الباحث القرآني

قَالَ ابْنُ شَوْذب، وَعَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُصَفَّى، حَدَّثَنَا بَقيَّة، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ قَيْسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾ : نَزَلَتْ فِي الَّذِي قَالَ: أَحْرِقُونِي بِالنَّارِ، لَعَلِّي أُضِلُّ اللَّهَ، قَالَ: تَابَ يَوْمًا وَلَيْلَةً بَعْدَ أَنْ تَكَلَّمَ بِهَذَا، فَقَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ وَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ عَامَّةٌ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ، يَقُولُ تَعَالَى: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَهُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ﴿وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى﴾ [النَّازِعَاتِ:٤٠] ، وَلَمْ يَطْغَ، وَلَا آثَرَ الدُّنْيَا، وَعَلِمَ أَنَّ الْآخِرَةَ خَيْرٌ وَأَبْقَى، فَأَدَّى فَرَائِضَ اللَّهِ، وَاجْتَنَبَ مَحَارِمَهُ، فَلَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ، كَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْأَسْوَدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ العَمّي، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْران الجَوْني، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "جَنَّتَانِ مِنْ فِضَّةٍ، آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَجَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ آنِيَتُهُمَا وَمَا فِيهِمَا، وَمَا بَيْنَ الْقَوْمِ وَبَيْنَ أَنْ يَنْظُرُوا إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا رداءُ الْكِبْرِيَاءِ عَلَى وَجْهِهِ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ". وَأَخْرَجَهُ بَقِيَّةُ الْجَمَاعَةِ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، بِهِ [[صحيح البخاري برقم (٤٨٧٨) وصحيح مسلم برقم (١٨٠) وسنن الترمذي برقم (٢٥٢٨) والنسائي في السنن الكبرى برقم (٧٧٦٥) وسنن ابن ماجه برقم (١٨٦) .]] . وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ -قَالَ حَمَّادٌ: وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَدْ رَفَعَهُ-فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾ ، وَفِي قَوْلِهِ: ﴿وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ﴾ [قَالَ] : [[زيادة من أ.]] جَنَّتَانِ مِنْ ذَهَبٍ لِلْمُقَرَّبِينَ، وَجَنَّتَانِ مِنْ ورِق لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبَانٍ الْمِصْرِيُّ [[في م: "المقري".]] ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ بْنِ أَبِي حَرْمَلَة، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَار، أَخْبَرَنِي أَبُو الدَّرْدَاءِ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَرَأَ يَوْمًا هذه الآية: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾ ، فَقُلْتُ: وَإِنْ زَنَى أَوْ سَرَقَ؟ فَقَالَ: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾ ، فَقُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ فَقَالَ: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾ . فَقُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: "وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي الدَّرْدَاءِ". وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْمَلَة، بِهِ [[تفسير الطبري (٥/٤٩٠) "ط. المعارف"، والنسائي في السنن الكبرى برقم (١١٥٦٠) .]] وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا عَنْ مؤمِّل [[في أ: "موسى".]] بْنِ هِشَامٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنِ الجُرَيري، عَنْ مُوسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، بِهِ [[النسائي في السنن الكبرى برقم (١١٥٦١) .]] . وَقَدْ رُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ. وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ لم يزْنِ وَلَمْ يَسْرِقْ. وَهَذِهِ الْآيَةُ عَامَّةٌ فِي الْإِنْسِ وَالْجِنِّ، فَهِيَ مِنْ أَدَلِّ دَلِيلٍ عَلَى أَنَّ الْجِنَّ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِذَا آمَنُوا وَاتَّقَوْا؛ وَلِهَذَا امْتَنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الثَّقَلَيْنِ بِهَذَا الْجَزَاءِ فَقَالَ: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ. فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ . ثُمَّ نَعَتَ هَاتَيْنِ الْجَنَّتَيْنِ فَقَالَ: ﴿ذَوَاتَا أَفْنَانٍ﴾ أَيْ: أَغْصَانٍ نَضِرَة حَسَنَةٍ، تَحْمِلُ مِنْ كُلِّ ثَمَرَةٍ نَضِيجَةٍ فَائِقَةٍ، ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ . هَكَذَا [[في أ: "وكذا".]] قَالَ عَطَاءٌ الْخُرَاسَانِيُّ وَجَمَاعَةٌ: إِنَّ الْأَفْنَانَ أَغْصَانُ الشجَر يَمَسُّ بعضُها بَعْضًا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ قُتَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ النُّعْمَانِ، سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ يَقُولُ: ﴿ذَوَاتَا أَفْنَانٍ﴾ ، يَقُولُ: ظِل الْأَغْصَانِ عَلَى الْحِيطَانِ، أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ الشَّاعِرِ حَيْثُ يَقُولُ: مَا هاجَ شَوقَكَ مِنْ هَديل حَمَامَةٍ ... تَدْعُو عَلَى فَنَن الغُصُون حَمَاما ... تَدْعُو أَبَا فَرْخَين صَادَفَ طَاوِيًا ... ذَا مِخْلَبَيْنِ مِنَ الصُّقُورِ قَطاما [[رواه عبد بن حميد وابن المنذر وأبو بكر بن حيان في الفنون وابن الأنباري في الوقف والابتداء كما في الدر المنثور (٧/٧٠٩) .]] وَحَكَى الْبَغَوِيُّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَالضَّحَّاكِ، وَالْكَلْبِيِّ: أَنَّهُ الْغُصْنُ الْمُسْتَقِيمُ [[في م: "الغصن المنيف طولا".]] [طِوَالًا] [[زيادة من أ.]] . قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿ذَوَاتَا أَفْنَانٍ﴾ : ذَوَاتَا أَلْوَانٍ. قَالَ: وَ [قَدْ] [[زيادة من م.]] رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالْحَسَنِ، وَالسُّدِّيِّ، وخُصَيف، وَالنَّضْرِ بْنِ عَرَبِيٍّ [[في أ: "عدي".]] ، وَأَبِي سِنَان مِثْلُ ذَلِكَ. وَمَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ فِيهِمَا فُنُونًا مِنَ الْمَلَاذِّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ. وَقَالَ عَطَاءٌ: كُلُّ غُصْنٍ يَجْمَعُ فُنُونًا مِنَ الْفَاكِهَةِ، وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: ﴿ذَوَاتَا أَفْنَانٍ﴾ : وَاسِعَتَا الْفِنَاءِ. وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ صَحِيحَةٌ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: ﴿ذَوَاتَا أَفْنَانٍ﴾ يُنْبِئُ بِسِعَتِهَا وَفَضْلِهَا [[في م: "بفضلها وسعتها".]] وَمَزِيَّتِهَا عَلَى مَا سِوَاهَا. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَسْمَاءَ [[في م: "أسماء بنت يزيد"، وفي ا: "أسماء بنت أبي بكر".]] قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ -وَذَكَرَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى-فَقَالَ: "يَسِيرُ فِي ظِلِّ الفَنَن مِنْهَا الرَّاكِبُ مِائَةَ سَنَةٍ-أَوْ قَالَ: يَسْتَظِلُّ فِي ظِلِّ الفَنَن مِنْهَا مِائَةُ رَاكِبٍ-فِيهَا فِرَاشُ الذَّهَبِ، كَأَنَّ ثَمَرَهَا القِلال". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ بْنِ [[في م، أ: "عن".]] بُكَيْرٍ، بِهِ [[سنن الترمذي برقم (٢٥٤١) وقال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب".]] . ﴿فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ﴾ أَيْ: تَسْرَحَانِ لِسَقْيِ تِلْكَ الْأَشْجَارِ وَالْأَغْصَانِ فَتُثْمِرُ مِنْ جَمِيعِ الْأَلْوَانِ، ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: إِحْدَاهُمَا يُقَالُ لَهَا: "تَسْنِيمٌ"، وَالْأُخْرَى "السَّلْسَبِيلُ". وَقَالَ عَطِيَّةُ: إِحْدَاهُمَا مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ، وَالْأُخْرَى مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ. وَلِهَذَا قَالَ بَعْدَ هَذَا: ﴿فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ﴾ أَيْ: مِنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الثِّمَارِ مِمَّا يَعْلَمُونَ وَخَيْرٍ مِمَّا يَعْلَمُونَ، وَمِمَّا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خطر على قلب بشر، ﴿فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ . قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَا فِي الدُّنْيَا ثَمَرَةٌ حُلْوَةٌ وَلَا مُرَّةٌ إِلَّا وَهِيَ فِي الْجَنَّةِ حَتَّى الْحَنْظَلَةُ [[في م: "الحنظل".]] . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِمَّا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا الْأَسْمَاءُ، يَعْنِي: أَنَّ بَيْنَ ذَلِكَ بَونًا عَظِيمًا، وَفَرْقًا بَيِّنًا فِي التَّفَاضُلِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب