الباحث القرآني

يَقُولُ تَعَالَى: مَا يَنْبَغِي لِلْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ الَّتِي بُنِيَتْ عَلَى اسْمِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. وَمَنْ قَرَأَ: "مَسْجِدَ اللَّهِ" فَأَرَادَ بِهِ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، أَشْرَفَ الْمَسَاجِدِ فِي الْأَرْضِ، الَّذِي بُنِيَ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ عَلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. وَأَسَّسَهُ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ هَذَا، وَهُمْ شَاهِدُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ، أَيْ: بِحَالِهِمْ وَقَالِهِمْ، كَمَا قَالَ السُّدِّي: لَوْ سَأَلْتَ النَّصْرَانِيَّ: مَا دِينُكَ؟ لَقَالَ: نَصْرَانِيٌّ، وَالْيَهُودِيَّ: مَا دِينُكَ؟ لَقَالَ يَهُودِيٌّ، والصَّابِئِيَّ، لَقَالَ: صَابِئِيٌّ، وَالْمُشْرِكَ، لَقَالَ: مُشْرِكٌ. ﴿أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾ أَيْ: بِشِرْكِهِمْ، ﴿وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ﴾ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا لَهُمْ أَلا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الْأَنْفَالِ:٣٤] ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ فَشَهِدَ تَعَالَى بِالْإِيمَانِ لِعُمَّارِ الْمَسَاجِدِ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُرَيْجٌ [[في ك، أ: "شريح".]] حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ؛ أَنَّ دَرَّاجًا أَبَا السَّمْحِ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي الْهَيْثَمِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسْجِدَ [[في ت، أ: "المساجد"]] فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، بِهِ [[المسند (٣/٦٨) وسنن الترمذي برقم (٣٠٩٣) والمستدرك (٢/٣٣٢) ودراج عن أبي الهيثم ضعيف.]] وَقَالَ [[في د: "وروى".]] عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا صَالِحٌ الْمُرِّيُّ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ سِيَاهٍ، وَجَعْفَرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّمَا عُمَّارُ المساجد هم أهل الله" [[فيه صالح المري وهو ضعيف، وقد اختلف عليه فيه كما سيأتي في رواية البزار.]] وَرَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ بَشِيرٍ الْمُرِّيِّ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنما [[في ت، ك، أ: "إن".]] عُمَّارُ الْمَسَاجِدِ هُمْ أَهْلُ اللَّهِ" ثُمَّ قَالَ: لَا نَعْلَمُ رَوَاهُ عَنْ ثَابِتٍ غَيْرُ صَالِحٍ [[مسند البزار برقم (٤٣٣) "كشف الأستار" ورواه البيهقي في السنن الكبرى (٣/٦٦) من طريق هاشم بن القاسم عن صالح المري به، وقال الهيثمي في المجمع (٢/٢٣) : "فيه صالح المرى وهو ضعيف".]] وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْأَفْرَادِ مِنْ طَرِيقِ حَكَّامَةَ بِنْتِ عُثْمَانَ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِيهَا، عَنْ أَخِيهِ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: "إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ عَاهَةً، نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْمَسَاجِدِ، فَصَرَفَ عَنْهُمْ". ثُمَّ قَالَ: غَرِيبٌ [[لم أعثر عليه في الأطراف لابن القيسراني.]] وَرَوَى الْحَافِظُ الْبَهَاءُ فِي الْمُسْتَقْصَى، عَنْ أَبِيهِ بِسَنَدِهِ إِلَى أَبِي أُمَيَّةَ الطَّرَسُوسِيِّ: حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ صُقَيْرٍ، حَدَّثَنَا صَالِحٌ الْمُرِّيُّ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا: "يَقُولُ اللَّهُ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي، إِنِّي لَأَهِمُّ بِأَهْلِ الْأَرْضِ عَذَابًا، فَإِذَا نَظَرْتُ إِلَى عُمَّارِ بُيُوتِي وَإِلَى الْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَإِلَى الْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ، صَرَفْتُ ذَلِكَ عَنْهُمْ". ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَسَاكِرَ: حَدِيثٌ غَرِيبٌ [[وفيه منصور بن صقير، قال أبو حاتم: ليس بالقوي. وقال العقيلي: في حديثه بعض الوهم، ورواه ابن عدي في الكامل (٤/٦١) من طريق سعيد بن أشعث عن صالح المري به نحوه، ورواه البيهقي في شعب الإيمان برقم (٩٠٥١) من طريق عبدان عن معاذ بن خالد بن شقيق عن صالح المري به نحوه، وصالح المرى ضعيف.]] وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا الْعَلَاءُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ؛ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: "إِنَّ الشَّيْطَانَ ذِئْبُ الْإِنْسَانِ، كَذِئْبِ الْغَنَمِ يَأْخُذُ الشَّاةَ الْقَاصِيَةَ وَالنَّاحِيَةَ، فَإِيَّاكُمْ وَالشِّعَابَ، وَعَلَيْكُمْ بالجماعة والعامة والمسجد" [[المسند (٥/٢٣٢) وقال الهيثمي في المجمع (٢/٢٣) : "العلاء بن زياد لم يسمع من معاذ".]] وقال عبد الرازق، عَنْ مَعْمَر، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الْأَوْدِيِّ قَالَ: أَدْرَكْتُ أَصْحَابَ النَّبِيِّ ﷺ وَهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ الْمَسَاجِدَ بُيُوتُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ، وَإِنَّهُ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكْرِمَ مَنْ زَارَهُ فِيهَا [[ورواه البيهقي في شعب الإيمان برقم (٩٠٥٢) من طريق أحمد بن منصور عن عبد الرزاق عن معمر عن رجل من قريش رفع الحديث، فذكر نحوه، وهو معضل.]] وَقَالَ الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ وَعَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ لَمْ يُجِبْ وَيَأْتِي الْمَسْجِدَ وَيُصَلِّي، فَلَا صَلَاةَ لَهُ، وَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ الْآيَةَ رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ. وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَلَهُ شَوَاهِدُ مِنْ وجوه أخر ليس هذا موضع بسطها. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَقَامَ الصَّلاةَ﴾ أَيْ: الَّتِي هِيَ أَكْبَرُ عِبَادَاتِ الْبَدَنِ، ﴿وَآتَى الزَّكَاةَ﴾ أَيْ: الَّتِي هِيَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ الْمُتَعَدِّيَةِ إِلَى بِرِّ الْخَلَائِقِ، ﴿وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ﴾ أَيْ: وَلَمْ يَخَفْ إِلَّا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَمْ يَخْشَ سِوَاهُ، ﴿فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ يَقُولُ: مَنْ وَحَّدَ اللَّهَ، وَآمَنَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ يَقُولُ: مَنْ آمَنَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ، ﴿وَأَقَامَ الصَّلاةَ﴾ يَعْنِي: الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، ﴿وَلَمْ يَخْشَ إِلا اللَّهَ﴾ يَقُولُ: لَمْ يَعْبُدْ إِلَّا اللَّهَ -ثُمَّ قَالَ: ﴿فَعَسَى أُولَئِكَ [أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ] ﴾ [[زيادة من د.]] يَقُولُ: إِنَّ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، كَقَوْلِهِ لِنَبِيِّهِ ﷺ: ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ [الْإِسْرَاءِ:٧٩] يَقُولُ: إِنْ رَبَّكَ سَيَبْعَثُكَ مَقَامًا مَحْمُودًا وَهِيَ الشَّفَاعَةُ، وَكُلُّ "عَسَى" فِي الْقُرْآنِ فَهِيَ وَاجِبَةٌ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: وَ"عَسَى" مِنَ اللَّهِ حَقٌّ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب