الباحث القرآني

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ تَمَرُّدِهِمْ وَطُغْيَانِهِمْ وَعِنَادِهِمْ وَإِنْكَارِهِمْ عَلَى هُودٍ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ [وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ] ﴾ [[زيادة من ك، م، وفي هـ: الآية".]] كَمَا قَالَ الْكُفَّارُ مِنْ قُرَيْشٍ: ﴿وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الْأَنْفَالِ:٣٢] وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ: أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ أَصْنَامًا، فَصَنَمٌ يُقَالُ لَهُ: صُدَاء، وَآخَرُ يُقَالُ لَهُ: صمُود، وَآخَرُ يُقَالُ لَهُ: الْهَبَاءُ [[انظر: تفسير الطبري (١٢/٥٠٧) .]] وَلِهَذَا قَالَ هُودٌ، عَلَيْهِ السَّلَامُ: ﴿قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ﴾ أَيْ: قَدْ وَجَبَ عَلَيْكُمْ بِمَقَالَتِكُمْ هَذِهِ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ [وَغَضَبٌ] [[زيادة من م.]] قِيلَ: هُوَ مَقْلُوبٌ مِنْ رِجْزٍ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَعْنَاهُ السخَط وَالْغَضَبُ. ﴿أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ﴾ أَيْ: أَتُحَاجُّونِي [[في م، د: "أتجادلونني".]] فِي هَذِهِ الْأَصْنَامِ الَّتِي سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ آلِهَةً، وَهِيَ لَا تَضُرُّ وَلَا تَنْفَعُ، وَلَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَى عِبَادَتِهَا حُجَّةً وَلَا دَلِيلًا؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿مَا نزلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ﴾ وَهَذَا تَهْدِيدٌ وَوَعِيدٌ مِنَ الرَّسُولِ لِقَوْمِهِ؛ وَلِهَذَا عَقَّبَ بُقُولِهِ: ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ﴾ وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ، سُبْحَانَهُ، صِفَةَ إِهْلَاكِهِمْ فِي أَمَاكِنَ أُخَرَ مِنَ الْقُرْآنِ، بِأَنَّهُ أَرْسَلَ عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ، مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: ﴿وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ﴾ [الْحَاقَّةُ:٦-٨] لَمَّا تَمَرَّدُوا وَعَتَوْا أَهْلَكَهُمُ اللَّهُ بِرِيحٍ عَاتِيَةٍ، فَكَانَتْ تَحْمِلُ الرَّجُلَ مِنْهُمْ فَتَرْفَعُهُ فِي الْهَوَاءِ ثُمَّ تُنَكِّسُهُ عَلَى أُمِّ رَأْسِهِ فتثلغُ رَأْسَهُ حَتَّى تُبينه من بين جُثَّتِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ﴾ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: كَانُوا يَسْكُنُونَ بِالْيَمَنِ مِنْ [[في م، ك: "بين".]] عَمَّانَ وَحَضْرَمَوْتَ، وَكَانُوا مَعَ ذَلِكَ قَدْ فَشَوْا فِي الْأَرْضِ وَقَهَرُوا أَهْلَهَا، بِفَضْلِ قُوَّتِهِمُ الَّتِي آتَاهُمُ اللَّهُ، وَكَانُوا أَصْحَابَ أَوْثَانٍ يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ، فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمْ هُودًا، عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهُوَ مِنْ أَوْسَطِهِمْ نَسَبًا، وَأَفْضَلِهِمْ مَوْضِعًا، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ وَلَا يَجْعَلُوا مَعَهُ إِلَهًا غَيْرَهُ، وَأَنْ يَكُفُّوا عَنْ ظُلْمِ النَّاسِ، فَأَبَوْا عَلَيْهِ وَكَذَّبُوهُ، وَقَالُوا: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً؟ وَاتَّبَعَهُ مِنْهُمْ نَاسٌ، وَهُمْ يَسِيرٌ مُكْتَتِمُونَ بِإِيمَانِهِمْ، فَلَمَّا عَتَتْ عَادٌ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبُوا نَبِيَّهُ، وَأَكْثَرُوا فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ وَتَجَبَّرُوا، وَبَنَوْا بِكُلِّ رَيْعٍ آيَةً عَبَثًا بِغَيْرِ نَفْعٍ، كَلَّمَهُمْ هُودٌ فَقَالَ: ﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ﴾ [الشُّعَرَاءِ:١٢٨-١٣١] ﴿قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ. إِنْ نَقُولُ إِلا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ﴾ أَيْ: بِجُنُونٍ ﴿قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [هُودٍ:٥٣-٥٦] قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا أَبَوْا إِلَّا الْكُفْرَ بِهِ، أَمْسَكَ اللَّهُ عَنْهُمُ الْقَطْرَ [[في م: "القطر عنهم".]] ثَلَاثَ سِنِينَ، فِيمَا يَزْعُمُونَ، حَتَّى جَهَدَهُمْ ذَلِكَ، قَالَ: وَكَانَ النَّاسُ إِذَا جَهَدَهُمْ أَمْرٌ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، فَطَلَبُوا مِنَ اللَّهِ الْفَرَجَ فِيهِ، إِنَّمَا يَطْلُبُونَهُ بحُرْمة وَمَكَانِ بَيْتِهِ، وَكَانَ مَعْرُوفًا عِنْدَ المِلَل [[في ك، م: " عند أهل ذلك الزمان"]] وَبِهِ الْعَمَالِيقُ مُقِيمُونَ، وَهُمْ مِنْ سُلَالَةِ عِمْلِيقَ بْنِ لاوَذَ بْنِ سَامَ بْنِ نُوحٍ، وَكَانَ سَيِّدُهُمْ إِذْ ذَاكَ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ: "مُعَاوِيَةُ بْنُ بَكْرٍ"، وَكَانَتْ لَهُ أُمٌّ [[في م: "وكانت أمه".]] مِنْ قَوْمِ عَادٍ، وَاسْمُهَا كَلْهَدَةُ [[في ك، م: "جلهدة".]] ابْنَةُ الْخَيْبَرِيِّ، قَالَ: فَبَعَثَتْ عَادٌ وَفْدًا قَرِيبًا مِنْ سَبْعِينَ رَجُلًا إِلَى الْحَرَمِ، لِيَسْتَسْقُوا لَهُمْ عِنْدَ الْحَرَمِ، فَمَرُّوا بِمُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ بِظَاهِرِ مَكَّةَ فَنَزَلُوا عَلَيْهِ، فَأَقَامُوا عِنْدَهُ شَهْرًا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَتُغَنِّيهُمُ الْجَرَادَتَانِ -قَيْنَتَانِ لِمُعَاوِيَةَ -وَكَانُوا قَدْ وَصَلُوا إِلَيْهِ فِي شَهْرٍ، فَلَمَّا طَالَ مُقَامُهُمْ عِنْدَهُ وَأَخَذَتْهُ شَفَقَةٌ عَلَى قَوْمِهِ، وَاسْتَحْيَا مِنْهُمْ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِالِانْصِرَافِ، عَمِلَ شِعْرًا يَعْرِضُ لَهُمْ بِالِانْصِرَافِ، وَأَمَرَ الْقَيْنَتَيْنِ أَنْ تُغَنِّيَاهُمْ بِهِ، فَقَالَ: أَلَا يَا قَيْلُ وَيْحَكَ قُْم فَهَيْنم ... لَعَلَّ اللَّهَ يُصْبحُنَا غَمَاما ... فَيَسْقي أرضَ عادٍ إِنَّ عَادًا ... قَد امْسَوا لَا يُبِينُونَ الكَلاما ... مِنَ الْعَطَشِ الشَّدِيدِ فَلَيْسَ نَرجُو ... بِهِ الشيخَ الكبيرَ وَلَا الغُلاما ... وَقَْد كانَت نساؤهُم بخيرٍ ... فَقَدْ أَمْسَتْ [[في أ: "فأصبحت".]] نِسَاؤهم عَيَامى وَإِنَّ الوحشَ تأتيهمْ جِهارا ... وَلَا تَخْشَى لعاديَ سِهَاما ... وَأَنْتُمْ هاهُنَا فِيمَا اشتَهَيْتُمْ ... نهارَكُمُ وَلَيْلَكُمُ التَّمَامَا ... فقُبّحَ وَفُْدكم مِنْ وَفْدِ قَوْمٍ ... ولا لُقُّوا التحيَّةَ والسَّلاما ... قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ تَنَبَّهَ الْقَوْمُ لِمَا جَاءُوا لَهُ، فَنَهَضُوا إِلَى الْحَرَمِ، وَدَعَوْا لِقَوْمِهِمْ فَدَعَا دَاعِيهِمْ، وَهُوَ: "قَيْلُ بْنُ عَنْزٍ" فَأَنْشَأَ اللَّهُ سَحَابَاتٍ ثَلَاثًا: بَيْضَاءَ، وَسَوْدَاءَ، وَحَمْرَاءَ، ثُمَّ نَادَاهُ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: "اخْتَرْ لِنَفْسِكَ -أَوْ: -لِقَوْمِكَ مِنْ هَذَا السَّحَابِ"، فَقَالَ: "اخْتَرْتُ هَذِهِ السَّحَابَةَ السَّوْدَاءَ، فَإِنَّهَا أَكْثَرُ السَّحَابِ مَاءً" فَنَادَاهُ مُنَادٍ: اخْتَرْتَ رَمادا رِمْدَدًا، لَا تُبْقِي مِنْ عَادٍ أَحَدًا، لَا وَالِدًا تَتْرُكُ وَلَا وَلَدًا، إِلَّا جَعَلَتْهُ هَمدا، إِلَّا بَنِي اللَّوْذِيَّةِ الْمُهَنَّدَا [[في م: "المهدي".]] قَالَ: وَبَنُو اللَّوْذِيَّةِ: بَطْنٌ مِنْ عَادٍ مُقِيمُونَ [[في ك، م، أ: "مقيمين".]] بِمَكَّةَ، فَلَمْ يُصِبْهُمْ مَا أَصَابَ قَوْمَهُمْ -قَالَ: وَهُمْ مَنْ بَقِيَ مِنْ أَنْسَالِهِمْ [[في أ: "أنسابهم".]] وَذَرَارِيهِمْ [[في ك، م: "ذرياتهم".]] عَادٌ الْآخِرَةُ -قَالَ: وَسَاقَ اللَّهُ السَّحَابَةَ السَّوْدَاءَ، فِيمَا يَذْكُرُونَ، الَّتِي اخْتَارَهَا "قَيْلُ بْنُ عَنْزٍ" بِمَا فِيهَا مِنَ النِّقْمَةِ إِلَى عَادٍ، حَتَّى تَخْرُجَ عَلَيْهِمْ مِنْ وَادٍ يُقَالُ لَهُ: "الْمُغِيثُ"، فَلَمَّا رَأَوْهَا اسْتَبْشَرُوا، وَقَالُوا: ﴿هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا﴾ يَقُولُ: ﴿بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا﴾ [الْأَحْقَافِ:٢٤، ٢٥] أَيْ: تُهْلِكُ كُلَّ شَيْءٍ مَرّت [[في ك، م: "أمرت".]] بِهِ، فَكَانَ أَوَّلُ مَنْ أَبْصَرَ مَا فِيهَا وَعَرَفَ أَنَّهَا رِيحٌ، فِيمَا يَذْكُرُونَ، امْرَأَةً مِنْ عَادٍ يُقَالُ لَهَا: مَهْدد [[في ك، م، أ: "مهد".]] فَلَمَّا تَبَيَّنَتْ مَا فِيهَا صَاحَتْ، ثُمَّ صُعِقت. فَلَمَّا أَفَاقَتْ قَالُوا: مَا رَأَيْتِ يَا مَهْدد [[في ك، م، أ: "مهد".]] ؟ قَالَتْ [[في ك، م: "فقالت".]] رِيحًا فِيهَا شُهُب النَّارِ، أَمَامَهَا رِجَالٌ يَقُودُونَهَا. فَسَخَّرَهَا اللَّهُ عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا، كَمَا قَالَ اللَّهُ. وَ "الْحُسُومُ": الدَّائِمَةُ -فَلَمْ تَدَعْ مِنْ عَادَ أَحَدًا إِلَّا هَلَكَ وَاعْتَزَلَ هُود، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِيمَا ذُكِرَ لِي، وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي حَظِيرَةٍ، مَا يُصِيبُهُ وَمَنْ مَعَهُ إِلَّا مَا تَلِينُ عَلَيْهِ الْجُلُودُ، وتلْتذ الْأَنْفُسُ، وَإِنَّهَا لَتَمُرُّ عَلَى عَادٍ بِالطَّعْنِ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، وَتَدْمَغُهُمْ بِالْحِجَارَةِ. وَذَكَرَ تَمَامَ الْقِصَّةِ بِطُولِهَا، وَهُوَ سِيَاقٌ غَرِيبٌ [[تفسير الطبري (١٢/٥٠٧) .]] فِيهِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾ [هُودٍ:٥٨] وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ قَرِيبٌ مِمَّا أَوْرَدَهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، حَدَّثَنِي أَبُو الْمُنْذِرِ سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمَانَ النَّحْوِيُّ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُود، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ الْحَارِثِ الْبَكْرِيِّ قَالَ: خَرَجْتُ أَشْكُو الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَمَرَرْتُ بِالرَّبَذَةِ فَإِذَا عَجُوزٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ مُنْقَطِعٌ بِهَا، فَقَالَتْ لِي: يَا عَبْدَ اللَّهِ، إِنَّ لِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ حَاجَةً، فَهَلْ أَنْتَ مُبَلِّغِي إِلَيْهِ؟ قَالَ: فَحَمَلْتُهَا فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ، فَإِذَا الْمَسْجِدُ غَاصٌّ بِأَهْلِهِ، وَإِذَا رَايَةٌ سَوْدَاءُ تَخْفِقُ، وَإِذَا بِلَالٌ مُتَقَلِّدٌ بِسَيْفٍ [[في أ: "السيف".]] بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقُلْتُ: مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ فَقَالُوا: يُرِيدُ أَنْ يَبْعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَجْهًا. قَالَ: فَجَلَسْتُ، فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ -أَوْ قَالَ: رَحْلَهُ فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ، فَأَذِنَ لِي، فَدَخَلْتُ فَسَلَّمْتُ، قَالَ: هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ تَمِيمٍ [[في أ: "وبين بني تميم".]] شَيْءٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، وَكَانَتْ لَنَا الدّبَرة عَلَيْهِمْ، وَمَرَرْتُ بِعَجُوزٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ مُنْقَطِعٍ بِهَا، فَسَأَلَتْنِي أَنْ أَحْمِلَهَا إِلَيْكَ، وَهَا هِيَ بِالْبَابِ. فَأَذِنَ لَهَا، فَدَخَلَتْ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ رَأَيْتَ [[في أ: "أرأيت".]] أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ تَمِيمٍ حَاجِزًا، فَاجْعَلِ الدَّهْنَاءَ. فَحَمِيَتِ الْعَجُوزُ وَاسْتَوْفَزَتْ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَإِلَى أَيْنَ يُضْطَرُّ مُضطَرُك [[في أ: "مطهرك".]] ؟ قَالَ: قُلْتُ: إِنَّ مَثَلِي مَثَلُ مَا قَالَ الْأَوَّلُ: "معْزَى حَمَلت حَتْفَهَا"، حَمَلْتُ هَذِهِ وَلَا أَشْعُرُ أَنَّهَا كَانَتْ لِي خَصْمًا، أُعُوذُ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ [[في ك، م: "ورسوله".]] أَنْ أَكُونَ كَوَافِدِ عَادٍ! قَالَ: هِيهْ، وَمَا وَافِدُ عَادٍ؟ -وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ مِنْهُ، وَلَكِنْ يَسْتَطْعِمُهُ -قُلْتُ: إِنْ عَادًا قُحطوا فَبَعَثُوا وَافِدًا لَهُمْ يُقَالُ لَهُ: "قَيْلُ"، فَمَرَّ بِمُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ، فَأَقَامَ عِنْدَهُ شَهْرًا يَسْقِيهِ الْخَمْرَ وَتُغَنِّيهِ جَارِيَتَانِ، يُقَالُ لَهُمَا: "الْجَرَادَتَانِ"، فَلَمَّا مَضَى [[في د: "قضى".]] الشَّهْرُ خَرَجَ إِلَى جِبَالِ مَهْرة، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَجِئْ إِلَى مَرِيضٍ فَأُدَاوِيهِ، وَلَا إِلَى أَسِيرٍ فَأُفَادِيهِ. اللَّهُمَّ اسْقِ عَادًا مَا كُنْتَ تَسْقِيهِ، فَمَرَّتْ بِهِ سَحَّابَاتٌ سُودُ، فَنُودِيَ: مِنْهَا "اخْتَرْ". فَأَوْمَأَ إِلَى سَحَابَةٍ مِنْهَا سَوْدَاءَ، فَنُودِيَ مِنْهَا: "خُذْهَا رَمَادًا رِمْدِدا، لَا تُبْقِي مِنْ عَادٍ أَحَدًا". قَالَ: فَمَا بَلَغَنِي أَنَّهُ بُعث عَلَيْهِمْ مِنَ الرِّيحِ إِلَّا قَدْرُ [[في ك، م: "كقدر".]] مَا يَجْرِي فِي خَاتَمِي هَذَا، حَتَّى، هَلَكُوا -قَالَ أَبُو وَائِلٍ: وَصَدَقَ -قَالَ: وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ إِذَا بَعَثُوا وَافِدًا لَهُمْ قَالُوا: "لَا تَكُنْ كَوَافِدِ عَادٍ". هَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي الْمُسْنَدِ، وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، عَنْ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنِ زَيْدِ بْنِ الْحُبَابِ، بِهِ [[المسند (٣/٤٨٢) ، وسنن الترمذي برقم (٣٢٧٤) .]] نَحْوَهُ: وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَلَّامِ بْنِ أَبِي الْمُنْذِرِ. عَنْ عَاصِمٍ -وَهُوَ ابْنُ بَهْدَلة -وَمِنْ طَرِيقِهِ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ حَسَّانَ الْبَكْرِيِّ، بِهِ. وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي كُرَيْب عَنْ زَيْدِ بْنِ حُبَاب، بِهِ. وَوَقَعَ عِنْدَهُ: "عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ الْبَكْرِيِّ" فَذَكَرَهُ، وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ الْبَكْرِيِّ، فَذَكَرَهُ [[سنن النسائي الكبرى كما في تحفة الأشراف وسنن ابن ماجة برقم (٣٨١٦) وتفسير الطبري (١٢/٥١٣، ٥١٦) .]] وَلَمْ أَرَ فِي النُّسْخَةِ "أَبَا وَائِلٍ"، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب