الباحث القرآني

يَقُولُ: ﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ﴾ أَيْ: عَلَى بَصِيرَةٍ وَيَقِينٍ فِي أَمْرِ اللَّهِ وَدِينِهِ، بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ مِنَ الْهُدَى وَالْعِلْمِ، وَبِمَا جَبَله اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ الْفِطْرَةِ الْمُسْتَقِيمَةِ، ﴿كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ﴾ أَيْ: لَيْسَ هَذَا، كَهَذَا كَقَوْلِهِ: ﴿أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى﴾ [الرَّعْدِ: ١٩] ، وَكَقَوْلِهِ: ﴿لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ [الْحَشْرِ: ٢٠] . ثُمَّ قَالَ: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ﴾ قَالَ عِكْرِمَةُ: ﴿مَثَلُ الْجَنَّةِ﴾ أَيْ: نَعْتُهَا [[في ت، م، أ: "نعيمها".]] : ﴿فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ: يَعْنِي غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: غَيْرُ مُنْتِنٍ. وَالْعَرَبُ تَقُولُ: أَسِن الْمَاءُ، إِذَا تَغَيَّر رِيحُهُ. وَفِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ أَوْرَدَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ﴿غَيْرِ آسِنٍ﴾ يَعْنِي: الصَّافِي الَّذِي لَا كَدَر فِيهِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا وَكِيع، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّة [[في ت: "وروى ابن أبي حاتم بسنده".]] ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَنْهَارُ الْجَنَّةِ تُفَجَّر من جبل من مسك. ﴿وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ﴾ أَيْ: بَلْ فِي غَايَةِ الْبَيَاضِ وَالْحَلَاوَةِ وَالدُّسُومَةِ. وَفِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ: "لَمْ يَخْرُجْ مِنْ ضُرُوع الْمَاشِيَةِ". ﴿وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ﴾ أَيْ: لَيْسَتْ كَرِيهَةَ الطَّعْمِ وَالرَّائِحَةِ كَخَمْرِ الدُّنْيَا، بَلْ [هِيَ] [[زيادة من ت، أ.]] حَسَنَةُ الْمَنْظَرِ وَالطَّعْمِ وَالرَّائِحَةِ وَالْفِعْلِ، ﴿لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزفُونَ﴾ [الصَّافَّاتِ: ٤٧] ، ﴿لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزفُونَ﴾ [الْوَاقِعَةِ: ١٩] ، ﴿بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ﴾ [الصَّافَّاتِ: ٤٦] ، وَفِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ: "لَمْ تَعْصُرْهَا الرِّجَالُ بِأَقْدَامِهَا". [وَقَوْلُهُ] [[زيادة من ت.]] ﴿وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى﴾ أَيْ: وَهُوَ فِي غَايَةِ الصَّفَاءِ، وَحُسْنِ اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ وَالرِّيحِ، وَفِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ: "لَمْ يَخْرُجْ مِنْ بُطُونِ النَّحْلِ". وَقَالَ [[في ت: "وروى".]] الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا الجُريري، عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "فِي الْجَنَّةِ بَحْرُ اللَّبَنِ، وَبَحْرُ الْمَاءِ، وَبَحْرُ الْعَسَلِ، وَبَحْرُ الْخَمْرِ، ثُمَّ تَشَقَّقُ الْأَنْهَارُ مِنْهَا بَعْدُ". وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي "صِفَةِ الْجَنَّةِ"، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشار، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ إِيَاسٍ الجَريري، بِهِ [[المسند (٥/٥) وسنن الترمذي برقم (٢٥٧١) ورواه أبو نعيم في الحلية (٦/٢٠٤) عن طريق الجريري به، وقال: "غريب عن الجريري تفرد به عن حكيم".]] وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ [[في ت: "وروى ابن مردويه".]] حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ أَبُو قُدَامَةَ الْإِيَادِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "هَذِهِ الْأَنْهَارُ تَشخُبُ مِنْ جَنَّةِ عَدْنٍ فِي جَوْبَة، ثُمَّ تَصَدَّعُ بَعْدُ أَنْهَارًا" [[ورواه أبو نعيم في صفة الجنة برقم (٣١٤) من طريق معلى بن أسد عن الحارث بن عبيد به.]] وَفِي الصَّحِيحِ: "إِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَأَعْلَى الْجَنَّةِ، وَمِنْهُ تُفَجَّر أَنْهَارُ الْجَنَّةِ، وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ" [[سبق تخريج الحديث عند تفسير الآية: ١٣٣ من سورة آل عمران.]] . وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْزَةَ الزُّبَيْرِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصفر السُّكَّرِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ دَلْهَمِ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَاجِبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ الْمُنْتَفِقِ الْعُقَيْلِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمِّهِ لَقِيطِ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ دَلْهَمٌ: وَحَدَّثَنِيهِ أَيْضًا أَبُو الْأَسْوَدِ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ لَقِيطٍ أَنَّ لقيط بْنَ عَامِرٍ خَرَجَ وَافِدًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قلت: يا رسول اللَّهِ، فَعَلَامَ نَطَّلِعُ مِنَ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: "عَلَى أَنْهَارِ عَسَلٍ مُصَفًّى، وَأَنْهَارٍ مِنْ خَمْرٍ [[في ت، م، أ: "كأس".]] مَا بِهَا صُدَاعٌ وَلَا نَدَامَةٌ، وَأَنْهَارٍ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ، وَمَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ، وَفَاكِهَةٍ، لَعَمْرُ إِلَهِكَ مَا تَعْلَمُونَ وَخَيْرٍ مِنْ مِثْلِهِ، وأزواج مطهرة" قلت: يا رسول الله، أو لنا فِيهَا أَزْوَاجٌ مُصْلِحَاتٌ؟ قَالَ: "الصَّالِحَاتُ لِلصَّالِحِينَ تَلَذُّونَهُنَّ مِثْلَ لَذَّاتِكُمْ فِي الدُّنْيَا وَيَلَذُّونَكُمْ، غَيْرَ أَلَّا تَوَالُدَ" [[المعجم الكبير (١٩/٢١١) من حديث طويل كأن الحافظ اختصره، وصورة السند في المعجم الكبير: "حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْزَةَ الزُّبَيْرِيُّ وعبد الله بن الصقر العسكري -وصوابه: السُّكَّرِيُّ- قَالَا: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ، حدثنا عبد الرحمن بن المغيرة بن عبد الله بن خالد بن حزام، حدثني عبد الرحمن بن عياش الأنصاري ثم المسعودي عن دلهم بن الْأَسْوَدِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ لَقِيطٍ أَنَّ لَقِيطَ بن عامر خرج ... الحديث". وهناك عطف بالواو يوهم أن هناك إسنادا آخر رواه الطبراني، وليس عنده إلا من هذا الطريق، وقد رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي زوائد المسند (٤/١٣) من طريق إبراهيم بن حمزة بن مصعب بن الزبير عن عبد الرحمن بن المغيرة الحزامي عن عبد الله بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ دَلْهَمِ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَاجِبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ الْمُنْتَفِقِ الْعُقَيْلِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمِّهِ لَقِيطِ بن عامر فذكره.]] . وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عُبَيْدَةَ [[في م: "عبيد".]] ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، أَخْبَرَنِي الْجُرَيْرِيُّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ [[في ت: "وروى ابن أبي الدنيا بسنده".]] ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَعَلَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ أَنْهَارَ الْجَنَّةِ تَجْرِي فِي أُخْدُودٍ فِي الْأَرْضِ، وَاللَّهِ إِنَّهَا لَتَجْرِي سَائِحَةً عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، حَافَّاتُهَا قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ، وَطِينُهَا الْمِسْكُ الأذْفَر [[وذكره المنذري في الترغيب والترهيب (٤/٥١٨) وقال: "وروى ابن أبي الدنيا بسنده".]] . وَقَدْ رواه أبو بكر ابن مَرْدُويه، مِنْ حَدِيثِ مَهْدِيِّ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، بِهِ مَرْفُوعًا [[ورواه أبو نعيم في الحلية (٦/٢٠٥) من طريق محمد بن أحمد الزهري عن مهدي بن حكيم بن مهدي به مرفوعا.]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾ ، كَقَوْلِهِ: ﴿يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ﴾ [الدُّخَانِ: ٥٥] . وَقَوْلِهِ: ﴿فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ﴾ [الرَّحْمَنِ: ٥٢] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ﴾ أَيْ: مَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ﴾ أَيْ: أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرْنَا مَنْزِلَتَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ؟ لَيْسَ هَؤُلَاءِ كَهَؤُلَاءِ، أَيْ: لَيْسَ مَنْ هُوَ فِي الدَّرَجَاتِ كَمَنْ هُوَ [[في م: "هو خالد".]] فِي الدَّرَكَاتِ، ﴿وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا﴾ أَيْ: حَارًّا [[في ت: "صار".]] شَدِيدَ الْحَرِّ، لَا يُسْتَطَاعُ. ﴿فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ﴾ أَيْ: قَطَّعَ مَا فِي بُطُونِهِمْ مِنَ الْأَمْعَاءِ وَالْأَحْشَاءِ، عِيَاذًا بالله من ذلك.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب