الباحث القرآني

يَقُولُ مُخْبِرًا عَنِ الْجِنِّ: أَنَّهُمْ قَالُوا مُخْبِرِينَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ: ﴿وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ﴾ أَيْ: غَيْرُ ذَلِكَ، ﴿كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا﴾ أَيْ: طَرَائِقَ مُتَعَدِّدَةً مُخْتَلِفَةً وَآرَاءَ مُتَفَرِّقَةً. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: ﴿كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا﴾ أَيْ: مِنَّا الْمُؤْمِنُ وَمِنَّا الْكَافِرُ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ سُلَيْمَانَ النَّجَادُ فِي أَمَالِيهِ، حَدَّثَنَا أَسْلَمُ بْنُ سَهْلٍ بَحْشَلُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ سُلَيْمَانَ -هُوَ أَبُو الشَّعْثَاءِ الْحَضْرَمِيُّ، شَيْخُ مُسْلِمٍ-حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ [[في أ: "أبو عوانة".]] قَالَ: سمعتُ الْأَعْمَشَ يَقُولُ: تَرَوَّحَ إِلَيْنَا جِنِّيٌّ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَحَبُّ الطَّعَامِ إِلَيْكُمْ؟ فَقَالَ الْأُرْزَ. قَالَ: فَأَتَيْنَاهُمْ بِهِ، فَجَعَلْتُ أَرَى اللُّقَمَ تُرْفَعُ وَلَا أَرَى أَحَدًا. فَقُلْتُ: فِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ الَّتِي فِينَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: فَمَا الرَّافِضَةُ فِيكُمْ [[في أ: "منكم".]] ؟ قَالَ [[في م: "قالوا".]] شَرُّنَا. عَرَضْتُ هَذَا الْإِسْنَادَ عَلَى شَيْخِنَا الْحَافِظِ أَبِي الْحَجَّاجِ المِزِّي فَقَالَ: هَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ إِلَى الْأَعْمَشِ. وَذَكَرَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَرْجَمَةِ الْعَبَّاسِ بْنِ أَحْمَدَ الدِّمَشْقِيِّ قَالَ [[في م: "أنه قال".]] سمعتُ بَعْضَ الجَنّ وَأَنَا فِي مَنَزَلٍ لِي بِاللَّيْلِ يُنْشِدُ: قُلوبٌ بَرَاها الْحُبُّ حَتى تعلَّقت ... مَذَاهبُها فِي كُلّ غَرب وشَارقِ ... تَهيم بِحُبِّ اللَّهِ، واللهُ رَبُّها ... مُعَلَّقةٌ بِاللَّهِ دُونَ الخَلائقِ [[تاريخ دمشق (٨/٨٨٧ "المخطوط") .]] * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعجِزَ اللَّهَ فِي الأرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَبًا﴾ أَيْ: نَعْلَمُ أَنَّ قُدْرَةَ اللَّهِ حَاكِمَةٌ عَلَيْنَا وَأَنَّا لَا نُعْجِزُهُ فِي الْأَرْضِ، وَلَوْ أَمْعَنَّا فِي الْهَرَبِ، فَإِنَّهُ عَلَيْنَا قَادِرٌ [[في م: "فإنه قادر علينا.]] لَا يُعْجِزُهُ أَحَدٌ مِنَّا. ﴿وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ﴾ يَفْتَخِرُونَ بِذَلِكَ، وَهُوَ مَفْخَرٌ [[في أ: "وهو مفتخر".]] لَهُمْ، وَشَرَفٌ رَفِيعٌ وَصِفَةٌ حَسَنَةٌ. * * * وَقَوْلُهُمْ: ﴿فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَتَادَةُ، وَغَيْرُهُمَا: فَلَا يَخَافُ أَنْ يُنقص مِنْ حَسَنَاتِهِ أَوْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ غَيْرَ سَيِّئَاتِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا﴾ [طَهَ: ١١٢] ﴿وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ﴾ أَيْ: مِنَّا الْمُسْلِمُ وَمِنَّا الْقَاسِطُ، وَهُوَ: الْجَائِرُ عَنِ الْحَقِّ النَّاكِبُ عَنْهُ، بِخِلَافِ الْمُقْسِطِ فَإِنَّهُ الْعَادِلُ، ﴿فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا﴾ أَيْ: طَلَبُوا لِأَنْفُسِهِمُ النَّجَاةَ، ﴿وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا﴾ أَيْ: وَقُودًا تُسَعَّرُ بِهِمْ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي مَعْنَى هَذَا عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامَ الْقَاسِطُونَ عَلَى طَرِيقَةِ الْإِسْلَامِ وَعَدَلُوا إِلَيْهَا وَاسْتَمَرُّوا عَلَيْهَا، ﴿لأسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾ أَيْ: كَثِيرًا. وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ سَعَة الرِّزْقِ. كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ وَمَا أُنزلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لأكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾ [الْمَائِدَةِ: ٦٦] وكقوله: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ﴾ [الْأَعْرَافِ: ٩٦] وَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ أَيْ: لِنَخْتَبِرَهُمْ، كَمَا قَالَ مَالِكٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: ﴿لِنَفْتِنَهُمْ﴾ لِنَبْتَلِيَهُمْ، مَنْ يَسْتَمِرُّ عَلَى الْهِدَايَةِ مِمَّنْ يَرْتَدُّ إِلَى الْغَوَايَةِ؟. ذِكْرُ مَنْ قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ: قَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾ يَعْنِي بِالِاسْتِقَامَةِ: الطَّاعَةَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾ قَالَ: الْإِسْلَامُ. وَكَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعَطَاءٌ، وَالسُّدِّيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ. وَقَالَ قَتَادَةُ: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾ يَقُولُ: لَوْ آمَنُوا كُلُّهُمْ لَأَوْسَعْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ الدُّنْيَا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾ أَيْ: طَرِيقَةِ الْحَقِّ. وَكَذَا قَالَ الضَّحَّاكُ، وَاسْتَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ بِالْآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا، وَكُلُّ هَؤُلَاءِ أَوْ أَكْثَرُهُمْ قَالُوا فِي قَوْلِهِ: ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ أَيْ لِنَبْتَلِيَهُمْ بِهِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: فَنَزَلَتْ فِي كُفَّارِ قُرَيْشٍ حِينَ مُنعوا الْمَطَرَ سَبْعَ سِنِينَ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾ الضَّلَالَةِ ﴿لأسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾ أَيْ: لَأَوْسَعْنَا عَلَيْهِمُ الرِّزْقَ اسْتِدْرَاجًا، كَمَا قَالَ: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾ [الْأَنْعَامِ: ٤٤] وَكَقَوْلِهِ: ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ﴾ [الْمُؤْمِنُونَ: ٥٥، ٥٦] وَهَذَا قَوْلُ أَبِي مِجلز لَاحِقِ بْنِ حُمَيد؛ فَإِنَّهُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾ أَيْ: طَرِيقَةِ الضَّلَالَةِ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَحَكَاهُ الْبَغَوِيُّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، وَزَيْدِ بْنِ أسلم، والكلبي، وابن كيسان. وله اتجاه، وتيأيد بِقَوْلِهِ: ﴿لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ﴾ * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا﴾ أَيْ: عَذَابًا شَاقًّا شَدِيدًا مُوجِعًا مُؤْلِمًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَقَتَادَةُ، وَابْنُ زَيْدٍ: ﴿عَذَابًا صَعَدًا﴾ أَيْ: مَشَقَّةً لَا رَاحَةَ مَعَهَا. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: جَبَلٌ فِي جَهَنَّمَ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: بِئْرٌ فِيهَا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب