الباحث القرآني

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَمِّهِ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بن مَالِكٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ -وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ [[في أ: "بيته".]] حِينَ عَمى -قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حَدِيثَهُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، فَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي غَزَاةٍ غَيْرِهَا [[في أ: "غزاها".]] قَطُّ إِلَّا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ تَخَلَّفْتُ فِي غَزَاةِ بَدْرٍ، وَلَمْ يعاتَب أحدٌ تَخَلَّفَ عَنْهَا، وَإِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُرِيدُ عِير قُرَيْشٍ، حَتَّى جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ، وَلَقَدْ شهدتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ حِينَ تَوَافَقْنَا عَلَى الْإِسْلَامِ، وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ، وَإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ أذْكَر فِي النَّاسِ مِنْهَا وَأَشْهَرَ، وَكَانَ مِنْ خَبَرِي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ أَنِّي لَمْ أَكُنْ قَطُّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْهُ فِي تِلْكَ الْغَزَاةِ، وَاللَّهِ مَا جَمَعْتُ قَبْلَهَا رَاحِلَتَيْنِ قَطُّ حَتَّى جَمَعْتُهُمَا فِي تِلْكَ الْغَزَاةِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَلَّما يُرِيدُ غَزْوَةً يَغْزُوهَا إِلَّا وَرّى بِغَيْرِهَا، حَتَّى كَانَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ فَغَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا وَمَفَازًا، وَاسْتَقْبَلَ عَدُوًّا كَثِيرًا [[في أ: "كبيرا".]] فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ لِيَتَأَهَّبُوا أهبة عدوهم، فأخبرهم وَجْهَه الَّذِي يُرِيدُ، وَالْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كَثِيرٌ، لَا يَجْمَعُهُمْ كِتَابٌ حَافِظٌ -يُرِيدُ الدِّيوَانَ -فَقَالَ كَعْبٌ: فَقَلّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَتَغَيَّبَ إِلَّا ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ سَيَخْفَى لَهُ مَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحْيٌ مِنَ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، وَغَزَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ تِلْكَ الْغَزَاةَ حِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ وَالظِّلُّ، وَأَنَا إِلَيْهَا أَصْعَرُ. فَتَجَهَّزَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَالْمُؤْمِنُونَ مَعَهُ، وَطَفِقْتُ أَغْدُو لِكَيْ أَتَجَهَّزَ مَعَهُمْ، فَأَرْجِعُ وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جِهَازِي شَيْئًا، فَأَقُولُ لِنَفْسِي: أَنَا قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ إِذَا أَرَدْتُ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ يَتَمَادَى بِي حَتَّى شمَّر «١» بِالنَّاسِ الْجَدُّ، فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ غَادِيًا وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ، وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جِهَازِي شَيْئًا، وَقُلْتُ: الْجِهَازُ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ أَلْحَقُهُ «٢» فَغَدَوْتُ بَعْدَمَا فَصَلُوا لِأَتَجَهَّزَ، فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا مِنْ جِهَازِي. ثُمَّ غَدَوْتُ فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا، فَلَمْ يَزَلْ [ذَلِكَ] «٣» يَتمادى بِي حَتَّى أَسْرَعُوا وَتَفَارَطَ الْغَزْوُ، فَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِلَ فَأُدْرِكَهُمْ -وَلَيْتَ أَنِّي فعلتُ -ثُمَّ لَمْ يُقَدَّرْ ذَلِكَ لِي، فَطَفِقْتُ إِذَا خرجتُ فِي النَّاسِ بَعْدَ [خُرُوجِ] «٤» رَسُولِ اللَّهِ ﷺ [فَطُفتُ فِيهِمْ] «٥» يُحْزِنُنِي أَلَّا أَرَى إِلَّا رَجُلًا مَغْموصا عَلَيْهِ فِي النِّفَاقِ، أَوْ رَجُلًا مِمَّنْ عَذَرَهُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، وَلَمْ يَذْكُرْنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ، فَقَالَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْقَوْمِ بِتَبُوكَ: "مَا فَعَلَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ؟ " قَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلمة: حَبَسَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بُرْداه، وَالنَّظَرُ فِي عَطْفيه. فَقَالَ لَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: بِئْسَمَا قُلْتَ! وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا! فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدْ تَوجَّه قَافِلًا مِنْ تَبُوكَ حَضَرَنِي بَثّي «٦» فَطَفِقْتُ أَتَذَكَّرُ «٧» الكَذب، وَأَقُولُ: بِمَاذَا أَخْرُجُ مِنْ سُخْطِهِ غَدًا؟ أَسْتَعِينُ عَلَى ذَلِكَ كُلَّ ذِي رَأْيٍ مِنْ أَهْلِي. فَلَمَّا قِيلَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدْ أَظَلَّ قَادِمًا، زَاحَ عَنِّي الْبَاطِلُ وَعَرَفْتُ أَنِّي لَمْ أَنْجُ مِنْهُ بِشَيْءٍ أَبَدًا. فأجمعتُ صِدْقَهُ، وصَبَّح رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ. فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جَاءَهُ الْمُتَخَلِّفُونَ فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ وَيَحْلِفُونَ لَهُ -وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا -فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَانِيَتَهُمْ وَيَسْتَغْفِرُ لَهُمْ، وَيَكِلُ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، حَتَّى جِئْتُ، فَلَمَّا سلَّمت عَلَيْهِ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ، ثُمَّ قَالَ لِي: "تَعَالَ"، فَجِئْتُ أَمْشِي حَتَّى جلستُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لِي: "مَا خلَّفك، أَلَمْ تَكُ قَدِ اشْتَرَيْتَ ظَهْرَكَ"؟ قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا لَرَأَيْتُ أَنْ أَخْرُجَ مِنْ سَخَطه بِعُذْرٍ، لَقَدْ أعطيتُ جَدَلا وَلَكِنَّهُ وَاللَّهِ لَقَدْ علمتُ لَئِنْ حَدّثتك الْيَوْمَ حَدِيثَ كَذب تَرْضَى بِهِ عَنِّي، لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ يُسْخطك عَلِيَّ، وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ بِصِدْقٍ تَجدُ عَليّ فِيهِ، إِنِّي لَأَرْجُو أَقْرَبَ عُقْبَى ذَلِكَ [عَفْوًا] «٨» مِنَ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ «٩» وَاللَّهِ مَا كَانَ لِي عُذْرٌ، وَاللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَفْرَغُ وَلَا أَيْسَرُ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "أَمَّا هَذَا فَقَدَ صَدَقَ، فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ". فَقُمْتُ وَبَادَرَنِي رِجَالٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ وَاتَّبَعُونِي، فَقَالُوا لِي: وَاللَّهِ مَا عَلِمْنَاكَ كُنْتَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَبْلَ هَذَا، وَلَقَدْ عَجَزت أَلَّا تَكُونَ اعْتَذَرْتَ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعْتَذَرَ بِهِ الْمُتَخَلِّفُونَ «١٠» فَقَدْ كَانَ كَافِيكَ [مِنْ ذَنْبِكَ] «١١» اسْتِغْفَارَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لَكَ. قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا زَالُوا يُؤَنِّبُونِي حَتَّى أَرَدْتُ أَنْ أَرْجِعَ فأُكذِّب نَفْسِي: قَالَ: ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ: هَلْ لَقِيَ هَذَا مَعِي أَحَدٌ؟ قَالُوا: نَعَمْ، [لَقِيَهُ مَعَكَ] «١٢» رَجُلَانِ، قَالَا مَا قلتَ، وَقِيلَ لَهُمَا مِثْلَ مَا قِيلَ لَكَ. قُلْتُ: فَمَنْ هُمَا؟ قَالُوا: مُرَارة بْنُ الرَّبِيعِ الْعَامِرِيُّ، وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ. فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا لِي فِيهِمَا أُسْوَةٌ. قَالَ: فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُمَا لِي -قَالَ: وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمُسْلِمِينَ عَنْ كَلَامِنَا -أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ -مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ، فاجتنَبنَا النَّاسُ وَتَغَيَّرُوا لَنَا، حَتَّى تنكرَتْ لِي فِي نَفْسِي الأرضُ، فَمَا هِيَ بِالْأَرْضِ الَّتِي كُنْتُ أَعْرِفُ، فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً. فَأَمَّا صَاحِبَايَ فَاسْتَكَانَا وَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا يَبْكِيَانِ، وَأَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أشَب الْقَوْمِ وأجلَدهم، فَكُنْتُ أَشْهَدُ الصَّلَاةَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَطُوفُ بِالْأَسْوَاقِ فَلَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ، وَآتِي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وهو فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَأُسَلِّمُ، وَأَقُولُ فِي نَفْسِي: حَرّك شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلَامِ عَلَيَّ أَمْ لَا؟ ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ، وَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ، فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلَاتِي نَظَرَ إِلَيَّ، فَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أعرَض، حَتَّى إِذَا طَالَ عَلَيَّ ذَلِكَ مِنْ هَجْرِ الْمُسْلِمِينَ مَشَيت حَتَّى تَسَوَّرْتُ حَائِطَ أَبِي قَتَادَةَ -وَهُوَ ابْنُ عَمِّي، وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ -فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَوَاللَّهِ مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا قَتَادَةَ، أنشدُك اللَّهَ: هَلْ تَعْلَمُ أَنِّي أَحَبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟ قَالَ: فَسَكَتَ. قَالَ: فعدتُ فَنَشَدْتُهُ [فَسَكَتَ، فَعُدْتُ فَنَشَدْتُهُ] «١٣» فَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: فَفَاضَتْ عَيْنَايَ وَتَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الْجِدَارَ. فَبَيْنَا «١٤» أَنَا أَمْشِي بِسُوقِ الْمَدِينَةِ إِذَا نَبَطِيٌّ مِنْ أَنْبَاطِ الشَّامِ، مِمَّنْ «١٥» قَدم بِطَعَامٍ يَبِيعُهُ بِالْمَدِينَةِ يَقُولُ: مَنْ يَدُلُّ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ؟ قَالَ: فطفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ إِلَيَّ، حَتَّى جَاءَ فَدَفَعَ إِلَيَّ كِتَابًا مِنْ مَلِكَ غَسَّانَ، وَكُنْتُ كَاتِبًا «١٦» فَإِذَا فِيهِ: أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللَّهُ بِدَارِ هَوان وَلَا مَضْيَعة، فَالْحَقْ بِنَا نُواسكَ. قَالَ: فَقُلْتُ حِينَ قَرَأَتُهَا: وَهَذَا أَيْضًا مِنَ الْبَلَاءِ. قَالَ: فَتَيَمَّمْتُ بِهِ التَّنُّورَ فَسَجرته «١٧» حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً مِنَ الْخَمْسِينَ، إِذَا بِرَسُولِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَأْتِينِي، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ. قَالَ: فَقُلْتُ: أُطَلِّقُهَا أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ؟ قَالَ: بَلِ اعْتَزِلْهَا وَلَا تَقْرَبْهَا. قَالَ: وَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبَيَّ بِمِثْلِ ذَلِكَ قَالَ: فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي: الْحَقِي بِأَهْلِكِ، فَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِي هَذَا الْأَمْرِ. قَالَ: فَجَاءَتِ امْرَأَةُ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَتْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هِلَالًا شَيْخٌ ضَائِعٌ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ، فَهَلْ تَكْرَهُ أَنْ أَخْدِمَهُ؟ قَالَ: "لَا وَلَكِنْ لَا يقربَنَّك" قَالَتْ: وَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا بِهِ حَرَكَةٌ إِلَى شَيْءٍ، وَاللَّهِ مَا يَزَالُ يَبْكِي مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ مِنْ أَمْرِكَ مَا كَانَ إِلَى يَوْمِهِ هَذَا. قَالَ: فَقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِي: لَوِ اسْتَأْذَنْتَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي امْرَأَتِكَ، فَقَدْ أَذِنَ لِامْرَأَةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ أَنْ تَخْدِمَهُ. قَالَ: فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَسْتَأْذِنُ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَمَا أَدْرِي مَا يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا اسْتَأْذَنْتُهُ وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ؟ قَالَ: فَلَبِثْنَا [بَعْدَ ذَلِكَ] «١٨» عَشْرَ لَيَالٍ، فَكَمُلَ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينِ نَهَى عَنْ كَلَامِنَا قَالَ: ثُمَّ صَلَّيْتُ صَلَاةَ الْفَجْرِ صَبَاحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا، فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَّا: قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي، وَضَاقَتْ عَلَيَّ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ سَمِعْتُ صَارِخًا أَوْفَى عَلَى جَبَلِ سَلْع يَقُولُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ، أَبْشِرْ. قَالَ: فَخَرَرْتُ سَاجِدًا، وَعَرَفْتُ أَنْ «١٩» قَدْ جَاءَ فَرَجٌ، فَآذَنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى الْفَجْرَ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا، وَذَهَبَ قِبَل صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ، وَرَكَضَ إِل يُكْتَبُ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا". أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ. [[المسند (١/٣٨٤) وصحيح البخاري برقم (٦٠٩٤) وصحيح مسلم برقم (٢٦٠٧) .]] وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرّة، سَمِعَ أَبَا عُبَيْدَةَ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: [إِنَّ] [[زيادة من أ.]] الْكَذِبَ لَا يَصْلُحُ مِنْهُ جَدٌّ وَلَا هَزْلٌ، اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ [[في ت، ك، أ: "مع".]] -هَكَذَا قَرَأَهَا -ثُمَّ قَالَ: فَهَلْ تَجِدُونَ لِأَحَدٍ فِيهِ رُخْصَةً. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ مَعَ مُحَمَّدٍ ﷺ وَأَصْحَابِهِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمْرَ وَأَصْحَابِهِمَا. [[في ت، ك، أ: "وأصحابهم".]] وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ مَعَ الصَّادِقِينَ، فَعَلَيْكَ بِالزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا، وَالْكَفِّ عَنْ أَهْلِ الْمِلَّةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب