الباحث القرآني

قَالَ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ، والسُّدِّي: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. وَقَالَ العَوْفي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا﴾ وَذَلِكَ أن اليهود وَالنَّصَارَى اخْتَلَفُوا قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ مُحَمَّدٌ ﷺ، فَتَفَرَّقُوا. فَلَمَّا بَعَثَ [اللَّهُ] [[زيادة من أ.]] مُحَمَّدًا ﷺ أَنْزَلَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾ الْآيَةَ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ عَمْرو السَّكُونِيُّ، حَدَّثَنَا بَقِيَّة بْنُ الْوَلِيدِ: كَتَبَ إِلَيَّ عَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنِي لَيْث، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّ فِي هَذِهِ الأمَّة ﴿الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾ وَلَيْسُوا مِنْكَ، هُمْ أَهْلُ الْبِدَعِ، وَأَهْلُ الشُّبَهَاتِ، وَأَهْلُ الضَّلَالَةِ، مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ" [[تفسير الطبري (١٢/٢٧٠) ورواه الطبراني في المعجم الأوسط برقم (٣٣٢١) من طريق معلل، عن موسى بن أعين، عن سفيان الثوري، عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عنه به، وقال: "لم يروه عن سفيان إلا موسى تفرد به معلل". ورواه الطبري في تفسيره (١٢/٢٧٠) على أبي هريرة موقوفا كما بينه الحافظ ابن كثير.]] . لَكِنَّ هَذَا الْإِسْنَادَ لَا يَصِحُّ، فَإِنَّ عَبَّادَ بْنَ كَثِيرٍ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَلَمْ يَخْتَلِقْ هَذَا الْحَدِيثَ، وَلَكِنَّهُ وَهَم فِي رَفْعِهِ. فَإِنَّهُ رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ لَيْثٍ -وَهُوَ ابْنُ أَبِي سُلَيْمٍ -عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا﴾ قَالَ: نَزَلَتْ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَقَالَ أَبُو غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، فِي قَوْلِهِ: ﴿ [إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ] وَكَانُوا شِيَعًا [[زيادة من أ.]] ﴾ قَالَ: هُمُ الْخَوَارِجُ. وَرُوِي عَنْهُ مَرْفُوعًا، وَلَا يَصِحُّ. وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ مُجالد، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ شُرَيْح، عَنْ عُمْرَ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] [[زيادة من أ.]] أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ لِعَائِشَةَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا﴾ قَالَ: "هُمْ أَصْحَابُ الْبِدَعِ". وَهَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَرْدُوَيه، وَهُوَ غَرِيبٌ أَيْضًا [[ورواه الطبراني في المعجم الأوسط برقم (٣٣٢٠) وأبو نعيم في الحلية (٤/١٣٨) من طريق محمد بن مصفى، عن بقية بن الوليد، عن شعبة به، وقال الطبراني: "لم يروه عن شعبة إلا بقية، تفرد به محمد بن مصفى، وهو حديثه".]] وَلَا يَصِحُّ رَفْعُهُ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَنْ فَارَقَ دِينَ اللَّهِ وَكَانَ مُخَالِفًا لَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ بَعَثَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَشَرْعُهُ وَاحِدٌ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَلَا افْتِرَاقَ، فَمَنِ اخْتَلَفَ فِيهِ ﴿وَكَانُوا شِيَعًا﴾ أَيْ: فِرَقًا كَأَهْلِ الْمِلَلِ وَالنِّحَلِ -وَهِيَ الْأَهْوَاءُ وَالضَّلَالَاتُ -فَاللَّهُ [[في م: "فإنه".]] قَدْ بَرَّأ رَسُولَهُ مِمَّا هُمْ فِيهِ. وَهَذِهِ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ [وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ] ﴾ [[زيادة من م، أ.]] الْآيَةَ [الشُّورَى:١٣] ، وَفِي الْحَدِيثِ: "نَحْنُ مُعَاشِرَ الْأَنْبِيَاءِ أَوْلَادُ عَلات، دِينُنَا وَاحِدٌ". فَهَذَا هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ، وَهُوَ مَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ، مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَالتَّمَسُّكِ بِشَرِيعَةِ الرَّسُولِ الْمُتَأَخِّرِ، وَمَا خَالَفَ ذَلِكَ فَضَلَالَاتٌ وَجَهَالَاتٌ وَآرَاءٌ وَأَهْوَاءٌ، الرُّسُلُ بُرآء مِنْهَا، كَمَا قَالَ: ﴿لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾ * * * وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ كَقَوْلِهِ ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ] [[زيادة من أ، وفي هـ: "الآية".]] ﴾ [الْحَجِّ:١٧] ، ثُمَّ بَيَّنَ فَضْلَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي حُكْمِهِ وَعَدْلِهِ فَقَالَ:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب