الباحث القرآني

يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى، أَيْ: يَشُقُّهُ فِي الثَّرَى فَتَنْبُتُ الزُّرُوعُ عَلَى اخْتِلَافِ أَصْنَافِهَا مِنَ الْحُبُوبِ، وَالثِّمَارُ عَلَى اخْتِلَافِ أَشْكَالِهَا وَأَلْوَانِهَا وَطُعُومِهَا مِنَ النَّوَى؛ وَلِهَذَا فَسَّرَ [قَوْلَهُ] [[زيادة من م.]] ﴿فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى﴾ بِقَوْلِهِ ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ﴾ أَيْ: يُخْرِجُ النَّبَاتَ الْحَيَّ مِنَ الْحَبِّ وَالنَّوَى، الَّذِي هُوَ كَالْجَمَادِ الْمَيِّتِ، كَمَا قَالَ: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ الأرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ * [وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ * لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ * سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الأزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الأرْضُ] [[زيادة من أ، وفي هـ: "إلى قوله".]] وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يس: ٣٣ -٣٦] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ﴾ مَعْطُوفٌ عَلَى ﴿فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى﴾ ثُمَّ فَسَّرَهُ ثُمَّ عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ: ﴿وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ﴾ وَقَدْ عَبَّرُوا عَنْ هَذَا [وَهَذَا] [[زيادة من م، أ.]] بِعِبَارَاتٍ كُلُّهَا مُتَقَارِبَةٌ مُؤَدِّيَةٌ لِلْمَعْنَى، فَمِنْ قَائِلٍ: يُخْرِجُ الدَّجَاجَةَ مِنَ الْبَيْضَةِ، وَالْبَيْضَةَ مِنَ الدَّجَاجَةِ، من قَائِلٍ: يُخْرِجُ الْوَلَدَ الصَّالِحَ مِنَ الْكَافِرِ، وَالْكَافِرَ مِنَ الصَّالِحِ، وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْعِبَارَاتِ الَّتِي تَنْتَظِمُهَا الْآيَةُ وَتَشْمَلُهَا. ثُمَّ قَالَ: ﴿ذَلِكُمُ اللَّهُ﴾ أَيْ: فَاعِلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ هُوَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ﴿فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ أَيْ: فَكَيْفَ تُصْرَفُونَ مِنَ الْحَقِّ وَتَعْدِلُونَ عَنْهُ إِلَى الْبَاطِلِ فَتَعْبُدُونَ مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿فَالِقُ الإصْبَاحِ وَجَاعِلُ اللَّيْلِ سَكَنًا﴾ أَيْ: خَالِقُ الضِّيَاءِ وَالظَّلَامِ، كَمَا قَالَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ: ﴿وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾ فَهُوَ سُبْحَانَهُ يَفْلِقُ ظَلَامَ اللَّيْلِ عَنْ غُرَّةِ الصَّبَاحِ، فَيُضِيءُ الْوُجُودَ، وَيَسْتَنِيرُ الْأُفُقُ، وَيَضْمَحِلُّ الظَّلَامُ، وَيَذْهَبُ اللَّيْلُ بِدَآدِئِهِ [[في أ: "بذاته".]] وَظَلَامِ رِوَاقِهِ، وَيَجِيءُ النَّهَارُ بِضِيَائِهِ وَإِشْرَاقِهِ، كَمَا قَالَ [تَعَالَى] [[زيادة من أ.]] ﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا﴾ [الْأَعْرَافِ: ٥٤] ، فَبَيَّنَ تَعَالَى قُدْرَتَهُ عَلَى خَلْقِ الْأَشْيَاءِ الْمُتَضَادَّةِ الْمُخْتَلِفَةِ الدَّالَّةِ عَلَى كَمَالِ عَظَمَتِهِ وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ، فَذَكَرَ أَنَّهُ فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَقَابَلَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَجَاعِلُ اللَّيْلِ سَكَنًا﴾ أَيْ: سَاجِيًا مُظْلِمًا تَسْكُنُ فِيهِ الْأَشْيَاءُ، كَمَا قَالَ: ﴿وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى﴾ [الضُّحَى: ١، ٢] ، وَقَالَ ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى﴾ [اللَّيْلِ: ١، ٢] ، وَقَالَ ﴿وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا﴾ [الشَّمْسِ: ٣، ٤] . وَقَالَ صُهَيْبٌ الرُّومِيُّ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ] [[زيادة من أ.]] لِامْرَأَتِهِ وَقَدْ عَاتَبَتْهُ فِي كَثْرَةِ سَهَرِهِ: إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا إِلَّا لِصُهَيْبٍ، إِنَّ صُهَيْبًا إِذَا ذَكَرَ الْجَنَّةَ طَالَ شَوْقُهُ، وَإِذَا ذَكَرَ النَّارَ طَارَ نَوْمُهُ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا﴾ أَيْ: يَجْرِيَانِ بِحِسَابٍ مُقَنَّنٍ مُقَدَّرٍ، لَا يَتَغَيَّرُ وَلَا يَضْطَرِبُ، بَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا لَهُ مَنَازِلُ يَسْلُكُهَا فِي الصَّيْفِ وَالشِّتَاءِ، فَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ طُولًا وَقِصَرًا، كَمَا قَالَ [تَعَالَى] [[زيادة من أ.]] ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ [لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ] [[زيادة من أ.]] ﴾ الْآيَةَ [يُونُسَ: ٥] ، وَكَمَا قَالَ: ﴿لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [يس: ٤٠] ، وَقَالَ ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ﴾ [الْأَعْرَافِ: ٥٤] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ أَيِ: الْجَمِيعُ جَارٍ بِتَقْدِيرِ الْعَزِيزِ الَّذِي لَا يُمَانَعُ وَلَا يُخَالَفُ الْعَلِيمِ بِكُلِّ شَيْءٍ، فَلَا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، وَكَثِيرًا مَا إِذَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى خَلْقَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، يَخْتِمُ الْكَلَامَ بِالْعِزَّةِ وَالْعِلْمِ، كَمَا ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَكَمَا فِي قَوْلِهِ: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ * وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [يس: ٣٧، ٣٨] . وَلَمَّا ذكر خلق السموات وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ فِي أَوَّلِ سُورَةِ ﴿حم﴾ السَّجْدَةِ، قَالَ: ﴿وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [فُصِّلَتْ: ١٢] . * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: مَنِ اعْتَقَدَ فِي هَذِهِ النُّجُومِ غَيْرَ ثَلَاثٍ فَقَدْ أَخْطَأَ وَكَذَبَ عَلَى اللَّهِ: أَنَّ اللَّهَ جَعَلَهَا زِينَةً لِلسَّمَاءِ [[في أ: "السماء".]] وَرُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ، وَيُهْتَدَى بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ﴾ أَيْ: قَدْ بَيَّنَّاهَا وَوَضَّحْنَاهَا ﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ أَيْ: يَعْقِلُونَ وَيَعْرِفُونَ الْحَقَّ وَيَجْتَنِبُونَ [[في أ: "ويتجنبون".]] الْبَاطِلَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب