الباحث القرآني

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ فَضْلِهِ وَكَرَمِهِ، وَامْتِنَانِهِ وَلُطْفِهِ بِخَلْقِهِ وَإِحْسَانِهِ: أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّاتُهُمْ فِي الْإِيمَانِ يُلحقهم بِآبَائِهِمْ فِي الْمَنْزِلَةِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغُوا عَمَلَهُمْ، لِتَقَرَّ أَعْيُنُ الْآبَاءِ بِالْأَبْنَاءِ عِنْدَهُمْ فِي مَنَازِلِهِمْ، فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمْ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ، بِأَنْ يَرْفَعَ النَّاقِصَ الْعَمَلِ، بِكَامِلِ الْعَمَلِ، وَلَا يَنْقُصَ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِهِ وَمَنْزِلَتِهِ، لِلتَّسَاوِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَاكَ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ قَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّة، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَيَرْفَعُ ذُرِّيَّةَ الْمُؤْمِنِ فِي دَرَجَتِهِ، وَإِنْ كَانُوا دُونَهُ فِي الْعَمَلِ، لِتَقَرَّ بِهِمْ عَيْنُهُ ثُمَّ قَرَأَ: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، بِهِ. وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّة بِهِ [[تفسير الطبري (٢٧/١٥) .]] . وَرَوَاهُ الْبَزَّارُ، عَنْ سَهْلِ بْنِ بَحْرٍ [[في أ: "يحيى".]] ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ حَمَّادٍ الْوَرَّاقِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرّة، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا، فذكره، ثم قال: وقد رواه الثوري، عن عمرو بن مرة، عَنْ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا [[مسند البزار برقم (٢٢٦٠) "كشف الأستار" وقال الهيثمي في المجمع (٧/١١٤) : "فيه قيس بن الربيع وثقه شعبة والثوري، وفيه ضعف".]] . وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَزِيدٍ [[في م، أ: "يزيد".]] الْبَيْرُوتِيُّ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ [[في م: "شعبة".]] أَخْبَرَنِي شَيْبَانُ، أَخْبَرَنِي لَيْثٌ، عَنْ حَبِيبٍ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ الْأَسَدِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ قَالَ: هُمْ ذُرِّيَّةُ الْمُؤْمِنِ، يَمُوتُونَ عَلَى الْإِيمَانِ: فَإِنْ كَانَتْ مَنَازِلُ آبَائِهِمْ، أَرْفَعَ مِنْ مَنَازِلِهِمْ أُلْحِقُوا بِآبَائِهِمْ، وَلَمْ يَنْقُصُوا مِنْ أَعْمَالِهِمُ الَّتِي عَمِلُوا شَيْئًا. وَقَالَ الْحَافِظُ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَزْوان، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ سَالِمٍ الْأَفْطَسِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -أَظُنُّهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ-قَالَ: "إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ الْجَنَّةَ سَأَلَ عَنْ أَبَوَيْهِ وَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ، فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَبْلُغُوا دَرَجَتَكَ. فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، قَدْ عَمِلْتُ لِي وَلَهُمْ. فَيُؤْمَرُ بِإِلْحَاقِهِمْ بِهِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ﴾ الْآيَةَ [[رواه الطبراني في المجمع الكبير (١١/٤٤٠) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ حَدَّثَنَا محمد بن عبد الرحمن بن غزوان به. ورواه في المعجم الصغير برقم (٦٤٠) حدثنا عبد الله بن يزيد الدقيقي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَزْوَانَ به. ولم أجد رواية الحسين بن إبراهيم التستري.]] . وَقَالَ العَوْفي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: يَقُولُ: وَالَّذِينَ أَدْرَكَ ذُرِّيَّتَهُمُ الْإِيمَانُ فَعَمِلُوا بِطَاعَتِي، أَلْحَقْتُهُمْ بِإِيمَانِهِمْ إِلَى الْجَنَّةِ، وَأَوْلَادُهُمُ الصِّغَارُ تَلْحَقُ بِهِمْ. وَهَذَا رَاجِعٌ إِلَى التَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ ذَاكَ مُفَسَّرٌ أَصْرَحَ مِنْ هَذَا. وَهَكَذَا يَقُولُ الشَّعْبِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَإِبْرَاهِيمُ، وقَتَادَةُ، وَأَبُو صَالِحٍ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَالضَّحَّاكُ، وَابْنُ زَيْدٍ. وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ. وَقَدْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَمَدُ بْنُ فُضَيْل، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ زَاذَانَ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: سألتْ خَدِيجَةُ النَّبِيَّ ﷺ، عَنْ وَلَدَيْنِ مَاتَا لَهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "هُمَا فِي النَّارِ". فَلَمَّا رَأَى الْكَرَاهَةَ فِي وَجْهِهَا قَالَ: "لَوْ رَأَيْتِ مَكَانَهُمَا لَأَبْغَضْتِهِمَا". قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَوَلَدِي مِنْكَ. قَالَ: " فِي الْجَنَّةِ". قَالَ: ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّ الْمُؤْمِنِينَ وَأَوْلَادَهُمْ فِي الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْمُشْرِكِينَ وَأَوْلَادَهُمْ فِي النَّارِ". ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ [الْآيَةَ] [[زيادة من م.]] [[زوائد عبد الله على المسند (١/١٣٤) وقال الهيثمي في المجمع (٧/٢١٧) : "فيه محمد بن عثمان ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح".]] . هَذَا فَضْلُهُ تَعَالَى عَلَى الْأَبْنَاءِ بِبَرَكَةِ عَمَلِ الْآبَاءِ، وَأَمَّا فَضْلُهُ عَلَى الْآبَاءِ بِبَرَكَةِ دُعَاءِ الأبناء، فقد قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُود، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّ اللَّهَ لَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، أَنَّى لِي هَذِهِ؟ فَيَقُولُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ" [[المسند (٢/٥٠٩) .]] . إِسْنَادُهُ [[في م: "إسناد".]] صَحِيحٌ، وَلَمْ يُخَرِّجُوهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَكِنْ لَهُ شَاهِدٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: "إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ" [[صحيح مسلم برقم (١٦٣١) .]] * * * وَقَوْلُهُ: ﴿كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾ لَمَّا أَخْبَرَ عَنْ مَقَامِ الْفَضْلِ، وَهُوَ رَفْعُ دَرَجَةِ الذُّرِّيَّةِ إِلَى مَنْزِلَةِ الْآبَاءِ مِنْ غَيْرِ عَمَلٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ، أَخْبَرَ عَنْ مَقَامِ الْعَدْلِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُؤَاخِذُ أَحَدًا بِذَنْبِ أَحَدٍ، بَلْ ﴿كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ﴾ أَيْ: مُرَّتُهُنَّ بِعَمَلِهِ، لَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ ذَنْبُ غَيْرِهِ مِنَ النَّاسِ، سَوَاءٌ كَانَ أَبَا أَوِ ابْنًا، كَمَا قَالَ: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلا أَصْحَابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ﴾ [الْمُدَّثِّرِ: ٣٨ -٤١] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ﴾ أَيْ: وَأَلْحَقْنَاهُمْ بِفَوَاكِهَ وَلُحُومٍ مِنْ أَنْوَاعٍ شَتَّى، مِمَّا يُسْتَطَابُ وَيُشْتَهَى. * * * وَقَوْلُهُ ﴿يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا﴾ أَيْ: يَتَعَاطَوْنَ فِيهَا كَأْسًا، أَيْ: مِنَ الْخَمْرِ. قَالَهُ الضَّحَّاكُ. ﴿لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ﴾ أَيْ: لَا يَتَكَلَّمُونَ عَنْهَا [[في م: "فيها".]] بِكَلَامٍ لَاغٍ أَيْ: هَذَيَان وَلَا إِثْمٍ أَيْ: فُحْش، كَمَا تَتَكَلَّمُ بِهِ الشَّرَبَةُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اللَّغْوُ: الْبَاطِلُ. وَالتَّأْثِيمُ: الْكَذِبُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَا يَسْتَبُّونَ وَلَا يُؤَثَّمُونَ. وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا مَعَ الشَّيْطَانِ. فَنَزَّهَ اللَّهُ خَمْرَ الْآخِرَةِ عَنْ قَاذُورَاتِ خَمْرِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا، فَنَفَى عَنْهَا -كَمَا تَقَدَّمَ-صُدَاعَ الرَّأْسِ، وَوَجَعَ الْبَطْنِ، وَإِزَالَةَ الْعَقْلِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهَا لَا تَحْمِلُهُمْ عَلَى الْكَلَامِ السَّيِّئِ الْفَارِغِ عَنِ الْفَائِدَةِ الْمُتَضَمِّنِ هَذَيَانا وفُحشا، وَأَخْبَرَ بِحُسْنِ مَنْظَرِهَا، وَطِيبِ طَعْمِهَا وَمَخْبَرِهَا فَقَالَ: ﴿بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزفُونَ﴾ [الصَّافَّاتِ: ٤٦، ٤٧] ، وَقَالَ ﴿لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلا يُنزفُونَ﴾ [الْوَاقِعَةِ: ١٩] ، وَقَالَ هَاهُنَا: ﴿يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ﴾ * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ﴾ : إِخْبَارٌ عَنْ خَدَمهم وحَشَمهم فِي الْجَنَّةِ كَأَنَّهُمُ اللُّؤْلُؤُ الرَّطْبُ، الْمَكْنُونُ فِي حُسْنِهِمْ وَبَهَائِهِمْ [[في م: "وبياضهم".]] وَنَظَافَتِهِمْ وَحُسْنِ مَلَابِسِهِمْ، كَمَا قَالَ ﴿يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ﴾ [الْوَاقِعَةِ: ١٧، ١٨] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ﴾ أَيْ: أَقْبَلُوا يَتَحَادَثُونَ وَيَتَسَاءَلُونَ عَنْ أَعْمَالِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا، وَهَذَا كَمَا يَتَحَادَثُ أَهْلُ الشَّرَابِ عَلَى شَرَابِهِمْ إِذَا أَخَذَ فِيهِمُ الشَّرَابُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ. ﴿قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ﴾ أَيْ: قَدْ كُنَّا فِي الدَّارِ الدُّنْيَا وَنَحْنُ بَيْنَ أَهْلِنَا خَائِفِينَ مِنْ رَبِّنَا مُشْفِقِينَ مِنْ عَذَابِهِ وَعِقَابِهِ، ﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ﴾ أَيْ: فَتَصَدَّقَ عَلَيْنَا وَأَجَارَنَا مِمَّا نَخَافُ. ﴿إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ﴾ أَيْ: نَتَضَرَّعُ إِلَيْهِ فَاسْتَجَابَ [اللَّهُ] [[زيادة من أ.]] لَنَا وَأَعْطَانَا سُؤْلَنَا، ﴿إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ﴾ وَقَدْ وَرَدَ فِي هَذَا الْمَقَامِ حَدِيثٌ، رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ فَقَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ دِينَارٍ، حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ اشْتَاقُوا إِلَى الْإِخْوَانِ، فَيَجِيءُ سَرِيرُ هَذَا حَتَّى يُحَاذِيَ سَرِيرَ هَذَا، فَيَتَحَدَّثَانِ، فَيَتَّكِئُ هَذَا وَيَتَّكِئُ هَذَا، فَيَتَحَدَّثَانِ بِمَا كَانَ فِي الدُّنْيَا، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: يَا فُلَانُ، تَدْرِي أَيَّ يَوْمٍ غَفَرَ اللَّهُ لَنَا؟ يَوْمَ كُنَّا فِي مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا، فَدَعَوْنَا اللَّهَ -عَزَّ وَجَلَّ-فَغَفَرَ لَنَا". ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْرِفُهُ يُرْوَى إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ [[مسند البزار برقم (٣٥٥٣) "كشف الأستار" وقال الهيثمي في المجمع (١٠/٤٢١) : "رجاله رجال الصحيح غير سعيد بن دينار والربيع بن صبيح وهما ضعيفان وقد وثقا".]] . قُلْتُ: وَسَعِيدُ بْنُ دِينَارٍ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ مَجْهُولٌ، وَشَيْخُهُ الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ قَدْ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ جِهَةِ حِفْظِهِ، وَهُوَ رَجُلٌ صَالِحٌ ثِقَةٌ فِي نَفْسِهِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأوْدِيّ، حَدَّثَنَا وَكيع، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ؛ أَنَّهَا قَرَأَتْ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ﴾ فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ مُنَّ عَلَيْنَا وَقِنَا عَذَابَ السَّمُومِ، إِنَّكَ أَنْتَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ. قِيلَ لِلْأَعْمَشِ: فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: نَعَمْ [[ورواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن المنذر والبيهقي في شعيب الإيمان كما في الدر المنثور للسيوطي (٧/٦٣٤) .]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب