يَذْكُرُ تَعَالَى أَنَّهُ خَاطَبَ مُوسَى [عَلَيْهِ السَّلَامُ] [[زيادة من أ.]] بِأَنَّهُ اصْطَفَاهُ عَلَى عَالَمِي زَمَانِهِ بِرِسَالَاتِهِ وَبِكَلَامِهِ [[في ك، م: "وكلامه".]] تَعَالَى وَلَا شَكَّ أَنَّ مُحَمَّدًا ﷺ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ مِنَ الْأَوَّلِينَ والآخرين؛ ولهذا اختصه الله بأن جَعَلَهُ خَاتَمَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، الَّتِي [[في أ: "الذي".]] تَسْتَمِرُّ شَرِيعَتُهُ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، وَأَتْبَاعُهُ أَكْثَرُ مِنْ أَتْبَاعِ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ كُلِّهِمْ، وَبَعْدَهُ فِي الشَّرَفِ وَالْفَضْلِ إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ مُوسَى [بْنُ عِمْرَانَ] [[زيادة من م، أ.]] كَلِيمُ الرَّحْمَنِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ؛ وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ: ﴿فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ﴾ أَيْ: مِنَ الْكَلَامِ [وَالْوَحْيِ] [[زيادة من م.]] وَالْمُنَاجَاةِ ﴿وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ أَيْ: عَلَى ذَلِكَ، وَلَا تَطْلُبْ مَا لَا طَاقَةَ لَكَ بِهِ.
ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّهُ كَتَبَ لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ، قِيلَ: كَانَتِ الْأَلْوَاحُ مِنْ جَوْهَرٍ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَتَبَ لَهُ فِيهَا مَوَاعِظَ وَأَحْكَامًا مُفَصَّلَةً مُبَيِّنَةً لِلْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَكَانَتْ هَذِهِ الْأَلْوَاحُ مُشْتَمِلَةً عَلَى التَّوْرَاةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ [تَعَالَى] [[زيادة من ك، م، أ.]] فِيهَا: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الأولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ﴾ [الْقَصَصِ:٤٣]
وَقِيلَ: الْأَلْوَاحُ أُعْطِيَهَا مُوسَى قَبْلَ التَّوْرَاةِ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ كَانَتْ [[في، م، ك، أ: "فكانت".]] كَالتَّعْوِيضِ لَهُ عَمَّا سَأَلَ مِنَ الرُّؤْيَةِ وَمُنِعَ مِنْهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ﴾ أَيْ: بِعَزْمٍ عَلَى الطَّاعَةِ ﴿وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا﴾ قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعْدٍ [[في أ: "أبو سعيد".]] عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أُمِرَ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ -أَنْ يَأْخُذَ بِأَشَدِّ مَا أَمَرَ قَوْمَهُ.
* * *
وَقَوْلُهُ: ﴿سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ﴾ أَيْ: سَتَرَوْنَ [[في أ: "أي: ستروا".]] عَاقِبَةَ مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَخَرَجَ عَنْ طَاعَتِي، كَيْفَ يَصِيرُ إِلَى الْهَلَاكِ وَالدَّمَارِ وَالتَّبَابِ؟
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَإِنَّمَا قَالَ: ﴿سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ﴾ كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ لِمَنْ يُخَاطِبُهُ: "سَأُرِيكَ غَدًا إِلَامَ يَصِيرُ إِلَيْهِ حَالُ مَنْ خَالَفَ أَمْرِي"، عَلَى وَجْهِ التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ لِمَنْ عَصَاهُ وَخَالَفَ أَمْرَهُ.
ثُمَّ نَقَلَ مَعْنَى ذَلِكَ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ ﴿سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ﴾ أَيْ: مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَأُعْطِيكُمْ إِيَّاهَا. وَقِيلَ: مَنَازِلُ قَوْمِ فِرْعَوْنَ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَاللَّهُ أَعْلَمُ؛ لِأَنَّ هَذَا كَانَ بَعْدَ انْفِصَالِ مُوسَى وَقَوْمِهِ عَنْ بِلَادِ مِصْرَ، وَهُوَ خِطَابٌ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ قَبْلَ دُخُولِهِمُ التِّيهَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
{"ayahs_start":144,"ayahs":["قَالَ یَـٰمُوسَىٰۤ إِنِّی ٱصۡطَفَیۡتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَـٰلَـٰتِی وَبِكَلَـٰمِی فَخُذۡ مَاۤ ءَاتَیۡتُكَ وَكُن مِّنَ ٱلشَّـٰكِرِینَ","وَكَتَبۡنَا لَهُۥ فِی ٱلۡأَلۡوَاحِ مِن كُلِّ شَیۡءࣲ مَّوۡعِظَةࣰ وَتَفۡصِیلࣰا لِّكُلِّ شَیۡءࣲ فَخُذۡهَا بِقُوَّةࣲ وَأۡمُرۡ قَوۡمَكَ یَأۡخُذُوا۟ بِأَحۡسَنِهَاۚ سَأُو۟رِیكُمۡ دَارَ ٱلۡفَـٰسِقِینَ"],"ayah":"قَالَ یَـٰمُوسَىٰۤ إِنِّی ٱصۡطَفَیۡتُكَ عَلَى ٱلنَّاسِ بِرِسَـٰلَـٰتِی وَبِكَلَـٰمِی فَخُذۡ مَاۤ ءَاتَیۡتُكَ وَكُن مِّنَ ٱلشَّـٰكِرِینَ"}