يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا بِمَا أَخْبَرَ بِهِ فِي سُورَةِ الْحَدِيدِ: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا﴾ [الْحَدِيدِ: ٢٢] وَهَكَذَا قَالَ هاهنا: ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِأَمْرِ اللَّهِ، يَعْنِي: عَنْ قَدَرِهِ [[في أ: "عن قدرته".]] وَمَشِيئَتِهِ.
﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ أَيْ: وَمَنْ أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ فَعَلِمَ أَنَّهَا بِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهِ، فَصَبَرَ وَاحْتَسَبَ وَاسْتَسْلَمَ لِقَضَاءِ اللَّهِ، هَدَى اللَّهُ قَلْبَهُ، وعَوَّضه عَمَّا فَاتَهُ مِنَ الدُّنْيَا هُدى فِي قَلْبِهِ، وَيَقِينًا صَادِقًا، وَقَدْ يُخْلِفُ عَلَيْهِ مَا كَانَ أَخَذَ مِنْهُ، أَوْ خَيْرًا مِنْهُ.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ يَعْنِي: يَهْدِ قَلْبَهُ لِلْيَقِينِ، فَيَعْلَمُ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ.
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي ظِبْيان قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عَلْقَمَةَ فَقُرِئَ عِنْدَهُ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: هُوَ الرَّجُلُ تُصِيبُهُ الْمُصِيبَةُ، فَيَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، فَيَرْضَى وَيُسَلِّمُ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ [[تفسير الطبري (٢٨/٧٩) .]] وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ [[في م: "وابن أبي حاتم في تفسيرهما".]]
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: ﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ يَعْنِي: يَسْتَرْجِعُ، يَقُولُ: ﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ [الْبَقَرَةِ: ١٥٦]
وَفِي الْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ: "عَجَبًا لِلْمُؤْمِنِ، لَا يَقْضِي اللَّهُ لَهُ قَضَاءً إِلَّا كَانَ خَيْرًا لَهُ، إِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاء صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاء شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ" [[الحديث رواه مسلم في صحيحه برقم (٢٩٩٩) من حديث صهيب الرومي، رضي الله عنه.]]
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعة، حَدَّثَنَا الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبَاح؛ أَنَّهُ سَمِعَ جُنَادَةَ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ يَقُولُ: أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "إِيمَانٌ بِاللَّهِ، وَتَصْدِيقٌ بِهِ، وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ". قَالَ: أُرِيدُ أهونَ مِنْ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "لَا تَتَّهِمِ اللَّهَ فِي شَيْءٍ، قَضَى لَكَ بِهِ". لَمْ يُخَرِّجُوهُ [[المسند (٥/٣١٨) .]]
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ أمرٌ بِطَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهُ فِيمَا شَرَعَ، وَفِعْلُ مَا بِهِ أَمَرَ وَتَرْكُ مَا عَنْهُ نَهَى [[في م: "ما ينهي عنه".]] وَزَجَرَ، ثُمَّ قَالَ: ﴿فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ أَيْ: إِنْ نَكَلْتُمْ عَنِ الْعَمَلِ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّل مِنَ الْبَلَاغِ، وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتم مِنَ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: مِنَ اللَّهِ الرِّسَالَةُ، وَعَلَى الرَّسُولِ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا التَّسْلِيمُ [[رواه البخاري في صحيحه معلقًا (١٣/٥٠٣) "فتح".]]
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا أَنَّهُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، فَقَالَ: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ فَالْأَوَّلُ خَبَرٌ عَنِ التَّوْحِيدِ، وَمَعْنَاهُ مَعْنَى الطَّلَبِ، أَيْ: وَحِّدُوا الْإِلَهِيَّةَ لَهُ، وَأَخْلِصُوهَا لَدَيْهِ، وَتَوَكَّلُوا عَلَيْهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا﴾ [المزمل: ٩] .
{"ayahs_start":11,"ayahs":["مَاۤ أَصَابَ مِن مُّصِیبَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَمَن یُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ یَهۡدِ قَلۡبَهُۥۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣱ","وَأَطِیعُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِیعُوا۟ ٱلرَّسُولَۚ فَإِن تَوَلَّیۡتُمۡ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا ٱلۡبَلَـٰغُ ٱلۡمُبِینُ","ٱللَّهُ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡیَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ"],"ayah":"مَاۤ أَصَابَ مِن مُّصِیبَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۗ وَمَن یُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ یَهۡدِ قَلۡبَهُۥۚ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَیۡءٍ عَلِیمࣱ"}