الباحث القرآني

يَمْتَنُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ بِمَا جَعَلَ لَهُمْ مِنَ اللباس والريش فاللباس [[في ك: "واللباس".]] المذكور هاهنا لستر العورات -وهي السوآت [[في ك: "الشهوات".]] وَالرِّيَاشُ وَالرِّيشُ: هُوَ مَا يُتَجَمَّلُ بِهِ ظَاهِرًا، فَالْأَوَّلُ مِنَ الضَّرُورِيَّاتِ، وَالرِّيشُ مِنَ التَّكَمُّلَاتِ وَالزِّيَادَاتِ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: "الرِّيَاشُ" فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: الْأَثَاثُ، وَمَا ظَهَرَ مِنَ الثِّيَابِ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -وَحَكَاهُ الْبُخَارِيُّ -عَنْهُ: الرِّيَاشُ: الْمَالُ. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وعُرْوَة بْنُ الزُّبَيْرِ، والسُّدِّي وَالضَّحَّاكُ [[في ك، م، أ: "والضحاك: الرياش: المال".]] وَقَالَ العَوْفي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "الرِّيَاشُ" اللِّبَاسُ، وَالْعَيْشُ، وَالنَّعِيمُ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: "الرِّيَاشُ": الْجَمَالُ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا أصْبَغُ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ الشَّامِيِّ قَالَ: لَبِسَ أَبُو أُمَامَةَ ثَوْبًا جَدِيدًا، فَلَمَّا بَلَغَ تَرْقُوَتَه قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي مَا أُوَارِي بِهِ عَوْرَتِي، وَأَتَجَمَّلُ بِهِ فِي حَيَاتِي. ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "مَنِ اسْتَجَدَّ ثَوْبًا فَلَبِسَهُ [[في م: "يلبسه".]] فَقَالَ حِينَ يَبْلُغُ تَرْقُوَتَهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي مَا أُوَارِي بِهِ عَوْرَتِي، وَأَتَجَمَّلُ بِهِ فِي حَيَاتِي [[في أ: "في الناس".]] ثُمَّ عَمَدَ إِلَى الثَّوْبِ الَّذِي خَلُقَ أَوْ: أَلْقَى فَتَصَدَّقَ بِهِ، كَانَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ، وَفِي جِوَارِ اللَّهِ، وَفِي كَنَفِ اللَّهِ حَيًّا وَمَيِّتًا، [حَيًّا وَمَيِّتًا، حَيًّا وَمَيِّتًا] " [[زيادة من أ.]] . وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ أَصْبَغَ -هُوَ ابْنُ زَيْدٍ الْجُهَنِيُّ [[المسند (١/٤٤) وسنن الترمذي برقم (٣٥٦٠) وسنن ابن ماجة برقم (٣٥٥٧) .]] -وَقَدْ وَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِين وَغَيْرُهُ، وَشَيْخُهُ "أَبُو الْعَلَاءِ الشَّامِيُّ" لَا يُعْرَفُ إِلَّا بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَلَكِنْ لَمْ يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا مُخْتَارُ بْنُ نَافِعٍ التَّمَّارُ، عَنْ أَبِي مَطَرٍ؛ أَنَّهُ رَأَى عَلِيًّا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَتَى غُلَامًا حَدَثًا، فَاشْتَرَى مِنْهُ قَمِيصًا بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، وَلَبِسَهُ إِلَى مَا بَيْنَ الرُّسْغَيْنِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، يَقُولُ وَلَبِسَهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَزَقَنِي مِنَ الرِّيَاشِ مَا أَتَجَمَّلُ بِهِ فِي النَّاسِ، وَأُوَارِي بِهِ عَوْرَتِي. فَقِيلَ: هَذَا شَيْءٌ تَرْوِيهِ عَنْ نَفْسِكَ أَوْ عَنْ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ؟ قَالَ: هَذَا شَيْءٌ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ عِنْدَ الْكِسْوَةِ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي رَزَقَنِي [[في أ: "كساني".]] مِنَ الرِّيَاشِ [[في م: "من اللباس".]] مَا أَتَجَمَّلُ بِهِ فِي النَّاسِ، وَأُوَارِي بِهِ عَوْرَتِي " [[المسند (١/١٥٧) قال الهيثمي في المجمع (٥/١١٩) : "فيه مختار بن نافع وهو ضعيف".]] * * * وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ﴾ قَرَأَ بَعْضُهُمْ: "ولباسَ التَّقْوَى"، بِالنَّصْبِ. وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالرَّفْعِ عَلَى الِابْتِدَاءِ، ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ﴾ خَبَرُهُ. وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَاهُ، فَقَالَ عِكْرِمَةُ: يُقَالُ: هُوَ مَا يَلْبَسُهُ الْمُتَّقُونَ يَوْمَ القيامة. رواه ابن أبي حاتم. وَقَالَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ، والسُّدِّي، وَقَتَادَةُ، وَابْنُ جُريْج: ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَى﴾ الْإِيمَانُ. وَقَالَ العَوْفي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَى﴾ ] [[زيادة من ك، أ.]] الْعَمَلُ الصَّالِحُ. وَقَالَ زِيَادُ [[في أ: "الديال".]] بْنُ عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ السَّمْتُ الْحَسَنُ فِي الْوَجْهِ. وَعَنْ عُرْوَة بْنِ الزُّبَيْرِ: ﴿لِبَاسُ التَّقْوَى﴾ خَشْيَةُ اللَّهِ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: ﴿لِبَاسُ التَّقْوَى﴾ يَتَّقِي اللَّهَ، فَيُوَارِي عَوْرَتَهُ، فَذَاكَ لِبَاسُ التَّقْوَى. وَكُلُّ هَذِهِ مُتَقَارِبَةٌ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ حَيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: رَأَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَيْهِ قَمِيصٌ قُوهي مَحْلُولُ الزِّرِّ، وَسَمِعْتُهُ يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْكِلَابِ، وَيَنْهَى عَنِ اللَّعِبِ بِالْحَمَامِ. ثُمَّ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ السَّرَائِرِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا عَمِلَ أَحَدٌ قَطُّ سِرًّا إِلَّا أَلْبَسُهُ اللَّهُ رِدَاءً عَلَانِيَةً، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ". ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: "وَرِيَاشًا" وَلَمْ يَقْرَأْ: وَرِيشًا - ﴿وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ﴾ قَالَ: "السَّمْتُ الْحَسَنُ". هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ أَرْقَمَ [[تفسير الطبري (١٢/٣٦٧)]] وَفِيهِ ضَعْفٌ. وَقَدْ رَوَى الْأَئِمَّةُ: الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَالْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ "الْأَدَبِ" مِنْ طُرُقٍ صَحِيحَةٍ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْكِلَابِ وَذَبْحِ الْحَمَامِ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ. وَأَمَّا الْمَرْفُوعُ مِنْهُ [[في م: "عنه".]] فَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ لَهُ شَاهِدًا [[في ك، م: شاهدا آخر".]] مِنْ وجه آخر، حيث قال: حدثنا.... [[[مَحْمُودُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ آدَمَ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ، عَنْ سَلَمَةَ ابن كُهَيْلٍ، عَنْ جُنْدَبِ بْنِ سُفْيَانَ الْبَجَلِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "ما أسر عبد سَرِيرَةً إِلَّا أَلْبَسُهُ اللَّهُ رِدَاءَهَا إِنْ خَيْرًا فخير، وإن شرا فشر"] . المعجم الكبير (٢/١٧١) وقال الهيثمي في المجمع (١٠/٢٢٥) : "فيه حامد بن آدم وهو كذاب" والعرزمي تركه الأئمة. تنبيه: في جميع النسخ لم يذكر هذا الحديث الذي سقته ها هنا، وموضعه بياض عدة أسطر، وقد تعرفت على أن هذا الحديث هو مقصود الحافظ ابن كثير، أني رأيته ساق أثر عثمان السابق ثم ساق بعده هذا الحديث بإسناد الطبراني، كما سيأتي في سورة الفتح آية: ٢٩، فرأيت إثباته في الحاشية.]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب