الباحث القرآني

أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ ﷺ بِأَنْ يأخُذَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صدقَة يُطَهِّرُهُمْ وَيُزَكِّيهِمْ بِهَا، وَهَذَا عَامٌّ وَإِنْ أَعَادَ بَعْضُهُمُ الضَّمِيرَ فِي "أَمْوَالِهِمْ" إِلَى الَّذِينَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ وَخَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا؛ وَلِهَذَا اعْتَقَدَ بَعْضُ مَانِعِي الزَّكَاةِ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ أَنَّ دَفْعِ الزَّكَاةِ إِلَى الْإِمَامِ لَا يَكُونُ، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا خَاصًّا بِرَسُولِ اللَّهِ [[في ك: "بالنبي".]] ﷺ؛ وَلِهَذَا احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾ وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِمْ هَذَا التَّأْوِيلَ وَالْفَهْمَ الْفَاسِدَ الصَّدِيقُ أَبُو بَكْرٍ وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ، وَقَاتَلُوهُمْ حَتَّى أَدَّوُا الزَّكَاةَ إِلَى الْخَلِيفَةِ، كَمَا كَانُوا يُؤدونها إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، حَتَّى قَالَ الصِّدِّيقُ: وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقالا -وَفِي رِوَايَةٍ: عَناقًا -يُؤدُّونه إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَأُقَاتِلَنَّهُمْ عَلَى مَنْعِهِ. [[رواه البخاري في صحيحه برقم (٧٢٨٤، ٧٢٨٥) بلفظ: "لو منعنوني عقالا" قال: "وقال ابن بكير وعبد الله عن الليث: "عناقا وهو أصح".]] * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ﴾ أَيْ: ادْعُ لَهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ، كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا أُتِيَ بِصَدَقَةِ قَوْمٍ صَلَّى عَلَيْهِمْ، فَأَتَاهُ أَبِي بِصَدَقَتِهِ فَقَالَ: "اللَّهُمَّ صَل عَلَى آلِ أَبِي أَوْفَى" [[صحيح مسلم برقم (١٠٧٨) والبخاري في صحيحه برقم (١٤٩٧) .]] وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صَلِّ عليَّ وَعَلَى زَوْجِي. فَقَالَ: "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكِ، وَعَلَى زَوْجِكِ". [[رواه أبو داود في السنن برقم (١٥٣٣) والنسائي في السنن الكبرى برقم (١٠٢٥٦) من حديث جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.]] * * * وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ صَلاتك﴾ : قَرَأَ بَعْضُهُمْ: "صَلَوَاتِكَ" عَلَى الْجَمْعِ، وَآخَرُونَ قَرَءُوا: ﴿إِنَّ صَلاتَكَ﴾ عَلَى الْإِفْرَادِ. ﴿سَكَنٌ لَهُمْ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: رَحْمَةٌ لَهُمْ. وَقَالَ قَتَادَةُ: وَقَارٌ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ﴾ أَيْ: لِدُعَائِكَ ﴿عَلِيمٌ﴾ أَيْ: بِمَنْ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ مِنْكَ وَمَنْ هُوَ أَهْلٌ لَهُ. قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيع، حَدَّثَنَا أَبُو العُمَيْس، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنٍ لِحُذَيْفَةَ، عَنْ أَبِيهِ؛ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا دَعَا لِرَجُلٍ أَصَابَتْهُ، وَأَصَابَتْ وَلَدَهُ، وَوَلَدَ وَلَدِهِ. [[المسند (٥/٣٨٥) .]] ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ أَبِي نُعَيم، عَنْ مِسْعَر، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنٍ لحذيفة -قال مسعر: وَقَدْ ذَكَرَهُ مَرَّةً عَنْ حُذَيْفَةَ -: إِنَّ صَلَاةَ النَّبِيِّ ﷺ لتُدرك الرَّجُلَ وَوَلَدَهُ وَوَلَدَ وَلَدِهِ. [[المسند (٥/ ٤٠٠) .]] * * * وَقَوْلُهُ: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ﴾ هَذَا تَهْيِيجٌ إِلَى التَّوْبَةِ وَالصَّدَقَةِ اللَّتَيْنِ كَلَّ مِنْهَا [[في ت، أ: "منهما".]] يحطُّ الذُّنُوبَ وَيُمَحِّصُهَا وَيَمْحَقُهَا. وَأَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ كُلَّ مَنْ تَابَ إِلَيْهِ تَابَ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ مِنْ كَسْبِ حَلَالٍ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ فَيُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا، حَتَّى تَصِيرَ التَّمْرَةُ مِثْلَ أُحُدٍ. كَمَا جَاءَ بِذَلِكَ الْحَدِيثُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ -كَمَا قَالَ الثَّوْرِيُّ وَوَكِيعٌ، كِلَاهُمَا عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ الصَّدَقَةَ وَيَأْخُذُهَا بِيَمِينِهِ فَيُرَبِّيهَا لِأَحَدِكُمْ، كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ مُهْرَهُ، حَتَّى إِنَّ اللُّقْمَةَ لتَصير مِثْلَ أُحُدٍ"، وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ [أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ] هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ﴾ [[زيادة من ك.]] وَ [قَوْلُهُ] [[زيادة من ك.]] ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾ [الْبَقَرَةِ: ٢٧٦] . [[رواه الطبري في تفسيره (١٤/٤٦١) . تنبيه: وقع خطأ في الآية هنا وعند الطبري، وما أثبتناه هو الصواب.]] وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْأَعْمَشُ كِلَاهُمَا، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِنَّ الصَّدَقَةَ تَقَعُ فِي يَدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ فِي يَدِ السَّائِلِ. ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ﴾ [[في ت: "تعلموا".]] . وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تَارِيخِهِ، فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشَّاعِرِ السَّكْسَكي الدِّمَشْقِيِّ -وَأَصْلُهُ حِمْصِيٌّ، وَكَانَ أَحَدَ الْفُقَهَاءِ، رَوَى عَنْ مُعَاوِيَةَ وَغَيْرِهِ، وَحَكَى عَنْهُ حَوْشَبُ بْنُ سَيْفٍ السَّكْسَكِيُّ الْحِمْصِيُّ -قَالَ: غَزَا النَّاسُ فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَعَلَيْهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَغَلَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِائَةَ دِينَارٍ رُومِيَّةٍ. فَلَمَّا قَفَلَ الْجَيْشُ نَدم وَأَتَى الأميرَ، فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا مِنْهُ، وَقَالَ: قَدْ تَفَرَّقَ النَّاسَ وَلَنْ أَقْبَلَهَا مِنْكَ، حَتَّى تَأْتِيَ اللَّهَ بِهَا يَوْمَ القيامةَ فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَسْتَقْرِئُ الصَّحَابَةَ، فَيَقُولُونَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا قَدِمَ دِمَشْقَ ذَهَبَ إِلَى مُعَاوِيَةَ لِيَقْبَلَهَا مِنْهُ، فَأَبَى عَلَيْهِ. فَخَرَجَ مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ يَبْكِي وَيَسْتَرْجِعُ، فَمَرَّ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشَّاعِرِ السَّكْسَكِيِّ، فَقَالَ لَهُ: مَا يُبْكِيكَ؟ فَذَكَرَ لَهُ أَمْرَهُ، فَقَالَ أمطيعُني أَنْتَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: اذْهَبْ إِلَى مُعَاوِيَةَ فَقُلْ لَهُ: اقْبَلْ مِنِّي خُمسك، فَادْفَعْ إِلَيْهِ عِشْرِينَ دِينَارًا، وَانْظُرِ الثَّمَانِينَ الْبَاقِيَةَ فَتَصَدَّقْ بِهَا عَنْ ذَلِكَ الْجَيْشِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِأَسْمَائِهِمْ وَمَكَانِهِمْ فَفَعَلَ الرَّجُلُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَأَنْ أَكُونَ أفتيتُه بِهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كل شيء أملكه، أحسن الرجل". [[تاريخ دمشق (٩/٤٠١) "المخطوط".]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب