الباحث القرآني

يَقُولُ تَعَالَى [مُخْبِرًا] [[زيادة من أ.]] ﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى﴾ أَيِ: الْمَعَادُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا سُوَيد بْنُ سَعيد، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الأوْديّ قَالَ: قَامَ فِينَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَقَالَ: يَا بَنِي أَوْدٍ، إِنِّي رَسُولِ اللَّهِ إِلَيْكُمْ، تَعْلَمُونَ أَنَّ الْمَعَادَ إِلَى اللَّهِ، إِلَى الْجَنَّةِ أَوْ إِلَى النَّارِ. وَذَكَرَ الْبَغَوِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى﴾ ، قَالَ: لَا فكرةَ فِي الرَّبِّ [[معالم التنزيل للبغوي (٧/٤١٧) .]] . قَالَ الْبَغَوِيُّ: وَهَذَا مِثْلُ مَا رُوي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: "تفكَّروا فِي الْخَلْقِ وَلَا تُفَكِّرُوا فِي الْخَالِقِ، فَإِنَّهُ لَا تُحِيطُ [[في م: "يحيط".]] بِهِ الفِكْرة". كَذَا أَوْرَدَهُ، وَلَيْسَ بِمَحْفُوظٍ بِهَذَا اللَّفْظِ [[معالم التنزيل للبغوي (٧/٤١٧) ورواه ابن عساكر في المجلس التاسع والثلاثون ومائة من الأمالي (٥٠/١) كما في السلسلة الصحيحة (٤/٣٩٥) من طريق محمد بن سلمة البلخي عن بشر بن الوليد عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ به، وفيه بشر بن الوليد وهو ضعيف.]] ، وَإِنَّمَا الَّذِي فِي الصَّحِيحِ: "يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَه" [[صحيح البخاري برقم (٣٢٧٦) وصحيح مسلم برقم (١٣٤) .]] . وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ الَّذِي فِي السُّنَنِ: "تَفَكَّرُوا فِي مَخْلُوقَاتِ اللَّهِ، وَلَا تُفَكِّرُوا [[في أ: "ولا تتفكروا".]] فِي ذَاتِ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ مَلَكًا مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرة ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ" أَوْ كَمَا قَالَ [[لم أجده بهذا اللفظ، وقد روى أبو داود القطعة الثانية في سننه برقم (٤٧٢٧) من حديث جابر رضي الله عنه، مرفوعا بلفظ: "أُذِنَ لِي أَنْ أُحَدِّثَ عَنْ مَلَكٍ مِنْ ملائكة الله من حملة العرش، وإن مَا بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِهِ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةُ سبعمائة عام". والقطعة الأولى: رويت من حديث أبي ذر مرفوعا: "تفكروا في خلق الله، ولا تتفكروا في الله فتهلكوا". أخرجه أبو الشيخ في العظمة برقم (٤) .]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى﴾ أَيْ: خَلَقَ فِي عِبَادِهِ الضَّحِكَ، وَالْبُكَاءَ وَسَبَّبَهُمَا وَهُمَا مُخْتَلِفَانِ. ﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا﴾ ، كَقَوْلِهِ: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاة﴾ [الْمُلْكِ: ٢] ، ﴿وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأنْثَى. مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى﴾ ، كَقَوْلِهِ: ﴿أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى. أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى. ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى. فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأنْثَى. أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى﴾ [الْقِيَامَةِ: ٣٦ -٤٠] . [[في م: "تمنى".]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأخْرَى﴾ أَيْ: كَمَا خَلَقَ الْبَدَاءَةَ هُوَ قَادِرٌ عَلَى الْإِعَادَةِ، وَهِيَ النَّشْأَةُ الْآخِرَةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. ﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى﴾ أَيْ: مَلَّك عِبَادَهُ الْمَالَ، وَجَعَلَهُ لَهُمْ قُنْيَة مُقِيمًا عِنْدَهُمْ، لَا يَحْتَاجُونَ إِلَى بَيْعِهِ، فَهَذَا تَمَامُ النِّعْمَةِ عَلَيْهِمْ. وَعَلَى هَذَا يَدُورُ كَلَامُ كَثِيرٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، مِنْهُمْ أَبُو صَالِحٍ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَغَيْرُهُمَا. وَعَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿أَغْنَى﴾ : مَوَّل، ﴿وَأَقْنَى﴾ : أَخْدَمَ. وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ أَيْضًا: ﴿أَغْنَى﴾ : أَعْطَى، ﴿وَأَقْنَى﴾ : رَضّى. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: أَغْنَى نَفْسَهُ وَأَفْقَرَ الْخَلَائِقَ إِلَيْهِ، قَالَهُ الْحَضْرَمِيُّ بْنُ لَاحِقٍ. وَقِيلَ: ﴿أَغْنَى﴾ مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ وَ ﴿وَأَقْنَى﴾ : أَفْقَرَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ. حَكَاهُمَا ابْنُ جَرِيرٍ [[تفسير الطبري (٢٧/٤٤) .]] وَهُمَا بَعِيدَانِ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظُ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَابْنُ زَيْدٍ، وَغَيْرُهُمْ: هُوَ هَذَا النَّجْمُ الْوَقَّادُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: "مِرْزَم الْجَوْزَاءِ" كَانَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْعَرَبِ يَعْبُدُونَهُ. ﴿وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأولَى﴾ وَهُمْ: قَوْمُ هُودٍ. وَيُقَالُ لَهُمْ: عَادُ بْنُ إِرَمَ بْنِ سَامَ بْنِ نُوحٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ. إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ. الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ﴾ [الْفَجْرِ: ٦ -٨] ، فَكَانُوا مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ وَأَقْوَاهُمْ وَأَعْتَاهُمْ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ، فَأَهْلَكَهُمُ اللَّهُ ﴿بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ. سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا﴾ [الْحَاقَّةِ: ٦، ٧] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى﴾ ، أَيْ: دَمَّرَهُمْ فَلَمْ يُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا، ﴿وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْل﴾ أَيْ: مِنْ قَبْلِ هَؤُلَاءِ، ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى﴾ أَيْ: أَشَدُّ تَمَرُّدًا مِنَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ، ﴿وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى﴾ يَعْنِي: مَدَائِنَ لُوطٍ، قَلَبها عَلَيْهِمْ فَجَعَلَ عَالِيَهَا سَافِلَهَا، وَأَمْطَرَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى﴾ يَعْنِي: مِنَ الْحِجَارَةِ الَّتِي أَرْسَلَهَا عَلَيْهِمْ ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِين﴾ [الشُّعَرَاءِ: ١٧٣] . قَالَ قَتَادَةُ: كَانَ فِي مَدَائِنِ لُوطٍ أَرْبَعَةُ آلَافِ أَلْفِ إِنْسَانٍ، فَانْضَرَمَ عَلَيْهِمُ الْوَادِي شَيْئًا مِنْ نَارٍ وَنِفْطٍ وقَطِران كَفَمِ الْأَتُونِ [[في أ: "كتم الأنوف".]] . رَوَاهُ [[في م: "ورواه".]] ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَهْبِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ خُلَيْدٍ، عَنْهُ بِهِ. وهو غريب جدا. ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى﴾ أَيْ: فَفِي أَيِّ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْإِنْسَانُ تَمْتَرِي؟ قَالَهُ قَتَادَةُ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيج: ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى﴾ يَا مُحَمَّدُ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب