الباحث القرآني

لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى مُخَاطَبَةَ أَهْلِ الْجَنَّةِ مَعَ أَهْلِ النَّارِ، نَبَّه أَنَّ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ حِجَابًا، وَهُوَ الْحَاجِزُ الْمَانِعُ مِنْ وُصُولِ أَهْلِ النَّارِ إِلَى الْجَنَّةِ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَهُوَ السُّورُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ﴾ [الْحَدِيدِ:١٣] وَهُوَ الْأَعْرَافُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَعَلَى الأعْرَافِ رِجَالٌ﴾ ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنِ السُّدِّيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ [تَعَالَى] [[زيادة من ك.]] ﴿وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ﴾ وَهُوَ "السُّورُ"، وهو "الأعراف". وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْأَعْرَافُ: حِجَابٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، سُورٌ لَهُ بَابٌ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَالْأَعْرَافُ جَمْعُ "عُرْف"، وَكُلُّ مُرْتَفَعٍ مِنَ الْأَرْضِ عِنْدَ الْعَرَبِ يُسَمَّى "عُرْفًا"، وَإِنَّمَا قِيلَ لِعُرْفِ الدِّيكِ عُرْفًا لِارْتِفَاعِهِ. وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيع، حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عُبَيد اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: الْأَعْرَافُ هُوَ الشَّيْءُ الْمُشْرِفُ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْأَعْرَافُ: سُورٌ كعُرْف الدِّيكِ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْأَعْرَافُ، تَلٌّ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، حُبِسَ عَلَيْهِ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الذُّنُوبِ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ. وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: هُوَ سُورٌ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ. وَكَذَلِكَ قَالَ الضَّحَّاكُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ التَّفْسِيرِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: إِنَّمَا سُمِّيَ "الْأَعْرَافُ" أَعْرَافًا؛ لِأَنَّ أَصْحَابَهُ يَعْرِفُونَ النَّاسَ. وَاخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْمُفَسِّرِينَ فِي أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ مَنْ هُمْ، وَكُلُّهَا قَرِيبَةٌ تَرْجِعُ إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنَّهُمْ قَوْمٌ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ. نَصَّ عَلَيْهِ حُذَيْفَةُ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ، رَحِمَهُمُ اللَّهُ. وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ مَرْدُوَيه: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، حَدَّثَنَا النُّعْمَانُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ، حَدَّثَنَا شَيْخٌ لَنَا يُقَالُ لَهُ: أَبُو عَبَّادٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَمَّنِ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ، فَقَالَ: "أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ، لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ". وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ [[ورواه أبو الشيخ وابن عساكر في تاريخه كما في الدر المنثور (٣/٤٦٣) .]] وَرَوَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي الْحُسَامِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ رَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةَ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ، فَقَالَ: "إِنَّهُمْ قَوْمٌ خَرَجُوا عُصَاةً بِغَيْرِ إِذَنْ آبَائِهِمْ، فَقُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ" [[ورواه أبو الشيخ كما في الدر المنثور (٣/٤٦٥) ، وسعيد بن سلمة ضعفه النسائي وخرج له مسلم في صحيحه.]] وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ: حَدَّثَنَا أَبُو مَعْشَر، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ شِبْل، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُزَنِيِّ [[وقع في النسخ "يحيى بن عبد الرحمن المزني" وفي تفسير الطبري "محمد بن عبد الرحمن المزني" وفي مسند الحارث ومساوئ الأخلاق "عمر بن عبد الرحمن المزني" ولم أجد من ترجم له إلا أن ابن أبي حاتم قال في الجرح والتعديل في ترجمة يحيى بن شبل أنه روى عن "عمر بن عبد الرحمن المزني".]] عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ "أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ" فَقَالَ: "هُمْ نَاسٌ [[في أ: "قوم".]] قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِمَعْصِيَةِ آبَائِهِمْ، فَمَنَعَهُمْ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ مَعْصِيَةُ آبَائِهِمْ وَمَنَعَهُمُ النَّارَ [[في أ: "من دخول النار".]] قَتْلُهُمْ في سبيل الله". هَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ مَرْدُوَيه، وَابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ بِهِ [[تفسير الطبري (١٢/٤٥٨) ، ورواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده برقم (٧١١) "بغية الباحث". والخرائطي في مساوئ الأخلاق برقم (٢٥٢) كلاهما من طريق أبي معشر به. وأبو معشر هو نجيح بن عبد الرحمن قال البخاري: منكر الحديث.]] وَكَذَلِكَ [[في ك، م: "وكذا".]] رَوَاهُ ابنُ مَاجَهْ مَرْفُوعًا، مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ [[لم أجدهما في سنن ابن ماجة، وإنما رواهما ابن مردوية في تفسيره كما في الدر المنثور (٣/٤٦٥) ، وحديث أبي سعيد رواه أيضا الطبراني في المعجم الأوسط برقم (٣٣٢٢) "مجمع البحرين" من طريق عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أبيه، عن عطاء، عن أبي سعيد الخدري به. وقال الهيثمي في المجمع (٧/٢٣) : "فيه محمد بن مخلد الرعيني وهو ضعيف". قلت: وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ ضَعِيفُ أيضا.]] [رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا] [[زيادة من أ.]] وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِصِحَّةِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ الْمَرْفُوعَةِ وَقُصَارَاهَا أَنْ تَكُونَ مَوْقُوفَةً وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى مَا ذُكِرَ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا هُشَيْم، أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ؛ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ، قَالَ: فَقَالَ: هُمْ قَوْمٌ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ، فَقَعَدَتْ بِهِمْ سَيِّئَاتُهُمْ عَنِ الْجَنَّةِ، وخلَّفت بِهِمْ حَسَنَاتُهُمْ عَنِ النَّارِ. قَالَ: فَوَقَفُوا هُنَاكَ [[في ك، م: "هنالك".]] عَلَى السُّوَرِ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيهِمْ. [[تفسير الطبري (١٢/٤٥٣) .]] وَقَدْ رَوَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ أَبْسَطَ [[في م: "بأبسط".]] مِنْ هَذَا فَقَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيد، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: قَالَ الشَّعْبِيُّ: أَرْسَلَ إِلَيَّ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -وَعِنْدَهُ أَبُو الزِّنَادِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ذَكْوان مَوْلَى قُرَيْشٍ -وَإِذَا هُمَا قَدْ ذَكَرَا مِنْ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ ذِكْرًا لَيْسَ كَمَا ذَكَرَا، فَقُلْتُ لَهُمَا: إِنْ شِئْتُمَا أَنْبَأْتُكُمَا بِمَا ذَكَرَ حُذَيْفَةُ، فَقَالَا هَاتِ. فَقُلْتُ: إِنَّ حُذَيْفَةَ ذَكَرَ أَصْحَابَ الْأَعْرَافِ فَقَالَ: هُمْ قَوْمٌ تَجَاوَزَتْ بِهِمْ حَسَنَاتُهُمُ النَّارَ، وَقَعَدَتْ بِهِمْ سَيِّئَاتُهُمْ عَنِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا صُرفت أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا: ﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ فَبَيْنَا [[في أ: "فبينما".]] هُمْ كَذَلِكَ، اطَّلَعَ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ فَقَالَ لَهُمُ: اذْهَبُوا فَادْخُلُوا الْجَنَّةَ فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ. [[تفسير الطبري (١٢/٤٥٢) .]] وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَهُوَ يُحَدِّثُ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ يُحَاسَبُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَتْ حَسَنَاتُهُ أَكْثَرَ مِنْ سَيِّئَاتِهِ بِوَاحِدَةٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ كَانَتْ سَيِّئَاتُهُ أَكْثَرَ مِنْ حَسَنَاتِهِ بِوَاحِدَةٍ دَخَلَ النَّارَ. ثُمَّ قَرَأَ قَوْلَ اللَّهِ: ﴿فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ [فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ [[زيادة من ك، م، أ. وفي هـ: "الآيتين".]] ] ﴾ [الْمُؤْمِنُونَ:١٠٢، ١٠٣] ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الْمِيزَانَ يَخِفُّ بِمِثْقَالِ حَبَّةٍ وَيَرْجَحُ، قَالَ: وَمَنِ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ كان من أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ، فَوَقَفُوا عَلَى الصِّرَاطِ، ثُمَّ عَرَفُوا أَهْلَ الْجَنَّةِ وَأَهْلَ النَّارِ، فَإِذَا نَظَرُوا إِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ نَادَوْا: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، وَإِذَا صَرَفُوا أَبْصَارَهُمْ إِلَى يَسَارِهِمْ نَظَرُوا أَصْحَابَ النَّارِ قَالُوا: ﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ فَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ مَنَازِلِهِمْ. قَالَ: فَأَمَّا أَصْحَابُ الْحَسَنَاتِ، فَإِنَّهُمْ يُعْطَوْنَ نُورًا فَيَمْشُونَ بِهِ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ، وَيُعْطَى كُلُّ عَبْدٍ يَوْمَئِذٍ نُورًا، وَكُلُّ أُمَّةٍ نُورًا، فَإِذَا أَتَوْا عَلَى الصِّرَاطِ سَلَبَ اللَّهُ نُورَ كُلِّ مُنَافِقٍ وَمُنَافِقَةٍ. فَلَمَّا رَأَى أَهْلُ الْجَنَّةِ مَا لَقِيَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا: ﴿رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا﴾ [التَّحْرِيمِ:٨] . وَأَمَّا أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ، فَإِنَّ النُّورَ كَانَ فِي أَيْدِيهِمْ فَلَمْ يُنْزَعْ، فَهُنَالِكَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾ فَكَانَ الطَّمَعُ دُخُولًا. قَالَ: وَقَالَ [[في د: "فقال".]] ابْنُ مَسْعُودٍ: عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا عَمِلَ حَسَنَةً كُتِبَ لَهُ بِهَا عَشْرٌ، وَإِذَا عَمِلَ سَيِّئَةً لَمْ تُكْتَبْ إِلَّا وَاحِدَةً. ثُمَّ يَقُولُ: هَلَكَ مَنْ غَلَبَتْ وَاحِدَتُهُ أَعْشَارَهُ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ [[تفسير الطبري (١٢/٤٥٤) .]] وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنِي ابْنُ وَكِيع وَابْنُ حُمَيْدٍ قَالَا حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "الْأَعْرَافُ": السُّورُ الَّذِي بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَأَصْحَابُ الْأَعْرَافِ بِذَلِكَ الْمَكَانِ، حَتَّى إِذَا بَدَأَ اللَّهُ أَنْ يُعَافِيَهُمْ، انْطُلِق بِهِمْ إِلَى نَهْرٍ يُقَالُ لَهُ: "الْحَيَاةُ"، حَافَّتَاهُ قَصَبُ الذَّهَبِ، مُكَلَّلٌ بِاللُّؤْلُؤِ، تُرَابُهُ الْمِسْكُ، فَأُلْقُوا [[في م: "فألقي".]] فِيهِ حَتَّى تَصْلُحَ أَلْوَانُهُمْ، وَتَبْدُوَ فِي نُحُورِهِمْ بَيْضَاءَ يُعْرَفُونَ بِهَا، حَتَّى إِذَا صَلَحَتْ أَلْوَانُهُمْ أَتَى بِهِمُ الرَّحْمَنُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَقَالَ: تَمَنَّوْا مَا شِئْتُمْ فَيَتَمَنَّوْنَ، حَتَّى إِذَا انْقَطَعَتْ أُمْنِيَّتُهُمْ قَالَ لَهُمْ: لَكُمُ الَّذِي تَمَنَّيْتُمْ وَمِثْلُهُ سَبْعُونَ ضِعْفًا. فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَفِي نُحُورِهِمْ شَامَةٌ بَيْضَاءُ يُعْرَفُونَ بِهَا، يُسَمَّوْنَ مَسَاكِينَ أَهْلِ الْجَنَّةِ. وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ جَرِيرٍ، بِهِ. وَقَدْ رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، مِنْ قَوْلِهِ [[تفسيرالطبري (١٢/٤٥٥) .]] وَهَذَا أَصَحُّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ وَغَيْرِ وَاحِدٍ. وَقَالَ سُنَيْد بْنُ دَاوُدَ: حَدَّثَنِي جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَة عَنْ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ قَالَ [[في م: "فقال".]] هُمْ آخِرُ مَنْ يُفْصَلُ بَيْنَهُمْ مِنَ الْعِبَادِ، فَإِذَا فَرَغَ رَبُّ الْعَالَمِينَ مِنْ فَصْلِهِ [[في ك، م: "فصل".]] بَيْنَ الْعِبَادِ قَالَ: أَنْتُمْ قَوْمٌ أَخْرَجَتْكُمْ حَسَنَاتُكُمْ مِنَ النَّارِ، وَلَمْ تَدْخُلُوا [[في م: "يدخلوا".]] الْجَنَّةَ، فَأَنْتُمْ عُتَقَائِي، فَارْعَوْا مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ شِئْتُمْ". وَهَذَا مرسل حسن [[ورواه الطبري (١٢/٤٦١) عن القاسم، عن سنيد بإسناده به.]] وَرَوَى الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ "الْوَلِيدِ بْنِ مُوسَى"، عَنْ مُنَبِّهِ بْنِ عُثْمَانَ [[فِي النسخ "شيبة بن عثمان" والتصويب من تاريخ دمشق والبعث للبيهقي.]] عَنْ عُرْوَة بْنِ رُوَيْم، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ؛ أَنَّ مُؤْمِنِي الْجِنِّ لَهُمْ ثَوَابٌ وَعَلَيْهِمْ عِقَابٌ، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ثَوَابِهِمْ [[في النسخ: "عن ثوابهم وعن مؤمنيهم" والمثبت من الدر المنثور ٣/٨٨. مستفاد من هامش ط الشعب.]] فَقَالَ: "عَلَى الْأَعْرَافِ، وَلَيْسُوا فِي الْجَنَّةِ مَعَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ. فَسَأَلْنَاهُ: وَمَا الْأَعْرَافُ؟ فَقَالَ: "حَائِطُ الْجَنَّةِ تَجْرِي فِيهَا الْأَنْهَارُ، وَتَنْبُتُ فِيهِ الْأَشْجَارُ وَالثِّمَارُ". رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ، عَنِ ابْنِ بِشْرَانَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمِصْرِيِّ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُوسَى، بِهِ [[تاريخ دمشق (١٧/٩١٠) "القسم المخطوط" والبعث للبيهقي برقم (١١٧) ورجاله ثقات.]] وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ خُصَيف، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ قَوْمٌ صَالِحُونَ فُقَهَاءُ عُلَمَاءُ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّة، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي مِجْلز فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلا بِسِيمَاهُمْ﴾ قَالَ: هُمْ رِجَالٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، يَعْرِفُونَ أَهْلَ الْجَنَّةِ وَأَهْلَ النَّارِ، قَالَ: ﴿وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ * وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَادَى أَصْحَابُ الأعْرَافِ رِجَالا﴾ فِي النَّارِ ﴿يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ * أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ﴾ قَالَ: فَهَذَا حِينَ دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ: ﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ﴾ . وَهَذَا صَحِيحٌ إِلَى أَبِي مِجْلَزٍ لَاحِقِ بْنِ حُمَيْدٍ أَحَدِ التَّابِعِينَ، وَهُوَ غَرِيبٌ مِنْ قَوْلِهِ وَخِلَافُ الظَّاهِرِ مِنَ السِّيَاقِ: وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ مُقَدَّمٌ عَلَى قَوْلِهِ، بِدَلَالَةِ الْآيَةِ عَلَى مَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ. وَكَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ: إِنَّهُمْ قَوْمٌ صَالِحُونَ عُلَمَاءُ فُقَهَاءُ [[في ك، م، أ: "فقهاء علماء".]] فِيهِ غَرَابَةٌ أَيْضًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ حَكَى الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ فِيهِمُ اثْنَيْ عَشْرَ قَوْلًا مِنْهَا: أَنَّهُمْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ صُلَحَاءُ تَفَرَّعُوا مِنْ فَرْعِ الْآخِرَةِ، دَخَلُوا [[في م: "وجعلوا"، وفي أ: "وخلق".]] يَطَّلِعُونَ عَلَى أَخْبَارِ النَّاسِ. وَقِيلَ: هُمْ أَنْبِيَاءُ. وَقِيلَ: مَلَائِكَةٌ. * * * وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَعْرِفُونَ كُلا بِسِيمَاهُمْ﴾ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عباس قال: يَعْرِفُونَ أَهْلَ الْجَنَّةِ بِبَيَاضِ الْوُجُوهِ، وَأَهْلَ النَّارِ بِسَوَادِ الْوُجُوهِ. وَكَذَا رَوَى الضَّحَّاكُ، عَنْهُ. وَقَالَ العَوْفي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [[في ك، م: "عن ابن عباس قال".]] أَنْزَلَهُمُ اللَّهُ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ، لِيَعْرِفُوا مَنْ فِي الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَلِيَعْرِفُوا أَهْلَ النَّارِ بِسَوَادِ الْوُجُوهِ، وَيَتَعَوَّذُوا بِاللَّهِ أَنْ يَجْعَلَهُمْ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. وَهُمْ فِي ذَلِكَ يُحَيُّونَ أَهْلَ الْجَنَّةِ بِالسَّلَامِ، لَمْ يَدْخُلُوهَا، وَهُمْ يَطْمَعُونَ أَنْ يَدْخُلُوهَا، وَهُمْ دَاخِلُوهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَالضَّحَّاكُ، وَالسُّدِّيُّ، وَالْحَسَنُ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ. وَقَالَ مَعْمَر، عَنِ الْحَسَنِ: إِنَّهُ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ﴾ قَالَ: وَاللَّهِ مَا جَعَلَ ذَلِكَ الطَّمَعَ فِي قُلُوبِهِمْ، إِلَّا لِكَرَامَةٍ يُرِيدُهَا بِهِمْ. وَقَالَ قَتَادَةُ [قَدْ] [[زيادة من م، أ.]] أَنْبَأَكُمُ اللَّهُ بِمَكَانِهِمْ مِنَ الطَّمَعِ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ قَالَ الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ أَصْحَابَ الْأَعْرَافِ إِذَا نَظَرُوا إِلَى أَهْلِ النَّارِ وَعَرَفُوهُمْ [[في ك، م، أ: "عرفوهم".]] قَالُوا: ﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ وَقَالَ السُّدِّي: وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ -يَعْنِي بِأَصْحَابِ الْأَعْرَافِ -بِزُمْرَةٍ يُذهب بِهَا إِلَى النَّارِ قَالُوا: ﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ وَقَالَ عِكْرِمَةُ: تُحَدَّدُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ، فَإِذَا رَأَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ ذَهَبَ ذَلِكَ عَنْهُمْ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ﴾ فَرَأَوْا وُجُوهَهُمْ مُسْوَدَّةً، وَأَعْيُنَهُمْ مُزْرَقَّةً، ﴿قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب