الباحث القرآني

يَقُولُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ -صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ [[في ت، م: "صلى الله عليه وسلم".]] ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا﴾ أَيْ: عَلَى الْخَلْقِ، ﴿وَمُبَشِّرًا﴾ أَيْ: لِلْمُؤْمِنِينَ، ﴿وَنَذِيرًا﴾ أَيْ: لِلْكَافِرِينَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا فِي سُورَةِ "الْأَحْزَابِ" [[عند الآية الخامسة والأربعين.]] . ﴿لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ﴾ ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: يُعَظِّمُوهُ، ﴿وَتُوَقِّرُوهُ﴾ مِنَ التَّوْقِيرِ وَهُوَ الِاحْتِرَامُ وَالْإِجْلَالُ وَالْإِعْظَامُ، ﴿وَتُسَبِّحُوهُ﴾ أَيْ: يُسَبِّحُونَ اللَّهَ، ﴿بُكْرَةً وَأَصِيلا﴾ أَيْ: أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى لِرَسُولِهِ ﷺ تَشْرِيفًا لَهُ وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ﴾ كَقَوْلِهِ ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾ [النِّسَاءِ: ٨٠] ، ﴿يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ أَيْ: هُوَ حَاضِرٌ مَعَهُمْ يَسْمَعُ أَقْوَالَهُمْ وَيَرَى مَكَانَهُمْ، وَيَعْلَمُ ضَمَائِرَهُمْ وَظَوَاهِرَهُمْ، فهو تعالى هو المبايع بواسطة رسوله ﷺ كَقَوْلِهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التَّوْبَةِ: ١١١] . وَقَدْ قَالَ [[في ت: "وروى".]] ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ يَحْيَى الْأَنْبَارِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ بَكَّارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَنْ سَلَّ سَيْفَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَدْ بَايَعَ اللَّهَ" [[ورواه ابن مردويه كما في الجامع الصغير، ورمز له السيوطي بالضعف.]] . وَحَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الْمُغِيرَةِ، أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في الْحَجَرِ: "وَاللَّهِ لَيَبْعَثُهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُ عَيْنَانِ يَنْظُرُ بِهِمَا، وَلِسَانٌ يَنْطِقُ، بِهِ وَيَشْهَدُ عَلَى مَنِ اسْتَلَمَهُ بِالْحَقِّ، فَمَنِ اسْتَلَمَهُ فَقَدْ بَايَعَ اللَّهَ"، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ﴾ [[ورواه الترمذي في السنن برقم (٩٦١) من طريق قتيبة عن جرير بإسناده إلى قوله: "يشهد على من استلمه بالحق" ولم يذكر الآية، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن".]] . وَلِهَذَا قَالَ هَاهُنَا: ﴿فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ﴾ أَيْ: إِنَّمَا يَعُودُ وَبَالُ ذَلِكَ عَلَى النَّاكِثِ، وَاللَّهُ غَنِيٌّ عَنْهُ، ﴿وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ أَيْ: ثَوَابًا جَزِيلًا. وَهَذِهِ الْبَيْعَةُ هِيَ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ، وَكَانَتْ تَحْتَ شَجَرَةِ سَمُر بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَكَانَ الصَّحَابَةُ الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَوْمَئِذٍ قيل: ألف وثلثمائة. وَقِيلَ: أَرْبَعُمِائَةٍ. وَقِيلَ: وَخَمْسُمِائَةٍ. وَالْأَوْسَطُ [[في ت: "والأول".]] أَصَحُّ. ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ: قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ. وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، بِهِ [[صحيح البخاري برقم (٤٨٤٠) وصحيح مسلم برقم (١٨٥٦) .]] . وَأَخْرَجَاهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشُ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا يَوْمَئِذٍ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ، وَوَضَعَ يَدَهُ فِي ذَلِكَ الْمَاءِ، فَنَبَعَ الْمَاءُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، حَتَّى رَوَوْا كُلُّهُمْ [[صحيح البخاري برقم (٤١٥٤) وصحيح مسلم برقم (١٨٥٦) .]] . وَهَذَا مُخْتَصَرٌ مِنْ سِيَاقٍ آخَرَ حِينَ ذَكَرَ قِصَّةَ عَطَشِهِمْ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَعْطَاهُمْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ، فَوَضَعُوهُ فِي بِئْرِ الْحُدَيْبِيَةِ، فَجَاشَتْ بِالْمَاءِ، حَتَّى كَفَتْهُمْ، فَقِيلَ لِجَابِرٍ: كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: كُنَّا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ، وَلَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا [[رواه البخاري في صحيحه برقم (٥٦٣٩) .]] . وَفِي رِوَايَةٍ [فِي] [[زيادة من م، أ.]] الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَابِرٍ: أَنَّهُمْ كَانُوا خَمْسَ عَشْرَةَ مائة [[صحيح البخاري برقم (٤١٥٢) وصحيح مسلم برقم (١٨٥٦) .]] . وَرَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ، قُلْتُ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: كَمْ كَانَ الَّذِينَ شَهِدُوا بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ؟ قَالَ: خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً. قُلْتُ: فَإِنَّ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانُوا أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً. قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَهِمَ، هُوَ حَدَّثَنِي أَنَّهُمْ كَانُوا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً [[صحيح البخاري برقم (٤١٥٣) .]] . قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: هَذِهِ الرِّوَايَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي الْقَدِيمِ يَقُولُ: خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً، ثُمَّ ذَكَرَ الْوَهْمَ فَقَالَ: أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً [[دلائل النبوة للبيهقي (٤/٩٧) .]] . وَرَوَى الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُمْ كَانُوا أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ وَخَمْسَةً وَعِشْرِينَ. وَالْمَشْهُورُ الَّذِي رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْهُ: أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً، وَهَذَا هُوَ الَّذِي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ الْحَاكِمِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنِ الْعَبَّاسِ الدُّورِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ، عَنْ شَبَّابَةَ بْنِ سَوَّارٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ تَحْتَ الشَّجَرَةِ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ [[دلائل النبوة للبيهقي (٤/٩٨) .]] . وَكَذَلِكَ هُوَ فِي رِوَايَةِ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، وَمَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ. وَبِهِ يَقُولُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ الْمَغَازِي وَالسِّيَرِ. وَقَدْ أَخْرَجَ صَاحِبَا الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى يَقُولُ: كَانَ أَصْحَابُ الشَّجَرَةِ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ، وَكَانَتْ أَسْلَمُ يَوْمَئِذٍ ثُمُنَ الْمُهَاجِرِينَ [[صحيح البخاري برقم (٤١٥٥) وصحيح مسلم برقم (١٨٥٧) .]] . وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ المسور بن مخرمة، ومروان بن الْحَكَمِ، أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ قَالَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ يُرِيدُ زِيَارَةَ الْبَيْتِ، لَا يُرِيدُ قِتَالًا وَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ سَبْعِينَ بَدَنَةً، وَكَانَ النَّاسُ سَبْعَمِائَةِ رَجُلٍ، كُلُّ بَدَنَةٍ عَنْ عَشَرَةِ نَفَرٍ، وَكَانَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْهُ يَقُولُ: كُنَّا أَصْحَابَ الْحُدَيْبِيَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً [[انظر: السيرة النبوية لابن هشام (٢/٣٠٨) .]] . كَذَا قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَهُوَ مَعْدُودٌ مِنْ أَوْهَامِهِ، فَإِنَّ الْمَحْفُوظَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُمْ كَانُوا بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً. ذِكْرُ سَبَبِ هَذِهِ الْبَيْعَةِ الْعَظِيمَةِ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ فِي السِّيرَةِ: ثُمَّ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لِيَبْعَثَهُ إِلَى مَكَّةَ لِيُبَلِّغَ عَنْهُ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مَا جَاءَ لَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَخَافُ قُرَيْشًا عَلَى نَفْسِي، وَلَيْسَ بِمَكَّةَ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ مَنْ يَمْنَعُنِي، وَقَدْ عَرَفَتْ قُرَيْشٌ عَدَاوَتِي إِيَّاهَا، وَغِلَظِي [[في ت، م: "غلظتي".]] عَلَيْهَا، وَلَكِنِّي أَدُلُّكَ عَلَى رَجُلٍ أَعَزَّ بِهَا مِنِّي، عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، فَبَعَثَهُ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ وَأَشْرَافِ قُرَيْشٍ، يُخْبِرُهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ لِحَرْبٍ، وَأَنَّهُ جَاءَ زائرا لهذا البيت ومعظما لحرمته. فَخَرَجَ عُثْمَانُ إِلَى مَكَّةَ، فَلَقِيَهُ أَبَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ حِينَ دَخَلَ مَكَّةَ، أَوْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَهَا، فَحَمَلَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ أَجَارَهُ حَتَّى بَلَّغَ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَانْطَلَقَ عُثْمَانُ حَتَّى أَتَى أَبَا سُفْيَانَ وَعُظَمَاءَ قُرَيْشٍ فَبَلَّغَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ [ﷺ] [[زيادة من ت، م.]] مَا أَرْسَلَهُ بِهِ، فَقَالُوا لِعُثْمَانَ حِينَ فَرَغَ مِنْ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَيْهِمْ: إِنْ شِئْتَ أَنْ تَطُوفَ بِالْبَيْتِ فَطُفْ. فَقَالَ: مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ حَتَّى يَطُوفَ بِهِ رَسُولُ ﷺ. وَاحْتَبَسَتْهُ قُرَيْشٌ عِنْدَهَا، فَبَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَالْمُسْلِمِينَ أَنَّ عُثْمَانَ قَدْ قُتِلَ. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قَالَ حِينَ بَلَغَهُ أَنَّ عُثْمَانَ قَدْ قُتِلَ: "لَا نَبْرَحُ حَتَّى نُنَاجِزَ الْقَوْمَ". وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ. فَكَانَتْ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، فَكَانَ النَّاسُ يَقُولُونَ: بَايَعَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى الْمَوْتِ. وَكَانَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمْ يُبَايِعْهُمْ عَلَى الْمَوْتِ، وَلَكِنْ بَايَعَنَا عَلَى أَلَّا نَفِرَّ. فَبَايَعَ النَّاسُ، وَلَمْ يَتَخَلَّفْ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَضَرَهَا إِلَّا الْجَدَّ بْنَ قَيْسٍ أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، فَكَانَ جَابِرٌ يَقُولُ: وَاللَّهِ لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ لَاصِقًا بِإِبِطِ نَاقَتِهِ، قَدْ ضَبَأَ إِلَيْهَا يَسْتَتِرُ بِهَا مِنَ النَّاسِ، ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَنَّ الَّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِ عُثْمَانَ بَاطِلٌ. [[السيرة النبوية لابن هشام (٢/٣١٥) .]] وَذَكَرَ ابْنُ لَهِيعَةَ عَنِ الْأَسْوَدِ [[في ت: "أبي الأسود".]] . عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَرِيبًا مِنْ هَذَا السِّيَاقِ، وَزَادَ فِي سِيَاقِهِ: أَنَّ قُرَيْشًا بَعَثُوا وَعِنْدَهُمْ عُثْمَانُ [بْنُ عَفَّانَ] [[زيادة من أ.]] سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو، وَحُوَيْطِبَ بْنَ عَبْدِ الْعُزَّى، وَمِكْرَزَ بْنَ حَفْصٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَبَيْنَمَا هُمْ عِنْدَهُمْ إِذْ وَقَعَ كَلَامٌ بَيْنَ [[في م: "من".]] بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ وَبَعْضِ الْمُشْرِكِينَ، وَتَرَامَوْا بِالنَّبْلِ وَالْحِجَارَةِ، وَصَاحَ الْفَرِيقَانِ كِلَاهُمَا، وَارْتَهَنَ كُلٌّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ مَنْ عِنْدَهُ مِنَ الرُّسُلِ، وَنَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: ألا إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ قَدْ نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَأَمَرَ بِالْبَيْعَةِ، فَاخْرُجُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ فَبَايِعُوا، فَسَارَ الْمُسْلِمُونَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَبَايَعُوهُ عَلَى أَلَّا يَفِرُّوا أَبَدًا، فَأَرْعَبَ ذَلِكَ الْمُشْرِكِينَ [[في ت: "المشركون" وهو خطأ.]] ، وَأَرْسَلُوا مَنْ كَانَ عِنْدَهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَدَعَوْا إِلَى الْمُوَادَعَةِ وَالصُّلْحِ. وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدَانَ، أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا تَمْتَامٌ [[في أ، م: "هشام".]] ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ [[في أ: "بشير".]] ، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ [[في ت: "وروى البيهقي بسنده".]] بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِبَيْعَةِ الرِّضْوَانِ كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] [[زيادة من ت.]] رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ، فَبَايَعَ النَّاسُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "اللَّهُمَّ إِنَّ عُثْمَانَ فِي حَاجَةِ اللَّهِ وَحَاجَةِ رَسُولِهِ". فَضَرَبَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى، فَكَانَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لعثمان خيرا من أيديهم لأنفسهم [[لم أجده في دلائل النبوة ولعله في غيره.]] . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ [[في أ: "شهاب".]] : حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ عَمَّنْ حَدَّثَهُ بِإِسْنَادٍ لَهُ، عَنْ أَبِي مُلَيْكَةَ [[في أ: "عن أبي بكر بن أبي مليكة".]] ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لِعُثْمَانَ، فَضَرَبَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ هِشَامٍ النَّحْوِيُّ: فَذَكَرَ وَكِيعٌ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ أَوَّلَ مَنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ أَبُو سِنَانٍ الْأَسَدِيُّ [[السيرة النبوية (٢/٣١٦) .]] . وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لَمَّا دَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ، كَانَ أَوَّلَ مَنِ انْتَهَى إِلَيْهِ أَبُو سِنَانٍ [الْأَسَدِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] [[زيادة من أ.]] ، فَقَالَ: ابْسُطْ يَدَكَ أُبَايِعْكَ. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "عَلَامَ تُبَايِعُنِي؟ ". فَقَالَ أَبُو سِنَانٍ: عَلَى مَا فِي نَفْسِكَ. هَذَا أَبُو سِنَانِ [بْنُ] [[زيادة من م، أ.]] وَهْبٍ الْأَسَدِيُّ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] [[زيادة من م، أ.]] [[ورواه البيهقي في دلائل النبوة (٤/١٣٧) من طريق الحميدي به.]] . وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا شُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ، سَمِعَ النَّضْرَ بْنَ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنَا صَخْرُ [بْنُ الرَّبِيعِ] [[زيادة من ت، أ.]] ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: إِنَّ النَّاسَ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَسْلَمَ قَبْلَ عُمَرَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ عُمَرَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَرْسَلَ عبد الله إلى الفرس لَهُ عِنْدَ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ لِيُقَاتِلَ عَلَيْهِ، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُبَايِعُ عِنْدَ الشَّجَرَةِ، وَعُمَرُ لَا يَدْرِي بِذَلِكَ، فَبَايَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ، ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى الْفَرَسِ فَجَاءَ بِهِ إِلَى عُمَرَ، وَعُمَرُ يَسْتَلْئِمُ لِلْقِتَالِ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُبَايِعُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، فَانْطَلَقَ، فَذَهَبَ مَعَهُ حَتَّى بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، وَهِيَ الَّتِي يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ [[في أ: "عبد الله بن عمر".]] أَسْلَمَ قَبْلَ عُمَرَ. ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ:وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُمَرِيُّ، أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ النَّاسَ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ قَدْ تَفَرَّقُوا فِي ظِلَالِ الشَّجَرِ، فَإِذَا النَّاسُ مُحْدِقُونَ بِالنَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ -يَعْنِي عُمَرُ-: يَا عَبْدَ اللَّهِ، انْظُرْ مَا شَأْنُ النَّاسِ قَدْ أَحْدَقُوا بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ. فَوَجَدَهُمْ يُبَايِعُونَ، فَبَايَعَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى عُمَرَ فَخَرَجَ فَبَايَعَ. وَقَدْ أَسْنَدَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي [[في أ: "ابن".]] عَمْرٍو الْأَدِيبِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ، عَنْ دُحَيْمٍ: حَدَّثَنِي الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ فَذَكَرَهُ [[صحيح البخاري برقم (٤١٨٧) .]] . وَقَالَ اللَّيْثُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ فَبَايَعْنَاهُ، وَعُمَرُ آخِذٌ بِيَدِهِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ وَهِيَ سَمُرَةٌ، وَقَالَ: بَايَعْنَاهُ عَلَى أَلَّا نَفِرَّ، وَلَمْ نُبَايِعْهُ عَلَى الْمَوْتِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْهُ [[صحيح مسلم برقم (١٨٥٦) .]] . وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ، عَنْ خَالِدٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ الشَّجَرَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يبايع الناس [[في م: "والناس يبايعون النبي".]] ، وأنا رافع غُصْنًا مِنْ أَغْصَانِهَا عَنْ رَأْسِهِ، وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً، قَالَ: وَلَمْ نُبَايِعْهُ عَلَى الْمَوْتِ، وَلَكِنْ بَايَعْنَاهُ عَلَى أَلَّا نَفِرَّ [[صحيح مسلم برقم (١٨٥٨) .]] . وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ، قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم تَحْتَ الشَّجَرَةِ. قَالَ يَزِيدُ: قُلْتُ: يَا أَبَا مُسْلِمٍ [[في م: "مسلمة".]] ، عَلَى أَيِّ شَيْءٍ كُنْتُمْ تُبَايِعُونَ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: عَلَى الْمَوْتِ [[صحيح البخاري برقم (٢٩٦٠) .]] . وَقَالَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ، قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ ثُمَّ تَنَحَّيْتُ، فَقَالَ: "يَا سَلَمَةُ أَلَا تُبَايِعُ؟ " قُلْتُ: بَايَعْتُ، قَالَ: "أَقْبِلْ فَبَايِعْ". فَدَنَوْتُ فَبَايَعْتُهُ. قُلْتُ: عَلَامَ بَايَعْتَهُ يَا سَلَمَةُ؟ قَالَ: عَلَى الْمَوْتِ. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ [[صحيح مسلم برقم (١٨٦٠) .]] . وَكَذَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، أَنَّهُمْ بَايَعُوهُ عَلَى الْمَوْتِ [[صحيح البخاري برقم (٢٩٥٩) .]] . وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَخْبَرْنَا أبو الفضل بن إبراهم، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبراهم، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ الْيَمَامِيُّ، عَنْ إِيَاسِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِيهِ سَلَمَةَ [[في ت: "وقال البيهقي بسنده عن سلمة".]] بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ: قَدِمْنَا الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً، وَعَلَيْهَا خَمْسُونَ شَاةً لَا تَرْوِيهَا، فَقَعَدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم على جَبَاهَا -يَعْنِي الرَّكِيَّ-فَإِمَّا دَعَا وَإِمَّا بَصَقَ فِيهَا، فَجَاشَتْ، فَسَقَيْنَا وَاسْتَقَيْنَا. قَالَ: ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم دعا إِلَى الْبَيْعَةِ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ. فَبَايَعْتُهُ أَوَّلَ النَّاسِ، ثُمَّ بَايَعَ وَبَايَعَ، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي وَسَطِ النَّاسِ قَالَ ﷺ: "بَايِعْنِي يَا سَلَمَةُ". قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ بَايَعْتُكَ فِي أَوَّلِ النَّاسِ. قَالَ:"وَأَيْضًا". قَالَ: وَرَآنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَزِلًا فَأَعْطَانِي حَجَفَةً -أَوْ دَرَقَةً-ثُمَّ بَايَعَ حَتَّى إِذَا كَانَ فِي آخِرِ النَّاسِ قَالَ ﷺ: "أَلَا تُبَايِعُ يَا سَلَمَةُ؟ " قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ بَايَعْتُكَ [[في ت: "بايعت".]] فِي أَوَّلِ النَّاسِ وَأَوْسَطِهِمْ. قَالَ: "وَأَيْضًا". فَبَايَعْتُهُ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: "يَا سَلَمَةُ، أَيْنَ حَجَفَتُكَ أَوْ دَرَقَتُكَ الَّتِي أَعْطَيْتُكَ؟ ". قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقِيَنِي عَامِرٌ عَزِلًا فَأَعْطَيْتُهَا إِيَّاهُ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ قَالَ: "إِنَّكَ كَالَّذِي قَالَ الْأَوَّلُ: اللَّهُمَّ أَبْغِنِي حَبِيبًا هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي" قَالَ: ثُمَّ إِنَّ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ رَاسَلُونَا فِي الصُّلْحِ حَتَّى مَشَى بَعْضُنَا فِي بَعْضٍ فَاصْطَلَحْنَا. قَالَ: وَكُنْتُ خَادِمًا لِطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَسْقِي فَرَسَهُ وَأُحِسُّهُ [[في ت، م: "وأجنبه".]] وَآكُلُ مِنْ طَعَامِهِ، وَتَرَكْتُ أَهْلِي وَمَالِي مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ. فَلَمَّا اصْطَلَحْنَا نَحْنُ وَأَهْلُ مَكَّةَ، وَاخْتَلَطَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ، أَتَيْتُ شَجَرَةً فَكَسَحْتُ شَوْكَهَا، ثُمَّ اضْطَجَعْتُ [[في تن م، أ: "واضطجعت".]] فِي أَصْلِهَا فِي ظِلِّهَا، فَأَتَانِي أَرْبَعَةٌ مِنْ مُشْرِكِي أَهْلِ مَكَّةَ، فَجَعَلُوا يَقَعُونَ فِي رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَأَبْغَضْتُهُمْ، وَتَحَوَّلْتُ إِلَى شَجَرَةٍ أُخْرَى فَعَلَّقُوا سِلَاحَهُمْ وَاضْطَجَعُوا، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ نَادَى مُنَادٍ مِنَ أَسْفَلِ الْوَادِي: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ، قُتِلَ ابْنُ زُنَيْمٍ. فَاخْتَرَطْتُ سيفي، فشددت على أولئك الأربعة وهم رُقُودٌ، فَأَخَذْتُ سِلَاحَهُمْ وَجَعَلْتُهُ ضِغْثًا فِي يَدِي، ثُمَّ قُلْتُ [[في تن م: "وقلت".]] : وَالَّذِي كَرَّمَ وَجْهَ مُحَمَّدٍ ﷺ، لَا يَرْفَعُ أَحَدٌ مِنْكُمْ رَأْسَهُ إِلَّا ضَرَبْتُ الَّذِي فِيهِ عَيْنَاهُ، قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ بِهِمْ أَسُوقُهُمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: وَجَاءَ عَمِّي عَامِرٌ بِرَجُلٍ مِنَ العَبَلات يُقَالُ لَهُ: "مِكْرَزٌ" مِنَ الْمُشْرِكِينَ يَقُودُهُ، حَتَّى وَقَفْنَا بِهِمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم في سَبْعِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَقَالَ: "دَعُوهُمْ يَكُنْ لَهُمْ بَدْءُ الْفُجُورِ وَثِنَاهُ"، فَعَفَا عَنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ [عَزَّ وَجَلَّ] [[زيادة من ت، م.]] : ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ﴾ الْآيَةَ [الْفَتْحِ: ٢٤] . وَهَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ رَاهَوَيْهِ بِسَنَدِهِ نَحْوَهُ، أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ [[دلائل النبوة للبيهقي (٤/١٣٨) ، وصحيح مسلم برقم (١٨٠٧) .]] . وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ طَارِقٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، قَالَ: كَانَ أَبِي مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ تَحْتَ الشَّجَرَةِ. قَالَ: فَانْطَلَقْنَا مِنْ قَابَلٍ حَاجِّينَ، فَخَفِيَ عَلَيْنَا مَكَانُهَا، فَإِنْ كَانَ تَبَيَّنَتْ لَكُمْ، فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ [[صحيح البخاري برقم (٤١٦٤) وصحيح مسلم برقم (١٨٥٩) واللفظ لمسلم.]] . وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْحُمَيْدِيُّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ، حَدَّثَنَا [[في م: "عن".]] جَابِرٌ، قَالَ: لَمَّا دَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ، وَجَدْنَا رَجُلًا مِنَّا يُقَالُ لَهُ "الْجِدُّ بْنُ قَيْسٍ" مُخْتَبِئًا تَحْتَ إِبِطِ بَعِيرِهِ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، بِهِ [[مسند الحميدي (٢/٥٣٧) وصحيح مسلم برقم (١٨٥٦) .]] . وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ أَيْضًا: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ [[في ت: "وفي الصحيحين من حديث سفيان".]] ، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ جَابِرًا، قَالَ: كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ "أَنْتُمْ خَيْرُ أَهْلِ الْأَرْضِ الْيَوْمَ". قَالَ جَابِرٌ: لَوْ كُنْتُ أُبْصِرُ [[في ت، م: "انظر".]] لَأَرَيْتُكُمْ مَوْضِعَ الشَّجَرَةِ. قَالَ سُفْيَانُ: إِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي مَوْضِعِهَا. أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ [[مسند الحميدي (٢/٥١٤) وصحيح البخاري برقم (٤١٥٤) وصحيح مسلم برقم (١٨٥٦) .]] . وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ. عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: "لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ" [[المسند (٣/٣٥٠) .]] . وَقَالَ [[في ت: "وروى".]] ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ الْفَلَّاسُ الْمَخْرَمِيُّ، حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَمْرٍو الْأَشْعَثِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتٍ الْعَبْدِيُّ، عَنْ خِدَاشِ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "يَدْخُلُ مَنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ كُلُّهُمُ الْجَنَّةَ إِلَّا صَاحِبَ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ". قَالَ: فَانْطَلَقْنَا نَبْتَدِرُهُ فَإِذَا رَجُلٌ قَدْ أَضَلَّ بَعِيرُهُ، فَقُلْنَا: تَعَالَ فَبَايِعْ. فَقَالَ: أُصِيبُ بِعِيرِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُبَايِعَ [[وفي إسناده محمد بن ثابت العبدي، ضعفه ابن معين وشيخه خداش بن عياش وثقه ابن حبان، وقال الترمذي: "لا نعرف خداشا هذا من هو".]] . وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا قُرَّةُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ [[في ت: "وقال عبد الله بن أحمد بسنده".]] ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ يَصْعَدُ الثَّنِيَّةَ، ثَنِيَّةَ الْمُرَارِ، فَإِنَّهُ يُحَطُّ عَنْهُ مَا حُطَّ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ". فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ صَعِدَ خَيْلُ بَنِي [[في أ: "من".]] الْخَزْرَجِ، ثُمَّ تَبَادَرَ النَّاسُ بَعْدُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "كُلُّكُمْ مَغْفُورٌ لَهُ إِلَّا صَاحِبَ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ". فَقُلْنَا: تَعَالَ يَسْتَغْفِرْ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ [ﷺ] [[زيادة من ت.]] . فَقَالَ: وَاللَّهُ لَأَنْ أَجِدَ ضَالَّتِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِي صَاحِبُكُمْ. فَإِذَا هُوَ رَجُلٌ يُنْشِدُ ضَالَّةً [[في أ: "ضالته".]] . رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، بِهِ [[صحيح مسلم برقم (٢٧٨٠) .]] . وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: أَخْبَرَتْنِي أُمُّ مُبَشِّرٍ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يَقُولُ عِنْدَ حَفْصَةَ: "لَا يَدْخُلُ النَّارَ -إِنْ شَاءَ اللَّهُ-مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا أَحَدٌ". قَالَتْ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَانْتَهَرَهَا، فَقَالَتْ لِحَفْصَةَ: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا﴾ [مَرْيَمَ: ٧١] ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "قَدْ قَالَ اللَّهُ: ﴿ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا﴾ [مَرْيَمَ: ٧٢] ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ [[صحيح مسلم برقم (٢٤٩٦) .]] . وَفِيهِ أَيْضًا عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ؛ أَنَّ عَبْدًا لِحَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ جَاءَ يَشْكُو حَاطِبًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَيَدْخُلَنَّ حَاطِبٌ النَّارَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "كَذَبْتَ، لَا يَدْخُلُهَا؛ فَإِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ" [[صحيح مسلم برقم (٢٤٩٤) .]] . وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى فِي الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الْفَتْحِ: ١٠] ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ [الْفَتْحِ: ١٨] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب