْنُ يَسَاف، والسُّدَّي، وَالثَّوْرِيُّ، وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَابْنُ زَيْدٍ؛ أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ قَالُوا: إِنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ. * * * وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ﴾ أَيْ: قَالُوا عَنِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْقُرْآنِ: لَوْ كَانَ الْقُرْآنُ خَيْرًا مَا سَبَقَنَا هَؤُلَاءِ إِلَيْهِ [[في ت: "ما سبقونا إليه هؤلاء".]] . يَعْنُونَ بِلَالًا وَعَمَّارًا وصُهَيبا وَخَبَّابًا وَأَشْبَاهَهُمْ وَأَقْرَانَهُمْ [[في أ: "وأضرابهم".]] مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَالْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّهُمْ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَجَاهَةً وَلَهُ بِهِمْ عِنَايَةً. وَقَدْ غَلِطُوا فِي ذَلِكَ غَلَطًا فَاحِشًا، وَأَخْطَئُوا خَطَأً بَيِّنًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا﴾ [الْأَنْعَامِ: ٥٣] أَيْ: يَتَعَجَّبُونَ: كَيْفَ اهْتَدَى هَؤُلَاءِ دُونَنَا؛ وَلِهَذَا قَالُوا: ﴿لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ﴾ وَأَمَّا أَهْلُ السُّنَّةِ [[في م، ت، أ: "يعني المؤمنين، وأما أهل السنة".]] وَالْجَمَاعَةِ فَيَقُولُونَ فِي كُلِّ فِعْلٍ وَقَوْلٍ لَمْ يَثْبُتْ عَنِ الصَّحَابَةِ: هُوَ بِدْعَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ خَيْرًا لسبقونا إليه، لأنهم لَمْ يَتْرُكُوا خَصْلَةً مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ إِلَّا وَقَدْ بَادَرُوا إِلَيْهَا [[في ت، م: "إليه".]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ﴾ أَيْ: بِالْقُرْآنِ ﴿فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ﴾ أَيْ: كَذِبٌ ﴿قَدِيمٌ﴾ أَيْ: مَأْثُورٌ عَنِ الْأَقْدَمِينَ، فَيَنْتَقِصُونَ الْقُرْآنَ وَأَهْلَهُ، وَهَذَا هُوَ الْكِبْرُ الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "بَطَرُ [[في أ: "الكبر بطر".]] الْحَقِّ، وغَمْط النَّاسِ" [[رواه مسلم في صحيحه برقم (٩١) مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.]] . ثُمَّ قَالَ: ﴿وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى﴾ وَهُوَ التَّوْرَاةُ ﴿إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ﴾ يَعْنِي: الْقُرْآنَ ﴿مُصَدِّقٌ﴾ أَيْ: لِمَا قَبْلَهُ مِنَ الْكُتُبِ ﴿لِسَانًا عَرَبِيًّا﴾ أَيْ: فَصِيحًا بَيِّنًا وَاضِحًا، ﴿لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ﴾ أَيْ: مُشْتَمِلٌ عَلَى النِّذَارَةِ لِلْكَافِرِينَ وَالْبِشَارَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا فِي سُورَةِ "حم، السَّجْدَةِ". [[راجع تفسير هذه الآية عند الآية: ٣٠ من سورة السجدة.]] * * * وَقَوْلُهُ: ﴿فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ أَيْ: فِيمَا يَسْتَقْبِلُونَ، ﴿وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ عَلَى مَا خَلَّفُوا، ﴿أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ أَيِ: الْأَعْمَالُ سَبَبٌ لِنَيْلِ الرَّحْمَةِ لَهُمْ وسُبُوغها [[وشيوعها".]] عليهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب