الباحث القرآني

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ قَدَرِهِ السَّابِقِ فِي خَلْقِهِ قَبْلَ أَنْ يَبْرَأَ الْبَرِيَّةَ فَقَالَ: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ﴾ أَيْ: فِي الْآفَاقِ وَفِي نُفُوسِكُمْ ﴿إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا﴾ أَيْ: مِنْ قَبْلِ أَنْ نَخْلُقَ الْخَلِيقَةَ وَنَبْرَأَ النَّسَمَةَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا﴾ عَائِدٌ عَلَى النُّفُوسِ. وَقِيلَ: عَائِدٌ عَلَى الْمُصِيبَةِ. وَالْأَحْسَنُ عَوْدُهُ عَلَى الْخَلِيقَةِ وَالْبَرِيَّةِ؛ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهَا، كَمَا قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّة، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا مَعَ الْحَسَنِ، فَقَالَ رَجُلٌ: سَلْهُ عَنْ قَوْلِهِ: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا﴾ فَسَأَلْتُهُ عَنْهَا، فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! وَمَنْ يَشُكُّ فِي هَذَا؟ كُلُّ مُصِيبَةٍ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَفِي كِتَابِ اللَّهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَبْرَأَ النَّسَمَةَ [[تفسير الطبري (٢٧/١٣٥) .]] وَقَالَ قَتَادَةُ: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ﴾ قَالَ: هِيَ السُّنُونَ. يَعْنِي: الجَدْب، ﴿وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ﴾ يَقُولُ: الْأَوْجَاعُ وَالْأَمْرَاضُ. قَالَ: وَبَلَغَنَا أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يُصِيبُهُ خَدْشُ عُودٍ وَلَا نَكْبَةُ قَدَمٍ، وَلَا خَلَجَانُ عَرَقٍ إِلَّا بِذَنْبٍ، وَمَا يَعْفُو اللَّهُ عَنْهُ أَكْثَرُ. وَهَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنْ أَدَلِّ دَلِيلٍ عَلَى القَدَرية نُفاة الْعِلْمِ السَّابِقِ-قَبَّحَهُمُ اللَّهُ-وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا حَيْوَةُ وَابْنُ لَهِيعة قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو هَانِئٍ الْخَوْلَانِيُّ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الحُبُلي يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمرو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "قدَّر الله المقادير قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ". وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ وَحَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ وَنَافِعِ بْنِ يَزِيدَ، وَثَلَاثَتُهُمْ عَنْ أَبِي هَانِئٍ، بِهِ. وَزَادَ بْنُ وَهب: "وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ". وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ [[المسند (٢/١٦٩) وصحيح مسلم برقم (٢٦٥٣) وسنن الترمذي برقم (٢١٥٦) .]] * * * وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ أَيْ: أَنَّ عِلْمَهُ تَعَالَى الْأَشْيَاءَ قَبْلَ كَوْنِهَا وَكِتَابَتَهُ لَهَا طِبْقَ مَا يُوجَدُ فِي حِينِهَا سَهْلٌ عَلَى اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ [[في أ: "تعالى".]] ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ وَمَا لَمْ يَكُنْ لَوْ كَانَ كيف كان يكون. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ﴾ أَيْ: أَعْلَمْنَاكُمْ بِتَقَدُّمِ عِلْمِنَا وَسَبْقِ كِتَابَتِنَا [[في أ: "كتابنا".]] لِلْأَشْيَاءِ قَبْلَ كَوْنِهَا، وَتَقْدِيرِنَا الْكَائِنَاتِ قَبْلَ وُجُودِهَا، لِتَعْلَمُوا أَنَّ مَا أَصَابَكُمْ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكُمْ، وَمَا أَخْطَأَكُمْ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكُمْ، فَلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ، فَإِنَّهُ [[في م: "لأنه".]] لَوْ قُدِّرَ شَيْءٌ لَكَانَ ﴿وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ﴾ أَيْ: جَاءَكُمْ، وَيَقْرَأُ: "آتاكُم" أَيْ: أَعْطَاكُمْ. وَكِلَاهُمَا مُتَلَازِمَانِ، أَيْ: لَا تَفْخَرُوا عَلَى النَّاسِ بِمَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْكُمْ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِسَعْيِكُمْ وَلَا كَدِّكُمْ، وَإِنَّمَا هُوَ عَنْ قَدَرِ اللَّهِ وَرِزْقِهِ لَكُمْ، فَلَا تَتَّخِذُوا نِعَمَ [[في أ: "نعمة".]] اللَّهِ أَشَرًا وَبَطَرًا، تَفْخَرُونَ بِهَا عَلَى النَّاسِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ أَيْ: مُخْتَالٍ فِي نَفْسِهِ مُتَكَبِّرٍ فَخُورٍ، أَيْ: عَلَى غَيْرِهِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: لَيْسَ أَحَدٌ إِلَّا وَهُوَ يَفْرَحُ وَيَحْزَنُ، وَلَكِنِ اجْعَلُوا الفَرَح شُكْرًا وَالْحُزْنَ صَبْرًا. ثُمَّ قَالَ: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ﴾ أَيْ: يَفْعَلُونَ الْمُنْكَرَ وَيَحُضُّونَ النَّاسَ عَلَيْهِ، ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّ﴾ أَيْ: عَنْ أَمْرِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ ﴿فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ كَمَا قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ [إبراهيم: ٨] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب