الباحث القرآني

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: يَقُولُ تَعَالَى: وَحَرَّمْنَا عَلَى الْيَهُودِ ﴿كُلَّ ذِي ظُفُرٍ﴾ وَهُوَ الْبَهَائِمُ وَالطَّيْرُ مَا لَمْ يَكُنْ مَشْقُوقَ الْأَصَابِعِ، كَالْإِبِلِ وَالنَّعَامِ [[في م: "والأنعام".]] وَالْأَوِزِّ وَالْبَطِّ. قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ﴾ وَهُوَ الْبَعِيرُ وَالنَّعَامَةُ. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، والسُّدِّي فِي رِوَايَةٍ [[في م، أ: "في رواية والسدى".]] . وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْر: هُوَ الَّذِي لَيْسَ بِمُنْفَرِجِ الْأَصَابِعِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: كُلُّ شَيْءٍ مُتَفَرِّقُ الْأَصَابِعِ، وَمِنْهُ الدِّيكُ. وَقَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ﴾ وَكَانَ يُقَالُ: الْبَعِيرُ وَالنَّعَامَةُ وَأَشْيَاءُ مِنَ الطَّيْرِ وَالْحِيتَانِ. وَفِي رِوَايَةٍ: الْبَعِيرُ وَالنَّعَامَةُ، وَحُرِّمَ عَلَيْهِمْ مِنَ الطَّيْرِ: الْبَطُّ وَشِبْهُهُ، وَكُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ بِمَشْقُوقِ الْأَصَابِعِ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْج: عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿كُلَّ ذِي ظُفُرٍ﴾ قَالَ: النَّعَامَةُ وَالْبَعِيرُ، شَقًّا شَقًّا. قُلْتُ لِلْقَاسِمِ بْنِ أَبِي بَزَّة وَحَدَّثَنِيهِ: مَا "شَقًّا شَقًّا"؟ قَالَ: كُلُّ مَا لَا يُفْرَجُ [[في م: "ما لم ينفرج".]] مِنْ قَوْلِ البهائم. قال: وما انفرج أكلته الْيَهُودُ قَالَ: انْفَرَجَتْ قَوَائِمُ الْبَهَائِمِ وَالْعَصَافِيرِ، قَالَ: فَيَهُودُ تَأْكُلُهَا. قَالَ: وَلَمْ تَنْفَرِجْ قَائِمَةُ الْبَعِيرِ، خُفُّهُ، وَلَا خُفُّ النَّعَامَةِ وَلَا قَائِمَةُ الْوَزِّ، فَلَا تَأْكُلُ الْيَهُودُ الْإِبِلَ وَلَا النَّعَامَ وَلَا الْوَزَّ، وَلَا كُلَّ شَيْءٍ لَمْ تَنْفَرِجْ قَائِمَتُهُ، وَلَا تَأْكُلُ حِمَارَ وَحْش. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا﴾ قَالَ السُّدِّي: [يَعْنِي] [[زيادة من م، أ.]] الثَرْب وَشَحْمَ الْكُلْيَتَيْنِ. وَكَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ [[في م، أ: "يقولون".]] : إِنَّهُ حَرَّمَهُ إِسْرَائِيلُ فَنَحْنُ نُحَرِّمُهُ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ زَيْدٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: الثَّرْبُ وَكُلُّ شَحْمٍ [[في أ: "شيء".]] كَانَ كَذَلِكَ لَيْسَ فِي عَظْمٍ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا﴾ يَعْنِي: مَا عَلِق بِالظَّهْرِ مِنَ الشُّحُومِ. وَقَالَ السُّدِّي وَأَبُو صَالِحٍ: الْأَلْيَةُ، مِمَّا [[في د، م: "ما".]] حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿أَوِ الْحَوَايَا﴾ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ: ﴿الْحَوَايَا﴾ جَمْعٌ، وَاحِدُهَا حَاوِيَاءُ، وَحَاوِيَةٌ وحَوِيَّة وَهُوَ مَا تَحَوي [[في م: "ما يحوى".]] مِنَ الْبَطْنِ فَاجْتَمَعَ وَاسْتَدَارَ، وَهِيَ بَنَاتُ اللَّبَنِ، وَهِيَ "الْمَبَاعِرُ"، وَتُسَمَّى "الْمَرَابِضَ"، وَفِيهَا الْأَمْعَاءُ. قَالَ: وَمَعْنَى الْكَلَامِ: وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا، إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا، أَوْ مَا حَمَلَتِ الْحَوَايَا [[تفسير الطبري (١٢/٢٠٣) .]] . وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿أَوِ الْحَوَايَا﴾ وَهِيَ الْمَبْعَرُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿الْحَوَايَا﴾ الْمَبْعَرُ، وَالْمَرْبِضُ. وَكَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَالضَّحَّاكُ، وَقَتَادَةُ، وَأَبُو مَالِكٍ، والسُّدِّي. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: ﴿الْحَوَايَا﴾ الْمَرَابِضُ الَّتِي تَكُونُ فِيهَا الْأَمْعَاءُ، تَكُونُ وَسَطَهَا، وَهِيَ بَنَاتُ اللَّبَنِ، وَهِيَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ تُدْعَى الْمَرَابِضَ. * * * وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ﴾ أَيْ: وَإِلَّا مَا اخْتَلَطَ مِنَ الشُّحُومِ بِالْعِظَامِ فَقَدْ أَحْلَلْنَاهُ لَهُمْ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْج: شَحْمُ الْأَلْيَةِ اخْتَلَطَ بالعُصْعُص، فَهُوَ حَلَالٌ. وَكُلُّ شَيْءٍ فِي الْقَوَائِمِ وَالْجَنْبِ وَالرَّأْسِ وَالْعَيْنِ وَمَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ، فَهُوَ حَلَالٌ، وَنَحْوَهُ قَالَ [[في أ: "قاله".]] السُّدِّي. * * * وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ﴾ أَيْ: هَذَا التَّضْيِيقُ إِنَّمَا فَعَلْنَاهُ بِهِمْ وَأَلْزَمْنَاهُمْ [[في أ: "وألزمناه".]] بِهِ، مُجَازَاةً لَهُمْ عَلَى بَغْيِهِمْ وَمُخَالَفَتِهِمْ أَوَامِرَنَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا﴾ [النساء: ١٦٠] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾ أَيْ: وَإِنَّا لَعَادِلُونَ فِيمَا جَزَيْنَاهُمْ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَإِنَّا لَصَادِقُونَ فِيمَا أَخْبَرْنَاكَ بِهِ يَا مُحَمَّدُ مِنْ تَحْرِيمِنَا ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، لَا كَمَا زَعَمُوا مِنْ أَنَّ إِسْرَائِيلَ هُوَ الَّذِي حَرَّمَهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: بَلَغَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ سَمُرَة بَاعَ خَمْرًا، فَقَالَ: قَاتَلَ اللَّهُ سَمُرَةَ! أَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَجَمَّلُوهَا فَبَاعُوهَا". أَخْرَجَاهُ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ، بِهِ. وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ قَالَ: قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول عَامَ الْفَتْحِ: "إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرّم بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ". فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ، فَإِنَّهُ يُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ ويُطلى بِهَا السُّفُنُ، ويَسْتَصبِح بِهَا النَّاسُ. فَقَالَ: "لَا هُوَ حَرَامٌ". ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عِنْدَ ذَلِكَ: "قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ، إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا جَمَلوه، ثُمَّ بَاعُوهُ وَأَكَلُوا ثَمَنَهُ". رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، بِهِ [[صحيح البخاري برقم (٢٢٣٦) وصحيح مسلم برقم (١٥٨١) . وسنن أبي داود برقم (٣٤٨٦) وسنن الترمذي برقم (١٢٩٧) وسنن النسائي (٧/٣٠٩) وسنن ابن ماجة برقم (٢١٦٧) .]] . وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ [[في م: "يهود".]] ! حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ، فَبَاعُوهَا [[في م، أ: "فباعوه".]] وَأَكَلُوا ثَمَنَهُ". وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ جَمِيعًا، عَنْ عَبْدَانَ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهِ [[في أ: "رواه".]] . وَقَالَ ابْنُ مَرْدُوَيه: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا وُهَيْب، حَدَّثَنَا خَالِدٌ الحَذَّاء، عَنْ بَرَكَةَ أَبِي الْوَلِيدِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ قَاعِدًا خَلْفَ الْمَقَامِ، فَرَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: "لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ -ثَلَاثًا -إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْهِمُ الشُّحُومَ، فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا ثَمَنَهَا، إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُحَرِّمْ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيْءٍ إِلَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ" [[صحيح البخاري برقم (٢٢٢٤) وصحيح مسلم برقم (١٥٨٣) .]] . وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَاصِمٍ، أَنْبَأَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ، عَنْ بَرَكَةَ أَبِي الْوَلِيدِ، أَنْبَأَنَا ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَاعِدًا فِي الْمَسْجِدِ مُسْتَقْبِلًا الحِجْر، فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ فَضَحِكَ، ثم قَالَ: "لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ". وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، مِنْ حَدِيثِ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ [[ورواه ابن عبد البر في التمهيد (٩/٤٤) من طريق هشيم، عن خالد الحذاء به.]] . وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّاد، عَنْ كُلْثُومٍ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: دَخَلْنَا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مَرِيضٌ نَعُودُهُ، فَوَجَدْنَاهُ نَائِمًا قَدْ غَطَّى وَجْهَهُ بِبُرْدٍ عَدني، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ وَقَالَ [[في أ: "فقال".]] : لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ يُحَرِّمُونَ شُحُومَ الْغَنَمِ وَيَأْكُلُونَ أَثْمَانَهَا"، وَفِي رِوَايَةٍ: "حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا وأكلوا أثمانها" [[المسند (١/٢٤٧) وسنن أبي داود برقم (٣٤٨٨) .]] .
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب