الباحث القرآني

لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى مَآلَ السَّابِقِينَ -وَهُمُ الْمُقَرَّبُونَ-عَطَفَ عَلَيْهِمْ بِذِكْرِ أَصْحَابِ الْيَمِينِ -وَهُمُ الْأَبْرَارُ-كَمَا قَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَان: أَصْحَابُ الْيَمِينِ مَنْزِلَةٌ دُونَ الْمُقَرَّبِينَ، فَقَالَ: ﴿وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ﴾ أَيْ: أَيُّ شَيْءٍ أَصْحَابُ الْيَمِينِ؟ وَمَا حَالُهُمْ؟ وَكَيْفَ مَآلُهُمْ [[في أ: "وكيف حالهم".]] ؟ ثُمَّ فَسَّرَ ذَلِكَ فَقَالَ: ﴿فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ﴾ . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وعِكْرِمَة، وَمُجَاهِدٌ، وَأَبُو الْأَحْوَصِ، وقسَامة بْنُ زُهَير، والسَّفر بْنُ نُسَير، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ، والسُّدِّيّ، وَأَبُو حَرْزَة، وَغَيْرُهُمْ: هُوَ الَّذِي لَا شَوْكَ فِيهِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ المُوَقَر بِالثَّمَرِ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ عِكْرِمَة، وَمُجَاهِدٍ، وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ أَيْضًا: كُنَّا نُحَدِّث أَنَّهُ المُوقَر الَّذِي لَا شَوْكَ فِيهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ هَذَا وَهَذَا فَإِنَّ سِدْرَ الدُّنْيَا كَثِيرُ الشَّوْكِ قَلِيلُ الثَّمَرِ، وَفِي الْآخِرَةِ عَلَى عَكْسٍ مِنْ هَذَا لَا شَوْكَ فِيهِ، وَفِيهِ الثَّمَرُ الْكَثِيرُ الَّذِي قَدْ أَثْقَلَ أَصْلَهُ، كَمَا قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ سَلْمَانَ النَّجَّادُ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ [[في أ: "وحدثنا عبد الله".]] بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الْبَغَوِيُّ، حَدَّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبَّاسٍ [[في م، أ: "بن العباس".]] ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، أَخْبَرَنَا صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَقُولُونَ: إِنَّ اللَّهَ لَيَنْفَعُنَا بِالْأَعْرَابِ وَمَسَائِلِهِمْ؛ قَالَ: أَقْبَلَ أَعْرَابِيٌّ يَوْمًا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَكَرَ اللَّهُ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً تُؤْذِي صَاحِبَهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "وَمَا هِيَ؟ ". قَالَ: السِّدر، فَإِنَّ لَهُ شَوْكًا مُوذِيًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ: ﴿فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ﴾ ، خَضَد اللَّهُ شَوْكَهُ، فَجَعَلَ مَكَانَ كُلِّ شَوْكَةٍ ثَمَرَةً، فَإِنَّهَا لَتُنْبِتُ ثَمَرًا تَفَتَّق الثمرةُ مِنْهَا عَنِ اثْنَيْنِ [[في أ: "عن مائتي".]] وَسَبْعِينَ لَوْنًا مِنْ طَعَامٍ، مَا فِيهَا لَوْنٌ يُشْبِهُ الْآخَرَ" [[ورواه الحاكم في المستدرك (٢/٤٧٦) من طريق الربيع، عن بشر بن بكر عَنْ صَفْوَانُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قال: كان أصحاب رسول الله فذكر مثله، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه".]] . طَرِيقٌ أُخْرَى: قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُصَفَّى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنِي حَبِيبُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ عُتْبة بن عبد السلمي قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَسْمَعُكَ تَذْكُرُ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً لَا أَعْلَمَ شَجَرَةً أَكْثَرَ شَوْكًا مِنْهَا؟ يَعْنِي: الطَّلْحَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ مَكَانَ كُلِّ شَوْكَةٍ مِنْهَا ثَمَرَةً مِثْلَ خُصْوَة التَّيْسِ الْمَلْبُودِ، فِيهَا سَبْعُونَ لَوْنًا مِنَ الطَّعَامِ، لَا يُشْبِهُ لَوْنٌ آخَرَ" [[البعث لابن أبي داود برقم (٦٩) ورواه الطبراني في مسند الشاميين برقم (٤٩٢) وعنه أبو نعيم في الحلية (٦/١٠٣) عن أبي زرعة عن أبي مسهر عن يحيى بن حمزة به، وقال الهيثمي في المجمع (١٠/٤١٤) : "رجاله رجال الصحيح".]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ﴾ : الطَّلْحُ: شَجَرٌ عِظَامٌ يَكُونُ بِأَرْضِ الْحِجَازِ، مِنْ شَجَرِ العضَاه، وَاحِدَتُهُ طَلْحَةٌ، وَهُوَ شَجَرٌ كَثِيرُ الشَّوْكِ، وَأَنْشَدَ ابْنُ جَرِيرٍ لِبَعْضِ الْحُدَاةِ [[تفسير الطبري (٢٧/١٠٤) .]] : بَشَّرَهَا دَليلها وَقَالَا ... غَدًا تَرينَ الطَّلحَ والجبَالا ... وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿مَنْضُودٍ﴾ أَيْ: مُتَرَاكِمُ الثَّمَرِ، يُذَكِّرُ بِذَلِكَ قُرَيْشًا؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَعْجَبُونَ مِنْ وَجّ، وَظِلَالِهِ مِنْ طَلْحٍ وَسِدْرٍ. وَقَالَ السُّدّي: ﴿مَنْضُودٍ﴾ : مَصْفُوفٌ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُشْبِهُ طَلْحَ الدُّنْيَا، وَلَكِنْ لَهُ ثَمَرٌ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالطَّلْحُ لُغَةٌ فِي الطَّلْعِ. قُلْتُ: وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ هَمْدَانَ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: هَذَا الْحَرْفُ فِي ﴿وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ﴾ قَالَ: طَلْعٌ مَنْضُودٌ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ هَذَا مِنْ صِفَةِ السِّدْرِ، فَكَأَنَّهُ وَصَفَهُ بِأَنَّهُ مَخْضُودٌ وَهُوَ الَّذِي لَا شَوْكَ لَهُ، وَأَنَّ طَلْعَهُ مَنْضُودٌ، وَهُوَ كَثْرَةُ ثَمَرِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ إِدْرِيسَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إِيَاسٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: ﴿وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ﴾ قَالَ: الْمَوْزُ. قَالَ: وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَالْحَسَنِ، وعِكْرِمَة، وَقُسَامَةَ بْنِ زُهَيْرٍ، وقَتَادَةَ، وَأَبِي حَزْرَة، مِثْلُ ذَلِكَ، وَبِهِ قَالَ مُجَاهِدٌ وَابْنُ زَيْدٍ -وَزَادَ فَقَالَ: أَهْلُ الْيَمَنِ يُسَمُّونَ الْمَوْزَ الطَّلْحَ. وَلَمْ يَحْكِ ابْنُ جَرِيرٍ غَيْرَ هَذَا الْقَوْلِ [[تفسير الطبري (٢٧/١٠٤) .]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَظِلٍّ مَمْدُودٍ﴾ : قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -يبلُغُ بِهِ النَّبِيَّ ﷺ-قَالَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا، اقرؤوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿وَظِلٍّ مَمْدُودٍ﴾ . وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْرَجِ، بِهِ [[صحيح البخاري برقم (٤٨٨١) وصحيح مسلم برقم (٢٨٢٦) .]] . وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُرَيج، حَدَّثَنَا فُلَيح، عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظلها مائة سنة، اقرؤوا إن شئتم: ﴿وَظِلٍّ مَمْدُودٍ﴾ . وَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَان [[في هـ: "محمد بن شيبان" والمثبت من م، أ، وصحيح البخاري.]] ، عَنْ فُلَيح بِهِ [[المسند (٢/٤٨٢) وصحيح البخاري برقم (٣٢٥٢) .]] ، وَكَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَر، عَنْ هَمَّام، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [[المصنف لعبد الرزاق برقم (٢٠٨٧٧) .]] . وَكَذَا رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [[رواه أحمد في المسند (٢/٤٦٩) .]] ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدِ، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُرِيّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ [[رواه مسلم في صحيحه برقم (٢٨٢٦) .]] ، وَعَوْفٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيرة [بِهِ] [[زيادة من م.]] . وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَحَجَّاجٌ قَالَا حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، سَمِعْتُ أَبَا الضَّحَّاكِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي هُرَيرة، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا سَبْعِينَ، أَوْ مِائَةَ سَنَةٍ، هِيَ شَجَرَةُ الْخُلْدِ" [[المسند (٢/٤٤٥) .]] . وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: "فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظلها مائة عام ما يقطعها، واقرؤوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿وَظِلٍّ مَمْدُودٍ﴾ . إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَلَمْ يُخَرِّجُوهُ [[رواه ابن ماجة في السنن برقم (٤٣٣٥) من طريق عبد الرحمن بن عثمان عن محمد بن عمرو به مثله.]] . وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي كُرَيْب، عَنْ عَبْدَةَ وَعَبْدِ الرَّحِيمِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، بِهِ. وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ سُلَيْمَانَ، بِهِ [[تفسير الطبري (٢٧/١٠٥) وسنن الترمذي برقم (٣٢٩٢) .]] . وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا مِهْرَان، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ زِيَادٍ -مَوْلَى بَنِي مَخْزُومٍ-عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظلها مائة سنة، اقرؤوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿وَظِلٍّ مَمْدُودٍ﴾ . فَبَلَغَ ذَلِكَ كَعْبًا فَقَالَ: صَدَقَ، وَالَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى وَالْفُرْقَانَ عَلَى مُحَمَّدٍ، لَوْ أَنَّ رَجُلَا رَكِبَ حِقَّة أَوْ جَذَعة، ثُمَّ دَارَ حَوْلَ [[في م: "بأعلى" وفي أ: "بأصل".]] تِلْكَ الشَّجَرَةِ مَا بَلَغَهَا حَتَّى يَسْقُطَ هَرَمًا، إِنَّ اللَّهَ غَرَسَهَا بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيهَا مِنْ رُوحِهِ، وَإِنَّ أَفْنَانَهَا لَمِنْ وَرَاءِ سُورِ الْجَنَّةِ، وَمَا فِي الْجَنَّةِ نَهْرٌ إِلَّا وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِ تِلْكَ الشَّجَرَةِ [[تفسير الطبري (٢٧/١٠٥) .]] . وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَال الضَّرِيرُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيع، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَظِلٍّ مَمْدُودٍ﴾ ، قَالَ: "فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا". وَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ رَوْحِ بْنِ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيع [[صحيح البخاري برقم (٣٢٥١) .]] ، وهكذا رواه أبو داود الطَّيَالِسِيُّ، عَنْ عِمَرَانَ بْنِ دَاوَر الْقَطَّانِ، عَنْ قَتَادَةَ بِهِ. وَكَذَا رَوَاهُ مَعْمَر، وَأَبُو هِلَالٍ، عَنْ قَتَادَةَ، بِهِ. وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ الْجَوَادَ المُضَمَّر السَّرِيعَ مِائَةَ عَامٍ مَا يَقْطَعُهَا" [[صحيح البخاري برقم (٦٥٥٢، ٦٥٥٣) وصحيح مسلم برقم (٢٨٢٧، ٢٨٢٨) .]] . فَهَذَا حَدِيثٌ ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، بَلْ مُتَوَاتِرٌ مَقْطُوعٌ بِصِحَّتِهِ عِنْدَ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ النُّقَّادِ، لِتَعَدُّدِ طُرُقِهِ، وَقُوَّةِ أَسَانِيدِهِ، وَثِقَةِ رِجَالِهِ. وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبَ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حُصَين قَالَ: كُنَّا عَلَى بَابٍ فِي مَوْضِعٍ، وَمَعَنَا أَبُو صَالِحٍ وَشَقِيقٌ -يَعْنِي: الضَّبِّيَّ-فَحَدَثَّ أَبُو صَالِحٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَة قَالَ: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا سَبْعِينَ عَامًا. قَالَ أَبُو صَالِحٍ: أتكَذّب أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: مَا أُكَذِّبُ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَلَكِنِّي أكذِّبك أَنْتَ. فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْقُرَّاءِ يَوْمَئِذٍ [[تفسير الطبري (٢٧/١٠٦) .]] . قُلْتُ: فَقَدْ أَبْطَلَ مَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، مَعَ ثُبُوتِهِ وَصِحَّتِهِ وَرَفْعِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ:حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الفُرَات القَزَّاز، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَا فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ إِلَّا سَاقُهَا مِنْ ذَهَبٍ". ثُمَّ قَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ [[سنن الترمذي برقم (٢٥٢٥) .]] . وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ العَقَدي، عَنْ زَمْعَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَهْرَامَ، عَنْ عِكْرِمَة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الظِّلُّ الْمَمْدُودُ شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ عَلَى سَاقٍ ظِلُّهَا، قَدْرُ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي نَوَاحِيهَا مِائَةَ عَامٍ. قَالَ: فَيَخْرُجُ إِلَيْهَا أَهْلُ الْجَنَّةِ؛ أَهْلُ الْغُرَفِ وَغَيْرُهُمْ، فَيَتَحَدَّثُونَ فِي ظِلِّهَا. قَالَ: فَيَشْتَهِي بَعْضُهُمْ وَيَذْكُرُ لَهْوَ الدُّنْيَا، فَيُرْسِلُ اللَّهُ رِيحًا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَحَرَّكَ تِلْكَ الشَّجَرَةُ بِكُلِّ لَهْوٍ فِي الدُّنْيَا. هَذَا أَثَرٌ غَرِيبٌ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ قَويّ حَسَنٌ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ [[في أ: "حدثنا أبو".]] يَمَانٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَظِلٍّ مَمْدُودٍ﴾ قَالَ: سَبْعُونَ أَلْفَ سَنَةٍ. وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ بُنْدَار، عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ، مِثْلَهُ. ثُمَّ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا مِهْرَان، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ: ﴿وَظِلٍّ مَمْدُودٍ﴾ قَالَ: خَمْسُمِائَةِ أَلْفِ سَنَةٍ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أبو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ نَافِعٍ، عَنِ الحسن في قوله اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَظِلٍّ مَمْدُودٍ﴾ قَالَ: فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةٌ يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظلها مائة سنة لا يقطعها. وَقَالَ عَوْفٌ عَنِ الْحَسَنِ: بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لَا يَقْطَعُهَا". رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ [[تفسير الطبري (٢٧/١٠٥) .]] . وَقَالَ شَبِيبٌ عَنْ عِكْرِمَة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فِي الْجَنَّةِ شَجَر لَا يَحْمِلُ، يُستظَلُّ بِهِ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ، والسُّدِّيّ، وَأَبُو حَرْزَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَظِلٍّ مَمْدُودٍ﴾ لَا يَنْقَطِعُ، لَيْسَ فِيهَا شَمْسٌ وَلَا حَرٌّ، مِثْلُ قَبْلِ طُلُوعِ الْفَجْرِ. وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: الْجَنَّةُ سَجْسَج، كَمَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ. وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْآيَاتُ كَقَوْلِهِ: ﴿وَنُدْخِلُهُمْ ظِلا ظَلِيلا﴾ [النِّسَاءِ: ٥٧] ، وَقَوْلِهِ: ﴿أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا﴾ [الرَّعْدِ:٣٥] ، وَقَوْلِهِ: ﴿فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ﴾ [الْمُرْسَلَاتِ:٤١] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ﴾ قَالَ الثَّوْرِيُّ: [يَعْنِي] [[زيادة من م، أ.]] يَجْرِي فِي غَيْرِ أُخْدُودٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عِنْدَ [[في م، أ: "على".]] تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ﴾ الْآيَةَ [مُحَمَّدٍ: ١٥] ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هَاهُنَا. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ. لَا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ﴾ أَيْ: وَعِنْدَهُمْ مِنَ الْفَوَاكِهِ الْكَثِيرَةِ الْمُتَنَوِّعَةِ فِي الْأَلْوَانِ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، ﴿كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا﴾ [الْبَقَرَةِ: ٢٥] أَيْ: يُشْبِهُ الشكلُ الشكلَ، وَلَكِنَّ الطَّعْمَ غيرُ الطَّعْمِ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ فِي ذِكْرِ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى قَالَ: "فَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ وَنَبْقُهَا مِثْلُ قلالَ هَجَرَ" [[صحيح البخاري برقم (٣٢٠٧) وصحيح مسلم برقم (١٦٢) من حديث أنس رضي الله عنه.]] . وَفِيهِمَا أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خُسِفَت الشَّمْسُ، فَصَلَّى رسولُ اللَّهِ ﷺ وَالنَّاسُ مَعَهُ، فَذَكَرَ الصَّلَاةَ. وَفِيهِ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ هَذَا، ثُمَّ رَأَيْنَاكَ تَكَعْكَعْتَ [[في أ: "تكفكفت".]] . قَالَ: "إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ، فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا، وَلَوْ أَخَذْتُهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا" [[صحيح البخاري برقم (١٠٥٢) وصحيح مسلم برقم (٩٠٧) .]] . وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمة، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنَا ابْنُ [[في م، أ: "حدثنا أبو".]] عَقِيلٍ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ، إِذْ تَقَدَّمُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَتَقَدَّمْنَا مَعَهُ، ثُمَّ تَنَاوَلَ شَيْئًا لِيَأْخُذَهُ ثُمَّ تَأَخَّرَ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَالَ لَهُ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صنعتَ اليومَ فِي الصَّلَاةِ شَيْئًا مَا كُنْتَ تَصْنَعُهُ؟ قَالَ: "إِنَّهُ عُرِضَتْ علَيَّ الْجَنَّةُ، وَمَا فِيهَا مِنَ الزَّهْرَة والنُّضْرَة، فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا قِطْفًا مِنْ عِنَبٍ لِآتِيَكُمْ بِهِ، فحِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَلَوْ أَتَيْتُكُمْ بِهِ لَأَكَلَ مِنْهُ مِنْ بَيْنِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا يُنْقِصُونَهُ" [[تقدم تخريج الحديث عند تفسير الآية: ٣٥ من سورة الرعد.]] . وَرَوَى مُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، نَحْوَهُ [[تقدم الحديث في الموضع السابق.]] . وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَعْمَر، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عَامِرُ بْنُ زَيْدٍ البَكَالي: أَنَّهُ سَمِعَ عُتْبَةَ بْنَ عَبْدِ السُّلَمِيَّ يَقُولُ: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَسَأَلَهُ عَنِ الْحَوْضِ وَذَكَرَ الْجَنَّةَ، ثُمَّ قَالَ [[في م: "فقال".]] الْأَعْرَابِيُّ: فِيهَا فَاكِهَةٌ؟ قَالَ: "نَعَمْ، وَفِيهَا شَجَرَةٌ تُدْعَى طُوبَى" فَذَكَرَ شَيْئًا لَا أَدْرِي مَا هُوَ، قَالَ: أَيُّ شَجَرِ أَرْضِنَا تُشْبِهُ؟ قَالَ: "لَيْسَتْ تُشْبِهُ شَيْئًا مِنْ شَجَرِ أَرْضِكَ". فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "أتيتَ الشَّامَ؟ " قَالَ: لَا. قَالَ: "تُشْبِهُ شَجَرَةً بِالشَّامِ تُدْعَى الجَوزة، تَنْبُتُ عَلَى سَاقٍ وَاحِدٍ، وَيَنْفَرِشُ أَعْلَاهَا". قَالَ: مَا عِظَمُ أَصْلِهَا؟ قَالَ: "لَوِ ارْتَحَلَتْ جَذعَة مِنْ إِبِلِ أَهْلِكَ مَا أَحَاطَتْ بِأَصْلِهَا حَتَّى تَنْكَسِرَ تَرْقُوَتُهَا هَرَمًا". قَالَ: فِيهَا عِنَبٌ؟ قَالَ: "نَعَمْ". قَالَ: فَمَا عِظَمُ الْعُنْقُودِ؟ قَالَ: "مَسِيرَةُ شَهْرٍ لِلْغُرَابِ الْأَبْقَعِ، وَلَا يَفْتُرُ". قَالَ: فَمَا عظَم الحَبَّة؟ قَالَ: "هَلْ ذَبَحَ أَبُوكَ تَيْسًا مِنْ غَنَمِهِ قَطُّ عَظِيمًا؟ " قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: "فَسَلَخَ إِهَابَهُ فَأَعْطَاهُ أُمَّكَ، فَقَالَ: اتَّخِذِي لَنَا مِنْهُ دَلْوًا؟ " قَالَ: نَعَمْ. قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: فَإِنَّ تِلْكَ الْحَبَّةَ لَتُشْبِعُنِي وَأَهْلَ بَيْتِي؟ قَالَ: "نَعَمْ وعامَّة عَشِيرَتِكَ" [[المسند (٤/١٨٤) .]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿لَا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ﴾ أَيْ: لَا تَنْقَطِعُ شِتَاءً وَلَا صَيْفًا، بَلْ أُكُلُهَا دَائِمٌ مُسْتَمِرٌّ أَبَدًا، مَهْمَا طَلَبُوا وَجَدُوا، لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِمْ بِقُدْرَةِ اللَّهِ شَيْءٌ. قَالَ قَتَادَةُ: لَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ تَنَاوُلِهَا عودٌ وَلَا شوكٌ وَلَا بُعدٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ: "إِذَا تَنَاوَلَ الرَّجُلُ الثَّمَرَةَ عَادَتْ مَكَانَهَا أُخْرَى". * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ﴾ أَيْ: عَالِيَةٌ وَطِيئَةٌ نَاعِمَةٌ. قَالَ النَّسَائِيُّ وَأَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب، حَدَّثَنَا رِشْدِِين بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ دَرَّاج، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ﴾ قَالَ: "ارْتِفَاعُهَا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَمَسِيرَةُ مَا بَيْنَهُمَا خَمْسُمِائَةِ عَامٍ" [[سنن الترمذي برقم (٢٥٤٠) ووقع فيه: "هذا حديث غريب لا نعرفه" ليس فيه: "حسن" وكذا وقع في تحفة الأشراف.]] . ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ، إِلَّا مِنْ حَدِيثِ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ. قَالَ: وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ: ارْتِفَاعُ الْفُرُشِ فِي الدَّرَجَاتِ، وَبُعْدُ مَا بَيْنَ الدرجتين كما بين السماء والأرض. هَكَذَا قَالَ: إِنَّهُ لَا يَعْرِفُ هَذَا إِلَّا مِنْ رِوَايَةِ رِشْدِينَ بْنِ سَعْدٍ، وَهُوَ الْمِصْرِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو جَعْفَرٍ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي كُرَيْب، عَنْ رِشْدِينَ [[تفسير الطبري (٢٧/١٠٦) .]] . ثُمَّ رَوَاهُ هُوَ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، كِلَاهُمَا عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، فَذَكَرَهُ. وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ أَيْضًا عَنْ نُعَيم بْنِ حَمَّادٍ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ. وَأَخْرَجَهُ الضِّيَاءُ فِي صفة الجنة من حديث حرملة عن ابن وَهْبٍ، بِهِ مِثْلَهُ. وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ حَسَنِ بْنِ مُوسَى، عَنِ ابْنِ لَهِيعَة، حَدَّثَنَا دَرَّاجٌ، فَذَكَرَهُ [[المسند (٣/٧٥) .]] . وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ جُوَيْبر، عَنْ أَبِي سَهْلٍ -يَعْنِي: كَثِيرَ بْنَ زِيَادٍ-عَنِ الْحَسَنِ:: ﴿وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ﴾ قَالَ: ارْتِفَاعُ فِرَاشِ الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ ثَمَانِينَ سَنَةً. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً. فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا. عُرُبًا أَتْرَابًا. لأصْحَابِ الْيَمِينِ﴾ جَرَى الضَّمِيرُ عَلَى غَيْرِ مَذْكُورٍ. لَكَنْ لَمَّا دَلَّ السِّيَاقُ، وَهُوَ ذِكْرُ الْفُرُشِ عَلَى النِّسَاءِ اللَّاتِي يضاجَعن فِيهَا، اكْتَفَى بِذَلِكَ عَنْ ذِكْرِهِنَّ، وَعَادَ الضَّمِيرُ عَلَيْهِنَّ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: ﴿إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ. فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ﴾ [ص:٣١، ٣٢] يَعْنِي: الشَّمْسَ، عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ قَوْلِ الْمُفَسِّرِينَ. قَالَ الْأَخْفَشُ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً﴾ أَضَمَرَهُنَّ وَلَمْ يَذْكُرْهُنَّ قَبْلَ ذَلِكَ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: ذُكِرْنَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَحُورٌ عِينٌ. كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ﴾ [الْوَاقِعَةِ:٢٢، ٢٣] . فَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ﴾ أَيْ: أَعَدْنَاهُنَّ فِي النَّشْأَةِ الْآخِرَةِ بَعْدَمَا كُنَّ عَجَائِزَ [[في أ: "ماكن عجاف".]] رُمْصًا، صِرْنَ أَبْكَارًا عُرُبًا، أَيْ: بَعْدَ الثِّيُوبَةِ عُدْن أَبْكَارًا عُرُبًا، أَيْ: مُتَحَبِّبَاتٍ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ بِالْحَلَاوَةِ وَالظَّرَافَةِ وَالْمَلَاحَةِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ﴿عُرُبًا﴾ أَيْ: غَنِجات. قَالَ مُوسَى بْنُ عُبَيدة الرَّبَذِي، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: ﴿إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً﴾ قَالَ: "نِسَاءٌ عَجَائِزُ كُنّ فِي الدُّنْيَا عُمْشًا رُمْصًا". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. ثُمَّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: غريب، وموسى ويزيد ضعيفا [[في أ: "ضعيفان".]] [[سنن الترمذي برقم (٣٢٩٦) وتفسير الطبري (٢٧/١٠٧) .]] . وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ الْحِمْصِيُّ، حَدَّثَنَا آدَمُ -يَعْنِي: ابْنَ أَبِي إِيَاسٍ-حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ مُرَّة، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: سمعتُ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً﴾ يَعْنِي: "الثيب والأبكار اللاتي كُنَّ في الدنيا" [[ورواه الطبراني في المعجم الكبير (٧/٤٠) وأبو نعيم في صفة الجنة برقم (٣٨٩) من طريق شيبان به، وجابر بن يزيد ضعيف.]] . وَقَالَ عَبْدُ بْنُ حُمَيد: حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ الْمِقْدَامِ، حَدَّثَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: أَتَتْ عَجُوزٌ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ. فَقَالَ: "يَا أُمَّ فُلَانٍ، إِنَّ الْجَنَّةَ لَا تَدْخُلُهَا عَجُوزٌ". قَالَ: فَوَلَّت تَبْكِي، قَالَ: "أَخْبِرُوهَا أَنَّهَا لَا تَدْخُلُهَا وَهِيَ عَجُوزٌ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً. فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا﴾ وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ [[الشمائل المحمدية للترمذي برقم (٢٣٠) .]] . وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ الدِّمْيَاطِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ هَاشِمٍ الْبَيْرُوتِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي كَرِيمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِ اللَّهِ: ﴿وَحُورٌ عِينٌ﴾ [الْوَاقِعَةِ: ٢٢] ، قَالَ: "حُورٌ: بِيضٌ، عِينٌ: ضِخَامُ الْعُيُونِ، شُفْر الْحَوْرَاءِ بِمَنْزِلَةِ جَنَاحِ النَّسْرِ". قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ: ﴿كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ﴾ [الْوَاقِعَةِ: ٢٣] ، [[في أ: "كأنهن" وهو خطأ.]] قَالَ: "صَفَاؤُهُنَّ صفاءُ الدَّرِّ الَّذِي فِي الْأَصْدَافِ، الَّذِي لَمْ تَمَسّه الْأَيْدِي". قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ: ﴿فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ﴾ [الرَّحْمَنِ:٧٠] . قَالَ: "خَيّراتُ الْأَخْلَاقِ، حِسان الْوُجُوهِ". قُلْتُ: أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ: ﴿كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ﴾ [الصَّافَّاتِ: ٤٩] ، قَالَ: "رِقَّتُهُنَّ كَرِقَّةِ الْجِلْدِ الَّذِي رَأَيْتَ فِي دَاخِلِ الْبَيْضَةِ مِمَّا يَلِي الْقِشْرَ، وَهُوَ: الغِرْقئُ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي عَنْ قَوْلِهِ: ﴿عُرُبًا أَتْرَابًا﴾ . قَالَ: "هُنَّ اللَّوَاتِي قُبِضْنَ فِي دَارِ الدُّنْيَا عَجَائِزَ رُمْصًا شُمطًا، خَلَقَهُنَّ اللَّهُ بَعْدَ الْكِبَرِ، فَجَعَلَهُنَّ عَذَارَى عُرُبًا مُتَعَشِّقَاتٍ مُحَبَّبَاتٍ، أَتْرَابًا عَلَى مِيلَادٍ وَاحِدٍ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نِسَاءُ الدُّنْيَا أَفْضَلُ أَمِ الْحُورُ الْعِينِ؟ قَالَ: "بَلْ نِسَاءُ الدُّنْيَا أَفْضَلُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، كَفَضْلِ الظِّهَارَةِ عَلَى الْبِطَانَةِ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَبِمَ ذَاكَ؟ قَالَ: "بِصَلَاتِهِنَّ وَصِيَامِهِنَّ وَعِبَادَتِهِنَّ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، أَلْبَسَ اللَّهُ وُجُوهَهُنَّ النُّورَ، وَأَجْسَادَهُنَّ الْحَرِيرَ، بِيضُ الْأَلْوَانِ، خُضْرُ الثِّيَابِ، صُفْرُ الْحُلِيِّ، مَجَامِرُهُنَّ الدُّرّ، وَأَمْشَاطُهُنَّ الذَّهَبُ، يَقُلْنَ: نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلَا نَمُوتُ أَبَدًا، وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلَا نَبْأَسُ أَبَدًا، وَنَحْنُ الْمُقِيمَاتُ فَلَا نَظْعَنُ أَبَدًا، أَلَا وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فَلَا نَسْخَطُ أَبَدًا، طُوبَى لِمَنْ كُنَّا لَهُ وَكَانَ لَنَا". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْمَرْأَةُ مِنَّا تَتَزَوَّجُ زَوْجَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ وَالْأَرْبَعَةَ، ثُمَّ تَمُوتُ فَتَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَيَدْخُلُونَ مَعَهَا، مَنْ يَكُونُ زَوْجَهَا؟ قَالَ: "يَا أُمَّ سَلَمَةَ، إِنَّهَا تُخَيَّر فَتَخْتَارُ أَحْسَنَهُمْ خُلُقًا، فَتَقُولُ: يَا رَبِّ، إِنَّ هَذَا كَانَ أَحْسَنَ خُلُقًا مَعِي فَزَوِّجْنِيهِ، يَا أُمَّ سَلَمَةَ [[في أ: "يا أم سليم".]] ذَهَبَ حُسْنُ الْخُلُقِ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ" [[المعجم الكبير (٢٣/٣٦٨) وقال الهيثمي في المجمع (٧/١١٩) : "فيه إسماعيل بن أبي كريمة ضعفه أبو حاتم وابن عدي".]] . وَفِي حَدِيثِ الصُّورِ الطَّوِيلِ الْمَشْهُورِ [[حديث الصور مضى عند تفسير الآية: ٧٣ من سورة الأنعام.]] أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَشْفَعُ لِلْمُؤْمِنِينَ كُلِّهِمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ اللَّهُ: قَدْ شَفَّعْتُكَ وَأَذِنْتُ لَهُمْ فِي دُخُولِهَا. فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ، مَا أَنْتُمْ فِي الدُّنْيَا بِأَعْرَفَ بِأَزْوَاجِكُمْ وَمَسَاكِنِكُمْ من أهل الجنة بأزواجهم ومساكنهم، فَيَدْخُلُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً، سَبْعِينَ مِمَّا يُنْشِئُ اللَّهُ، وَثِنْتَيْنِ مَنْ وَلَدِ [[في م: "من ابن".]] آدَمَ لَهُمَا فَضْلٌ عَلَى مَنْ أَنْشَأَ اللَّهُ، بِعِبَادَتِهِمَا اللَّهَ فِي الدُّنْيَا، يَدْخُلُ عَلَى الْأُولَى مِنْهُمَا فِي غُرْفَةٍ مِنْ يَاقُوتَةٍ، عَلَى سَرِيرٍ مِنْ ذَهَبٍ مُكَلَّل بِاللُّؤْلُؤِ، عَلَيْهِ سَبْعُونَ زَوْجًا مِنْ سُنْدُس وَإِسْتَبْرَقٍ وَإِنَّهُ لَيَضَعُ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهَا، ثُمَّ يَنْظُرُ إِلَى يَدِهِ مِنْ صَدْرِهَا مِنْ وَرَاءِ ثِيَابِهَا وَجِلْدِهَا وَلَحْمِهَا، وَإِنَّهُ لَيَنْظُرُ إِلَى مُخِّ سَاقِهَا كَمَا يَنْظُرُ أَحَدُكُمْ إِلَى السِّلْكِ فِي قَصَبَةِ الْيَاقُوتِ، كَبِدُهُ لَهَا مِرْآةٌ -يَعْنِي: وَكَبِدُهَا لَهُ مِرْآةٌ-فَبَيْنَمَا هُوَ عِنْدَهَا لَا يَمَلُّهَا وَلَا تَمَلُّهُ، وَلَا يَأْتِيهَا مِنْ مَرَّةٍ إِلَّا وَجَدَهَا عَذْرَاءَ، مَا يَفْتُرُ ذَكَرُه، وَلَا تَشْتَكِي قُبُلها إِلَّا أَنَّهُ لَا مَنِيَّ وَلَا مَنيَّة، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ نُودِيَ: إِنَّا قَدْ عَرَفْنَا أَنَّكَ لَا تَمَلُّ وَلَا تُمَلُّ، إِلَّا أَنَّ لَكَ أَزْوَاجًا غَيْرَهَا، فَيَخْرُجُ، فَيَأْتِيهِنَّ وَاحِدَةً وَاحِدَةً [[في م: "واحدة بعد واحدة".]] ، كُلَّمَا جَاءَ وَاحِدَةً قَالَتْ: وَاللَّهِ مَا فِي الْجَنَّةِ شَيْءٌ أَحْسَنُ مِنْكَ، وَمَا فِي الْجَنَّةِ شَيْءٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكَ". وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ دَرَّاج، عَنِ ابْنِ حُجَيرة [[في أ: "عن ابن حجرة".]] ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ لَهُ: أَنَطأ فِي الْجَنَّةِ؟ قَالَ: "نَعَمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ دَحْمًا دَحْمًا، فَإِذَا قَامَ عَنْهَا رَجَعتْ مُطهَّرة بِكْرًا" [[رواه ابن حبان في صحيحه برقم (٢٦٣٣) "موارد" وأبو نعيم في صفة الجنة برقم (٣٩٣) من طريق ابن وهب به، ودراج متكلم فيه.]] . وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ جَابِرٍ الْفَقِيهُ الْبَغْدَادِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الدَّقِيقُ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ إِذَا جَامَعُوا نِسَاءَهُمْ عُدن أَبْكَارًا" [[المعجم الصغير (١/٩١) وفيه معلى بن عبد الرحمن وهو كذاب.]] . وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا عِمْران، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "يُعْطَى الْمُؤْمِنُ فِي الْجَنَّةِ قُوَّةَ كَذَا وَكَذَا فِي النِّسَاءِ". قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَيُطِيقُ ذَلِكَ؟ قَالَ: "يُعْطَى قُوَّةَ مِائَةٍ". وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ وَقَالَ: صَحِيحٌ غَرِيبٌ [[مسند الطيالسي برقم (٢٠١٢) وسنن الترمذي برقم (٢٥٣٦) .]] . وَرَوَى أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ الْجُعْفِيُّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ نَصِلُ إِلَى نِسَائِنَا فِي الْجَنَّةِ؟ قَالَ: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيَصِلُ فِي الْيَوْمِ إِلَى مِائَةِ عَذْرَاءَ" [[المعجم الصغير (٢/١٢،١٣) .]] . قَالَ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَقْدِسِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدِي عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿عُرُبًا﴾ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَعْنِي مُتَحَبِّبَاتٍ إِلَى أَزْوَاجِهِنَّ، أَلَمْ تَرَ إِلَى النَّاقَةِ الضُّبَعَةِ، هِيَ كَذَلِكَ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: العُرُب: الْعَوَاشِقُ لِأَزْوَاجِهِنَّ، وَأَزْوَاجُهُنَّ لَهُنَّ عَاشِقُونَ. وَكَذَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَرْجس، وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ، وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كثير، وعطية، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ ثَوْرُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عِكْرِمَة قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿عُرُبًا﴾ قَالَ: هِيَ الملِقَةُ لِزَوْجِهَا. وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاك، عَنْ عِكْرِمَةَ: هِيَ الغَنِجة. وَقَالَ الْأَجْلَحُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ: هِيَ الشَّكلة. وَقَالَ صَالِحُ [[في أ: "أبو صالح".]] بْنُ حَيَّان، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَة فِي قَوْلِهِ: ﴿عُرُبًا﴾ قَالَ: الشِّكِلَةُ بِلُغَةِ أَهْلِ مَكَّةَ، وَالْغَنِجَةُ [[في م: "والمفتوجة".]] بِلُغَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. وَقَالَ تَمِيمُ بْنُ حَذْلَمٍ: هِيَ حُسْنُ التَّبَعل. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، وَابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: العُرُب: حَسِنَاتُ الْكَلَامِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ذُكِرَ عَنْ سَهْلِ بْنِ عُثْمَانَ الْعَسْكَرِيِّ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: ﴿عُرُبًا﴾ قَالَ: "كَلَامُهُنَّ عَرَبِيٌّ". * * * وَقَوْلُهُ: ﴿أَتْرَابًا﴾ قَالَ الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَعْنِي: فِي سِنٍّ وَاحِدَةٍ، ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْأَتْرَابُ: الْمُسْتَوِيَاتُ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: الْأَمْثَالُ. وَقَالَ عَطِيَّةُ: الْأَقْرَانُ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: ﴿أَتْرَابًا﴾ أَيْ: فِي الْأَخْلَاقِ الْمُتَوَاخِيَاتُ بَيْنَهُنَّ، لَيْسَ بَيْنَهُنَّ تَبَاغُضٌ وَلَا تَحَاسُدٌ، يَعْنِي: لَا كَمَا كُنَّ ضَرَائِرَ [فِي الدُّنْيَا] [[زيادة من م.]] ضَرَائِرَ مُتَعَادِيَاتٍ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْكَهْفِ، عَنِ الْحَسَنِ وَمُحَمَّدٍ: ﴿عُرُبًا أَتْرَابًا﴾ قَالَا الْمُسْتَوَيَاتُ الْأَسْنَانِ، يَأْتَلِفْنَ جَمِيعًا، وَيَلْعَبْنَ جَمِيعًا. وَقَدْ رَوَى أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مَنِيعٍ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَمُجْتَمَعًا لِلْحُورِ الْعِينِ، يَرْفَعْنَ أَصْوَاتًا لَمْ تَسْمَعِ الْخَلَائِقُ بِمِثْلِهَا، يَقُلْنَ [[في م، أ: "قال: قلن".]] نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلَا نبِيد، وَنَحْنُ النَّاعِمَاتُ فَلَا نَبْأَسُ، وَنَحْنُ الرَّاضِيَاتُ فَلَا نَسْخَطُ، طُوبَى لِمَنْ كَانَ لَنَا وكُنَّا لَهُ". ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ [[سنن لبترمذي برقم (٢٥٦٤) .]] . وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو [[في هـ: "ابن" والصواب ما أثبتناه من م، أ.]] يَعْلَى: حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمة، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ فُلَانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ بَعْضِ وَلَدِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِنَّ الْحُورَ الْعِينَ لَيُغَنِّينَ [[في م: "ليتغنين".]] فِي الْجَنَّةِ، يَقُلْنَ نَحْنُ خَيِّرات حِسان، خُبِّئنا لأزواج كرام" [[ذكره الحافظ بن حجر في المطالب العالية (٤/٤٠٢) وعزاه لأبي يعلى، ونقل المحقق قول البصيري: "ورواه أبو يعلى وفيه راو لم يسم". ورواه ابن أبي الدنيا في صفة الجنة برقم (٢٥٤) : حَدَّثَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ، حدثنا ابن أبي ذئب عن ابن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ بَعْضِ وَلَدِ أنس بن مالك، عن أنس بن مالك به.]] . قُلْتُ: إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَر هَذَا هُوَ أَبُو الْمُنْذِرِ الْوَاسِطِيُّ أَحَدُ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ. وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْإِمَامُ عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْمُلَقَّبُ بدُحَيْم، عَنِ ابْنِ أَبِي فُدَيْك، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ عَوْنِ بْنِ الْخَطَّابِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ، عَنِ ابنٍ لَأَنَسٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّ الْحُورَ الْعِينَ يُغَنِّينَ فِي الْجَنَّةِ: نَحْنُ الْجِوَارُ الْحِسَانُ، خُلِقْنَا لِأَزْوَاجٍ كِرَامٍ" [[ورواه أبو نعيم في صفة الجنة برقم (٤٣٢) من طريق دحيم به، ورواه البيهقي في البعث برقم (٤٢٠) من طريق ابن عبد الحكم، وابن أبي داود في البعث برقم (٧٥) عن كثير بن عبيد كلاهما عن ابن أبي فديك به نحوه، ورواه الطبراني في الأوسط برقم (٤٨٨٧) "مجمع البحرين" من طريق الحسن بن داود عَنِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ عَنِ ابْنِ أَبِي ذئب، عن عون بن الخطاب عن أنس به نحوه. قال المنذري في الترغيب والترهيب (٤/٢٢٦) : "رواه ابن أبي الدنيا والطبراني وإسناده مقارب، ورواه البيهقي عن ابن لأنس لم يسمه عن أنس" وأشار البخاري إلى اختلاف فيه في التاريخ الكبير (٧/١٦) .]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿لأصْحَابِ الْيَمِينِ﴾ أَيْ: خُلِقْنَا لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ، أَوِ: ادُّخِرْنَ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ، أَوْ: زُوِّجْنَ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: ﴿إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً. فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا. عُرُبًا أَتْرَابًا. لأصْحَابِ الْيَمِينِ﴾ فَتَقْدِيرُهُ: أَنْشَأْنَاهُنَّ لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ. وَهَذَا تَوْجِيهُ ابْنِ جَرِيرٍ [[تفسير الطبري (٢٧/١٠٩) .]] . رُوِي عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ الدَّاراني -رَحِمَهُ اللَّهُ-قَالَ: صليتُ لَيْلَةً، ثُمَّ جَلَسْتُ أَدْعُو، وَكَانَ البردُ شَدِيدًا، فَجَعَلْتُ أَدْعُو بِيَدٍ وَاحِدَةٍ، فَأَخَذَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ، فَرَأَيْتُ حَوْرَاءَ لَمْ يُرَ مِثْلُهَا وَهِيَ تَقُولُ: يَا أَبَا سُلَيْمَانَ، أَتَدْعُو بِيَدٍ وَاحِدَةٍ وَأَنَا أُغذَّى لَكَ فِي النَّعِيمِ مِنْ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ! قُلْتُ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: ﴿لأصْحَابِ الْيَمِينِ﴾ مُتَعَلِّقًا بِمَا قَبْلَهُ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿أَتْرَابًا لأصْحَابِ الْيَمِينِ﴾ أَيْ: فِي أَسْنَانِهِمْ. كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارة بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَة، عَنْ أَبِي هُرَيرة، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أَوَّلُ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَالَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى ضَوْءِ أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرّيّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً، لَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ، وَلَا يَتْفُلُونَ وَلَا يَتَمَخَّطُونَ، أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ وَمَجَامِرُهُمُ الألُوّة، وأزواجهم الحور العين، أخلاقهم على خَلْق رَجُلٍ وَاحِدٍ، عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ، سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّمَاءِ" [[صحيح البخاري برقم (٣٣٢٧) وصحيح مسلم برقم (٢٨٣٤) .]] . وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَعَفَّانُ قَالَا حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ -وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ، وَاللَّفْظُ لَهُ، مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ-عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَان، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "يَدْخُلُ أهلُ الجنةِ الجنةَ جُردا مُردًا بِيضًا جِعادًا مُكَحَّلين، أَبْنَاءَ ثَلَاثِينَ أَوْ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ، وَهُمْ عَلَى خَلْق آدَمَ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي عَرْضِ سَبْعَةِ أَذْرُعٍ" [[المسند (٢/٢٩٥) والمعجم الأوسط برقم (٤٨٩٤) "مجمع البحرين".]] . وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، عَنْ عِمَرَانَ الْقَطَّانِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ شَهْر بْنِ حَوْشب، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْم، عَنْ مُعَاذ بْنِ جَبَل، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "يَدْخُلُ أهلُ الجنةِ الجنةَ جُردًا مُردًا مُكَحَّلِينَ أَبْنَاءَ ثَلَاثِينَ، أَوْ ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً". ثُمَّ قَالَ: حَسَنٌ غريب [[سنن الترمذي برقم (٢٥٤٥) .]] وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ دَرَّاجًا أَبَا السَّمْحِ حَدَّثه عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ، يُرَدون بَنِي ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ فِي الْجَنَّةِ، لَا يَزِيدُونَ عَلَيْهَا أَبَدًا، وَكَذَلِكَ أَهْلُ النَّارِ". وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ سُوَيْد بْنِ نَصْرٍ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ رِشْدِينِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، بِهِ [[سنن الترمذي برقم (٢٥٦٢) ورواه من طريق ابن وهب وأبو نعيم في صفة الجنة برقم (٢٥٩) .]] وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا روَّاد بْنُ الْجَرَّاحِ الْعَسْقَلَانِيُّ، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ هَارُونَ بْنِ رِئَابٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "يَدْخُلُ أهلُ الجنةِ الجنةَ عَلَى طُولِ آدَمَ سِتِّينَ ذِرَاعًا بِذِرَاعِ الْمَلِكِ! عَلَى حُسْن يُوسُفَ، وَعَلَى مِيلَادِ عِيسَى ثَلَاثٍ وَثَلَاثِينَ سَنَةً، وَعَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ، جُرْدٌ مُرْدٌ مُكَحَّلُون" [[صفة الجنة لابن أبي الدنيا برقم (٢١٥) .]] . وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ وَعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَا حَدَّثَنَا عُمَرُ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ هَارُونَ بْنِ رِئَابٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "يُبعث [[في أ: "يدخل".]] أَهْلُ الْجَنَّةِ عَلَى صُورَةِ آدَمَ فِي مِيلَادِ ثلاثٍ وَثَلَاثِينَ، جُردًا مُردًا مُكَحَّلِينَ، ثُمَّ يُذْهَبُ بِهِمْ إِلَى شَجَرَةٍ فِي الْجَنَّةِ فَيُكْسَوْنَ مِنْهَا، لَا تَبْلَى ثِيَابُهُمْ، وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُمْ" [[البعث لابن أبي داود برقم (٦٤) وانظر كلام المحقق الفاضل في سماع هارون بن رئاب عن أنس.]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ. وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ﴾ أَيْ: جَمَاعَةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْآخَرِينَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الْمُنْذِرُ بْنُ شَاذَانَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكَّارٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدِ بْنِ بَشير، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَين، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -قَالَ: وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَأْخُذُ عَنْ بَعْضٍ-قَالَ: أَكْرَيْنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ غَدَوْنَا عَلَيْهِ، فَقَالَ: "عُرضت عليَّ الْأَنْبِيَاءُ وَأَتْبَاعُهَا بِأُمَمِهَا، فَيَمُرُّ عَلَيَّ النَّبِيُّ، وَالنَّبِيُّ فِي الْعِصَابَةِ، وَالنَّبِيُّ فِي الثَّلَاثَةِ، وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ -وَتَلَا قَتَادَةُ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ﴾ [هُودٍ: ٧٨]-قَالَ: حَتَّى مرَّ عليَّ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ فِي كَبْكَبَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ". قَالَ: "قلتُ: رَبِّي مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا أَخُوكَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ وَمَنْ مَعَهُ [[في م: "ومن تبعه".]] مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ". قَالَ: "قُلْتُ: رَبِّ فَأَيْنَ أُمَّتِي؟ قَالَ: انْظُرْ عَنْ يَمِينِكَ فِي الظِّرَابِ [[في م، أ: "الضراب".]] . قَالَ: "فَإِذَا وُجُوهُ الرِّجَالِ". قَالَ: "قَالَ: أَرَضِيتَ؟ " قَالَ: قُلْتُ: "قَدْ رَضِيتُ، رَبِّ". قَالَ: انْظُرْ إِلَى الْأُفُقِ عَنْ يَسَارِكَ فَإِذَا وُجُوهُ الرِّجَالِ. قَالَ: أَرَضِيتَ؟ قُلْتُ: "رَضِيتُ، رَبِّ". قَالَ: فَإِنَّ مَعَ هَؤُلَاءِ سَبْعِينَ أَلْفًا، يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ". قَالَ: وَأَنْشَأَ عُكَّاشة بْنُ مُحْصَن مِنْ بَنِي أَسَدٍ -قَالَ سَعِيدٌ: وَكَانَ بَدْريًّا-قَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. قَالَ: فَقَالَ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ". قَالَ: أَنْشَأَ [[في م: "ثم أنشأ".]] رَجُلٌ آخَرُ، قال: يا نبي الله، ادع الله أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. فَقَالَ: "سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ" قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ -فِدَاكُمْ أَبِي وَأُمِّي-أَنْ تَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّبْعِينَ فَافْعَلُوا وَإِلَّا فَكُونُوا [[في م: "ولا تكونوا".]] مِنْ أَصْحَابِ الظِّرَابِ [[في أ: "الضراب".]] ، وَإِلَّا فَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ الْأُفُقِ، فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ نَاسًا كَثِيرًا قَدْ تأشَّبوا حَوْلَهُ" [[في م: "حوالهم".]] . ثُمَّ قَالَ: "إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ". فَكَبَّرْنَا، ثُمَّ قَالَ: "إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ". قَالَ: فَكَبَّرْنَا، قَالَ: "إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ". قَالَ: فَكَبَّرْنَا. ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ. وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ﴾ قَالَ: فَقُلْنَا بَيْنَنَا: مَنْ هَؤُلَاءِ السَّبْعُونَ أَلْفًا؟ فَقُلْنَا: هُمُ الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يُشْرِكُوا. قَالَ: فَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَقَالَ: "بَلْ هُمُ الَّذِينَ لَا يَكْتَوُونَ وَلَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ، وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ". وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقَيْنِ آخَرَيْنِ عَنْ قَتَادَةَ، بِهِ نَحْوَهُ [[تفسير الطبري (٢٧/١٠٩) .]] . وَهَذَا الْحَدِيثُ لَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهَا. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا مِهْرَان، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ أَبَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ. وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ﴾ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "هُمَا جَمِيعًا مِنْ أُمَّتِي" [[تفسير الطبري (٢٧/١١٠) ورواه ابن عدي في الكامل (١/٣٨٧) من طريق محمد بن كثير، عن سفيان الثوري عن أبان بن أبي عياش به، وقال ابن عدي: "أبان بن أبي عياش له روايات غير ما ذكرت وعامة ما يرويه لا يتابع عليه".]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب