الباحث القرآني

[بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَبِهِ أَسْتَعِينُ وَهُوَ حَسْبِي وَنِعْمَ الْوَكِيلُ] [[زيادة من ك.]] تَفْسِيرُ سُورَةِ التَّوْبَةِ [[في ك: "براءة".]] مَدَنِيَّةٌ [[زيادة من ك.]] * * * هَذِهِ السُّورَةُ الْكَرِيمَةُ مِنْ أَوَاخِرِ مَا نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، كَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ. حَدَّثَنَا [أَبُو] [[زيادة من د، ك، والبخاري.]] الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ: آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ﴾ [النَّسَاءِ: ١٧٦] وَآخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بَرَاءَةُ [[صحح البخاري برقم (٤٦٤٥) .]] . وَإِنَّمَا لَا يُبَسْمَلُ [[في ك: "لا تبسمل".]] فِي أَوَّلِهَا لِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَكْتُبُوا الْبَسْمَلَةَ فِي أَوَّلِهَا فِي الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ، وَالِاقْتِدَاءُ فِي ذَلِكَ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ، كَمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعْدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ [[في د، ك: "محمد بن أبي جعفر".]] وَابْنُ أَبِي عَدِيّ، وسَهْل بْنُ يُوسُفَ قَالُوا: حَدَّثَنَا عَوْفُ بْنُ أَبِي جَميلة [[في ت: "حملة".]] أَخْبَرَنِي يَزِيدُ الْفَارِسِيُّ، أَخْبَرَنِي ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ: مَا حَمَلَكُمْ أَنْ عَمَدْتُمْ إِلَى الْأَنْفَالِ، وَهِيَ مِنَ الْمَثَانِي، وَإِلَى بَرَاءَةٌ وَهِيَ مِنَ الْمِئِينَ، فَقَرَنْتُمْ [[في د: "وقرنتم".]] بَيْنَهُمَا، وَلَمْ تَكْتُبُوا بَيْنَهُمَا سَطْرَ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ وَوَضَعْتُمُوهَا [[في د: "ووضعتموهما".]] فِي السَّبْعِ الطُّوَلِ، مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِمَّا يَأْتِي عَلَيْهِ الزَّمَانُ وَهُوَ يُنزل [[في ت: "تنزل".]] عَلَيْهِ السُّوَرُ ذَوَاتُ الْعَدَدِ، فَكَانَ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهِ الشيءُ دَعَا بَعْضَ مَنْ كَانَ يَكْتُبُ، فَيَقُولُ: ضَعُوا هَذِهِ الْآيَاتِ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكر فِيهَا كَذَا وَكَذَا، فَإِذَا نَزَلَتْ [[في ت: "أنزلت".]] عَلَيْهِ الْآيَةُ فَيَقُولُ: "ضَعُوا هَذِهِ [[في ك، أ: "هذه الآية".]] فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا"، وَكَانَتِ الْأَنْفَالُ مِنْ أَوَّلِ مَا نَزَلَ [[في ت، أ: "نزلت".]] بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَتْ بَرَاءَةُ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ، وَكَانَتْ قِصَّتُهَا شَبِيهَةً بِقِصَّتِهَا [[في ت: "بعضها".]] وحَسبْتُ أَنَّهَا مِنْهَا، وَقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا أَنَّهَا مِنْهَا، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ قَرَنْتُ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ أَكْتُبْ بَيْنَهُمَا سَطْرَ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ فوضعتها في السبع الطول [[سنن الترمذي برقم (٣٠٨٦) .]] . وَكَذَا رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، وَابْنُ حبَّان فِي صَحِيحِهِ، وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، مِنْ طُرُقٍ أُخَرَ، عَنْ عَوْفٍ الْأَعْرَابِيِّ، بِهِ [[المسند (١/٥٧) وسنن أبي داود برقم (٧٨٦) والنسائي في السنن الكبرى برقم (٨٠٠٧) والمستدرك (٢/٣٣٠) .]] وَقَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ. وَأَوَّلُ هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، لَمَّا رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهَمَّ بِالْحَجِّ، ثُمَّ ذُكر أَنَّ الْمُشْرِكِينَ يَحْضُرُونَ عَامَهُمْ هَذَا الْمَوْسِمَ عَلَى عَادَتِهِمْ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّهُمْ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةً فَكَرِهَ مُخَالَطَتَهُمْ، فَبَعَثَ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَمِيرًا عَلَى الْحَجِّ هَذِهِ السَّنَةَ، لِيُقِيمَ لِلنَّاسِ مَنَاسِكَهُمْ، وَيُعْلِمَ الْمُشْرِكِينَ أَلَّا يَحُجُّوا بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا، وَأَنْ يُنَادِيَ فِي النَّاسِ بِبَرَاءَةَ، فَلَمَّا قَفَلَ أَتْبَعُهُ بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لِيَكُونَ مُبَلِّغًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، لِكَوْنِهِ عَصَبَة لَهُ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ. فَقَوْلُهُ: ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ أَيْ: هَذِهِ بَرَاءَةٌ، أَيْ: تَبَرُّؤٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴿إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الأرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ﴾ اختلف المفسرون ها هنا اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَقَالَ قَائِلُونَ: هَذِهِ الْآيَةُ لِذَوِي الْعُهُودِ الْمُطْلَقَةِ غَيْرِ الْمُؤَقَّتَةِ، أَوْ مَنْ لَهُ عَهْدٌ دُونَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَيُكْمَلُ لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، فَأَمَّا مَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ مؤقَّت فَأَجَلُهُ إِلَى مُدَّتِهِ، مَهْمَا كَانَ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [التَّوْبَةِ:٤] وَلِمَا سَيَأْتِي فِي الْحَدِيثِ: "وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَهْدٌ فَعَهْدُهُ إِلَى مُدَّتِهِ". وَهَذَا أَحْسَنُ الْأَقْوَالِ وَأَقْوَاهَا، وَقَدِ اخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ، ورُوي عَنِ الْكَلْبِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظِيّ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الأرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ﴾ قَالَ: حَدَّ اللَّهُ لِلَّذِينِ عَاهَدُوا رَسُولَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، يَسِيحُونَ فِي الْأَرْضِ حَيْثُمَا شَاءُوا، وَأَجَّلَ أَجَلَ مَنْ لَيْسَ لَهُ عَهْدٌ، انسلاخَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، [مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ إِلَى انْسِلَاخِ الْمُحَرَّمِ، فَذَلِكَ خَمْسُونَ لَيْلَةً، فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ] [[زيادة من ت، م.]] أَمَرَهُ بِأَنْ يَضَعَ السَّيْفَ فَيمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ. وَكَذَا رَوَاهُ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ [الضَّحَّاكُ] [[زيادة من ت، م.]] بَعْدَ قَوْلِهِ: فَذَلِكَ خَمْسُونَ لَيْلَةً: فَأَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ إِذَا انْسَلَخَ الْمُحَرَّمُ أَنْ يَضَعَ السَّيْفَ فِيمَنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عَهْدٌ، يَقْتُلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ. وَأَمَرَ مِمَّنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ إِذَا انْسَلَخَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ إِلَى عَشْرٍ خَلَوْنَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ، أَنْ يَضَعَ فِيهِمُ السَّيْفَ [[من ت: "السيف أيضا".]] حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ. وَقَالَ أَبُو مَعْشَرٍ الْمَدَنِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ وَغَيْرُهُ قَالُوا: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَبَا بَكْرٍ أَمِيرًا عَلَى الْمَوْسِمِ سَنَةَ تِسْعٍ، وَبَعَثَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ بِثَلَاثِينَ آيَةً أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً مِنْ "بَرَاءَةَ" فقرأها عَلَى النَّاسِ، يُؤَجِّلُ الْمُشْرِكِينَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ يَسِيحُونَ فِي الْأَرْضِ، فَقَرَأَهَا عَلَيْهِمْ يَوْمَ عَرَفَةَ، أجَّل الْمُشْرِكِينَ عِشْرِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمِ، وَصَفَرٍ، وَشَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَعَشْرًا مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ، وَقَرَأَهَا عَلَيْهِمْ فِي مَنَازِلِهِمْ، وَقَالَ: لَا يَحُجَّنَّ بَعْدَ عَامِنَا هَذَا مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفَنَّ بِالْبَيْتِ عُرْيَانُ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيح، عَنْ مُجَاهِدٍ: ﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ إِلَى أَهْلِ الْعَهْدِ: خُزَاعَةَ، ومُدْلِج، وَمَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ أَوْ غَيْرُهُمْ. أَقْبَلَ [[في ت، ك: "إقبال"، وفي د: "فقدم".]] رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ تَبُوكَ حِينَ فَرَغَ، فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْحَجُّ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّمَا يَحْضُرُ الْمُشْرِكُونَ فَيَطُوفُونَ عُرَاة، فَلَا أُحِبُّ أَنْ أَحُجَّ حَتَّى لَا يَكُونَ ذَلِكَ". فَأَرْسَلَ أَبَا بَكْرٍ وَعَلِيًّا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَطَافَا بِالنَّاسِ فِي ذِي المجَاز وَبِأَمْكِنَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَتَبَايَعُونَ بِهَا بِالْمَوَاسِمِ كُلِّهَا، فَآذَنُوا أَصْحَابَ الْعَهْدِ بِأَنْ يَأْمَنُوا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَهِيَ الْأَشْهُرُ الْمُتَوَالِيَاتُ: عِشْرُونَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ إِلَى عَشْرٍ يَخْلُونَ مِنْ رَبِيعٍ الْآخِرِ، ثُمَّ لَا عَهْدَ لَهُمْ، وَآذَنَ النَّاسَ كلَّهم بِالْقِتَالِ إِلَّا أَنْ يُؤَمَّنُوا. وَهَكَذَا رُوِيَ عَنِ السُّدِّيِّ: وقَتَادَةَ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: كَانَ ابْتِدَاءُ التَّأْجِيلِ مِنْ شَوَّالٍ وَآخِرُهُ سَلْخَ الْمُحَرَّمِ. وَهَذَا الْقَوْلُ غَرِيبٌ، وَكَيْفَ يُحَاسَبُونَ بِمُدَّةٍ لَمْ يَبْلُغْهُمْ حُكْمَهَا، وَإِنَّمَا ظَهَرَ لَهُمْ أَمْرُهَا يَوْمَ النَّحْرِ، حِينَ نَادَى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِذَلِكَ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى:
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب