الباحث القرآني

قَالَ جُوَيبر، عَنِ الضَّحَّاكِ: إِنَّ اللَّهَ لَا يُقْسِمُ بِشَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ، وَلَكِنَّهُ اسْتِفْتَاحٌ يَسْتَفْتِحُ بِهِ كَلَامَهُ. وَهَذَا الْقَوْلُ ضَعِيفٌ. وَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ قَسَمٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، يُقْسِمُ بِمَا شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى عَظَمَتِهِ. ثُمَّ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: "لَا" هَاهُنَا زَائِدَةٌ، وَتَقْدِيرُهُ: أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ. وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر. وَيَكُونُ جَوَابُهُ: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ﴾ . وَقَالَ آخَرُونَ: لَيْسَتْ "لَا" زَائِدَةً لَا مَعْنًى لَهَا، بَلْ يُؤْتَى بِهَا فِي أَوَّلِ الْقَسَمِ إِذَا كَانَ مُقْسَمًا بِهِ عَلَى مَنْفِيٍّ، كَقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: "لَا وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ" وَهَكَذَا هَاهُنَا تَقْدِيرُ الْكَلَامِ: "لَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ لَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمْتُمْ فِي الْقُرْآنِ أَنَّهُ سِحْرٌ أَوْ كِهَانَةٌ، بَلْ هُوَ قُرْآنٌ كَرِيمٌ". وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ: مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿فَلا أُقْسِمُ﴾ فَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا تَقُولُونَ، ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْقَسَمَ بَعْدُ فَقِيلَ: أُقْسِمُ. وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾ ، فَقَالَ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْر، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَعْنِي: نُجُومَ الْقُرْآنِ؛ فَإِنَّهُ نَزَلَ جُمْلَةً لَيْلَةَ الْقَدْرِ مِنَ السَّمَاءِ الْعُلْيَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ نَزَلَ مُفَرَّقًا [[في أ: "متفرقا".]] فِي السِّنِينَ بَعْدُ. ثُمَّ قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: نَزَلَ الْقُرْآنُ جُمْلَةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى السَّفَرة الْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فنجَّمَته السَّفرة عَلَى جِبْرِيلَ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَنَجَّمَهُ جِبْرِيلُ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ عِشْرِينَ سَنَةً، فَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾ نُجُومِ الْقُرْآنِ. وَكَذَا قَالَ عِكْرِمَة، وَمُجَاهِدٌ، والسُّدِّيّ، وَأَبُو حَزْرَة. وَقَالَ مُجَاهِدٌ أَيْضًا: ﴿بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾ فِي السَّمَاءِ، وَيُقَالُ: مَطَالِعُهَا وَمَشَارِقُهَا. وَكَذَا قَالَ الْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ. وَعَنْ قَتَادَةَ: مَوَاقِعُهَا: مَنَازِلُهَا. وَعَنِ الْحَسَنِ أَيْضًا: أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ انْتِثَارُهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾ يَعْنِي بِذَلِكَ: الْأَنْوَاءَ الَّتِي كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا مُطِروا، قَالُوا: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ﴾ أَيْ: وَإِنَّ هَذَا الْقَسَمَ الَّذِي أَقْسَمْتُ بِهِ لَقَسَمٌ عَظِيمٌ، لَوْ تَعْلَمُونَ [[في أ: "لو علمتم".]] عَظَمَتَهُ لَعَظَّمْتُمُ الْمُقْسِمَ بِهِ عَلَيْهِ، ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ﴾ أَيْ: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الَّذِي نَزَلَ عَلَى مُحَمَّدٍ لَكِتَابٌ عَظِيمٌ. ﴿فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ﴾ أَيْ: مُعَظَّمٌ فِي كِتَابٍ مُعَظَّمٍ مَحْفُوظٍ مُوَقَّرٍ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُوسَى [[في م، أ: "موسى ابن إسماعيل".]] ، أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ، عَنْ حَكِيمٍ -هُوَ ابْنُ جُبَيْرٍ-عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿لَا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ﴾ قَالَ: الْكِتَابُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ. وَقَالَ العَوْفِيّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿ [لَا يَمَسُّهُ] إِلا الْمُطَهَّرُونَ﴾ [[زيادة من م.]] يَعْنِي: الْمَلَائِكَةَ. وَكَذَا قَالَ أَنَسٌ، وَمُجَاهِدٌ، وعِكْرِمَة، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْر، وَالضَّحَّاكُ، وَأَبُو الشَّعْثَاءِ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَأَبُو نَهِيك، والسُّدِّيّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَغَيْرُهُمْ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿لَا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ﴾ قَالَ: لَا يَمَسُّهُ عِنْدَ اللَّهِ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ، فَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهُ يَمَسُّهُ الْمَجُوسِيُّ النَّجِسُ، وَالْمُنَافِقُ الرَّجِسُ. وَقَالَ: وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ: ﴿مَا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ﴾ . وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: ﴿لَا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ﴾ لَيْسَ أَنْتُمْ أَصْحَابَ الذُّنُوبِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: زَعَمت كُفَّارُ قُرَيْشٍ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ كَمَا قَالَ: ﴿وَمَا تَنزلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ. وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ. إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ﴾ [الشعراء: ٢١٠-٢١٢] . وَهَذَا الْقَوْلُ قَوْلٌ جَيِّدٌ، وَهُوَ لَا يَخْرُجُ عَنِ الْأَقْوَالِ الَّتِي قَبْلَهُ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: لَا يَجِدُ طَعْمَهُ وَنَفْعَهُ إِلَّا مَنْ آمَنَ بِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: ﴿لَا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ﴾ أَيْ: مِنَ الْجَنَابَةِ وَالْحَدَثِ. قَالُوا: وَلَفْظُ الْآيَةِ خَبَرٌ وَمَعْنَاهَا الطَّلَبُ، قَالُوا: وَالْمُرَادُ بِالْقُرْآنِ هَاهُنَا الْمُصْحَفُ، كَمَا رَوَى مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ، مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ [[صحيح مسلم برقم (١٨٦٩) وهو أيضا في صحيح البخاري برقم (٢٩٩٠) .]] . وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ فِي مُوَطَّئِهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزم: أَنَّ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: أَلَّا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إِلَّا طَاهِرٌ [[الموطأ (١/١٩٩) .]] . وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ، مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: قَرَأْتُ فِي صَحِيفَةٍ عِنْدَ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "وَلَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ إِلَّا طَاهِرٌ" [[المراسيل برقم (٢٥٧) .]] . وَهَذِهِ وِجَادةٌ جَيِّدَةٌ. قَدْ قَرَأَهَا الزُّهْرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَمِثْلُ هَذَا يَنْبَغِي [[في أ: "لا ينبغي".]] الْأَخْذُ بِهِ. وَقَدْ أَسْنَدَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، وَفِي إِسْنَادِ كُلٍّ مِنْهَا نَظَرٌ [[سنن الدارقطني (١/١٢، ١٢٢) .]] ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿تَنزيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ أَيْ: هَذَا الْقُرْآنُ مُنَزَّلٌ مِنَ [اللَّهِ] [[زيادة من أ.]] رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلَيْسَ هُوَ كَمَا يَقُولُونَ: إِنَّهُ سِحْرٌ، أَوْ كِهَانَةٌ، أَوْ شِعر، بَلْ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا مِرْية فِيهِ، وَلَيْسَ وَرَاءَهُ حَقٌّ نَافِعٌ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ﴾ قَالَ العَوْفِيّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَيْ مُكَذِّبُونَ غَيْرُ مُصَدِّقِينَ. وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ، وَأَبُو حَزْرَة، والسُّدِّيّ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿مُدْهِنُونَ﴾ أَيْ: تُرِيدُونَ أَنْ تُمَالِئُوهُمْ فِيهِ وَتَرْكَنُوا إِلَيْهِمْ. ﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ﴾ قَالَ بَعْضُهُمْ: يَعْنِي: وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ بِمَعْنَى شُكْرِكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ، أَيْ: تُكَذِّبُونَ بَدَلَ الشُّكْرِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا قَرَآهَا: "وَتَجْعَلُونَ شُكْرَكُمْ [[في أ: "بشكركم".]] أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ" كَمَا سَيَأْتِي. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ الْهَيْثَمِ بْنِ عَدِيٍّ: أَنَّ مِنْ لُغَةِ أَزْدِ شَنوءةَ: مَا رُزِقَ فُلَانٌ بِمَعْنَى: مَا شَكَرَ فُلَانٌ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عَبْدِ الأعلى، عن أبي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ﴾ ، يَقُولُ: "شُكْرَكُمْ ﴿أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ﴾ ، تَقُولُونَ: مُطِرْنَا بِنَوء كَذَا وَكَذَا، بِنَجْمِ كَذَا وَكَذَا" [[المسند (١/١٠٨) .]] . وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُخَوَّل [[في أ: "عن محمد".]] بْنِ إِبْرَاهِيمَ النَّهْدِيِّ -وَابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، وَعَنْ يَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي بُكَيْر، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ إِسْرَائِيلَ، بِهِ مَرْفُوعًا [[تفسير الطبري (٢٧/١١٩) .]] . وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مَنِيع، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ -وَهُوَ الْمَرْوَزِيُّ-بِهِ. وَقَالَ: "حَسَنٌ غَرِيبٌ". وَقَدْ رَوَاهُ سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى، وَلَمْ يَرْفَعْهُ [[سنن الترمذي برقم (٣٢٩٥) .]] . وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْر، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا مُطِرَ قَوْمٌ قَطُّ إِلَّا أَصْبَحَ بَعْضُهُمْ كَافِرًا يَقُولُونَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "وَتَجْعَلُونَ شُكْرَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ". وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كيْسَان، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الجُهَنّي أَنَّهُ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم صلاة الصُّبْحِ بِالْحُدَيْبِيَةِ فِي أَثَرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: "هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ " قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. "قَالَ: أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ، فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوَاكِبِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا. فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوَاكِبِ". أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، كُلُّهُمْ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، بِهِ [[الموطأ (١/١٩٢) وصحيح البخاري برقم (٨٤٦) وصحيح مسلم برقم (٧١) وسنن أبي داود برقم (٣٩٠٦) وسنن النسائي (٣/١٦٤) .]] . وَقَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ الْمُرَادِيُّ، وعَمْرو بْنُ سَوّاد، حَدَّثَنَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ؛ أَنَّ أَبَا يُونُسَ حَدَّثه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: "مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ بَرَكَةٍ إِلَّا أَصْبَحَ فَرِيقٌ مِنَ النَّاسِ بِهَا كَافِرِينَ، يَنْزِلُ الْغَيْثُ، فَيَقُولُونَ: بِكَوْكَبِ كَذَا وَكَذَا". تَفَرَّد بِهِ مُسْلِمٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ [[صحيح مسلم برقم (٧٢) .]] . وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ لَيُصْبِحُ القومَ بِالنِّعْمَةِ أَوْ يُمسيهم بِهَا فَيُصْبِحُ بِهَا قَوْمٌ كَافِرِينَ يَقُولُونَ: مُطِرنا بِنَوْءِ كَذَا وَكَذَا". قَالَ مُحَمَّدٌ -هُوَ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ-: فَذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، فَقَالَ: وَنَحْنُ قَدْ سَمِعْنَا مِنْ أَبِي هُرَيرة، وَقَدْ أَخْبَرَنِي مَنْ شَهِدَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ يَسْتَسْقِي، فَلَمَّا اسْتَسْقَى الْتَفَتَ إِلَى الْعَبَّاسِ فَقَالَ: يَا عَبَّاسُ، يَا عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ، كَمْ بَقِيَ مِنْ نَوْءِ الثُّرَيَّا؟ فَقَالَ: الْعُلَمَاءُ يَزْعُمُونَ أَنَّهَا تَعْتَرِضُ فِي الْأُفُقِ بَعْدَ سُقُوطِهَا سَبْعًا. قَالَ: فَمَا مَضَتْ سَابِعَةٌ حَتَّى مُطِروا [[تفسير الطبري (٢٧/١٢٠) .]] . وَهَذَا مَحمول عَلَى السُّؤَالِ عَنِ الْوَقْتِ الَّذِي أَجْرَى اللَّهُ فِيهِ الْعَادَةَ بِإِنْزَالِ الْمَطَرِ، لَا أَنَّ ذَلِكَ النَّوْءَ يُؤَثِّرُ بِنَفْسِهِ فِي نُزُولِ الْمَطَرِ؛ فَإِنَّ هَذَا هُوَ الْمَنْهِيُّ عَنِ اعْتِقَادِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ عِنْدَ قَوْلِهِ: ﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا﴾ [فَاطِرٍ:٢] . وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ -أَحْسَبُهُ أَوْ غَيْرِهِ-أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سَمِعَ رَجُلًا -وَمُطِرُوا-يَقُولُ: مُطِرنا بِبَعْضِ عَشَانين الْأَسَدِ. فَقَالَ: "كَذَبْتَ! بَلْ هُوَ رِزْقُ اللَّهِ" [[تفسير الطبري (٢٧/١٢٠) .]] . ثُمَّ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي أَبُو صَالِحٍ الصِّرَارِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو جَابِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْأَزْدِيُّ [[في أ: "الأودي".]] ، حَدَّثَنَا جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "مَا مُطِر قَوْمٌ مِنْ لَيْلَةٍ إِلَّا أَصْبَحَ قَوْمٌ بِهَا كَافِرِينَ" [[في أ: "كافرون" وهو خطأ.]] . ثُمَّ قَالَ: " ﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ﴾ ، يَقُولُ قَائِلٌ: مُطِرنا بِنَجْمِ كَذَا وَكَذَا" [[تفسير الطبري (٢٧/١٢٠) .]] . وَفِي حَدِيثٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا: "لَوْ قُحِطَ النَّاسُ سَبْعَ سِنِينَ ثُمَّ مُطِرُوا لَقَالُوا: مُطِرْنَا بِنَوْءِ المِجْدَح" [[رواه الإمام أحمد في مسنده (٣/٧) وابن حبان في صحيحه برقم (٦٠٦) "موارد" من طريق عمرو بن دينار عن عتاب بن حنين عن أبي سعيد بلفظ: "لو أمسك الله القطر عن الناس سبع سنين ثم أرسله لأصبحت طائفة بها كافرين يقولون: مطرنا بنوء المجدح".]] . وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ﴾ قَالَ: قَوْلُهُمْ فِي الْأَنْوَاءِ: مُطِرنا بِنَوْءِ كَذَا، وَبِنَوْءِ كَذَا، يَقُولُ: قُولُوا: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَهُوَ رِزْقُهُ. وَهَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: أَمَّا الْحَسَنُ فَكَانَ يَقُولُ: بِئْسَ مَا أَخَذَ قَوْمٌ لِأَنْفُسِهِمْ، لَمْ يُرْزَقُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا التَّكْذِيبَ. فَمَعْنَى قَوْلِ الْحَسَنِ هَذَا: وَتَجْعَلُونَ حَظَّكُمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ بِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ قَبْلَهُ: ﴿أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ. وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ﴾
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب