الباحث القرآني

قَالَ دَاوُدُ الأوْدِي، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ علَقْمَة، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ صَحِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الَّتِي عَلَيْهَا خَاتَمُهُ، فَلْيَقْرَأْ هَؤُلَاءِ [[في م: "هذه".]] الْآيَاتِ: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ: حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّيْرَفِيُّ بِمَرْوٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ النَّهدي، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلِيفَةَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: فِي [[في م، أ: "إن في".]] الْأَنْعَامِ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ [أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا] ﴾ [[زيادة من أ.]] . ثُمَّ قَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ [[المستدرك (٢/٣١٧) .]] . قُلْتُ: وَرَوَاهُ زُهَيْر وَقَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِهِ. وَاللَّهُ [[في م، أ: "فالله".]] أَعْلَمُ. وَرَوَى الْحَاكِمُ أَيْضًا فِي مُسْتَدْرَكِهِ [[في أ: "في مسنده" وهو خطأ.]] مِنْ حَدِيثِ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أَيُّكُمْ يُبَايِعُنِي عَلَى ثَلَاثٍ؟ " -ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ﴾ حَتَّى فَرَغَ مِنَ الْآيَاتِ -فَمَنْ وَفَّى فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنِ انْتَقَصَ مِنْهُنَّ شَيْئًا فَأَدْرَكَهُ اللَّهُ بِهِ فِي الدُّنْيَا كَانَتْ عُقُوبَتَهُ [[في م: "عقوبة".]] وَمَنْ أُخِّرَ إِلَى الْآخِرَةِ فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ، إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ". ثُمَّ قَالَ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. وَإِنَّمَا اتَّفَقَا عَلَى حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ عُبَادَةَ: "بَايِعُونِي عَلَى أَلَّا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا" الْحَدِيثَ. وَقَدْ رَوَى سُفْيَانُ بْنُ حُسَين كِلَا الْحَدِيثَيْنِ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْسَبَ إِلَى الْوَهْمِ فِي أَحَدِ الْحَدِيثَيْنِ إِذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ [[المستدرك (٢/٣١٨) . أما الحديث الذي اتفق عليه الشيخان من حديث الزهري، فرواه البخاري في صحيحه برقم (١٨) ومسلم في صحيحه برقم (١٧٠٩) .]] . وَأَمَّا تَفْسِيرُهَا فَيَقُولُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ: قُلْ يَا مُحَمَّدُ -لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ [أَشْرَكُوا و] [[زيادة من أ.]] عبدوا غَيْرَ اللَّهِ، وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ، وَقَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ وَكُلُّ ذَلِكَ فَعَلُوهُ بِآرَائِهِمْ وَتَسْوِيلِ الشَّيَاطِينِ لَهُمْ، ﴿قُلْ﴾ لَهُمْ ﴿تَعَالَوْا﴾ أَيْ: هَلُمُّوا وَأَقْبِلُوا: ﴿أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ﴾ أَيْ: أَقُصُّ عَلَيْكُمْ وَأُخْبِرُكُمْ بِمَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا لَا تَخَرُّصًا، وَلَا ظَنًّا، بَلْ وَحْيًا مِنْهُ وأمرًا من عنده: ﴿أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ وَكَأَنَّ فِي الْكَلَامِ مَحْذُوفًا دَلَّ عَلَيْهِ السِّيَاقُ، وَتَقْدِيرُهُ: وَأَوْصَاكُمْ [[في د، أ: "ووصاكم"، وفي م: "أوصاكم".]] ﴿أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ ؛ وَلِهَذَا قَالَ فِي آخِرِ الْآيَةِ: ﴿ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ وَكَمَا قَالَ الشَّاعِرُ: حَجَّ وأوصَى بسُلَيمى الأعْبُدَا ... أنْ لَا تَرَى وَلَا تُكَلِّم أحَدا ... وَلَا يَزَلْ شَرَابُها مُبَرَّدا [[الرجز في تفسير الطبري (١٢/٢١٦) .]] . وَتَقُولُ الْعَرَبُ: أَمَرْتُكَ أَلَّا تَقُومَ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أَتَانِي جِبْرِيلُ فَبَشَّرَنِي أَنَّهُ مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا مِنْ أُمَّتِكَ، دَخَلَ الْجَنَّةَ. قُلْتُ: وَإِنْ زَنَا وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: وَإِنْ زَنَا وَإِنْ سَرَقَ. قُلْتُ: وَإِنْ زَنَا وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: وَإِنْ زَنَا وَإِنْ سَرَقَ. قُلْتُ: وَإِنْ زَنَا وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: وَإِنْ زَنَا وَإِنْ سَرَقَ، وَإِنْ شَرِبَ الْخَمْرَ": وَفِي بَعْضِ [[في م: "قلت: وفي بعض".]] الرِّوَايَاتِ أَنَّ الْقَائِلَ ذَلِكَ إِنَّمَا هُوَ أَبُو ذَرٍّ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَأَنَّهُ، عَلَيْهِ [[في أ: "وأنه عليه الصلاة والسلام".]] السَّلَامُ، قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: "وَإِنْ رَغِمَ أنفُ أَبِي ذَرٍّ" [[صحيح البخاري برقم (١٢٣٧) وصحيح مسلم برقم (٩٤) .]] فَكَانَ أَبُو ذَرٍّ يَقُولُ بَعْدَ تَمَامِ الْحَدِيثِ: وَإِنْ رَغِمَ أَنْفُ أَبِي ذَرٍّ. وَفِي بَعْضِ الْمَسَانِيدِ وَالسُّنَنِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] [[زيادة من أ.]] قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ، إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي فَإِنِّي أَغْفِرُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ وَلَا أُبَالِي، وَلَوْ أَتَيْتَنِي بِقِرَابِ الْأَرْضِ خَطِيئَةً أَتَيْتُكَ بِقِرَابِهَا مَغْفِرَةً مَا لَمْ تُشْرِكْ بِي شَيْئًا، وَإِنْ أَخْطَأْتَ حَتَّى تَبْلُغَ خَطَايَاكَ عَنَان السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي، غَفَرْتُ لَكَ" [[رواه أحمد في مسنده (٥/١٥٤) والترمذي في السنن برقم (٢٤٩٥) وابن ماجة في السنن برقم (٤٢٥٧) وقال الترمذي: "هذا حديث حسن".]] . وَلِهَذَا شَاهِدٌ فِي الْقُرْآنِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى [[في أ: "عز وجل".]] : ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النِّسَاءِ: ٤٨، ١١٦] . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: "مَنْ مَاتَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، دَخَلَ الْجَنَّةَ" [[صحيح مسلم برقم (٩٢) .]] وَالْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا. وَرَوَى ابْنُ مَرْدُوَيه مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ: "لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وإن قُطِّعتم أو صُلِّبتم أو حُرِّقتم" [[أما حديث أبي الدرداء، فرواه الطبراني في المعجم الكبير كما في معجم الزوائد (٤/٢١٦) من طريق شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ أبي الدرداء به. قال الهيثمي: "فيه شهر بن حوشب وحديثه حسن، وبقية رجاله ثقات". وأما حديث عبادة فهو الآتي.]] . وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْف الحِمْصي، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنِي سَيَّارُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ قَوْذر، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ شُرَيح، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: أَوْصَانَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِسَبْعِ خِصَالٍ: "أَلَّا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَإِنْ حُرِّقْتُمْ وَقُطِّعْتُمْ وَصُلِّبْتُمْ" [[ورواه الطبراني في المعجم الكبير كما في الزوائد (٤/٢١٦) وقال الهيثمي:"فيه سلمة بن شريح قال الذهبي: لا يعرف، وبقية رجاله رجال الصحيح".]] . * * * وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ أَيْ: وَأَوْصَاكُمْ وَأَمَرَكُمْ بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا، أَيْ: أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الْإِسْرَاءِ:٢٣] . وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ: "وَوَصَّى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا". وَاللَّهُ تَعَالَى كَثِيرًا مَا يَقْرِنُ بَيْنَ طَاعَتِهِ وَبِرِّ الْوَالِدَيْنِ، كَمَا قَالَ: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [لُقْمَانَ:١٤، ١٥] . فَأَمَرَ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا، وَإِنْ كَانَا مُشْرِكَيْنِ بِحَسْبِهِمَا، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ الْآيَةَ. [الْبَقَرَةِ:٨٣] . وَالْآيَاتُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ. وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: "الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا". قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "بِرُّ الْوَالِدَيْنِ". قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ". قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ [[في أ: "استزدت".]] لَزَادَنِي [[صحيح البخاري برقم (٥٩٧٠) وصحيح مسلم برقم (٨٥) .]] . وَرَوَى الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدُوَيه بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، كُلٌّ مِنْهُمَا يَقُولُ: أَوْصَانِي خَلِيلِي ﷺ: "أَطِعْ وَالِدَيْكَ، وَإِنْ أَمَرَاكَ أَنْ تَخْرُجَ لَهُمَا مِنَ الدُّنْيَا، فَافْعَلْ" [[سبق تخريجهما من رواية الطبراني في المعجم الكبير.]] . وَلَكِنْ فِي إِسْنَادَيْهِمَا ضَعْفٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. * * * وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾ لَمَّا أَوْصَى [[في د، م: "وصى".]] تَعَالَى بِبَرِّ الْآبَاءِ وَالْأَجْدَادِ، عَطَفَ عَلَى ذَلِكَ الْإِحْسَانَ إِلَى الْأَبْنَاءِ وَالْأَحْفَادِ، فَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ﴾ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتُلُونَ أَوْلَادَهُمْ كَمَا سَوَّلت لَهُمُ الشَّيَاطِينُ ذَلِكَ، فَكَانُوا يَئِدُونَ الْبَنَاتَ خَشْيَة الْعَارِ، وَرُبَّمَا قَتَلُوا بَعْضَ الذُّكُورِ خيفةَ الِافْتِقَارِ؛ وَلِهَذَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، مِنْ حديث عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ؟ قَالَ: "أَنْ تَجْعَلَ لله ندا وهو خلَقَكَ". قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: "أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَطْعَم مَعَكَ". قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قال: "أن تُزَاني حَلِيلَةَ جَارِكَ". ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ [وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا] ﴾ [[زيادة من م، أ، وفي هـ: "الآية".]] [الفرقان:٦٨] . [[صحيح البخاري برقم (٤٤٧٧) وصحيح مسلم برقم (٦٨) .]] وَقَوْلُهُ: ﴿مِنْ إِمْلاقٍ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَتَادَةُ، والسُّدِّي: هُوَ الْفَقْرُ، أَيْ: وَلَا تَقْتُلُوهُمْ مِنْ فَقْرِكُمُ الْحَاصِلِ، وَقَالَ فِي سُورَةِ "سُبْحَانَ": ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ﴾ [الْإِسْرَاءِ:٣١] ، أَيْ: خَشْيَةَ [[في م: "خيفة" وفي أ: "ضيقة".]] حُصُولِ فَقْرٍ، فِي الْآجِلِ؛ وَلِهَذَا قَالَ هُنَاكَ: ﴿نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ﴾ فَبَدَأَ بِرِزْقِهِمْ لِلِاهْتِمَامِ بِهِمْ، أَيْ: لَا تَخَافُوا مِنْ فَقْرِكُمْ بِسَبَبِهِمْ، فَرِزْقُهُمْ عَلَى اللَّهِ. وَأَمَّا فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَلَمَّا كَانَ الْفَقْرُ حَاصِلًا قَالَ: ﴿نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ﴾ ؛ لِأَنَّهُ الْأَهَمُّ هَاهُنَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. * * * وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنزلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ [الْأَعْرَافِ:٣٣] . وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا فِي قَوْلِهِ: ﴿وَذَرُوا ظَاهِرَ الإثْمِ وَبَاطِنَهُ﴾ [الْأَنْعَامِ:١٢] . وَفِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنِ ابْنُ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لا أحد أغْيَر من اللَّهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّم الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَر مِنْهَا وَمَا بَطنَ" [[صحيح البخاري برقم (٤٦٣٤) وصحيح مسلم برقم (٢٧٦٠) .]] . وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْر، عَنْ وَرّاد، عَنْ مَوْلَاهُ الْمُغَيَّرَةِ قَالَ: قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: لَوْ رَأَيْتُ مَعَ امْرَأَتِي رَجُلًا لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَح. فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: "أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ! فَوَاللَّهِ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْ سَعْدٍ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرّم الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن". أَخْرَجَاهُ [[صحيح البخاري برقم (٦٨٤٦) وصحيح مسلم برقم (١٤٩٩) .]] . وَقَالَ كَامِلٌ أَبُو الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا [[في م: "أما".]] . نَغَارُ. قَالَ: "وَاللَّهِ إِنِّي لَأَغَارُ، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي، وَمِنْ غَيْرَتِهِ نَهَى عَنِ الْفَوَاحِشِ" [[ورواه أحمد في مسنده (٢/٣٢٦) من طريق كامل به، قال الهيثمي في المجمع (٤/٣٢٨) : "فيه كامل أبو العلاء، وفيه كلام لا يضر وهو ثقة، وبقية رجاله رجال الصحيح".]] . رَوَاهُ ابْنُ مَرْدُوَيه، وَلَمْ يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَهُوَ عَلَى شَرْطِ التِّرْمِذِيِّ، فَقَدْ رُوِيَ بِهَذَا السَّنَدِ: "أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ" [[سنن الترمذي برقم (٢٣٣١) وقال الترمذي: "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ رُوِيَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ أَبِي هريرة".]] . * * * وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ﴾ وَهَذَا مِمَّا نَصَّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى النَّهْيِ عَنْهُ تَأْكِيدًا، وَإِلَّا فَهُوَ دَاخِلٌ فِي النَّهْيِ عَنِ الْفَوَاحِشِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، فَقَدْ جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنِ ابْنُ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبِ الزَّانِي، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة" [[صحيح البخاري برقم (٦٨٧٨) وصحيح مسلم برقم (١٦٧٦) .]] . وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ [[في م: "مسلم".]] وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ لَا يَحِلُّ دَمُ رَجُلٍ مُسْلِمٍ ... " وَذَكَرَهُ، قَالَ الْأَعْمَشُ: فَحَدَّثْتُ بِهِ إِبْرَاهِيمَ، فَحَدَّثَنِي عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا] [[زيادة من أ.]] ، بِمِثْلِهِ [[صحيح مسلم برقم (١٦٧٦) .]] . وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثِ خِصَالٍ: زانٍ مُحْصَن يُرْجَم، وَرَجُلٍ قَتَلَ رَجُلا مُتَعمِّدا فَيُقْتَلُ، وَرَجُلٍ يَخْرُجُ مِنَ الْإِسْلَامِ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَيُقْتَلُ أَوْ يُصْلَبُ أَوْ يُنْفَى مِنَ الْأَرْضِ". وَهَذَا لَفْظُ النَّسَائِيِّ [[سنن أبي داود برقم (٤٣٥٣) وسنن النسائي (٧/١٠١) .]] . وَعَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ مَحْصُورٌ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: رَجُلٍ كَفَر بَعْدَ إِسْلَامِهِ، أَوْ زَنَا بَعْدَ إِحْصَانِهِ، أَوْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ". فَوَاللَّهِ مَا زَنَيْتُ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ، وَلَا تَمَنَّيْتُ أَنَّ لِي بِدِينِي بَدَلًا مِنْهُ بَعْدَ إِذْ هَدَانِي اللَّهُ، وَلَا قَتَلْتُ نَفْسًا، فَبِمَ تَقْتُلُونَنِي. رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ [[المسند (١/٦٣) وسنن الترمذي برقم (٢١٥٨) وسنن النسائي (٧/٩٢) وسنن ابن ماجة برقم (٢٥٣٣) .]] . وَقَدْ جَاءَ النَّهْيُ وَالزَّجْرُ وَالْوَعِيدُ فِي قَتْلِ المعاهدَ -وَهُوَ الْمُسْتَأْمَنُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ -كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "من قتل مُعاهِدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ [[في د، م، أ: "يوجد".]] مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا" [[صحيح البخاري برقم (٣١٦٦) .]] . وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: "مِنْ قَتْلَ معاهَدًا لَهُ ذِمَّة اللَّهِ وذمَّة رَسُولِهِ، فَقَدَ أَخَفَرَ بِذِمَّةِ اللَّهِ، فَلَا يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا لِيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ سَبْعِينَ خَريفًا". رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ [[سنن ابن ماجة برقم (٢٦٨٧) وسنن الترمذي برقم (١٤٠٣) .]] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ أَيْ: هَذَا مَا [[في أ: "مما".]] وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ عَنْهُ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب