الباحث القرآني

يَذْكُرُ تَعَالَى خَلْقَهُ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ، وَخَلْقَهُ [[في أ: "خلق".]] الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَهُوَ: طَرَفُ لَهَبِهَا. قَالَهُ الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَبِهِ يَقُولُ عِكْرِمَةُ، وَمُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ، وَابْنُ زَيْدٍ. وَقَالَ العَوْفي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ﴾ مِنْ لَهَبِ النَّارِ، مِنْ أَحْسَنِهَا. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ﴾ مِنْ خَالِصِ النَّارِ. وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ، وَمُجَاهِدٌ، وَالضَّحَّاكُ وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "خُلِقَتِ الْمَلَائِكَةُ مِنْ نُورٍ، وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ، وَخَلَقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ". وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ، وَعَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، بِهِ [[المسند (٦/١٦٨) وصحيح مسلم برقم (٢٩٩٦) .]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ. ﴿رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ﴾ يَعْنِي: مَشْرِقَيِ الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ، وَمَغْرِبَيِ الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ. وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ﴾ [الْمَعَارِجِ: ٤٠] ، وَذَلِكَ بِاخْتِلَافِ مَطَالِعِ الشَّمْسِ وَتَنَقُّلِهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ، وَبُرُوزِهَا مِنْهُ إِلَى النَّاسِ. وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا﴾ [الْمُزَّمِّلِ:٩] . وَهَذَا الْمُرَادُ مِنْهُ جِنْسُ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ، وَلَمَّا كَانَ فِي اخْتِلَافِ هَذِهِ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ، مَصَالِحُ لِلْخَلْقِ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ قَالَ: ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ ؟ . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ أَرْسَلَهُمَا. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿يَلْتَقِيَانِ﴾ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: أَيْ: مَنَعَهُمَا أَنْ يَلْتَقِيَا، بِمَا جَعَلَ بَيْنَهُمَا مِنَ الْبَرْزَخِ الْحَاجِزِ الْفَاصِلِ بَيْنَهُمَا. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: ﴿الْبَحْرَيْنِ﴾ الْمِلْحُ وَالْحُلْوُ، فَالْحُلْوُ هَذِهِ الْأَنْهَارُ السَّارِحَةُ بَيْنَ النَّاسِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى ذَلِكَ فِي سُورَةِ "الْفُرْقَانِ" عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا﴾ [الْفُرْقَانِ:٥٣] . وَقَدِ اخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ هَاهُنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَحْرَيْنِ: بَحْرَ السَّمَاءِ وَبَحْرَ الْأَرْضِ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَعَطِيَّةَ وَابْنِ أبْزَى. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: لِأَنَّ اللُّؤْلُؤَ يَتَوَلَّدُ مِنْ مَاءِ السَّمَاءِ، وَأَصْدَافِ [[في م: "واختلاف".]] بَحْرِ الْأَرْضِ [[تفسير الطبري (٢٧/٧٥) .]] . وَهَذَا وَإِنْ كَانَ هَكَذَا لَيْسَ الْمُرَادُ [بِذَلِكَ] [[زيادة من م، أ.]] مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يُسَاعِدُهُ اللَّفْظُ؛ فَإِنَّهُ تَعَالَى قَدْ قَالَ: ﴿بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ﴾ أَيْ: وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا، وَهُوَ: الْحَاجِزُ مِنَ الْأَرْضِ، لِئَلَّا يَبْغِيَ هذا على هذا، وهذا على هَذَا، فَيُفْسِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْآخَرَ، وَيُزِيلُهُ عَنْ صِفَتِهِ الَّتِي هِيَ مَقْصُودَةٌ مِنْهُ. وَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا يُسَمَّى بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ﴾ أَيْ: مِنْ مَجْمُوعِهِمَا، فَإِذَا وُجِدَ ذَلِكَ لِأَحَدِهِمَا [[في أ: "أحدهما".]] كَفَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ﴾ [الْأَنْعَامِ:١٣٠] وَالرُّسُلُ إِنَّمَا كَانُوا فِي الْإِنْسِ خَاصَّةً دُونَ الْجِنِّ، وَقَدْ صَحَّ هَذَا الْإِطْلَاقُ. وَاللُّؤْلُؤُ مَعْرُوفٌ، وَأَمَّا الْمَرْجَانُ فَقِيلَ: هُوَ صِغَارُ اللُّؤْلُؤِ. قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وقَتَادَةُ، وَأَبُو رَزِينٍ، وَالضَّحَّاكُ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ. وَقِيلَ: كِبَارُهُ وَجَيِّدُهُ. حَكَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ. وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ [[في أ: "عن".]] أَنَسٍ، وَحَكَاهُ عَنِ السُّدِّيِّ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عَلِيٍّ، وَمُجَاهِدٍ أَيْضًا، وَمُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ. وَقِيلَ: هُوَ نَوْعٌ مِنَ الْجَوَاهِرِ أَحْمَرُ اللَّوْنِ. قَالَ السُّدِّيُّ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: الْمَرْجَانُ: الْخَرَزُ الْأَحْمَرُ. قَالَ السُّدِّيُّ وَهُوَ البُسَّذ [[في م، أ: "الكسد".]] بِالْفَارِسِيَّةِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ [فَاطِرٍ:١٢] ، فَاللَّحْمُ مِنْ كُلٍّ مِنَ الْأُجَاجِ وَالْعَذْبِ، وَالْحَلِيَّةُ، إِنَّمَا هِيَ مِنَ الْمِلْحِ دُونَ الْعَذْبِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا سَقَطَتْ قَطُّ قَطْرَةٌ مِنَ السَّمَاءِ فِي الْبَحْرِ، فَوَقَعَتْ فِي صَدَفَةٍ إِلَّا صَارَ مِنْهَا لُؤْلُؤَةٌ. وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَةُ، وَزَادَ: فَإِذَا لَمْ تَقَعْ فِي صَدَفَةٍ نَبَتَتْ بِهَا عَنْبَرَةٌ. وَرُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نحوه. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِذَا أَمْطَرَتِ السَّمَاءُ، فَتَحَتِ الْأَصْدَافُ فِي الْبَحْرِ أَفْوَاهَهَا، فَمَا وَقَعَ فِيهَا -يَعْنِي: مِنْ قَطْرٍ-فَهُوَ اللُّؤْلُؤُ. إِسْنَادُهُ [[في م: "إسناد".]] صَحِيحٌ، وَلَمَّا كَانَ اتِّخَاذُ هَذِهِ الْحِلْيَةِ نِعْمَةً عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ، امْتَنَّ بِهَا عَلَيْهِمْ فَقَالَ [[في م: "وقال".]] : ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآتُ﴾ يَعْنِي: السُّفُنَ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ، قَالَ مُجَاهِدٌ: مَا رَفَعَ قَلْعَهُ مِنَ السُّفُنِ فَهِيَ مُنْشَأَةٌ، وَمَا لَمْ يَرْفَعْ قَلْعَهُ فَلَيْسَ بِمُنْشَأَةٍ، وَقَالَ قَتَادَةُ: ﴿الْمُنْشَآتُ﴾ يَعْنِي الْمَخْلُوقَاتِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: الْمُنْشِآتُ -بِكَسْرِ الشِّينِ-يَعْنِي: الْبَادِئَاتِ. ﴿كَالْأَعْلَامِ﴾ أَيْ: كَالْجِبَالِ فِي كِبَرِهَا، وَمَا فِيهَا مِنَ الْمَتَاجِرِ وَالْمَكَاسِبِ الْمَنْقُولَةِ مِنْ قُطْرٍ إِلَى قُطْرٍ، وَإِقْلِيمٍ إِلَى إِقْلِيمٍ، مِمَّا فِيهِ مِنْ صَلَاحٍ لِلنَّاسِ فِي [[في م: "من".]] جَلْبِ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْ سَائِرِ أَنْوَاعِ الْبَضَائِعِ؛ وَلِهَذَا قَالَ [تَعَالَى] [[زيادة من أ.]] ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ . وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا الْعَرَّارُ بْنُ سُوَيْدٍ، عَنْ عَمِيرَةَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ إِذْ أَقْبَلَتْ سَفِينَةٌ مَرْفُوعٌ شِرَاعُهَا، فَبَسَطَ عَلَى يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلَهُ الْجَوَارِي الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالأعْلامِ﴾ . وَالَّذِي أَنْشَأَهَا تَجْرِي فِي [بَحْرٍ مِنْ] [[زيادة من أ.]] بِحَوَرِهِ مَا قتلتُ عُثْمَانَ، وَلَا مَالَأْتُ عَلَى قَتْلِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب