قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمِّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ، أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَمْتَحِنُ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ بِهَذِهِ الْآيَةِ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ، قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "قَدْ بَايَعْتُكِ"، كَلَامًا، وَلَا وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطّ فِي الْمُبَايَعَةِ، مَا يُبَايِعُهُنَّ إِلَّا بِقَوْلِهِ: "قَدْ بَايَعْتُكِ عَلَى ذَلِكَ" هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ [[صحيح البخاري برقم (٤٨٩١) ووقع في رواية أبي ذر: "حدثنا إسحاق، حدثنا يعقوب بن إبراهيم".]] .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِر، عَنْ أُمَيْمَةَ بِنْتِ رُقَيقة قَالَتْ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ [[في م: "أتيت النبي".]] ﷺ فِي نِسَاءٍ لِنُبَايِعَهُ، فَأَخَذَ عَلَيْنَا مَا فِي الْقُرْآنِ: ﴿أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا﴾ الْآيَةَ، وَقَالَ: "فِيمَا اسْتَطَعْتُنَّ وَأَطَقْتُنَّ"، قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَرْحَمُ بِنَا مِنْ أَنْفُسِنَا، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا تُصَافِحُنَا؟ قَالَ "إِنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ، إِنَّمَا قَوْلِي لِامْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ [[في م: "واحدة منكن".]] كَقَوْلِي لِمِائَةِ امْرَأَةٍ".
هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ -وَالنَّسَائِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ-وَمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ كُلُّهُمْ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، بِهِ [[المسند (٦/٣٥٧) وسنن الترمذي برقم (١٥٩٧) وسنن النسائي (٧/١٤٩) وسنن ابن ماجة برقم (٢٨٧٤) .]] . وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ.
وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ ابن إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ أُمَيْمَةَ، بِهِ. وَزَادَ: "وَلَمْ يُصَافِحْ مِنَّا امْرَأَةً" [[المسند (٦/٣٥٧) .]] . وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، بِهِ [[تفسير الطبري (٢٨/٥٣) .]] . وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ: حَدَّثَتْنِي أُمَيْمَةُ بِنْتُ رُقَيْقَةَ -وَكَانَتْ أُخْتَ خَدِيجَةَ خَالَةَ فَاطِمَةَ، مِنْ فِيهَا إِلَى فِيَّ، فَذَكَرَهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي سَلِيطُ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ سُلَيم، عَنْ أُمِّهِ سَلْمَى بِنْتِ قَيْسٍ -وَكَانَتْ إِحْدَى خَالَاتِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَدْ صَلَّتْ مَعَهُ الْقِبْلَتَيْنِ، وَكَانَتْ إِحْدَى نِسَاءِ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ-قَالَتْ: جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نُبَايِعُهُ فِي نِسْوَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَلَمَّا شَرَطَ عَلَيْنَا: أَلَّا نُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَا نَسْرِقَ، وَلَا نَزْنِيَ، وَلَا نَقْتُلَ أَوْلَادَنَا، وَلَا نَأْتِيَ ببهتان نفتريه بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه فِي مَعْرُوفٍ -قَالَ: "وَلَا تغشُشْن أَزْوَاجَكُنَّ". قَالَتْ: فَبَايَعْنَاهُ، ثُمَّ انْصَرَفْنَا، فَقُلْتُ لِامْرَأَةٍ مِنْهُنَّ: ارْجِعِي فَسَلِي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: مَا غِشُّ أَزْوَاجِنَا؟ قَالَ: فَسَأَلَتْهُ فَقَالَ: "تَأْخُذُ ماله، فتحابي به غيره" [[المسند (٦/٣٧٩) .]] .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي الْعَبَّاسِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أُمِّهِ عَائِشَةَ بِنْتِ قُدَامة -يَعْنِي: ابْنَ مَظْعُونٍ-قَالَتْ: أَنَا مَعَ أُمِّي رَائِطَةَ بِنْتِ سُفْيَانَ الْخُزَاعِيَّةِ، وَالنَّبِيُّ ﷺ يُبَايِعُ النِّسْوَةَ وَيَقُولُ: "أُبَايِعُكُنَّ عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقْنَ، وَلَا تَزْنِينَ، وَلَا تَقْتُلْنَ أَوْلَادَكُنَّ، وَلَا تَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ تَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُنَّ وَأَرْجُلِكُنَّ، وَلَا تَعْصِينَنِي فِي مَعْرُوفٍ". [قَالَتْ: فَأَطْرَقْنَ. فَقَالَ لَهُنَّ النَّبِيُّ ﷺ] [[زيادة من مسند الإمام أحمد.]] قُلن: نَعَمْ فِيمَا اسْتَطَعْتُنَّ". فَكُنّ يَقُلْنَ وَأَقُولُ مَعَهُنَّ، وَأُمِّي تُلقّني: قُولِي [[زيادة من مسند الإمام أحمد، وفي هـ، م، أ: "تقول لي".]] أَيْ بُنَيَّةُ، نَعَمْ [فِيمَا استطعتُ] [[زيادة من مسند الإمام أحمد.]] . فَكُنْتُ أَقُولُ كَمَا يَقُلْنَ [[المسند (٦/٣٦٥) .]]
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَر، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَقَرَأَ [[في م: "فشرط".]] عَلَيْنَا: ﴿أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا﴾ وَنَهَانَا عَنِ النِّيَاحَةِ، فَقَبَضَتِ امْرَأَةٌ يَدَهَا، قَالَتْ: أَسْعَدَتْنِي فُلَانَةٌ أُرِيدُ أَنْ أَجْزِيَهَا. فَمَا قَالَ لَهَا رَسُولِ اللَّهِ ﷺ شَيْئًا، فَانْطَلَقَتْ وَرَجَعَتْ فَبَايَعَهَا.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ [[صحيح البخاري برقم (٤٨٩٢) وصحيح مسلم برقم (٩٣٦) .]] . وَفِي رِوَايَةٍ: "فَمَا وَفَّى مِنْهُنَّ امْرَأَةٌ غَيْرُهَا، وَغَيْرُ أُمِّ سُلَيْمٍ ابْنَةِ مِلْحَانَ".
وَلِلْبُخَارِيِّ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عِنْدَ الْبَيْعَةِ أَلَّا نَنُوحَ، فَمَا وَفّت مِنَّا امْرَأَةٌ غَيْرُ خَمْسِ نِسْوَةٍ: أُمُّ سُلَيْمٍ، وَأُمُّ الْعَلَاءِ، وَابْنَةُ أَبِي سَبْرَةَ امْرَأَةُ مُعَاذٍ، وَامْرَأَتَانِ -أَوِ: ابْنَةُ أَبِي سَبرة، وَامْرَأَةُ مُعَاذٍ، وَامْرَأَةٌ أُخْرَى [[صحيح البخاري برقم (١٣٠٦) .]] .
وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يتعاهدُ النساءَ بِهَذِهِ الْبَيْعَةِ يَوْمَ الْعِيدِ، كَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ [[في م: "حدثنا".]] مَعْرُوفٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيج: أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ مُسْلِمٍ أَخْبَرَهُ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: شَهِدْتُ الصَّلَاةَ يَوْمَ الْفِطْرِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ، فَكُلُّهُمْ يُصَلِّيهَا قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ يَخْطُبُ بَعدُ، فَنَزَلَ نَبِيُّ اللَّهِ ﷺ، فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ حِينَ [[في م: "إليه حتى".]] يُجَلَّس الرجالَ بِيَدِهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ يَشقّهم حَتَّى أَتَى النِّسَاءَ مَعَ بِلَالٍ فَقَالَ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ﴾ حَتَّى فَرَغَ مِنَ الْآيَةِ كُلِّهَا. ثُمَّ قَالَ حِينَ فَرَغَ: "أَنْتُنَّ عَلَى ذَلِكَ؟ ". فَقَالَتِ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَمْ يُجِبْهُ غَيْرُهَا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ -لَا يَدْرِي الْحَسَنُ [[في م، أ: "لا يدري حسن".]] مَنْ هِيَ-قَالَ: "فَتَصَدَّقْنَ"، قَالَ: وَبَسَطَ بِلَالٌ ثَوْبَهُ فَجَعَلْنَ [[في م: "فجعل".]] يُلْقِينَ الفَتَخَ وَالْخَوَاتِيمَ فِي ثَوْبِ بِلَالٍ [[صحيح البخاري برقم (٤٨٩٥) .]] .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ سُليم، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: جَاءَتْ أُمَيْمَةُ بِنْتُ رُقَيْقَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ تُبَايِعُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَقَالَ: "أُبَايِعُكِ عَلَى أَلَّا تُشْرِكِي بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقِي، وَلَا تَزْنِي، وَلَا تَقْتُلِي وَلَدَكِ، وَلَا تَأْتِي بِبُهْتَانٍ تَفْتَرِينَهُ بَيْنَ يَديك وَرِجْلَيْكِ، وَلَا تَنُوحِي، وَلَا تَبَرَّجِي تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى" [[المسند (٢/١٩٦) .]]
وَقَالَ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي مَجْلِسٍ فَقَالَ: "تُبَايِعُونِي عَلَى أَلَّا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ -قَرَأَ الْآيَةَ الَّتِي أُخِذَتْ عَلَى النِّسَاءِ ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ﴾ فَمَنْ وَفَّى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ بِهِ، فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَهُوَ إِلَى اللَّهِ، إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ". أَخْرَجَاهُ فِي الصحيحين [[المسند (٥/٣١٤) وصحيح البخاري برقم (٤٨٩٤) وصحيح مسلم برقم (١٧٠٩) .]] .
وقال محمد ابن إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مَرْثَدِ [[في م: "يزيد".]] بْنِ عَبْدِ اللَّهِ اليَزني [[في أ: "المزني".]] عَنْ أَبِي عبد الله عبد الرحمن بن عُسَيلة الصُّنَابجي [[في أ: "الصالحي".]] ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: كُنْتُ فِيمَنْ حَضَرَ الْعَقَبَةَ الْأُولَى، وَكُنَّا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا فَبَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلَى بَيْعَةِ النِّسَاءِ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفْرِضَ الْحَرْبَ، عَلَى أَلَّا نُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَا نَسْرِقَ، وَلَا نَزْنِيَ، وَلَا نَقْتُلَ أَوْلَادَنَا، وَلَا نَأْتِيَ بِبُهْتَانٍ نَفْتَرِيهِ بَيْنَ أَيْدِينَا وَأَرْجُلِنَا، وَلَا نَعْصِيهِ فِي مَعْرُوفٍ، وَقَالَ: "فَإِنْ وَفَيتم فَلَكُمُ الْجَنَّةُ" رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ طَرِيقِ الْعَوْفِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَمَرَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقَالَ: " قُلْ لَهُنَّ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ يُبَايِعُكُنَّ عَلَى أَلَّا تُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا" -وَكَانَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ الَّتِي شَقَّتْ بَطْنَ حَمْزَةَ مُنَكرة فِي النِّسَاءِ-فَقَالَتْ: "إِنِّي إِنْ أَتَكَلَّمْ يَعْرِفْنِي، وَإِنْ عَرَفَنِي قَتَلَنِي". وَإِنَّمَا تَنَكَّرْتُ فَرَقًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَسَكَتَ النِّسْوَةُ اللَّاتِي مَعَ هِنْدٍ، وَأَبَيْنَ أَنْ يَتَكَلَّمْنَ. فَقَالَتْ هِنْدٌ وَهِيَ مُنَكَّرة: كَيْفَ تَقْبَلُ مِنَ النِّسَاءِ شَيْئًا لَمْ تَقْبَلْهُ مِنَ الرِّجَالِ؟ فَفَطِنَ [[في أ: "فنظر".]] إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ وَقَالَ لِعُمَرَ: "قُلْ لَهُنَّ: وَلَا تَسْرِقْنَ". قَالَتْ هِنْدٌ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأُصِيبُ مِنْ أَبِي سُفْيَانَ الهَنَات، مَا أَدْرِي أَيُحِلُّهُنَّ لِي أَمْ لَا؟ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَا أَصَبْتِ مِنْ شَيْءٍ مَضَى أَوْ قَدْ بَقِيَ، فَهُوَ لَكِ حَلَالٌ. فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَعَرَفَهَا، فَدَعَاهَا فَأَخَذَتْ بِيَدِهِ، فَعَاذَتْ [[في أ: "فعادتنا".]] بِهِ، فَقَالَ: "أَنْتِ هِنْدٌ؟ ". قَالَتْ: عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ. فَصَرَفَ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: "وَلَا يَزْنِينَ"، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهَلْ تَزْنِي الْحُرَّةُ؟ قَالَ: "لَا وَاللَّهِ مَا تَزْنِي الْحُرَّةُ". فَقَالَ: "ولا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ". قَالَتْ هِنْدٌ: أَنْتَ قَتَلْتَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَأَنْتَ وَهُمْ أَبْصَرُ. قَالَ: ﴿وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ﴾ قَالَ ﴿وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ﴾ قَالَ: مَنَعَهُنَّ أَنْ يَنُحْنَ، وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُمَزِّقْنَ الثِّيَابَ وَيَخْدِشْنَ الْوُجُوهَ، وَيُقَطِّعْنَ الشُّعُورَ، وَيَدْعُونَ بِالثُّبُورِ. وَالثُّبُورُ: الْوَيْلُ [[تفسير الطبري (٢٨/٥٢) .]] .
وَهَذَا أَثَرٌ غَرِيبٌ، وَفِي بَعْضِهِ نَكَارَةٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ؛ فَإِنَّ أَبَا سُفْيَانَ وَامْرَأَتَهُ لَمَّا أَسْلَمَا لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُخِيفُهُمَا، بَلْ أَظْهَرَ الصَّفَاءَ وَالْوُدَّ لَهُ، وَكَذَلِكَ كَانَ الْأَمْرُ مِنْ جَانِبِهِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَهُمَا.
وَقَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ يَوْمَ الْفَتْحِ، فَبَايَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الرِّجَالَ عَلَى الصَّفَا، وَعُمَرُ يُبَايِعُ النِّسَاءَ تَحْتَهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَذَكَرَ بَقِيَّتَهُ كَمَا تَقَدَّمَ وَزَادَ: فَلَمَّا قَالَ: ﴿وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ﴾ قَالَتْ هِنْدٌ: رَبَّيْنَاهُمْ صِغَارًا فَقَتَلْتُمُوهُمْ كِبَارًا. فَضَحِكَ عُمَرُ بْنُ الخطاب حتى استلقى. رواه بن أبي حاتم.
وقال بن أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ علي، حدثتني عطية بنت سليمان، حدثني عَمَّتِي، عَنْ جَدَّتِهَا [[في أ: "حدثني عمي عن جدي".]] عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لِتُبَايِعَهُ، فَنَظَرَ إِلَى يَدِهَا فَقَالَ: "اذْهَبِي فَغَيِّرِي يَدَكِ". فَذَهَبَتْ فَغَيَّرَتْهَا بِحِنَّاءٍ، ثُمَّ جَاءَتْ فَقَالَ: "أُبَايِعُكِ عَلَى أَلَّا تُشْرِكِي بِاللَّهِ شَيْئًا"، فَبَايَعَهَا وَفِي يَدِهَا سُوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَتْ: مَا تَقُولُ فِي هَذَيْنِ السُّوَارَيْنِ؟ فَقَالَ: "جَمْرَتَانِ مِنْ جَمْرِ جَهَنَّمَ" [[ورواه أبو يعلى في المسند (٨/١٩٥) عن نصر بن على به نحو، وقال الهيثمي في المجمع (٦/٣٧) : "فيه من لم أعرفهن".]] .
فَقَوْلُهُ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ﴾ أَيْ: مَنْ جَاءَكَ مِنْهُنَّ يُبَايِعُ عَلَى هَذِهِ الشُّرُوطِ فَبَايِعْهَا، ﴿عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ﴾ أَيْ: أَمْوَالَ النَّاسِ الْأَجَانِبِ، فَأَمَّا إِذَا كَانَ الزَّوْجُ مُقَصِّرًا فِي نَفَقَتِهَا، فَلَهَا أَنْ تَأْكُلَ مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ، مَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ أَمْثَالِهَا، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ، عَمَلًا بِحَدِيثِ هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيح لَا يُعْطِينِي مِنَ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَيَكْفِي بَنِيَّ، فَهَلْ عليَّ جُنَاحٌ إِنْ أَخَذْتُ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "خُذِي مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ مَا يَكْفِيكِ وَيَكْفِي بَنِيكِ". أَخْرَجَاهُ فِي الصحيحين [[صحيح البخاري برقم (٧١٨٠) وصحيح مسلم برقم (١٧١٤) .]] .
وقوله: ﴿وَلا يَزْنِينَ﴾ كقوله ﴿وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا﴾ [الْإِسْرَاءِ: ٣٢] . وَفِي حَدِيثِ سَمُرة ذكرُ عُقُوبَةِ الزُّنَاةِ بِالْعَذَابِ الْأَلِيمِ فِي نَارِ الْجَحِيمِ [[رواه الإمام أحمد في المسند (٥/١٥) .]] .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَر، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوة، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ عُتْبَةَ تُبَايِعُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَأَخَذَ عَلَيْهَا: ﴿أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ﴾ الْآيَةَ، قَالَتْ: فَوَضَعَتْ يَدَهَا عَلَى رَأْسِهَا حَيَاءً، فَأَعْجَبَهُ ما رأى منها، فقالت عائشة: أَقِرِّي أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ، فَوَاللَّهِ مَا بَايَعْنَا إِلَّا عَلَى هَذَا. قَالَتْ: فَنَعَمْ إذًا. فَبَايَعَهَا بِالْآيَةِ [[المسند (٦/١٥١) .]] .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ عَامِرٍ -هُوَ الشَّعْبِيُّ-قَالَ: بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ النِّسَاءَ، وَعَلَى يَدِهِ ثَوْبٌ قَدْ وَضَعَهُ عَلَى كَفِّهِ، ثُمَّ قَالَ: "وَلَا تَقْتُلْنَ أَوْلَادَكُنَّ". فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: تَقْتُلُ آبَاءَهُمْ وَتُوصِينَا بِأَوْلَادِهِمْ؟ قَالَ: وَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ إِذَا جَاءَتِ النِّسَاءُ يُبَايِعْنَهُ، جَمَعَهُنَّ فَعَرَضَ عَلَيْهِنَّ، فَإِذَا أَقْرَرْنَ رَجَعْنَ.
* * *
وَقَوْلُهُ ﴿وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ﴾ وَهَذَا يَشْمَلُ قَتْلَهُ بَعْدَ وُجُودِهِ، كَمَا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَقْتُلُونَ أَوْلَادَهُمْ خَشْيَةَ الْإِمْلَاقِ، وَيَعُمُّ قَتْلَهُ وَهُوَ جَنِينٌ، كَمَا قَدْ يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْجَهَلَةِ مِنَ النِّسَاءِ، تَطْرَحُ نَفْسَهَا لِئَلَّا تَحْبَلَ إِمَّا لِغَرَضٍ فَاسِدٍ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَعْنِي لَا يُلْحِقْنَ بِأَزْوَاجِهِنَّ غَيْرَ أَوْلَادِهِمْ. وَكَذَا قَالَ مُقَاتِلٌ. وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ:
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا بن وَهْبٍ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو -يَعْنِي: ابْنَ الْحَارِثِ-عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ، عَنْ سَعِيدٍ المَقْبُري، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ويقول حِينَ نَزَلَتْ آيَةُ الْمُلَاعَنَةِ: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ أدخَلت عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ، فَلَيْسَتْ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ، وَلَنْ يُدْخِلَهَا اللَّهُ جَنّته، وَأَيُّمَا رَجُلٍ جَحَد وَلَدَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ، احْتَجَبَ اللَّهُ مِنْهُ، وَفَضَحَهُ عَلَى رُءُوسِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ" [[سنن أبي داود برقم (٢٢٦٣) .]] .
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ﴾ يَعْنِي: فِيمَا أَمَرْتَهُنَّ بِهِ مِنْ مَعْرُوفٍ، وَنَهَيْتَهُنَّ عَنْهُ مِنْ مُنْكَرٍ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ الزُّبَيْرَ، عَنْ عِكْرِمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ﴾ قَالَ: إِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ شَرَطه اللَّهُ لِلنِّسَاءِ [[صحيح البخاري برقم (٤٨٩٣) .]] .
وَقَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَان: لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ طَاعَةً إِلَّا لِمَعْرُوفٍ [[في م: "في معروف".]] وَالْمَعْرُوفُ: طَاعَةٌ.
وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: أَمَرَ اللَّهُ بِطَاعَةِ رَسُولِهِ، وَهُوَ خِيَرة اللَّهِ مِنْ خَلْقِهِ فِي الْمَعْرُوفِ. وقد قال غيره ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَسَالِمِ بْنِ أَبِي الجَعْد، وَأَبِي صَالِحٍ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ: نَهَاهُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّوْحِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ أَخَذَ عَلَيْهِنَّ النِّيَاحَةَ، وَلَا تُحَدِّثْنَ الرِّجَالَ إِلَّا رَجُلًا مِنْكُنَّ مُحَرَّمًا. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، إِنَّ لَنَا أَضْيَافًا، وَإِنَّا نَغِيبُ عَنْ نِسَائِنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "ليس أولئك عَنَيتُ، لَيْسَ أُولَئِكَ عَنَيتُ" [[تفسير الطبري (٢٨/٥١) .]] .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَة، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الْفَرَّاءُ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، حَدَّثَنِي مُبَارَكٌ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: كَانَ فِيمَا أَخَذَ النَّبِيُّ ﷺ: "أَلَّا تُحَدِّثْنَ الرِّجَالَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ ذَاتَ مَحْرَمٍ، فَإِنَّ الرَّجُلَ لَا يَزَالُ يُحَدِّثُ الْمَرْأَةَ حَتَّى يَمذي بَيْنَ فَخِذَيْهِ".
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا هَارُونُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَاصِمٍ [[في م: "عن عمرو بن عاصم".]] عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الْأَنْصَارِيَّةِ قَالَتْ: كَانَ فِيمَا اشتُرط عَلَيْنَا [[في م: "علينا رسول الله".]] مِنَ الْمَعْرُوفِ حِينَ بَايَعْنَا [[في م، أ: "حين بايعناه".]] أَلَّا نَنُوحَ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي فُلَانٍ: إِنَّ بَنِي فُلَانٍ أَسْعَدُونِي، فَلَا حَتَّى أَجْزِيَهُمْ [[في أ: "حتى أحدثهم".]] فَانْطَلَقَتْ فأسعَدتَهم ثُمَّ جَاءَتْ فَبَايَعَتْ، قَالَتْ: فَمَا وَفَّى مِنْهُنَّ غَيْرُهَا، وَغَيْرُ أُمِّ سُلَيْمٍ ابْنَةِ مِلْحان أُمِّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ [[تفسير الطبري (٢٨/٥٢) .]] .
وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ نُسَيْبَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا [[صحيح البخاري برقم (٤٨٩٢) .]] وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَيْضًا.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيم، حَدَّثَنَا عُمَر بْنُ فَرُّوخَ القَتَّات، حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ نُوحٍ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ: أَدْرَكْتُ عَجُوزًا لَنَا كَانَتْ فِيمَنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ. قَالَتْ: فَأَتَيْتُهُ لِأُبَايِعَهُ، فَأَخَذَ عَلَيْنَا فِيمَا أَخَذَ أَلَّا تَنُحْنَ. فَقَالَتْ عَجُوزٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ [[في م: "يانبي الله".]] إِنَّ نَاسًا قَدْ كَانُوا [[في م: "كانوا قد".]] أَسْعَدُونِي عَلَى مَصَائِبَ أَصَابَتْنِي، وَأَنَّهُمْ قَدْ أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ، فَأَنَا أُرِيدُ أُسْعِدُهُمْ. قَالَ: "فَانْطَلِقِي فَكَافِئِيهِمْ". فَانْطَلَقَتْ فَكَافَأَتْهُمْ، ثُمَّ إِنَّهَا أَتَتْهُ فَبَايَعَتْهُ، وَقَالَ: هُوَ [[في م: "هذا".]] الْمَعْرُوفُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ﴾ [[تفسير الطبري (٢٨/٥٢) .]] .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الرَّمَادِيُّ، حَدَّثَنَا القَعْنَبِي [[في م: "الضبي".]] ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ صَفْوَانَ، عَنْ أَسِيدِ [[في أ: "عن أسد".]] بْنِ أَبِي أَسِيدٍ الْبَرَّادِ، عَنِ امْرَأَةٍ مِنَ الْمُبَايِعَاتِ قَالَتْ: كَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَنْ لَا نَعْصِيَهُ فِي مَعْرُوفٍ: أَنْ لَا نَخْمِشَ وُجُوهًا [[في م، أ: "وجهًا".]] وَلَا نَنْشُرَ شَعْرًا، وَلَا نَشُقَّ جَيْبًا، وَلَا نَدْعُوَ وَيْلًا.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْب، حَدَّثَنَا وَكِيع، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الصَّهْبَاءِ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوشب، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ﴾ قال: "النوح".
وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي التَّفْسِيرِ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيد، عَنْ أَبِي نُعَيم -وَابْنِ مَاجَهْ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ-كِلَاهُمَا عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الشَّيْبَانِيِّ مَوْلَى [[في أ: "عن أبي".]] الصَّهْبَاءِ، بِهِ [[سنن الترمذي برقم (٣٣٠٧) وسنن ابن ماجة برقم (١٥٧٩) .]] وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ غَرِيبٌ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ [[في م: "حدثنا أحمد".]] بْنُ سِنَانٍ الْقَزَّازُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِدْرِيسَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عُثْمَانَ أَبُو يَعْقُوبَ، حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ جَمَعَ نِسَاءَ الْأَنْصَارِ فِي بَيْتٍ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْنَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَامَ عَلَى الْبَابِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا، فَرَدَدْنَ -أَوْ: فَرَدَدْنَا-عَلَيْهِ السَّلَامَ، ثُمَّ قَالَ: "أَنَا رُسولُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَيْكُنَّ". قَالَتْ: فَقُلْنَا: مَرْحَبًا بِرَسُولِ اللَّهِ وَبِرَسُولِ رَسُولِ اللَّهِ. فَقَالَ: "تُبَايِعْنَ عَلَى أَلَّا تُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقْنَ وَلَا تَزْنِينَ؟ " قَالَتْ: فَقُلْنَا: نَعَمْ. قَالَتْ: فَمَدَّ يَدَهُ مِنْ خَارِجِ الْبَابِ -أَوِ: الْبَيْتِ-وَمَدَدْنَا أَيْدِيَنَا مِنْ دَاخِلِ الْبَيْتِ، ثُمَّ قَالَ: "اللَّهُمَّ اشْهَدْ". قَالَتْ: وَأَمَرَنَا فِي الْعِيدَيْنِ أَنْ نُخْرِجَ فِيهِ الحُيَّض وَالْعَوَاتِقَ، وَلَا جُمُعَةَ عَلَيْنَا، وَنَهَانَا عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ. قَالَ إِسْمَاعِيلُ: فَسَأَلْتُ جَدَّتِي عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ﴾ قَالَتِ: النِّيَاحَةُ [[تفسير الطبري (٢٨/٥٣) .]] .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرة، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَب الْخُدُودَ، وشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ" [[صحيح البخاري برقم (١٢٩٧) وصحيح مسلم برقم (١٠٣) .]] .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ أَبِي مُوسَى: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَرِئَ مِنَ الصَّالِقَةِ وَالْحَالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ [[صحيح البخاري برقم (١٢٩٦) وصحيح مسلم برقم (١٠٤) .]] .
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا هُدْبَة بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ: أَنَّ زَيْدًا حَدَّثَهُ: أَنَّ أَبَا سَلَّامٍ حَدَّثَهُ: أَنَّ أَبَا مَالِكٍ الْأَشْعَرِيَّ حَدَّثَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "أَرْبَعٌ فِي أُمَّتِي مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَتْرُكُونَهُنَّ: الْفَخْرُ فِي الْأَحْسَابِ، وَالطَّعْنُ فِي الْأَنْسَابِ، وَالِاسْتِسْقَاءُ بِالنُّجُومِ، وَالنِّيَاحَةُ. وَقَالَ: النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطران وَدِرْعٍ مِنْ جَرَب".
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مُنْفَرِدًا بِهِ، مِنْ حَدِيثِ أَبَانِ بْنِ يَزِيدَ الْعَطَّارِ، بِهِ [[مسند أبي يعلى (٣/١٤٨) وصحيح مسلم برقم (٩٣٤) .]] .
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم لَعَنَ النَّائِحَةَ وَالْمُسْتَمِعَةَ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ [[سنن أبي داود برقم (٣١٢٨) .]]
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّبِیُّ إِذَا جَاۤءَكَ ٱلۡمُؤۡمِنَـٰتُ یُبَایِعۡنَكَ عَلَىٰۤ أَن لَّا یُشۡرِكۡنَ بِٱللَّهِ شَیۡـࣰٔا وَلَا یَسۡرِقۡنَ وَلَا یَزۡنِینَ وَلَا یَقۡتُلۡنَ أَوۡلَـٰدَهُنَّ وَلَا یَأۡتِینَ بِبُهۡتَـٰنࣲ یَفۡتَرِینَهُۥ بَیۡنَ أَیۡدِیهِنَّ وَأَرۡجُلِهِنَّ وَلَا یَعۡصِینَكَ فِی مَعۡرُوفࣲ فَبَایِعۡهُنَّ وَٱسۡتَغۡفِرۡ لَهُنَّ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ"}