الباحث القرآني

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ أَنَّهُ عَلَّمه الَّذِي جَاءَ بِهِ إِلَى النَّاسِ ﴿شَدِيدُ الْقُوَى﴾ ، وَهُوَ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، كَمَا قَالَ: ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ. ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ. مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ﴾ [التَّكْوِيرِ: ١٩ -٢١] . وَقَالَ هَاهُنَا: ﴿ذُو مِرَّةٍ﴾ أَيْ: ذُو قُوَّةٍ. قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ، وَابْنُ زَيْدٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ذُو مَنْظَرٍ حَسَنٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: ذُو خَلْق طَوِيلٍ حَسَنٍ. وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ؛ فَإِنَّهُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، ذُو مَنْظَرٍ حَسَنٍ، وَقُوَّةٍ شَدِيدَةٍ. وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَمْرٍو [[في م: "ابن عمرو وأبي هريرة".]] أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: "لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لغنيٍّ، وَلَا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيّ" [[حديث عبد الله بن عمرو: رواه أبو داود في السنن برقم (١٦٣٤) والترمذي في السنن برقم (٦٥٢) عن ريحان بن يزيد عنه وحديث أبي هريرة: رواه النسائي في السنن (٥/٩٩) وابن ماجه في السنن برقم (١٨٣٩) عن سالم بن أبي الجعد عنه.]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿فَاسْتَوَى﴾ يَعْنِي: جِبْرِيلَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ. قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ وقَتَادَةُ، وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ. ﴿وَهُوَ بِالأفُقِ الأعْلَى﴾ يَعْنِي: جِبْرِيلَ، اسْتَوَى فِي الْأُفُقِ الْأَعْلَى. قَالَهُ عِكْرِمَةُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ. قَالَ عِكْرِمَةُ: وَالْأُفُقُ الْأَعْلَى: الَّذِي يَأْتِي مِنْهُ الصُّبْحُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُوَ مَطْلَعُ الشَّمْسِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ الَّذِي يَأْتِي مِنْهُ النَّهَارُ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَة، حَدَّثَنَا مُصَرِّف بْنُ عَمْرٍو الْيَامِيُّ أَبُو الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ الْوَلِيدِ -هُوَ ابْنُ قَيْسٍ-عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي الكَهْتَلَة أَظُنُّهُ ذَكَرَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَرَ جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ إِلَّا مَرَّتَيْنِ، أَمَّا وَاحِدَةٌ فَإِنَّهُ سَأَلَهُ أَنْ يَرَاهُ فِي صُورَتِهِ فَسَدَّ الْأُفُقَ. وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَإِنَّهُ كَانَ مَعَهُ حَيْثُ صَعِدَ، فَذَلِكَ [[في م: "فكذلك".]] قَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ بِالأفُقِ الأعْلَى﴾ . وَقَدْ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ هَاهُنَا قَوْلًا لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ، وَلَا حَكَاهُ هُوَ عَنْ أَحَدٍ، وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْمَعْنَى: ﴿فَاسْتَوَى﴾ أَيْ: هَذَا الشَّدِيدُ الْقُوَى ذُو الْمِرَّةِ هُوَ وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ ﴿بِالأفُقِ الأعْلَى﴾ أَيِ: اسْتَوَيَا جَمِيعًا بِالْأُفُقِ، وَذَلِكَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ كَذَا قَالَ، وَلَمْ يُوَافِقْهُ أَحَدٌ عَلَى ذلك. ثم شَرَعَ يُوَجِّهُ مَا قَالَ مِنْ حَيْثُ الْعَرَبِيَّةُ فَقَالَ: وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا﴾ [النَّمْلِ:٦٧] ، فَعَطَفَ بِالْآبَاءِ عَلَى الْمُكَنَّى فِي ﴿كُنَّا﴾ مِنْ غَيْرِ إِظْهَارِ "نَحْنُ"، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَاسْتَوَى. وَهُوَ﴾ قَالَ: وَذَكَرَ الْفَرَّاءُ عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ أَنَّهُ أَنْشَدَهُ: أَلَمْ تَرَ أَنَّ النبعَ يَصْلُبُ عُودُه ... وَلَا يَسْتَوي والخرْوعُ المُتَقصِّفُ [[البيت في تفسير الطبري (٢٧/٢٥) وهو لجرير بن عطية.]] وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مِنْ جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ مُتَّجِهٌ، وَلَكِنْ لَا يُسَاعِدُهُ الْمَعْنَى عَلَى ذَلِكَ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الرُّؤْيَةَ لِجِبْرِيلَ لَمْ تَكُنْ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، بَلْ قَبْلَهَا، ورسولُ اللَّهِ ﷺ فِي الْأَرْضِ، فَهَبَطَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَتَدَلَّى إِلَيْهِ، فَاقْتَرَبَ مِنْهُ وَهُوَ عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي خَلَقَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا، لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ، ثُمَّ رَآهُ بَعْدَ ذَلِكَ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، يَعْنِي لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، وَكَانَتْ هَذِهِ الرُّؤْيَةُ الْأُولَى فِي أَوَائِلِ الْبَعْثَةِ بَعْدَ مَا جَاءَهُ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَوَّلَ مَرَّةٍ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ صَدْرَ سُورَةِ "اقْرَأْ"، ثُمَّ فَتَرَ الْوَحْيُ فَتْرَةً ذَهَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فيها مرارا ليتردى من رؤوس الْجِبَالِ، فَكُلَّمَا هَمّ بِذَلِكَ نَادَاهُ جِبْرِيلُ مِنَ الْهَوَاءِ: "يَا مُحَمَّدُ، أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا، وَأَنَا جِبْرِيلُ". فَيَسْكُنُ لِذَلِكَ جَأْشُهُ، وَتَقَرُّ عَيْنُهُ، وَكُلَّمَا طَالَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ عَادَ لِمِثْلِهَا، حَتَّى تَبَدّى لَهُ جِبْرِيلُ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي الْأَبْطَحِ فِي صُورَتِهِ الَّتِي خَلَقَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا، لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ قَدْ سَدَّ عُظْم خَلْقِهِ الْأُفُقَ، فَاقْتَرَبَ مِنْهُ [[في م: "وأقرب منه".]] وَأَوْحَى إِلَيْهِ عَنِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، مَا أَمَرَهُ بِهِ، فَعَرَفَ عِنْدَ ذَلِكَ عَظَمَةَ المَلَك الَّذِي جَاءَهُ بِالرِّسَالَةِ، وَجَلَالَةَ قَدْره، وَعُلُوَّ مَكَانَتِهِ عِنْدَ خَالِقِهِ الَّذِي بَعَثَهُ إِلَيْهِ. فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ حَيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيب، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الجَوْني، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "بَيْنَا أَنَا قَاعِدٌ إِذْ جَاءَ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فوَكَز بَيْنَ كَتِفِي، فَقُمْتُ إِلَى شَجَرَةٍ فِيهَا كَوَكْرَي الطَّيْرِ، فَقَعَدَ فِي أَحَدِهِمَا وَقَعَدْتُ فِي الْآخَرِ. فَسَمَت وَارْتَفَعَتْ حَتَّى سَدّت الْخَافِقَيْنِ وَأَنَا أُقَلِّبُ طَرْفِي، وَلَوْ شِئْتُ أَنَّ أَمَسَّ السَّمَاءَ لَمَسِسْتُ، فَالْتَفَتَ إِلَيَّ جِبْرِيلُ كَأَنَّهُ حلْس لاطٍ [[في م: "لاطي".]] ، فعرفتُ فَضْلَ علْمه بِاللَّهِ عَلَيَّ. وفُتِح لِي بابٌ مِنْ أَبْوَابِ السَّمَاءِ وَرَأَيْتُ النُّورَ الْأَعْظَمَ، وَإِذَا دُونَ الْحِجَابِ رَفْرَفَةُ الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ. وَأُوحِيَ إِلَيَّ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُوحِيَ". ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: لَا يَرْوِيهِ إِلَّا الْحَارِثُ بْنُ عُبَيْدٍ، وَكَانَ رَجُلًا مَشْهُورًا مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ [[مسند البزار برقم (٥٨) .]] . قُلْتُ: الْحَارِثُ بْنُ عُبَيد هَذَا هُوَ أَبُو قُدَامَةَ الْإِيَادِيُّ، أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ إِلَّا أَنَّ ابْنَ مَعِينٍ ضعَّفه، وَقَالَ: لَيْسَ هُوَ بِشَيْءٍ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: مُضْطَرِبُ الْحَدِيثِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ: كُتِبَ حَدِيثُهُ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَثُر وَهَمه فَلَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ إِذَا انْفَرَدَ. فَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَرَائِبِ رِوَايَاتِهِ، فَإِنَّ فِيهِ نَكَارَةً وَغَرَابَةَ أَلْفَاظٍ وَسِيَاقًا عَجِيبًا، وَلَعَلَّهُ مَنَامٌ، واللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، حَدَّثَنَا شَرِيكٍ، عَنْ عَاصِمٌ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ وَلَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ، كُلُّ جَنَاحٍ مِنْهَا قَدْ سَدّ الْأُفُقَ، يَسْقُطُ مِنْ جَنَاحِهِ مِنَ التَّهَاوِيلِ وَالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ مَا اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ [[في أ: "أعلم".]] . انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ [[المسند (١/٣٩٥) .]] . وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ إِدْرِيسَ بْنِ مُنَبِّه، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَأَلَ النَّبِيُّ ﷺ جِبْرِيلَ أَنْ يَرَاهُ فِي صُورَتِهِ، فَقَالَ: ادْعُ رَبَّكَ. فَدَعَا رَبَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، فَطَلَعَ عَلَيْهِ سَوَادٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، فَجَعَلَ يَرْتَفِعُ وَيَنْتَشِرُ، فَلَمَّا رَآهُ النَّبِيُّ ﷺ صعِق، فَأَتَاهُ فَنَعَشَه وَمَسَحَ الْبُزَاقَ عَنْ شِدْقه. انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ [[المسند (١/٣٢٢) .]] . وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ "عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ"، مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ هَبَّار بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ: كَانَ أَبُو لَهَبٍ وَابْنُهُ عُتْبَةُ قَدْ تَجَهَّزَا إِلَى الشَّامِ، فَتَجَهَّزْتُ مَعَهُمَا، فَقَالَ ابْنُهُ عُتْبَةُ: وَاللَّهِ لَأَنْطَلِقَنَّ إِلَى مُحَمَّدٍ وَلَأُوذِيَنَّهُ فِي رَبِّهِ، سُبْحَانَهُ، فَانْطَلَقَ حَتَّى أَتَى النَّبِيَّ ﷺ، فقال: يا محمد، هو يكفر بالذي دنى فَتَدَلَّى، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "اللَّهُمَّ ابْعَثْ إِلَيْهِ كَلْبًا مِنْ كِلَابِكَ". ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ فَرَجَعَ إِلَى أَبِيهِ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، مَا قُلْتَ لَهُ؟ فَذَكَرَ لَهُ مَا قَالَ لَهُ، قَالَ: فَمَا قَالَ لَكَ؟ قَالَ: قَالَ: "اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبًا مِنْ كِلَابِكَ" قَالَ: يَا بُنَيَّ، وَاللَّهِ مَا آمنُ عَلَيْكَ دُعاءه. فَسِرْنَا حَتَّى نَزَلْنَا الشُّرَاةَ، وَهِيَ مأْسَدَة، وَنَزَلْنَا إِلَى صَوْمَعة رَاهِبٍ، فَقَالَ الرَّاهِبُ: يَا مَعْشَرَ الْعَرَبِ، مَا أَنْزَلَكُمْ هَذِهِ الْبِلَادَ فَإِنَّهَا تَسْرَحُ الأسْدُ فِيهَا كَمَا تَسْرَحُ الْغَنَمُ؟ فَقَالَ لَنَا أَبُو لَهَبٍ: إِنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمْ كِبَرَ سِنِّي وَحَقِّي، وَإِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ دَعَا عَلَى ابْنِي دَعْوَةً -وَاللَّهِ-مَا آمَنُهَا عَلَيْهِ، فَاجْمَعُوا مَتَاعَكُمْ إِلَى هَذِهِ الصَّوْمَعَةِ، وَافْرِشُوا لِابْنِي عَلَيْهَا، ثُمَّ افْرِشُوا حَوْلَهَا. فَفَعَلْنَا، فَجَاءَ الْأَسَدُ فَشَمّ وُجُوهَنَا، فَلَمَّا لَمْ يَجِدُ مَا يُرِيدُ تَقَبّض، فَوَثَبَ، فَإِذَا هُوَ فَوْقَ الْمَتَاعِ، فَشَمَّ وَجْهَهُ ثُمَّ هَزَمَهُ هَزْمة فَفَضخ رَأْسَهُ. فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: قَدْ عَرَفْتُ أَنَّهُ لَا يَنْفَلِتُ عَنْ دَعْوَةِ مُحَمَّدٍ [[لم أجد ترجمة عتبة بن أبي لهب في تاريخ دمشق المخطوط ولا في مختصره لابن منظور.]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ أَيْ: فَاقْتَرَبَ جِبْرِيلُ إِلَى مُحَمَّدٍ لَمَّا هَبَطَ عَلَيْهِ إِلَى الْأَرْضِ، حَتَّى كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ ﷺ قَابُ قَوْسَيْنِ أَيْ: بِقَدْرِهِمَا إِذَا مُدّا. قَالَهُ [[في م: "قال".]] مُجَاهِدٌ، وقَتَادَةُ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ بُعدُ مَا بَيْنَ وَتَرِ الْقَوْسِ إِلَى كَبِدِهَا. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿أَوْ أَدْنَى﴾ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ تُسْتَعْمَلُ فِي اللُّغَةِ لِإِثْبَاتِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ وَنَفْيِ مَا زَادَ عَلَيْهِ، كَقَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً﴾ [الْبَقَرَةِ: ٧٤] ، أَيْ: مَا هِيَ بِأَلْيَنَ مِنَ الْحِجَارَةِ، بَلْ هِيَ مِثْلُهَا أَوْ تَزِيدُ عَلَيْهَا فِي الشِّدَّةِ وَالْقَسْوَةِ. وَكَذَا قَوْلُهُ: ﴿يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً﴾ [النِّسَاءِ: ٧٧] ، وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ﴾ [الصَّافَّاتِ: ١٤٧] ، أَيْ: لَيْسُوا أَقَلَّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِائَةُ أَلْفٍ حَقِيقَةً، أَوْ يَزِيدُونَ عَلَيْهَا. فَهَذَا تَحْقِيقٌ لِلْمُخْبَرِ بِهِ لَا شَكَّ وَلَا تَرَدُّدَ [[في م، أ: "ولا ترديد".]] ، فَإِنَّ هَذَا مُمْتَنِعٌ هَاهُنَا، وَهَكَذَا هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ . وَهَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ مِنْ أَنَّ هَذَا الْمُقْتَرِبَ الدَّانِيَ الَّذِي صَارَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحَمَّدٍ ﷺ، إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، هُوَ قَوْلُ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، كَمَا سَنُورِدُ أَحَادِيثَهُمْ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: "رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ" [[صحيح مسلم برقم (١٧٦) .]] . فَجَعَلَ هَذِهِ إِحْدَاهُمَا. وَجَاءَ فِي حَدِيثِ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ، عَنْ أَنَسٍ فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ: "ثُمَّ دَنَا الْجَبَّارُ رَبُّ الْعِزَّةِ فَتَدَلَّى" وَلِهَذَا تَكَلَّمَ [[في م: "ولهذا قد تكلم".]] كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فِي مَتْنِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ، وَذَكَرُوا أَشْيَاءَ فِيهَا مِنَ الْغَرَابَةِ، فَإِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى وَقْتٍ آخَرَ وَقِصَّةٍ أُخْرَى، لَا أَنَّهَا تَفْسِيرٌ لِهَذِهِ الْآيَةِ؛ فَإِنَّ هَذِهِ كَانَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي الْأَرْضِ لَا لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ؛ وَلِهَذَا قَالَ بَعْدَهُ: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نزلَةً أُخْرَى. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى﴾ ، فَهَذِهِ هِيَ لَيْلَةُ الْإِسْرَاءِ وَالْأُولَى كَانَتْ فِي الْأَرْضِ. وَقَدْ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ، حَدَّثَنَا زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "رَأَيْتُ جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ" [[تفسير الطبري (٢٧/٢٧) .]] . وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعة، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَة، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ أولَ شَأْنِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ رَأَى فِي مَنَامِهِ جِبْرِيلَ بِأَجْيَادٍ، ثُمَّ إِنَّهُ خَرَجَ لِيَقْضِيَ حَاجَتَهُ فَصَرَخَ بِهِ جِبْرِيلُ: يَا مُحَمَّدُ، يَا مُحَمَّدُ. فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَمِينًا وَشِمَالًا فَلَمْ يَرَ شَيْئًا [[في م: "أحدا".]] -ثَلَاثًا-ثُمَّ رَفَعَ بَصَرَهُ فَإِذَا هُوَ ثَانٍ إِحْدَى رِجْلَيْهِ مَعَ [[في م، أ: "على".]] الْأُخْرَى عَلَى أُفُقِ السَّمَاءِ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، جِبْرِيلُ، جبريلُ -يُسكّنه-فَهَرَبَ النَّبِيُّ ﷺ حَتَّى دَخَلَ فِي النَّاسِ، فَنَظَرَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، ثُمَّ خَرَجَ مِنَ النَّاسِ، ثُمَّ نَظَرَ فَرَآهُ، فَدَخَلَ فِي النَّاسِ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا، ثُمَّ خَرَجَ فَنَظَرَ فَرَآهُ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى. [مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى [[زيادة من م.]] ] ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى﴾ يَعْنِي جِبْرِيلُ إِلَى مُحَمَّدٍ، ﴿فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ : وَيَقُولُونَ: الْقَابُ نِصْفُ الْأُصْبُعِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذِرَاعَيْنِ كَانَ بَيْنَهُمَا. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ [[تفسير الطبري (٢٧/٢٧) .]] . وَفِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ شَاهِدٌ لِهَذَا. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ طَلْق بْنِ غَنَّامٍ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ زِرًّا عَنْ قوله: ﴿فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى. فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَنَّ مُحَمَّدًا ﷺ رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ [[صحيح البخاري برقم (٤٨٥٧) .]] . وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي ابْنُ بَزِيع الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾ قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ حُلَّتَا [[في م، أ: "ليا".]] رَفْرَفٍ، قَدْ مَلَأَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ [[تفسير الطبري (٢٧/٢٩) .]] . فَعَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ يَكُونُ قَوْلُهُ: ﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾ مَعْنَاهُ: فَأَوْحَى جِبْرِيلُ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدٍ مَا أَوْحَى. أَوْ: فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى عَبْدِهِ مُحَمَّدٍ مَا أَوْحَى بِوَاسِطَةِ جِبْرِيلَ وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ صَحِيحٌ، وَقَدْ ذُكر عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾ ، قَالَ: أَوْحَى إِلَيْهِ: "أَلَمْ أَجِدْكَ يَتِيمًا" ﴿، وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ [الشَّرْحِ: ٤] . وَقَالَ غَيْرُهُ: أَوْحَى [اللَّهُ] [[زيادة من أ.]] إِلَيْهِ أَنَّ الْجَنَّةَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ حَتَّى تَدْخُلَهَا، وَعَلَى الْأُمَمِ حَتَّى تَدْخُلَهَا أُمَّتُكَ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى. أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى﴾ قَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا وَكيع، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ زِيَادِ بْنِ حُصَين، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾ ، ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نزلَةً أُخْرَى﴾ قَالَ: رَآهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ [[صحيح مسلم برقم (١٧٦) .]] . وَكَذَا رَوَاهُ سِمَاك، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ. وَكَذَا قَالَ أَبُو صَالِحٍ وَالسُّدِّيُّ وَغَيْرُهُمَا: إِنَّهُ رَآهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ [أَوْ مَرَّةً] [[زيادة من م.]] ، وَقَدْ خَالَفَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُ [[في م: "ابن عمرو عنه".]] ، وَفِي رِوَايَةِ عَنْهُ أَنَّهُ أَطْلَقَ الرُّؤْيَةَ، وَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْمُقَيَّدَةِ بِالْفُؤَادِ. وَمَنْ رَوَى عَنْهُ بِالْبَصَرِ فَقَدْ أَغْرَبَ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ عَنِ الصَّحَابَةِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وقولُ الْبَغَوِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ: وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إِلَى أَنَّهُ رَآهُ بِعَيْنِهِ، وَهُوَ قَوْلُ أَنَسٍ والحسنُ وَعِكْرِمَةُ. فِيهِ نَظَرٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ [[انظر تفسير البغوي (٧/٤٠٣) .]] . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ نَبْهان [[في م: "منهال".]] بْنِ صَفْوَانَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ الْعَنْبَرِيُّ، عَنْ سَلْم بْنِ جَعْفَرٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ. قُلْتُ: أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ﴾ [الْأَنْعَامِ: ١٠٣] قَالَ: وَيْحَكَ! ذَاكَ إِذَا تَجَلى بِنُورِهِ الَّذِي هُوَ نُورُه، وَقَدْ رَأَى رَبَّهُ مرتين. ثُمَّ قَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ [[سنن الترمذي برقم (٣٢٧٩) .]] . وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لَقِيَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَعْبًا بِعَرَفَةَ، فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ فكَبَّر حَتَّى جَاوَبَتْهُ الْجِبَالُ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّا بَنُو هَاشِمٍ فَقَالَ كَعْبٌ: إِنَّ اللَّهَ قَسَّمَ رُؤْيَتَهُ وَكَلَامَهُ بَيْنَ مُحَمَّدٍ وَمُوسَى، فَكَلَّمَ مُوسَى مَرَّتَيْنِ وَرَآهُ مُحَمَّدٌ مَرَّتَيْنِ. وَقَالَ مَسْرُوقٌ: دخلتُ عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْتُ: هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ؟ فَقَالَتْ: لَقَدْ تَكَلَّمْتَ بِشَيْءٍ قَفَّ لَهُ شَعْرِي. فَقُلْتُ: رُوَيدًا، ثُمَّ قرأتُ: ﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾ فَقَالَتْ: أَيْنَ يُذهَبُ بِكَ؟ إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ مَنْ أَخْبَرَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ أَوْ كَتَمَ شَيْئًا مِمَّا أمرَ بِهِ، أَوْ يَعْلَمُ الْخَمْسَ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ﴾ [لُقْمَانَ:٣٤] ، فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ [[في م: "أعظم على الله الفرية".]] ، وَلَكِنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ، لَمْ يَرَهُ فِي صُورَتِهِ إِلَّا مَرَّتَيْنِ، مَرَّةً عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَمَرَّةً فِي جِيَادٍ [[في م: "أجنادين".]] ، وَلَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ قَدْ سَدَّ الْأُفُقَ [[سنن الترمذي برقم (٣٢٧٨) .]] . وَقَالَ النَّسَائِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَتَعْجَبُونَ أَنْ تَكُونَ الحُلَّة لِإِبْرَاهِيمَ، وَالْكَلَامُ لِمُوسَى، وَالرُّؤْيَةُ لِمُحَمَّدٍ، عَلَيْهِمُ السَّلَامُ؟! [[النسائي في السنن الكبرى برقم (١١٥٣٩) .]] . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: سَأَلَتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: هَلْ رأيتَ رَبَّكَ؟ فَقَالَ: "نورٌ أَنَّى أَرَاهُ". وَفِي رِوَايَةٍ: "رَأَيْتُ نُورًا" [[صحيح مسلم برقم (١٧٨) .]] . وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبيدةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْتَ [[في أ: "هل رأيت".]] رَبَّكَ؟ قَالَ: "رَأَيْتُهُ بِفُؤَادِي مَرَّتَيْنِ" ثُمَّ قَرَأَ: ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾ . وَرَوَاهُ ابنُ جَرِيرٍ، عَنِ ابْنِ حُمَيد، عَنْ مِهْرَان، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ قَالَ: "لَمْ أَرَهُ بِعَيْنِي، وَرَأَيْتُهُ بِفُؤَادِي مَرَّتَيْنِ" ثُمَّ تَلَا ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى﴾ [[تفسير الطبري (٢٧/٢٧) .]] . ثُمَّ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ، أَخْبَرَنِي عَبَّاد بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: سَأَلْتُ عِكْرِمَةَ: ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾ ، فَقَالَ عِكْرِمَةُ: تُرِيدُ أَنْ أُخْبِرَكَ أَنَّهُ قَدْ رَآهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: قَدْ رَآهُ، ثُمَّ قَدْ رَآهُ. قَالَ: فَسَأَلْتُ عَنْهُ الْحَسَنَ فَقَالَ: رَأَى جَلَالَهُ وعَظَمته ورِداءَه. وَحَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُجَاهِدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْعَقَدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو خَلَدَةَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: سُئِل رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ قَالَ: "رَأَيْتُ نَهْرًا، وَرَأَيْتُ وَرَاءَ النَّهْرِ حِجَابًا، وَرَأَيْتُ وَرَاءَ الْحِجَابِ نُورًا لَمْ أَرَ غَيْرَ" [[ورواه ابن المنذر كما في الدر المنثور (٧/٦٤٨) وهو مرسل.]] . وَذَلِكَ غَرِيبٌ جِدًّا، فَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "رَأَيْتُ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ" [[المسند (١/٢٨٥) .]] . فَإِنَّهُ حَدِيثٌ إِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ، لَكِنَّهُ مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثِ الْمَنَامِ كَمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَر، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلابة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قال: "أَتَانِي رَبِّي اللَّيْلَةَ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ -أَحْسَبُهُ يَعْنِي فِي النَّوْمِ-فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَتَدْرِي فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟ " قَالَ: "قُلْتُ: لَا. فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ حَتَّى وَجَدْتُ بَرْدَها بَيْنَ ثَدْيَيَّ -أَوْ قَالَ: نَحْرِي-فَعَلِمْتُ مَا في السموات وَمَا فِي الْأَرْضِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، هَلْ تَدْرِي فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟ " قَالَ: "قُلْتُ: نَعَمْ، يَخْتَصِمُونَ فِي الْكَفَّارَاتِ وَالدَّرَجَاتِ". قَالَ: "وَمَا الْكَفَّارَاتُ وَالدَّرَجَاتُ؟ " قَالَ: "قُلْتُ: الْمُكْثُ فِي الْمَسَاجِدِ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ، وَالْمَشْيُ عَلَى الْأَقْدَامِ إِلَى الجُمُعات [[في هـ، أ: "الجماعات".]] ، وَإِبْلَاغُ الْوُضُوءِ فِي الْمَكَارِهِ، مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَاشَ بِخَيْرٍ وَمَاتَ بِخَيْرٍ، وَكَانَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ. وَقَالَ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ إِذَا صَلَّيْتَ: اللَّهُمَّ، إِنِّي أَسْأَلُكَ الْخَيِّرَاتِ [[في م: "إني أسألك فعل الخيرات".]] وَتَرْكَ الْمُنْكَرَاتِ، وَحُبَّ الْمَسَاكِينِ، وَإِذَا أَرَدْتَ بِعِبَادِكَ فِتْنَةً أَنْ تَقْبِضَنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ". قَالَ: "وَالدَّرَجَاتُ بَذْلُ الطَّعَامِ، وَإِفْشَاءُ السَّلَامِ، وَالصَّلَاةُ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسِ نِيَامٌ" [[المسند (١/٣٦٨) .]] . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي آخِرِ سُورَةِ "ص"، عَنْ مُعَاذٍ نَحْوُهُ [[انظر تفسير الآية: ٦٩ من سورة "ص".]] . وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَفِيهِ سِيَاقٌ آخَرُ وَزِيَادَةٌ غَرِيبَةٌ فَقَالَ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى التَّمِيمِيُّ، حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عُمَر بْنِ سَيَّار، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَرْبِي، عَنْ عُمَرَ بْنِ سُلَيْمَانَ [[في أ: "سليم".]] ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "رَأَيْتُ رَبِّي فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ فَقَالَ لِي: يَا مُحَمَّدُ، هَلْ تَدْرِي فِيمَ يَخْتَصِمُ الْمَلَأُ الْأَعْلَى؟ فَقُلْتُ: لَا يَا رَبِّ. فَوَضَعَ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ فَوَجَدْتُ بَرْدَها بَيْنَ ثدييّ، فعلمت ما في السموات وَالْأَرْضِ، فَقُلْتُ: يَا رَبِّ، فِي الدَّرَجَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ، وَنَقْلِ الْأَقْدَامِ إِلَى الجُمُعات [[في أ: "الجماعات".]] ، وَانْتِظَارِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ. فَقُلْتُ: يَا رَبِّ إِنَّكَ اتَّخَذْتَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا وكلمتَ مُوسَى تَكْلِيمًا، وَفَعَلْتَ وَفَعَلْتَ، فَقَالَ: أَلَمْ أَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ؟ أَلَمْ أَضَعْ عَنْكَ وِزْرَك؟ أَلَمْ أَفْعَلْ بِكَ؟ أَلَمْ أَفْعَلْ؟ قَالَ: "فَأَفْضَى إِلَيَّ بِأَشْيَاءَ لَمْ يُؤْذَنْ لِي أَنْ أُحَدِّثَكُمُوهَا" قَالَ: "فَذَاكَ قَوْلُهُ فِي كِتَابِهِ: ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى. فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى. فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى. مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى﴾ ، فَجَعَلَ نُورَ بَصَرِي فِي فُؤَادِي، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ بِفُؤَادِي". إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ [[تفسير الطبري (٢٧/٢٨) .]] . وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ بِسَنَدِهِ إِلَى هَبَّار بْنِ الْأَسْوَدِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ أَنَّ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي لَهَبٍ لَمَّا خَرَجَ فِي تِجَارَةٍ إِلَى الشَّامِ قَالَ لِأَهْلِ مَكَّةَ: اعْلَمُوا أَنِّي كَافِرٌ بِالَّذِي دَنَا فَتَدَلَّى. فَبَلَغَ قَوْلُهُ رسولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: "سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِ كَلْبًا مِنْ كِلَابِهِ". قَالَ هَبَّارٌ: فَكُنْتُ مَعَهُمْ، فَنَزَلْنَا بِأَرْضٍ كَثِيرَةٍ الْأُسْدِ، قَالَ: فلقد رأيت الأسد جاء فجعل يشم رؤوس الْقَوْمِ وَاحِدًا وَاحِدًا، حَتَّى تَخَطَّى إِلَى عُتْبَةَ فَاقْتَطَعَ رَأْسَهُ مِنْ بَيْنِهِمْ [[مختصر تاريخ دمشق لابن منظور (٢٧/٦٣) ولم يقع لي في ترجمته فيما بين يدي من مخطوطات تاريخ دمشق.]] . وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ فِي السِّيرَةِ: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بِأَرْضِ الزَّرْقَاءِ، وَقِيلَ: بِالسَّرَاةِ، وَأَنَّهُ خَافَ لَيْلَتَئِذٍ، وَأَنَّهُمْ جَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ وَنَامُوا مِنْ حَوْلِهِ، فَجَاءَ الْأَسَدُ فَجَعَلَ يَزْأَرُ، ثُمَّ تَخَطَّاهُمْ إِلَيْهِ فَضَغَمَ رَأْسَهُ، لَعَنَهُ اللَّهُ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نزلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى﴾ ، هَذِهِ هِيَ الْمَرَّةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي رَأَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِيهَا جِبْرِيلَ عَلَى صُورَتِهِ الَّتِي خَلَقَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا، وَكَانَتْ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي الْإِسْرَاءِ بِطُرُقِهَا وَأَلْفَاظِهَا فِي أَوَّلِ سُورَةِ "سُبْحَانَ" بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هَاهُنَا، وَتَقَدَّمَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، كَانَ يُثْبِتُ الرُّؤْيَةَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، وَيَسْتَشْهِدُ بِهَذِهِ الْآيَةِ. وَتَابَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، وَقَدْ خَالَفَهُ جَمَاعَاتٌ مِنَ الصَّحَابَةِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَالتَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَة، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْش، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نزلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى﴾ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "رَأَيْتُ جِبْرِيلَ وَلَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ، يَنْتَثِرُ مِنْ رِيشِهِ التَّهَاوِيلُ: الدُّرُّ وَالْيَاقُوتُ" [[المسند (١/٤٦٠) .]] . وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ قَوِيٌّ. وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ جَامِعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ، عَنْ أَبِي وائل، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ وَلَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ، كُلُّ جَنَاحٍ مِنْهَا قَدْ سَدَّ الْأُفُقَ: يَسْقُطُ مِنْ جَنَاحِهِ مِنَ التَّهَاوِيلِ وَالدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ مَا اللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ" [[لم أجده في المسند وذكره الحافظ ابن حجر في أطرف المسند (٤/١٥٨) .]] . إِسْنَادُهُ حَسَنٌ أَيْضًا. وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الحُبَاب، حَدَّثَنِي حُسَيْنٌ، حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ بَهْدَلَة قَالَ: سَمِعْتُ شَقِيق بْنَ سَلَمَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "رَأَيْتُ جِبْرِيلَ عَلَى سِدْرَةِ [[في م: "السدرة".]] الْمُنْتَهَى وَلَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ" سَأَلْتُ عَاصِمًا عَنِ الْأَجْنِحَةِ فَأَبَى أَنْ يُخْبِرَنِي. قَالَ: فَأَخْبَرَنِي بَعْضُ أَصْحَابِهِ أَنَّ الْجَنَاحَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ [[المسند (١/٤٠٧) .]] . وَهَذَا أَيْضًا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ. وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ، حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ بَهْدَلَة [[في أ: "حصين".]] ،حَدَّثَنِي [[في م: "قال سمعت".]] شَقِيقٌ [[في م: "شقيق بن سلمة".]] قَالَ: [[في م، أ: "يقول".]] سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أَتَانِي جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي خُضر مُعَلَّقٍ بِهِ الدُّرُّ [[في م: "الدر به".]] " [[المسند (١/٤٠٧) .]] . إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ أَيْضًا. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَامِرٌ قَالَ: أَتَى مسروقُ عَائِشَةَ فَقَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ ﷺ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ؟ قَالَتْ: سُبْحَانَ اللَّهِ لَقَدْ قَفّ شَعْرِي لِمَا قُلْتَ، أَيْنَ أَنْتَ مِنْ ثَلَاثٍ مَنْ حَدّثكهن فَقَدْ كَذَبَ: مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ﴾ [الْأَنْعَامِ: ١٠٣] ، ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ [الشُّورَى: ٥١] ، وَمَنْ أَخْبَرَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ فَقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنزلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأرْحَامِ﴾ الْآيَةَ [لُقْمَانَ:٣٤] ، وَمَنْ أَخْبَرَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا قَدْ كَتَمَ [[في أ: "كتم شيئا من الوحي".]] ، فَقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ [الْمَائِدَةِ: ٦٧] ، وَلَكِنَّهُ رَأَى جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ مَرَّتَيْنِ [[المسند (٦/٤٩) .]] . وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنِ دَاوُدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ عَائِشَةَ فَقُلْتُ: أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ بِالأفُقِ الْمُبِينِ﴾ [التَّكْوِيرِ:٢٣] ، ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نزلَةً أُخْرَى﴾ فَقَالَتْ: أَنَا أَوَّلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ سَأَلَ [[في أ: "سألت".]] رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْهَا، فَقَالَ: "إِنَّمَا ذَاكَ جِبْرِيلُ". لَمْ يَرَهُ فِي صُورَتِهِ الَّتِي خُلِقَ عَلَيْهَا إِلَّا مَرَّتَيْنِ، رَآهُ مُنْهَبِطًا مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ، سَادًّا عُظْمُ خَلْقِهِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، مِنْ حَدِيثِ الشَّعْبِيِّ، بِهِ [[المسند (٦/٢٤١) وصحيح البخاري برقم (٤٨٥٥) وصحيح مسلم برقم (١٧٧) بنحوه.]] . رِوَايَةُ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا هُمَامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شقيق قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي ذَرٍّ: لَوْ رأيتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَسَأَلْتُهُ. قَالَ: وَمَا كُنْتَ تَسْأَلُهُ؟ قَالَ: كُنْتُ أَسْأَلُهُ: هَلْ رَأَى رَبَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ؟ فَقَالَ: إِنِّي قَدْ سَأَلْتُهُ فَقَالَ: "قَدْ رَأَيْتُهُ، نُورًا أَنَّى أَرَاهُ" [[المسند (٥/١٤٧) .]] . هَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقَيْنِ بِلَفْظَيْنِ فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيع، عَنْ يَزِيدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: سَأَلَتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ فَقَالَ: "نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ". وَقَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي ذَرٍّ: لَوْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَسَأَلْتُهُ. فَقَالَ: عَنْ أَيِّ شَيْءٍ كُنْتَ تَسْأَلُهُ؟ قَالَ: قُلْتُ: كُنْتُ أَسْأَلُهُ: هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ؟ قَالَ أَبُو ذَرٍّ: قَدْ سَأَلْتُ فَقَالَ: "رَأَيْتُ نُورًا" [[صحيح مسلم برقم (١٧٨) .]] . وَقَدْ حَكَى الْخَلَّالُ فِي "عِلَلِهِ" أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ سُئل عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: مَا زلتُ مُنْكِرًا لَهُ، وَمَا أَدْرِي مَا وَجْهُهُ [[ووجه الإنكار لا محل له في المتن، فإن له شواهد وهو دليل على نفي الرؤية في الدنيا.]] . وَقَدْ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ الْوَاسِطِيُّ، أَخْبَرَنَا هُشَيْم، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: رَآهُ بِقَلْبِهِ، وَلَمْ يَرَهُ بِعَيْنِهِ. وَحَاوَلَ ابْنُ خُزَيمة أَنْ يَدَّعِيَ انْقِطَاعَهُ بَيْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيق وَبَيْنَ أَبِي ذَرٍّ، وَأَمَّا ابْنُ الْجَوْزِيِّ فَتَأَوَّلَهُ عَلَى أَنَّ أَبَا ذَرٍّ لَعَلَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَبْلَ الْإِسْرَاءِ، فَأَجَابَهُ بِمَا أَجَابَهُ بِهِ، وَلَوْ سَأَلَهُ بَعْدَ الْإِسْرَاءِ لَأَجَابَهُ بِالْإِثْبَاتِ. وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا، فَإِنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَدْ سَأَلَتْ عَنْ ذَلِكَ بَعْدَ الْإِسْرَاءِ، وَلَمْ يُثْبِتْ لَهَا الرُّؤْيَةَ. وَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ خَاطَبَهَا عَلَى قَدْرِ عَقْلِهَا، أَوْ حَاوَلَ تَخْطِئَتَهَا فِيمَا ذَهَبَتْ إِلَيْهِ -كَابْنِ خُزيمة فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ [[التوحيد لابن خزيمة (ص٢٠٥، ٢٠٦) (ص٢٢٥) .]] -، فَإِنَّهُ هُوَ الْمُخْطِئُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ النَّسَائِيُّ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ [[في م، أ: "هشيم".]] ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم رَبَّهُ بِقَلْبِهِ، وَلَمْ يَرَهُ بِبَصَرِهِ [[النسائي في السنن الكبرى برقم (١١٥٣٦) .]] . وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُسْهِر، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نزلَةً أُخْرَى﴾ ، قَالَ: رَأَى جِبْرِيلَ [[في أ: "رَأَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ جِبْرِيلَ".]] ، عَلَيْهِ السَّلَامُ [[صحيح مسلم برقم (١٧٥) .]] . وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نزلَةً أُخْرَى﴾ قَالَ: رَأَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ مَرَّتَيْنِ، وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَغَيْرُهُمْ. * * * وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى﴾ : قَدْ تَقَدَّمَ فِي أَحَادِيثِ الْإِسْرَاءِ أَنَّهُ غَشِيَتْهَا الْمَلَائِكَةُ مِثْلَ الغِربان، وَغَشِيَهَا نُورُ الرَّبِّ، وَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ مَا أَدْرِي مَا هِيَ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَل، حَدَّثَنَا الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ [[في أ: "بن".]] طَلْحَةَ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ-هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ-قَالَ: لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ انْتُهِيَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَهِيَ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ [[في م: "السادسة".]] ، إِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُعْرَجُ بِهِ مِنَ الْأَرْضِ فَيُقْبَضُ مِنْهَا، وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يَهْبِطُ مِنْ فَوْقِهَا فَيُقْبَضُ مِنْهَا، ﴿إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى﴾ قَالَ: فِرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: وَأُعْطِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ثَلَاثًا: أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وغُفر لِمَنْ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا مِنْ أُمَّتِهِ المُقحمات. انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ [[المسند (١/٤٢٢) وصحيح مسلم برقم (١٧٣) .]] . وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ غَيْرِهِ -شَكَّ أَبُو جَعْفَرٍ-قَالَ: لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ انْتَهَى إِلَى السِّدْرَةِ، فَقِيلَ لَهُ: هَذِهِ السِّدْرَةُ [قَالَ] : [[زيادة من أ.]] فَغَشِيَهَا نُورُ الْخَلَّاقِ، وَغَشِيَتْهَا الْمَلَائِكَةُ مِثْلَ الْغِرْبَانِ حِينَ يَقَعْنَ عَلَى الشَّجَرِ، قَالَ: فَكَلَّمَهُ عِنْدَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ: سَلْ. وَقَالَ [[في م: "فقال".]] ابْنُ أَبِي نَجِيح، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى﴾ قَالَ: كَانَ أَغْصَانُ السِّدْرَةِ لُؤْلُؤًا وَيَاقُوتًا وَزَبَرْجَدًا، فَرَآهَا مُحَمَّدٌ، وَرَأَى رَبَّهُ بِقَلْبِهِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ شَيْءٍ رَأَيْتَ يَغْشَى تِلْكَ السِّدْرَةَ؟ قَالَ: "رأيتُ يَغْشَاهَا فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَرَأَيْتُ عَلَى كُلِّ وَرَقَةٍ مِنْ وَرَقِهَا مَلَكا قَائِمًا يُسَبِّحُ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ" [[وهذا من مراسيل عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَهُوَ ضعيف.]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا ذَهَبَ يَمِينًا وَلَا شَمَالًا ﴿وَمَا طَغَى﴾ مَا جَاوَزَ مَا أُمِرَ بِهِ. وَهَذِهِ صِفَةٌ عَظِيمَةٌ فِي الثَّبَاتِ وَالطَّاعَةِ، فَإِنَّهُ مَا فَعَلَ إِلَّا مَا أُمِرَ بِهِ، وَلَا سَأَلَ فَوْقَ مَا أُعْطِيَ. وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ النَّاظِمُ: رأَى جَنَّةَ المَأوَى وَمَا فَوْقَها، وَلَو ... رَأى غَيرُهُ مَا قَد رَآه لتَاهَا ... * * * وَقَوْلُهُ: ﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾ ، كَقَوْلِهِ: ﴿لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا﴾ [طه: ٢٣] [[في م: "لنريه".]] أَيِ: الدَّالَةُ عَلَى قُدْرَتِنَا وَعَظَمَتِنَا. وَبِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ اسْتَدَلَّ مَنْ ذَهَبَ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الرُّؤْيَةَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ لَمْ تَقَعْ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: ﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾ ، وَلَوْ كَانَ رَأَى رَبَّهُ لَأَخْبَرَ بِذَلِكَ وَلَقَالَ ذَلِكَ لِلنَّاسِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ ذَلِكَ فِي سُورَةِ "سُبْحَانَ" وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أبي الكَهْتَلة [[في م، أ: "الكهبلة".]] قَالَ مُحَمَّدٌ: أَظُنُّهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ -أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَرَ جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ إِلَّا مَرَّتَيْنِ، أَمَّا مَرَّةٌ فَإِنَّهُ سَأَلَهُ أَنْ يُريه نَفْسَهُ فِي صُورَتِهِ، فَأَرَاهُ صُورَتَهُ فَسَدَّ الْأُفُقَ. وَأَمَّا الْأُخْرَى فَإِنَّهُ صَعد مَعَهُ حِينَ صَعِدَ بِهِ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ بِالأفُقِ الأعْلَى. ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى. فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى. فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى﴾ قَالَ: فَلَمَّا أحسَّ [[في أ: "أخبر".]] جِبْرِيلُ رَبَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، عَادَ فِي صُورَتِهِ وَسَجَدَ. فَقَوْلُهُ: ﴿وَلَقَدْ رَآهُ نزلَةً أُخْرَى. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى. عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى. إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى. مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى. لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾ قَالَ: خَلْقَ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ. هَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَهُوَ غَرِيبٌ [[المسند (١/٤٠٧) .]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب