الباحث القرآني

يَقُولُ تَعَالَى: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ﴾ أَيِ: الَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَلَا وَلَدَ لَهُ وَلَا صَاحِبَةَ، ﴿لَا إِلَهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ﴾ فَاعْبُدُوهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَقِرُّوا لَهُ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، وَأَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَأَنَّهُ لَا وَلَدَ لَهُ وَلَا وَالِدَ، وَلَا صَاحِبَةَ لَهُ وَلَا نَظِيرَ وَلَا عَدِيلَ ﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ أَيْ: حَفِيظٌ وَرَقِيبٌ يُدَبِّرُ كُلَّ مَا سِوَاهُ، وَيَرْزُقُهُمْ وَيَكْلَؤُهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ. * * * وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ﴾ فِيهِ أَقْوَالٌ لِلْأَئِمَّةِ مِنَ السَّلَفِ: أَحَدُهَا: لَا تُدْرِكُهُ فِي الدُّنْيَا، وَإِنْ كَانَتْ تَرَاهُ فِي الْآخِرَةِ [[في م: "تراه في الدار الآخرة"]] كَمَا تَوَاتَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنْ غَيْرِ مَا طَرِيقٍ ثَابِتٍ فِي الصِّحَاحِ وَالْمَسَانِيدِ وَالسُّنَنِ، كَمَا قَالَ مَسْرُوقٌ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا أَبْصَرَ رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ. [وَفِي رِوَايَةٍ: عَلَى اللَّهِ] [[زيادة من أ.]] فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ﴾ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنُ عَيَّاش، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُود، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ. وَرَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ مَسْرُوقٍ، وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ وغيره عن عائشة غَيْرِ وَجْهٍ [[رواه البخاري في صحيحه برقم (٤٦١٢) ومسلم في صحيحيه برقم (١٧٧) والترمذي في السنن برقم (٣٠٦٨) من طريق الشعبي، عن مسروق به.]] وَقَدْ خَالَفَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ، فَعَنْهُ إِطْلَاقُ الرُّؤْيَةِ، وَعَنْهُ أَنَّهُ رَآهُ بِفُؤَادِهِ مَرَّتَيْنِ. وَالْمَسْأَلَةُ تُذْكَرُ فِي أَوَّلِ "سُورَةِ النَّجْمِ" إِنْ شَاءَ اللَّهُ [تَعَالَى] [[زيادة من م، أ.]] وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِي، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِين قَالَ: سَمِعْتُ إِسْمَاعِيلَ بْنَ عُليَّة يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ﴾ قَالَ: هَذَا فِي الدُّنْيَا. قَالَ: وَذَكَرَ أَبِي، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ نَحْوَ ذَلِكَ. وَقَالَ آخَرُونَ: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ﴾ أَيْ: جَمِيعُهَا، وَهَذَا مُخَصَّصٌ بِمَا ثَبَتَ مِنْ رُؤْيَةِ الْمُؤْمِنِينَ لَهُ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ [[في أ: "في الدار الآخرة".]] وَقَالَ آخَرُونَ، مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ بِمُقْتَضَى مَا فَهِمُوهُ مِنَ الْآيَةِ: إِنَّهُ لَا يُرَى فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ. فَخَالَفُوا أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فِي ذَلِكَ، مَعَ مَا ارْتَكَبُوهُ مِنَ الْجَهْلِ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ. أَمَّا الْكِتَابُ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [الْقِيَامَةِ: ٢٢، ٢٣] ، وَقَالَ تَعَالَى عَنِ الْكَافِرِينَ: ﴿كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾ [الْمُطَفِّفِينَ: ١٥] . قَالَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ: فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَا يُحْجَبُون عَنْهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. وَأَمَّا السُّنَّةُ، فَقَدْ تَوَاتَرَتِ الْأَخْبَارُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنَسٍ، وَجَرِيرٍ، وصُهَيْب، وَبِلَالٍ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ اللَّهَ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ فِي الْعَرَصَاتِ، وَفِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ، جَعَلَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُمْ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمين. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ﴾ أَيِ: الْعُقُولُ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنِ الْفَلَّاسِ، عَنِ ابْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ أَبِي الْحُصَيْنِ يَحْيَى بْنِ الْحُصَيْنِ قَارِئِ أَهْلِ مَكَّةَ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ. وَهَذَا غَرِيبٌ جِدًّا، وَخِلَافُ ظَاهِرِ الْآيَةِ، وَكَأَنَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّ الْإِدْرَاكَ فِي مَعْنَى الرُّؤْيَةِ، وَاللَّهُ [سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى] [[زياد من أ.]] أَعْلَمُ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ إِثْبَاتِ الرؤية وَنَفْيِ الْإِدْرَاكِ، فَإِنَّ الْإِدْرَاكَ أَخَصُّ مِنَ الرُّؤْيَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَفْيِ الْأَخَصِّ انْتِفَاءُ الْأَعَمِّ. ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِي الْإِدْرَاكِ الْمَنْفِيِّ، مَا هُوَ؟ فَقِيلَ: مَعْرِفَةُ الْحَقِيقَةِ، فَإِنَّ هَذَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ، كَمَا أَنَّ مَنْ رَأَى الْقَمَرَ فَإِنَّهُ لَا يُدْرِكُ حَقِيقَتَهُ وَكُنْهَهُ وَمَاهِيَّتَهُ، فَالْعَظِيمُ أَوْلَى بِذَلِكَ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى. وَقَالَ آخَرُونَ: الْمُرَادُ بِالْإِدْرَاكِ الْإِحَاطَةُ. قَالُوا: وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْإِحَاطَةِ عَدَمُ الرُّؤْيَةِ كَمَا لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ إِحَاطَةِ الْعِلْمِ عَدَمُ الْعِلْمِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾ [طه: ١١٠] ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: "لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ على نفسك" [[صحيح مسلم برقم (٤٨٦) من حديث عائشة، رضي الله عنها.]] ولا يلزم منه عَدَمُ الثَّنَاءِ، فَكَذَلِكَ هَذَا. قَالَ العَوْفي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ﴾ قَالَ: لَا يُحِيطُ بَصَرُ أَحَدٍ [[في م: "أحدنا".]] بِالْمَلِكِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعة، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ حَمَّادِ بْنِ طَلْحَةَ الْقَنَّادُ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمة، أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ﴾ ؟ قَالَ: أَلَسْتَ تَرَى السَّمَاءَ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَكُلَّهَا تَرَى؟. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَة، عَنْ قَتَادَةَ: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ﴾ هُوَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُدْرِكَهُ الْأَبْصَارُ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَرْفَجَةَ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ [الْقِيَامَةِ: ٢٢، ٢٣] ، قَالَ: هُمْ يَنْظُرُونَ إِلَى اللَّهِ، لَا تُحِيطُ أَبْصَارُهُمْ بِهِ مِنْ عَظَمَتِهِ، وَبَصَرُهُ مُحِيطٌ بِهِمْ. فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ﴾ وَقَدْ وَرَدَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ حَدِيثٌ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ هَاهُنَا، فَقَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا مِنْجَاب بْنُ الْحَارِثِ السَّهْمِيُّ [[في م: "التميمي".]] حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عِمَارَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في قوله: ﴿لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ﴾ قَالَ: "لَوْ أَنَّ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ وَالشَّيَاطِينَ وَالْمَلَائِكَةَ مُنْذُ خُلِقُوا إِلَى أَنْ فَنُوا صُفّوا صَفًّا واحدًا، مَا أَحَاطُوا بِاللَّهِ أَبَدًا". غَرِيبٌ لَا يُعْرَفُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ [[ورواه ابن عدي في الكامل (٢/١٠) من طريق سفيان بن بشر، عن بشر بن عمارة به، وإسناده واه.]] وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ آخَرُونَ فِي [قَوْلِهِ تَعَالَى] [[زيادة من م، وفي أ: "في قوله".]] ﴿لَا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ﴾ بِمَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ، وَابْنُ أَبِي عَاصِمٍ فِي كِتَابِ "السُّنَّةِ" لَهُ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ، وَابْنُ مَرْدُوَيه أَيْضًا، وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، مِنْ حَدِيثِ الْحَكَمِ بْنِ أَبَانٍ قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمة يَقُولُ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى. فَقُلْتُ: أَلَيْسَ اللَّهُ يَقُولُ: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ﴾ الْآيَةَ؟ فَقَالَ: لِي "لَا أُمَّ لَكَ. ذَلِكَ نُورُهُ، الَّذِي هُوَ نُورُهُ، إِذَا تَجَلَّى بِنُورِهِ لَا يُدْرِكُهُ شَيْءٌ". وَفِي رِوَايَةٍ: "لَا يَقُومُ لَهُ شَيْءٌ". قَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ [[سنن الترمذي برقم (٣٢٧٩) والسنة لابن أبي عاصم برقم (٤٣٧) والمستدرك (٢/٣٠٦) وقال الترمذي: "حسن غريب". وقال ابن أبي عاصم: "فيه كلام".]] وَفِي مَعْنَى هَذَا الْأَثَرِ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَنَامُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ يَخْفِضُ [[في أ: "يحفظ".]] الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ -أَوِ: النَّارُ -لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحات وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ" [[رواه مسلم في صحيحه برقم (١٧٩) ولم أجده بعد البحث في صحيح البخاري حتى الحافظ المزى لم يذكره في تحفة الأشراف من رواية البخاري.]] وَفِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِمُوسَى لَمَّا سَأَلَ الرُّؤْيَةَ: يَا مُوسَى، إِنَّهُ لَا يَرَانِي حَيٌّ إِلَّا مَاتَ، وَلَا يَابِسٌ إِلَّا تَدَهْدَهَ. أَيْ: تَدَعْثَرَ. وَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الْأَعْرَافِ: ١٤٣] وَنَفْيُ هَذَا الْأَثَرِ الْإِدْرَاكَ الْخَاصَّ لَا يَنْفِي الرُّؤْيَةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [[انظر: شرح العقيدة الطحاوية (١/٢١٤) لابن أبي العز الحنفي للتوسع في بحث الرؤية.]] يَتَجَلَّى لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا يَشَاءُ. فَأَمَّا جَلَالُهُ وَعَظَمَتُهُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ -تَعَالَى وَتَقَدَّسَ وَتَنَزَّهَ -فَلَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ؛ وَلِهَذَا كَانَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، تُثْبِتُ الرُّؤْيَةَ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ وَتَنْفِيهَا فِي الدُّنْيَا، وَتَحْتَجُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ﴾ فَالَّذِي نَفَتْهُ الْإِدْرَاكَ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى رُؤْيَةِ الْعَظَمَةِ وَالْجَلَالِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِلْبَشَرِ، وَلَا لِلْمَلَائِكَةِ وَلَا لِشَيْءٍ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ﴾ أَيْ: يُحِيطُ بِهَا وَيَعْلَمُهَا عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ خَلَقَهَا كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ [الْمُلْكِ: ١٤] . وَقَدْ يَكُونُ عَبَّرَ بِالْأَبْصَارِ عَنِ الْمُبْصِرِينَ، كَمَا قَالَ السُّدِّي فِي قَوْلِهِ: ﴿لا تُدْرِكُهُ الأبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأبْصَارَ﴾ لَا يَرَاهُ شَيْءٌ وَهُوَ يَرَى الْخَلَائِقَ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ فِي قَوْلِهِ [تَعَالَى] [[زيادة من م، أ.]] ﴿وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ اللَّطِيفُ بِاسْتِخْرَاجِهَا، الْخَبِيرُ بِمَكَانِهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذَا كَمَا قَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ لُقْمَانَ فِيمَا وَعَظَ بِهِ ابْنَهُ: ﴿يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾ [لُقْمَانَ: ١٦] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب