الباحث القرآني

يَقُولُ تَعَالَى: ﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ﴾ أَيْ: اعْتَقَدَ [[في م: "أيعتقد".]] الْمُنَافِقُونَ أَنَّ اللَّهَ لَا يَكْشِفُ أَمْرَهُمْ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ؟ بَلْ سَيُوَضِّحُ أَمْرَهُمْ وَيُجَلِّيهِ حَتَّى يَفْهَمَهُمْ [[في أ: "يفهمه".]] ذَوُو الْبَصَائِرِ، وَقَدْ أَنْزَلَ تَعَالَى فِي ذَلِكَ سُورَةَ "بَرَاءَةَ"، فَبَيَّنَ فِيهَا فَضَائِحَهُمْ وَمَا يَعْتَمِدُونَهُ مِنَ الْأَفْعَالِ الدَّالَّةِ عَلَى نِفَاقِهِمْ؛ وَلِهَذَا إِنَّمَا كَانَتْ تُسَمَّى الْفَاضِحَةَ. وَالْأَضْغَانُ: جَمْعُ ضِغْنٍ، وَهُوَ مَا فِي النُّفُوسِ مِنَ الْحَسَدِ وَالْحِقْدِ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ وَالْقَائِمِينَ بِنَصْرِهِ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَوْ نَشَاءُ لأرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ﴾ يَقُولُ تَعَالَى: وَلَوْ نَشَاءُ يَا مُحَمَّدُ لَأَرَيْنَاكَ أَشْخَاصَهُمْ، فَعَرَفْتَهُمْ [[في ت: "تعرفهم".]] عِيَانًا، وَلَكِنْ لَمْ يَفْعَلْ تَعَالَى ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْمُنَافِقِينَ سِتْرًا مِنْهُ عَلَى خَلْقِهِ، وَحَمْلًا لِلْأُمُورِ عَلَى ظَاهِرِ السَّلَامَةِ، وَرَدَّ السَّرَائِرِ إِلَى عَالِمِهَا، ﴿وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ﴾ أَيْ: فِيمَا يَبْدُو مِنْ كَلَامِهِمُ الدَّالِّ عَلَى مَقَاصِدِهِمْ، يَفْهَمُ الْمُتَكَلِّمُ مِنْ أَيِّ الْحِزْبَيْنِ هُوَ بِمَعَانِي كَلَامِهِ وَفَحْوَاهُ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ لَحْنِ الْقَوْلِ، كَمَا قَالَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَا أَسَرَّ أَحَدٌ سَرِيرَةً إِلَّا أَبْدَاهَا اللَّهُ عَلَى صَفَحَاتِ وَجْهِهِ، وَفَلَتَاتِ لِسَانِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ: "مَا أسر أحد سريرة إلا كساه الله جِلْبَابَهَا، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ" [[سيأتي تخريج هذا الحديث عند تفسير الآية: ٢٩ من سورة الفتح.]] . وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى نِفَاقِ الرَّجُلِ، وَتَكَلَّمْنَا عَلَى نِفَاقِ الْعَمَلِ وَالِاعْتِقَادِ [[في أ: "النفاق العملي والاعتقادي".]] فِي أَوَّلِ "شَرْحِ الْبُخَارِيِّ"، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ ها هنا. وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ تَعْيِينُ جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سَلَمَةَ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عِيَاضٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خُطْبَةً فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ مِنْكُمْ [[في ت: "فيكم".]] مُنَافِقِينَ، فَمَنْ سَمَّيْتُ فَلْيَقُمْ". ثُمَّ قَالَ: "قُمْ يَا فُلَانُ، قُمْ يَا فُلَانُ، قُمْ يَا فُلَانُ". حَتَّى سَمَّى سِتَّةً وَثَلَاثِينَ رَجُلًا ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ فِيكُمْ -أَوْ: مِنْكُمْ [[في ت: "ومنكم".]] -فَاتَّقُوا اللَّهَ". قَالَ: فَمَرَّ عُمَرُ بِرَجُلٍ مِمَّنْ سَمَّى مُقَنَّعٌ قَدْ كَانَ يَعْرِفُهُ، فَقَالَ: مَا لَكَ؟ فَحَدَّثَهُ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: بُعْدًا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ [[المسند (٥/٢٧٣) قال الهيثمي في المجمع (١/١١٢) : "فيه عياض بن أبي عياض عن أبيه ولم أر من ترجمهما".]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ﴾ أَيْ: وَلَنَخْتَبِرَنَّكُمْ بِالْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، ﴿حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾ . وَلَيْسَ فِي تَقَدُّمِ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ أَنَّهُ سَيَكُونُ شَكٌّ وَلَا رَيْبٌ، فَالْمُرَادُ: حَتَّى نَعْلَمَ وُقُوعَهُ؛ وَلِهَذَا يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي مِثْلِ هَذَا: إِلَّا لِنَعْلَمَ، أَيْ: لِنَرَى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب