يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ وَكَلِيمِهِ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ: ﴿لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ﴾ أَيْ: لِمَ تُوصِلُونَ الْأَذَى إِلَيَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ صِدْقِي فِيمَا جِئْتُكُمْ بِهِ مِنَ الرِّسَالَةِ؟. وَفِي هَذَا تَسْلِيَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِيمَا أَصَابَ [[في م: "فيما أصابه".]] مِنَ الْكُفَّارِ مِنْ قَوْمِهِ وَغَيْرِهِمْ، وَأَمْرٌ لَهُ بِالصَّبْرِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: "رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى مُوسَى: لَقَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ" [[رواه البخاري في صحيحه برقم (٣٤٠٥) ومسلم في صحيحه برقم (١٠٦٢٢) مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.]] وَفِيهِ نَهْيٌ لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَنَالُوا مِنَ النَّبِيِّ ﷺ أَوْ يُوَصّلوا إِلَيْهِ أَذًى، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا﴾ [الْأَحْزَابِ: ٦٩]
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ أَيْ: فَلَمَّا عَدَلُوا عَنِ اتِّبَاعِ الْحَقِّ مَعَ عِلْمِهِمْ بِهِ، أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ عَنِ الْهُدَى، وَأَسْكَنَهَا الشَّكَّ وَالْحَيْرَةَ وَالْخُذْلَانَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الْأَنْعَامِ: ١١٠] وَقَالَ ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ [النِّسَاءِ: ١١٥] وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾
وقوله: ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾ يَعْنِي: التَّوْرَاةُ قَدْ بَشَّرَت بِي، وَأَنَا مصداقُ مَا أَخْبَرَتْ عَنْهُ، وَأَنَا مُبَشّر بِمَنْ بَعْدِي، وَهُوَ الرَّسُولُ النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ الْعَرَبِيُّ الْمَكِّيُّ أَحْمَدُ. فَعِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهُوَ خَاتَمُ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَقَدْ أَقَامَ [[في م: "وقد قام".]] فِي مَلَإِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَشِّرًا بِمُحَمَّدٍ، وَهُوَ أَحْمَدُ خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، الَّذِي لَا رِسَالَةَ بَعْدَهُ وَلَا نُبُوَّةَ. وَمَا أَحْسَنَ مَا أَوْرَدَ الْبُخَارِيُّ الحديثَ الَّذِي قَالَ فِيهِ:
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدِ بْنِ جُبَير بْنِ مُطعم، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "إِنَّ لِي أَسْمَاءٌ: أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمحُو اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي، وَأَنَا الْعَاقِبُ".
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، بِهِ نَحْوَهُ [[صحيح البخاري برقم (٤٨٩٦) وصحيح مسلم برقم (٢٣٥٤) .]]
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرّة، عَنْ أَبِي عُبَيدة، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: سَمَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ نَفسه أسماءً، منها ما حفظنا فقال: "أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَالْحَاشِرُ، وَالْمُقَفِّي، وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ، وَالتَّوْبَةِ، وَالْمَلْحَمَةِ".
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، به [[مسند الطيالسي برقم (٤٩٢) وصحيح مسلم برقم (٢٣٥٥) .]] وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ﴾ [الْأَعْرَافِ: ١٥٧] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ [آلِ عِمْرَانَ: ٨١]
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا أَخَذَ عَلَيْهِ الْعَهْدَ: لَئِنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ وَهُوَ حَيٌّ لَيَتَّبِعَنَّهُ، وَأَخَذَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى أُمَّتِهِ لَئِنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ وَهُمْ أَحْيَاءٌ لَيَتَّبِعُنَّهُ وَيَنْصُرُنَّهُ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزيد، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ، عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنَا عَنْ نَفْسِكَ. قَالَ: "دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وبُشْرَى عِيسَى، وَرَأَتْ أُمِّي حِينَ حَمَلَتْ بِي [[في م: "حملتني".]] كَأَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ لَهُ قُصُورُ بُصْرَى مِنْ أَرْضِ الشَّامِ" [[رواه الحاكم في المستدرك (٢/٦٠٠) من طريق يوني بن بكير عن ابن إسحاق به، وقال: "خالد بن معدان من خيار التابعين، صحب معاذ بن جبل فمن بعده من الصحابة، فإذا أسند حديث إلى الصحابة فإنه صحيح الإسناد وإن لم يخرجاه". قلت: وقد ورد موصولاً كما سيأتي في رواية أحمد.]] .
وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ. ورُوي لَهُ شَوَاهِدُ مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ، فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سُوَيد الْكَلْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ هِلَالٍ [[في أ: "بلال".]] السُّلَمِيِّ، عَنِ العِرْباض بْنِ سَارِيَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنِّي عِنْدَ اللَّهِ لَخَاتَمُ النَّبِيِّينَ، وَإِنَّ آدَمَ لمنجَدلٌ فِي طِينَتِهِ، وَسَأُنْبِئُكُمْ بِأَوَّلِ ذَلِكَ دَعْوة أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبِشَارَةُ عِيسَى بِي، وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ، وَكَذَلِكَ أُمَّهَاتُ النَّبِيِّينَ يَرَين" [[المسند (٤/١٢٧) وسعيد بن سويد لم يوثقه غير ابن حبان.]] .
وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا الْفَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ، حَدَّثَنَا لُقْمَانُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ قَالَ: قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مَا كَانَ بَدْءِ أَمْرِكَ؟ قَالَ: "دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وبُشْرَى عِيسَى، وَرَأَتْ أُمِّي أَنَّهُ يخرجُ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَتْ لَهُ قصورُ الشَّامِ" [[المسند (٥/٢٦٢) .]]
وَقَالَ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى: سَمِعْتُ خُدَيجًا أَخَا زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى النَّجَاشِيِّ وَنَحْنُ نحوٌ مَنْ ثَمَانِينَ رَجُلًا مِنْهُمْ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَجَعْفَرٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ [عُرْفُطَة] [[زيادة من المسند، ومكانه بياض في هـ، م، أ.]] وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، وَأَبُو مُوسَى. فَأَتَوُا النَّجَاشِيَّ، وبعثَت قُرَيْشٌ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، وَعُمَارَةَ بْنَ الْوَلِيدِ بِهَدِيَّةٍ، فَلَمَّا دَخَلَا عَلَى النَّجَاشِيِّ سَجَدا لَهُ، ثُمَّ ابْتَدَرَاهُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، ثُمَّ قَالَا لَهُ: إِنَّ نَفَرًا مِنْ بَنِي عَمِّنَا نَزَلُوا أَرْضَكَ، وَرَغِبُوا عَنَّا وَعَنْ مِلَّتِنَا. قَالَ: فَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَا هُمْ فِي أَرْضِكَ، فَابْعَثْ إِلَيْهِمْ. فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ. فَقَالَ جَعْفَرٌ: أَنَا خَطِيبُكُمُ الْيَوْمَ. فاتبعوه فسلَّم ولم يسجد، فَقَالُوا لَهُ: مَا لَكَ لَا تَسْجُدُ لِلْمَلِكِ؟ قَالَ: إِنَّا لَا نَسْجُدُ إِلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ إِلَيْنَا رَسُولَهُ، فَأَمَرَنَا أَلَّا نَسْجُدَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ.
قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: فَإِنَّهُمْ يُخَالِفُونَكَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ. قَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأُمِّهِ؟ قَالُوا: نَقُولُ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: هُوَ كَلِمَةُ اللَّهِ وَرُوحُهُ أَلْقَاهَا إِلَى الْعَذْرَاءِ البَتُول، الَّتِي لَمْ يَمَسَّهَا بَشَر وَلَمْ يَفْرضْها [[في أ: "ولم يعترضها".]] وَلَدٌ. قَالَ: فَرَفَعَ عُودًا مِنَ الْأَرْضِ ثُمَّ قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْحَبَشَةِ وَالْقِسِّيسِينَ وَالرُّهْبَانِ، وَاللَّهِ مَا يَزِيدُونَ عَلَى الَّذِي نَقُولُ فِيهِ، مَا يُسَاوِي هَذَا. مَرْحَبًا بِكُمْ وَبِمَنْ جِئْتُمْ مِنْ عِنْدِهِ، أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّهُ الَّذِي نَجِدُ فِي الْإِنْجِيلِ، وَأَنَّهُ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ. انْزِلُوا حَيْثُ شِئْتُمْ، وَاللَّهِ لَوْلَا مَا أَنَا فِيهِ مِنَ الْمُلْكِ لَأَتَيْتُهُ حَتَّى أَكُونَ أَنَا أَحْمِلُ نَعْلَيْهِ وَأُوَضِّئُهُ. وأمَرَ بِهَدِيَّةِ الآخرَين فَرُدَّتْ إِلَيْهِمَا، ثُمَّ تَعَجَّلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ حَتَّى أَدْرَكَ بَدْرًا، وَزَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اسْتَغْفَرَ لَهُ حِينَ بلَغه مَوْتُهُ [[المسند (١/٤٦١) .]]
وَقَدْ رُويت هَذِهِ القصةُ عَنْ جَعْفَرٍ وَأُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَمَوْضِعُ ذَلِكَ كِتَابُ السِّيرَةِ. وَالْمَقْصِدُ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ لَمْ تَزَلْ تَنْعَتُهُ وَتَحْكِيهِ فِي كُتُبِهَا عَلَى أُمَمِهَا، وَتَأْمُرُهُمْ بِاتِّبَاعِهِ وَنَصْرِهِ وَمُوَازَرَتِهِ إِذَا بُعِثَ. وَكَانَ مَا اشْتَهَرَ الْأَمْرُ فِي أَهْلِ الْأَرْضِ عَلَى لِسَانِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ وَالِدِ الْأَنْبِيَاءِ بَعْدَهُ، حِينَ دَعَا لِأَهْلِ مَكَّةَ أَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ، وَكَذَا عَلَى لِسَانِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ؛ وَلِهَذَا قَالُوا: "أَخْبِرْنَا عَنْ بَدْء أَمْرِكَ" يَعْنِي: فِي الْأَرْضِ، قَالَ: "دَعْوَةُ أَبِي إِبْرَاهِيمَ، وَبِشَارَةُ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ" أَيْ: ظَهَرَ فِي أَهْلِ مَكَّةَ أَثَرُ ذَلِكَ وَالْإِرْهَاصُ بِذِكْرِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَابْنُ جَرِيرٍ: ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ﴾ أَحْمَدُ، أَيِ: الْمُبَشَّرُ بِهِ فِي الْأَعْصَارِ الْمُتَقَادِمَةِ، المنَّوه بِذِكْرِهِ فِي الْقُرُونِ السَّالِفَةِ، لَمَّا ظَهَرَ أَمْرُهُ وَجَاءَ بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ الْكَفَرَةُ وَالْمُخَالِفُونَ: ﴿هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾
{"ayahs_start":5,"ayahs":["وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ یَـٰقَوۡمِ لِمَ تُؤۡذُونَنِی وَقَد تَّعۡلَمُونَ أَنِّی رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَیۡكُمۡۖ فَلَمَّا زَاغُوۤا۟ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡۚ وَٱللَّهُ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَـٰسِقِینَ","وَإِذۡ قَالَ عِیسَى ٱبۡنُ مَرۡیَمَ یَـٰبَنِیۤ إِسۡرَ ٰۤءِیلَ إِنِّی رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَیۡكُم مُّصَدِّقࣰا لِّمَا بَیۡنَ یَدَیَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ وَمُبَشِّرَۢا بِرَسُولࣲ یَأۡتِی مِنۢ بَعۡدِی ٱسۡمُهُۥۤ أَحۡمَدُۖ فَلَمَّا جَاۤءَهُم بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ قَالُوا۟ هَـٰذَا سِحۡرࣱ مُّبِینࣱ"],"ayah":"وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ یَـٰقَوۡمِ لِمَ تُؤۡذُونَنِی وَقَد تَّعۡلَمُونَ أَنِّی رَسُولُ ٱللَّهِ إِلَیۡكُمۡۖ فَلَمَّا زَاغُوۤا۟ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡۚ وَٱللَّهُ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَـٰسِقِینَ"}