الباحث القرآني

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنِ الْمُتَّقِينَ مِنْ عِبَادِهِ الَّذِينَ أَطَاعُوهُ فِيمَا أَمَرَ، وَتَرَكُوا مَا عَنْهُ زَجَرَ، أَنَّهُمْ ﴿إِذَا مَسَّهُمْ﴾ أَيْ: أَصَابَهُمْ "طَيْفٌ" وَقَرَأَ آخَرُونَ: "طَائِفٌ"، وَقَدْ جَاءَ فِيهِ حَدِيثٌ، وَهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ، فَقِيلَ: بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَقِيلَ: بَيْنَهُمَا فَرْقٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَسَّرَ ذَلِكَ بِالْغَضَبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَسَّرَهُ بِمَسِّ الشَّيْطَانِ بِالصَّرَعِ وَنَحْوِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَسَّرَهُ بِالْهَمِّ بِالذَّنْبِ، وَمِنْهُمْ مَنْ فَسَّرَهُ بِإِصَابَةِ الذَّنْبِ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿تَذَكَّرُوا﴾ أَيْ: عِقَابَ اللَّهِ وَجَزِيلَ ثَوَابِهِ، وَوَعْدَهُ وَوَعِيدَهُ، فَتَابُوا وَأَنَابُوا، وَاسْتَعَاذُوا بِاللَّهِ وَرَجَعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَرِيبٍ. ﴿فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾ أَيْ: قَدِ اسْتَقَامُوا وَصَحَوْا مِمَّا كَانُوا فِيهِ. وَقَدْ أَوْرَدَ [[في ك: "روى".]] الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدَوَيْهِ هَاهُنَا حَدِيثَ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ [[في أ: "رسول الله".]] ﷺ وَبِهَا طَيْفٌ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَشْفِيَنِي. فَقَالَ: "إِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ فَشَفَاكِ، وَإِنْ شِئْتِ فَاصْبِرِي وَلَا حِسَابَ عَلَيْكِ". فَقَالَتْ: بَلْ أَصْبِرُ، وَلَا حِسَابَ عَلَيَّ. وَرَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ السُّنَنِ، وَعِنْدَهُمْ: قَالَتْ [[في م، أ: "فقالت".]] يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُصْرَعُ وَأَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَشْفِيَنِي. فَقَالَ [[في أ: "فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ".]] إِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يَشْفِيَكَ، وَإِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ؟ " فَقَالَتْ: بَلْ أَصْبِرُ، وَلِيَ الْجَنَّةُ، وَلَكِنِ [[في أ: ولكن يا رسول الله".]] ادْعُ اللَّهَ أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ، فَدَعَا لَهَا، فَكَانَتْ لَا تَتَكَشَّفُ. وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ [[المستدرك (٤/٢١٨) .]] وَقَدْ ذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ "عَمْرِو بْنِ جَامِعٍ" مِنْ تَارِيخِهِ: أَنَّ شَابًّا كَانَ يَتَعَبَّدُ فِي الْمَسْجِدِ، فَهَوِيَتْهُ امْرَأَةٌ، فَدَعَتْهُ إِلَى نَفْسِهَا، وَمَا [[في د: "فما".]] زَالَتْ بِهِ حَتَّى كَادَ يَدْخُلُ مَعَهَا الْمَنْزِلَ، فَذَكَرَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾ فَخَرَّ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ فَأَعَادَهَا، فَمَاتَ. فَجَاءَ عُمَرُ فَعزَّى فِيهِ أَبَاهُ [[في أ: "أهله".]] وَكَانَ قَدْ دُفِنَ لَيْلًا فَذَهَبَ فَصَلَّى عَلَى قَبْرِهِ بِمَنْ مَعَهُ، ثُمَّ نَادَاهُ عُمَرُ فَقَالَ: يَا فَتَى [[في د، ك، أ: "يا فلان".]] ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾ [الرَّحْمَنِ:٤٦] وَأَجَابَهُ الْفَتَى مِنْ دَاخِلِ الْقَبْرِ: يَا عُمَرُ، قَدْ أَعْطَانِيهِمَا رَبِّي، عَزَّ وَجَلَّ، فِي الْجَنَّةِ مَرَّتَيْنِ [[تاريخ دمشق لابن عساكر (١٣/ ٤١١، ٤١٢) "القسم المخطوط". ومختصر تاريخ دمشق لابن منظور (١٩/١٩٠، ١٩١) .]] * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِخْوَانِهِمْ﴾ أ: ي وَإِخْوَانُ الشَّيَاطِينِ مِنَ الْإِنْسِ، كَقَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ﴾ [الْإِسْرَاءِ:٢٧] وَهُمْ أَتْبَاعُهُمْ وَالْمُسْتَمِعُونَ [[في ك، م، أ: "المستمعين".]] لَهُمُ الْقَابِلُونَ [[في أ: "القائلون".]] لِأَوَامِرِهِمْ ﴿يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ﴾ أَيْ: تُسَاعِدُهُمُ الشَّيَاطِينُ عَلَى [فِعْلِ] [[زيادة من أ.]] الْمَعَاصِي، وَتُسَهِّلُهَا عَلَيْهِمْ وتحسنها لهم. وَقَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: الْمَدُّ: الزِّيَادَةُ. يَعْنِي: يَزِيدُونَهُمْ فِي الْغَيِّ، يَعْنِي: الْجَهْلَ وَالسَّفَهَ. ﴿ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ﴾ قِيلَ: مَعْنَاهُ إِنَّ الشَّيَاطِينَ تَمُدُّ، وَالْإِنْسَ لَا تُقْصِرُ فِي أَعْمَالِهِمْ بِذَلِكَ. كَمَا قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابن عباس فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ﴾ قَالَ: لَا الْإِنْسُ يُقْصِرُونَ عَمَّا يَعْمَلُونَ مِنَ السَّيِّئَاتِ، وَلَا الشَّيَاطِينُ تُمْسِكُ عَنْهُمْ. قِيلَ: مَعْنَاهُ كَمَا رَوَاهُ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ﴾ قَالَ: هُمُ الْجِنُّ، يُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ مِنَ الْإِنْسِ ﴿ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ﴾ يَقُولُ: لَا يَسْأَمُونَ. وَكَذَا قَالَ السُّدِّي وَغَيْرُهُ: يَعْنِي إِنَّ الشَّيَاطِينَ يَمُدُّونَ أَوْلِيَاءَهُمْ مِنَ الْإِنْسِ وَلَا تَسْأَمُ مِنْ إِمْدَادِهِمْ فِي الشَّرِّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ طَبِيعَةٌ لَهُمْ وسَجِيَّة، لَا تَفْتُرُ فِيهِ وَلَا تَبْطُلُ عَنْهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا﴾ [مَرْيَمَ:٨٣] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: تُزْعِجُهُمْ إِلَى الْمَعَاصِي إِزْعَاجًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب