الباحث القرآني

يقول تعالى مبينًا لما الفيء وما صفته؟ وما حكمه؟ فالفيء: فكلّ مَالٍ أُخِذَ مِنَ الْكُفَّارِ بِغَيْرِ [[في م: "من غير".]] قِتَالٍ وَلَا إِيجَافِ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ، كَأَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ هَذِهِ، فَإِنَّهَا مِمَّا لَمْ يُوجف الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ [[في م: "عليه المسلمون".]] بَخِيلٍ وَلَا رِكَابٍ، أَيْ: لَمْ يُقَاتِلُوا الْأَعْدَاءَ فِيهَا بِالْمُبَارَزَةِ وَالْمُصَاوَلَةِ، بَلْ نَزَلَ أُولَئِكَ مِنَ الرُّعْبِ الَّذِي أَلْقَى اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ مِنْ هَيْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَفَاءَهُ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ؛ وَلِهَذَا تَصَرَّفَ فِيهِ كَمَا شَاءَ، فَرَدَّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي وُجُوهِ الْبِرِّ وَالْمَصَالِحِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، فِي هَذِهِ الْآيَاتِ، فَقَالَ: ﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ﴾ أَيْ: مَنْ بَنِي النَّضِيرِ ﴿فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ﴾ يَعْنِي: الْإِبِلَ، ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ أَيْ: هُوَ قَدِيرٌ لَا يُغَالَبُ وَلَا يُمَانَعُ، بَلْ هُوَ الْقَاهِرُ لِكُلِّ شَيْءٍ. ثُمَّ قَالَ: ﴿مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى﴾ أَيْ: جَمِيعِ الْبُلْدَانِ الَّتِي تُفتَح هَكَذَا، فَحُكْمُهَا حُكْمُ أَمْوَالِ بَنِي النَّضِيرِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ﴾ إِلَى آخِرِهَا وَالَّتِي بَعْدَهَا. فَهَذِهِ مصارفُ أَمْوَالِ الْفَيْءِ وَوُجُوهُهُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو ومَعْمَر، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الحَدَثان، عَنْ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَتْ أَمْوَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ إِلَى رَسُولِهِ مِمَّا لَمْ يُوجف الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ بَخِيلٍ وَلَا رِكَابٍ، فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ خَالِصَةً [[في م: "خاصة".]] فَكَانِ يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ مِنْهَا نَفَقَةَ سَنَتِهِ [[في م: "سنة".]] -وَقَالَ مَرّة: قُوتَ [[في أ: "مسيرة".]] سَنَتِهِ-وَمَا بَقِيَ جَعَلَهُ فِي الكُرَاع وَالسِّلَاحِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ. هكذا أخرجه أحمد هاهنا مُخْتَصَرًا، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْجَمَاعَةُ فِي كُتُبِهِمْ -إِلَّا ابْنَ مَاجَهْ-مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهِ [[المسند (١/٢٥) وصحيح البخاري برقم (٤٨٨٥) وصحيح مسلم برقم (١٧٥٧) وسنن أبي داود برقم (٢٩٦٥) وسنن الترمذي برقم (١٧١٩) وسنن النسائي الكبرى برقم (١١٥٧٥) .]] وَقَدْ رَوَيْنَاهُ مُطَوَّلًا فَقَالَ أَبُو دَاوُدَ، رَحِمَهُ اللَّهُ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ فَارِسٍ -الْمَعْنَى وَاحِدٌ-قَالَا حَدَّثَنَا بشرِ بْنُ عُمَر الزَّهْرَانِيُّ، حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: أَرْسَلَ إلىَّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حِينَ تَعَالَى النَّهَارُ، فَجِئْتُهُ فَوَجَدْتُهُ جَالِسًا عَلَى سَرِيرٍ مُفضيًا إِلَى رُماله، فَقَالَ حِينَ دَخَلْتُ عَلَيْهِ: يَا مَالُ، إِنَّهُ قَدْ دَفّ أَهْلُ أَبْيَاتٍ [[في أ: "أهل بنات".]] مِنْ قَوْمِكَ، وَقَدْ أَمَرْتُ فِيهِمْ بِشَيْءٍ، فَاقْسِمْ فِيهِمْ. قُلْتُ: لَوْ أمرتَ غَيْرِي بِذَلِكَ؟ فَقَالَ: خُذْهُ. فَجَاءَهُ [[في م: "فجاء".]] يَرْفَا، فَقَالَ: يَا أمير الْمُؤْمِنِينَ، هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَالزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَأَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا، ثُمَّ جَاءَهُ يَرْفَا فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَلْ لَكَ فِي الْعَبَّاسِ وَعَلِيٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا -يَعْنِي: عَلِيًّا-فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَجَلْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اقْضِ بَيْنَهُمَا وَأَرِحْهُمَا. قَالَ مَالِكُ بْنُ أَوْسٍ: خُيّل إليَّ أَنَّهُمَا قَدّما أُولَئِكَ النَّفَرَ لِذَلِكَ. فَقَالَ عُمَرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: اتَّئِدَا. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أُولَئِكَ الرَّهْطِ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "لَا نُورَث، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ". قَالُوا: نَعَمْ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَالْعَبَّاسِ فَقَالَ: أنشدُكُما بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ، هَلْ تَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ". فَقَالَا نَعَمْ. فَقَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ خَصَّ رَسُولَهُ بِخَاصَّةٍ لَمْ يَخُصَّ بِهَا أَحَدًا مِنَ النَّاسِ، فَقَالَ: ﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ فَكَانَ اللَّهُ أَفَاءَ إِلَى رَسُولِهِ أَمْوَالَ بَنِي النَّضِيرِ، فَوَاللَّهِ مَا اسْتَأْثَرَ بِهَا عَلَيْكُمْ وَلَا أَحْرَزَهَا دُونَكُمْ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَأْخُذُ مِنْهَا نَفَقَةَ سَنَةٍ -أَوْ: نَفَقَتَهُ وَنَفَقَةَ أَهْلِهِ سَنَةً-وَيَجْعَلُ مَا بَقِيَ أُسْوَةَ الْمَالِ. ثُمَّ أَقْبَلَ عليَّ أُولَئِكَ الرَّهْطِ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ: هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ. ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عليٍّ وَالْعَبَّاسِ فَقَالَ: أنشدُكما بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ: هَلْ تَعْلَمَانِ ذَلِكَ؟ قَالَا نَعَمْ. فَلَمَّا تُوفي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: "أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ"، فَجِئْتَ أنتَ وَهَذَا إِلَى أَبِي بَكْرٍ، تَطْلُبُ أَنْتَ مِيرَاثَكَ عَنِ ابْنِ أَخِيكَ، وَيَطْلُبُ هَذَا مِيرَاثَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ". وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُ لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ. فَوَلِيَهَا أَبُو بَكْرٍ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ قلتُ: أَنَا وَلِيّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَوَلِيُّ أَبِي بَكْرٍ، فَوليتها مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ أَلِيَهَا، فَجِئْتَ أَنْتَ وَهَذَا، وَأَنْتُمَا جَميع وَأَمْرُكُمَا وَاحِدٌ، فَسَأَلْتُمَانِيهَا، فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتُمَا فَأَنَا أَدْفَعُهَا إِلَيْكُمَا عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللَّهِ أَنْ تَلِيَاهَا بِالَّذِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَلِيهَا، فَأَخَذْتُمَاهَا مِنِّي عَلَى ذَلِكَ، ثُمَّ جِئْتُمَانِي لِأَقْضِيَ بَيْنَكُمَا بِغَيْرِ ذَلِكَ. وَاللَّهِ لَا أَقْضِي بَيْنَكُمَا بِغَيْرِ ذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، فَإِنْ عَجَزتُما عَنْهَا فَرُدّاها إِلَيَّ. أَخْرَجُوهُ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، بِهِ [[سنن أبي داود برقم (٢٩٦٣) وصحيح البخاري برقم (٣٠٩٤) وصحيح مسلم برقم (١٧٥٧) وسنن النسائي (٧/١٣٦) وسنن الترمذي برقم (١٦١٠) .]] . وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَارِمٌ وَعَفَّانُ قَالَا حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ، سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ نَبِيِّ اللَّهِ ﷺ إِنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَجْعَلُ لَهُ مِنْ مَالِهِ النَّخَلَاتِ، أَوْ كَمَا شَاءَ اللَّهُ، حَتَّى فُتحَت عَلَيْهِ قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ. قَالَ: فَجَعَلَ يَرُدّ بَعْدَ ذَلِكَ، قَالَ: وَإِنَّ أَهْلِي أَمَرُونِي أَنْ آتِيَ النَّبِيَّ ﷺ فَأَسْأَلَهُ الَّذِي كَانَ أَهْلُهُ أَعْطَوْهُ أَوْ بَعْضَهُ، وَكَانَ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ قَدْ أَعْطَاهُ أُمَّ أَيْمَنَ، أَوْ كَمَا شَاءَ اللَّهُ، قَالَ: فسألتُ النَّبِيَّ ﷺ فَأَعْطَانِيهِنَّ، فَجَاءَتْ أُمُّ أَيْمَنَ فَجَعَلَتِ الثوبَ فِي عُنُقِي وَجَعَلَتْ تَقُولُ: كَلَّا وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَا يُعطيكَهُنّ وَقَدْ أَعْطَانِيهِنَّ، أَوْ كَمَا قَالَتْ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ: "لَكَ كَذَا وَكَذَا". قال: وتقول: كَلَّا وَاللَّهِ. قَالَ وَيَقُولُ: "لَكِ كَذَا وَكَذَا". قَالَ: وَتَقُولُ: كَلَّا وَاللَّهِ. قَالَ: "وَيَقُولُ: لَكِ كَذَا وَكَذَا". قَالَ: حَتَّى أَعْطَاهَا، حَسِبَتْ أَنَّهُ قَالَ: عَشَرَةُ أَمْثَالٍ أَوْ قَالَ قَرِيبًا مِنْ عَشَرَةِ أَمْثَالِهِ، أَوْ كَمَا قَالَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُق عَنْ مُعْتَمِرٍ، بِهِ [[المسند (٣/٢١٩) وصحيح البخاري برقم (٣١٢٨، ٤٠٣٠، ٤١٢٠) وصحيح مسلم برقم (١٧٧١) .]] . وَهَذِهِ الْمَصَارِفُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هِيَ الْمَصَارِفُ الْمَذْكُورَةُ فِي خُمس الغَنيمة. وَقَدْ قَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهَا فِي سُورَةِ "الْأَنْفَالِ" بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هَاهُنَا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ [[في أ: "ولله الحمد والمنة".]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغْنِيَاءِ مِنْكُمْ﴾ أَيْ: جَعَلْنَا هَذِهِ الْمَصَارِفَ لِمَالِ الْفَيْءِ لِئَلَّا يَبْقَى مَأْكَلَةً يَتَغَلَّبُ عَلَيْهَا الْأَغْنِيَاءُ وَيَتَصَرَّفُونَ فِيهَا، بِمَحْضِ الشَّهَوَاتِ وَالْآرَاءِ، وَلَا يَصْرِفُونَ مِنْهُ شَيْئًا إِلَى الْفُقَرَاءِ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ أَيْ: مَهْمَا أَمَرَكُمْ بِهِ فَافْعَلُوهُ، وَمَهْمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَأْمُرُ بِخَيْرٍ وَإِنَّمَا يَنْهَى عَنْ شَرٍّ. قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ الْعَوْفِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَتْ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَنْهَى عَنِ الْوَاشِمَةِ وَالْوَاصِلَةِ، أَشَيْءٌ وَجَدْتَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَوْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ قَالَ: بَلَى، شَيْءٌ وَجَدْتُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. قَالَتِ: وَاللَّهِ لَقَدْ تَصَفَّحْتُ مَا بَيْنَ دَفَّتَيِ الْمُصْحَفِ فَمَا وَجَدْتُ فِيهِ الَّذِي تَقُولُ!. قَالَ: فَمَا وَجَدْتِ فِيهِ: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ ؟ قَالَتْ: بَلَى. قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَنْهَى عَنِ الْوَاصِلَةِ وَالْوَاشِمَةِ وَالنَّامِصَةِ. قَالَتْ: فَلَعَلَّهُ فِي بَعْضِ أَهْلِكَ. قَالَ: فَادْخُلِي فَانْظُرِي. فَدَخَلَتْ فَنَظرت ثُمَّ خرجَت، قَالَتْ: مَا رأيتُ بَأْسًا. فَقَالَ لَهَا: أَمَا حَفِظْتِ وَصِيَّةَ الْعَبْدِ الصَّالِحِ: ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ﴾ وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، [عَنْ إِبْرَاهِيمَ] [[زيادة من مسند الإمام أحمد والبخاري ومسلم.]] عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ-قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، والمُتفَلجات للحُسْن، الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ: فَبَلَغَ امْرَأَةً فِي الْبَيْتِ يُقَالُ لَهَا: "أُمُّ يَعْقُوبَ"، فَجَاءَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ: بَلَغَنِي أَنَّكَ قُلْتَ كيتَ وكيتَ. قَالَ: مَا لِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رسولُ اللَّهِ ﷺ، وَفِي كِتَابِ اللَّهِ. فَقَالَتْ: إِنِّي لَأَقْرَأُ مَا بَيْنَ لَوْحَيْهِ فَمَا وَجَدْتُهُ. فَقَالَ: إِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ فَقَدْ وَجَدْتِيهِ. أَمَا قَرَأْتِ: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ ؟ قَالَتْ: بَلَى. قَالَ: فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْهُ. قَالَتْ: [إِنِّي] [[زيادة من م، أ، والمسند.]] لَأَظُنُّ أَهْلَكَ يفعلونه. قال: اذهبي فانظري. فذهَبت فَلَمْ تَرَ مِنْ حَاجَتِهَا شَيْئًا، فَجَاءَتْ فَقَالَتْ: مَا رأيتُ شَيْئًا. قَالَ: لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَمْ تُجَامعنا. أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ [[المسند (١/٤٣٣) وصحيح البخاري برقم (٤٨٨٧) وصحيح مسلم برقم (٢١٢٥) .]] . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيرة؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَائْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ". [[صحيح البخاري برقم (٧٢٨٨) وصحيح مسلم برقم (١٣٣٧) .]] . وَقَالَ النَّسَائِيُّ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ حَيَّانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبير، عَنِ ابْنِ عُمَر وَابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهُمَا شَهِدَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: أَنَّهُ نَهَى عَنِ الدُّباء والحَنْتَم والنَّقير والمزَفَّت، ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾ [[سنن النسائي الكبرى برقم (١١٥٧٨) .]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ أَيِ: اتَّقُوهُ فِي امْتِثَالِ أَوَامِرِهِ وَتَرْكِ زَوَاجِرِهِ؛ فَإِنَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ لِمَنْ عَصَاهُ وَخَالَفَ أَمْرَهُ وَأَبَاهُ، وَارْتَكَبَ مَا عَنْهُ زَجَرَهُ وَنَهَاهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب