الباحث القرآني

أَمَرَ تَعَالَى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنَيْنِ الطَّاهِرِينَ دِينًا وَذَاتًا بِنَفْيِ الْمُشْرِكِينَ، الَّذِينَ هُمْ نَجَس دينًا، عن المسجد الْحَرَامِ، وَأَلَّا يَقْرَبُوهُ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ. وَكَانَ نُزُولُهَا فِي سَنَةِ تِسْعٍ؛ وَلِهَذَا بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلِيًّا صُحْبَةَ أَبِي بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَامَئِذٍ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ فِي الْمُشْرِكِينَ: أَلَّا يَحُجَّ بعد العام مشرك، ولا يطوف [[في ت، أ: "يطوفن".]] بالبيت عريان. فَأَتَمَّ اللَّهُ ذَلِكَ، وَحَكَمَ بِهِ شَرْعًا وَقَدَرًا. وقال عبد الرازق: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْج، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَبْدًا، أَوْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ [[تفسير عبد الرزاق (١/٢٤٥) .]] وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حُسَين [[في أ: "حسن".]] حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنِ الْأَشْعَثِ -يَعْنِي: ابْنَ سَوَّار -عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "لَا يَدْخُلُ مَسْجِدَنَا بَعْدَ عَامِنَا هَذَا مُشْرِكٌ، إِلَّا أَهْلُ الْعَهْدِ وَخَدَمُهُمْ [[في ت، أ: "وخدمكم".]] " [[المسند (٣/٣٩٢) وقال الهيثمي في المجمع (٤/١٠) : "فيه أشعث بن سوار وفيه ضعف وقد وثق".]] تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ مَرْفُوعًا، وَالْمَوْقُوفُ أَصَحُّ إِسْنَادًا. وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَمْرٍو الْأَوْزَاعِيُّ: كَتَبَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنِ امْنَعُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ دُخُولِ مَسَاجِدِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَتْبَعَ نَهْيَهُ قَوْلَ اللَّهِ: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ﴾ وَقَالَ عَطَاءٌ: الْحَرَمُ كُلُّهُ مَسْجِدٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ . وَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ عَلَى نَجَاسَةِ الْمُشْرِكِ كَمَا دَلَّتْ [عَلَى طَهَارَةِ الْمُؤْمِنِ، وَلِمَا] [[زيادة من ك، أ.]] وَرَدَ فِي [الْحَدِيثِ] [[زيادة من ك، أ.]] الصَّحِيحِ: "الْمُؤْمِنُ لَا يَنْجُسُ" [[صحيح البخاري برقم (٢٨٣) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ولفظه: "إن المسلم لا ينجس".]] وَأَمَّا نَجَاسَةُ بَدَنِهِ فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسِ الْبَدَنِ وَالذَّاتِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَلَّ طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَذَهَبَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ إِلَى نَجَاسَةِ أَبْدَانِهِمْ. وَقَالَ أَشْعَثُ، عَنِ الْحَسَنِ: مَنْ صَافَحَهُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَذَلِكَ أَنَّ النَّاسَ قَالُوا: لَتَنْقَطِعَنَّ عَنَّا الْأَسْوَاقُ، وَلَتَهْلِكَنَّ [[في ت: "وليمكن".]] التِّجَارَةُ وَلَيَذْهَبَنَّ مَا كُنَّا نُصِيبُ فِيهَا مِنَ الْمَرَافِقِ، فَنَزَلَتْ [[في ك، أ: "فنزل".]] ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ مِنْ وَجْهٍ غَيْرِ ذَلِكَ - ﴿إِنْ شَاءَ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ أَيْ: إِنَّ هَذَا عِوَضُ مَا تَخَوَّفْتُمْ مِنْ قَطْعِ تِلْكَ الْأَسْوَاقِ، فَعَوَّضَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَطَعَ عَنْهُمْ مِنْ أَمْرِ الشِّرْكِ، مَا أَعْطَاهُمْ مِنْ أعناق أهل الكتاب، من الجزية. وَهَكَذَا رُوي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وعِكْرِمة، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَير، وقَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ، وَغَيْرِهِمْ. ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ﴾ أَيْ: بِمَا يُصْلِحُكُمْ، ﴿حَكِيم﴾ أَيْ: فِيمَا يَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ الْكَامِلُ فِي أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ، الْعَادِلُ فِي خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى؛ وَلِهَذَا عَوَّضَهُمْ عَنْ تِلْكَ الْمَكَاسِبِ بِأَمْوَالِ الْجِزْيَةِ الَّتِي يَأْخُذُونَهَا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَقَالَ: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ فَهُمْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَمَّا كَفَرُوا بِمُحَمَّدٍ ﷺ [[في ك: "صلوات الله وسلامه عليه".]] لَمْ يَبْقَ لَهُمْ إِيمَانٌ صَحِيحٌ بِأَحَدٍ مِنَ الرُّسُلِ، وَلَا بِمَا جَاءُوا بِهِ، وَإِنَّمَا يَتَّبِعُونَ آرَاءَهُمْ وَأَهْوَاءَهُمْ وَآبَاءَهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ، لَا لِأَنَّهُ شَرْعُ اللَّهِ وَدِينُهُ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ بِمَا بِأَيْدِيهِمْ إِيمَانًا صَحِيحًا لَقَادَهُمْ ذَلِكَ إِلَى الْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ [الْأَقْدَمِينَ] [[زيادة من أ.]] بَشَّرُوا بِهِ، وَأَمَرُوا بِاتِّبَاعِهِ، فَلَمَّا جَاءَ وَكَفَرُوا [[في أ: "فلما جاءوا كفروا".]] بِهِ، وَهُوَ أَشْرَفُ الرُّسُلِ، عُلِم أَنَّهُمْ لَيْسُوا مُتَمَسِّكِينَ بِشَرْعِ الْأَنْبِيَاءِ الْأَقْدَمِينَ لِأَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، بَلْ لِحُظُوظِهِمْ وَأَهْوَائِهِمْ، فَلِهَذَا لَا يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ بِبَقِيَّةِ الْأَنْبِيَاءِ، وَقَدْ كَفَرُوا بِسَيِّدِهِمْ وَأَفْضَلِهِمْ وَخَاتَمِهِمْ وَأَكْمَلِهِمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ وَهَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ [نَزَلَتْ] [[زيادة من ت، أ.]] أَوَّلَ الْأَمْرِ بِقِتَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ، بَعْدَ مَا تَمَهَّدَتْ أُمُورُ الْمُشْرِكِينَ وَدَخَلَ النَّاسُ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا، فَلَمَّا اسْتَقَامَتْ [[في جمع النسخ: "واستقامت"، وصوبناه ليستقيم النص.]] جَزِيرَةُ الْعَرَبِ أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بِقِتَالِ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَكَانَ ذَلِكَ فِي سَنَةِ تِسْعٍ؛ وَلِهَذَا تَجَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِقِتَالِ الرُّومِ وَدَعَا النَّاسَ إِلَى ذَلِكَ، وَأَظْهَرَهُ لَهُمْ، وَبَعَثَ إِلَى أَحْيَاءِ الْعَرَبِ حَوْلَ الْمَدِينَةِ فَنَدَبَهُمْ، فَأَوْعَبوا مَعَهُ، وَاجْتَمَعَ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ [[في ك: "القابلة".]] نَحْوٌ [مِنْ] [[زيادة من ت، ك، أ.]] ثَلَاثِينَ أَلْفًا، وَتَخَلَّفَ بعضُ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهَا مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي عَامِ جَدْب، وَوَقْتِ قَيْظ وَحَرٍّ، وَخَرَجَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، يُرِيدُ الشَّامَ لِقِتَالِ الرُّومِ، فَبَلَغَ تَبُوكَ، فَنَزَلَ بِهَا وَأَقَامَ عَلَى مَائِهَا [[في د: "وأقام بها قريبا".]] قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ يَوْمًا، ثُمَّ اسْتَخَارَ اللَّهَ فِي الرُّجُوعِ، فَرَجَعَ عَامَهُ ذَلِكَ لِضِيقِ الْحَالِ وَضَعْفِ النَّاسِ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَقَدِ استدلَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مَن يَرَى أَنَّهُ لَا تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ إِلَّا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَوْ مِنْ أَشْبَاهِهِمْ كَالْمَجُوسِ، لِمَا [[في ت، د، ك: "كما".]] صَحَّ فِيهِمُ الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ [[في هـ: "من هجر"، وفي أ: "من يهود هجر" والمثبت من ت، ك، أ.]] وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ -فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ -وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، رَحِمَهُ اللَّهُ: بَلْ تُؤْخَذُ مِنْ جَمِيعِ الْأَعَاجِمِ، سَوَاءٌ كَانُوا [[في ك: "سواء أن كانوا".]] مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَوْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَلَا تُؤْخَذُ مِنَ الْعَرَبِ إِلَّا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَقَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ: بَلْ يَجُوزُ أَنْ تُضْرَبَ الْجِزْيَةُ عَلَى جَمِيعِ الْكُفَّارِ من كتابيٍّ، ومجوسي، ووثني، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلِمَأْخَذِ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ وَذِكْرِ أَدِلَّتِهَا مَكَانٌ غَيْرُ هَذَا، واللَّهُ أَعْلَمُ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ﴾ أَيْ: إِنْ لَمْ يُسْلِمُوا، ﴿عَنْ يَدٍ﴾ أَيْ: عَنْ قَهْرٍ لَهُمْ وَغَلَبَةٍ، ﴿وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ أَيْ: ذَلِيلُونَ حَقِيرُونَ مُهَانُونَ. فَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إِعْزَازُ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَا رَفْعُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، بَلْ هُمْ أَذِلَّاءُ صَغَرة أَشْقِيَاءُ، كَمَا جَاءَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: "لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ، وَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ" [[صحيح مسلم برقم (٢١٦٧) .]] وَلِهَذَا اشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، تِلْكَ الشُّرُوطِ الْمَعْرُوفَةَ فِي إِذْلَالِهِمْ وَتَصْغِيرِهِمْ وَتَحْقِيرِهِمْ، وَذَلِكَ مِمَّا رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ الْحُفَّاظُ، مِنْ رِوَايَةِ [[في ت، ك، أ: "حديث".]] عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْم الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: كَتَبْتُ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حِينَ صَالَحَ نَصَارَى مِنْ أَهْلِ الشَّامِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا كِتَابٌ لِعَبْدِ اللَّهِ عُمَرَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ نَصَارَى مَدِينَةِ كَذَا وَكَذَا، إِنَّكُمْ لَمَّا قَدِمْتُمْ عَلَيْنَا سَأَلْنَاكُمُ الْأَمَانَ لِأَنْفُسِنَا وَذَرَارِينَا [[في ت، أ: "وذرياتنا".]] وَأَمْوَالِنَا وَأَهْلِ مِلَّتِنَا وَشَرَطْنَا لَكُمْ عَلَى أَنْفُسِنَا أَلَّا نُحْدِثَ فِي مَدِينَتِنَا وَلَا فِيمَا حَوْلَهَا دَيْرًا وَلَا كَنِيسَةً، وَلَا قِلاية وَلَا صَوْمَعة رَاهِبٍ، وَلَا نُجَدِّدَ مَا خَرِبَ مِنْهَا، وَلَا نُحْيِيَ مِنْهَا مَا كَانَ خُطَطَ [[في ت، أ: "ما كان في خطط".]] الْمُسْلِمِينَ، وَأَلَّا نَمْنَعَ كَنَائِسَنَا أَنْ يَنْزِلَهَا أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي لَيْلٍ وَلَا نَهَارٍ، وَأَنْ نُوَسِّعَ أَبْوَابَهَا لِلْمَارَّةِ وَابْنِ السَّبِيلِ، وَأَنْ يَنْزِلَ مَنْ مَرَّ بِنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ نُطْعِمُهُمْ، وَلَا نأوي فِي كَنَائِسِنَا وَلَا مَنَازِلِنَا جَاسُوسًا، وَلَا نَكْتُمَ غِشًّا لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَا نُعَلِّمَ أَوْلَادَنَا الْقُرْآنَ، وَلَا نُظْهِرَ شِرْكًا، وَلَا نَدْعُوَ إِلَيْهِ أَحَدًا؛ وَلَا نَمْنَعَ أَحَدًا مِنْ ذَوِي قَرَابَتِنَا الدُّخُولَ فِي الْإِسْلَامِ إِنْ أَرَادُوهُ، وَأَنْ نُوَقِّرَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ نَقُومَ لَهُمْ مِنْ مَجَالِسِنَا إِنْ أَرَادُوا الْجُلُوسَ، وَلَا نَتَشَبَّهَ بِهِمْ فِي شَيْءٍ مِنْ مَلَابِسِهِمْ، فِي قَلَنْسُوَةٍ، وَلَا عِمَامَةٍ، وَلَا نَعْلَيْنِ، وَلَا فَرْقِ شَعْرٍ، وَلَا نَتَكَلَّمَ بِكَلَامِهِمْ، وَلَا نَكْتَنِيَ بكُنَاهم، وَلَا نَرْكَبَ السُّرُوجَ، وَلَا نَتَقَلَّدَ السُّيُوفَ، وَلَا نَتَّخِذَ شَيْئًا مِنَ السِّلَاحِ، وَلَا نَحْمِلَهُ مَعَنَا، وَلَا نَنْقُشَ خَوَاتِيمَنَا بِالْعَرَبِيَّةِ، وَلَا نَبِيعَ الْخُمُورَ، وَأَنْ نَجُزَّ مَقَادِيمَ رُءُوسِنَا، وَأَنْ نَلْزَمَ زِينا حَيْثُمَا كُنَّا، وَأَنْ نَشُدَّ الزَّنَانِيرَ عَلَى أَوْسَاطِنَا، وَأَلَّا نُظْهِرَ الصَّلِيبَ عَلَى كَنَائِسِنَا، وَأَلَّا نُظْهِرَ صُلُبَنَا وَلَا كُتُبَنَا [[في أ: "صليبا ولا كساء".]] فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا أَسْوَاقِهِمْ، وَلَا نَضْرِبَ نَوَاقِيسَنَا فِي كَنَائِسِنَا إِلَّا ضَرْبًا خَفِيًّا، وَأَلَّا نَرْفَعَ أَصْوَاتَنَا بِالْقِرَاءَةِ فِي كَنَائِسِنَا فِي شَيْءٍ مِنْ حَضْرَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا نُخْرِجَ شَعَانِينَ وَلَا بَاعُوثًا، وَلَا نَرْفَعَ أَصْوَاتَنَا مَعَ مَوْتَانَا، وَلَا نُظْهِرَ النِّيرَانَ مَعَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا أَسْوَاقِهِمْ، وَلَا نُجَاوِرَهُمْ بِمَوْتَانَا، وَلَا نَتَّخِذَ مِنَ الرَّقِيقِ مَا جَرَى عَلَيْهِ سِهَامُ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ نُرْشِدَ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا نَطَّلِعَ عَلَيْهِمْ فِي منازلهم. قَالَ: فَلَمَّا أَتَيْتُ عُمَرَ بِالْكِتَابِ، زَادَ فِيهِ: وَلَا نَضْرِبُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، شَرَطْنَا لَكُمْ ذَلِكَ عَلَى أَنْفُسِنَا وَأَهْلِ مِلَّتِنَا، وَقَبِلْنَا عَلَيْهِ الْأَمَانَ، فَإِنْ نَحْنُ خَالَفْنَا فِي شَيْءٍ مِمَّا شَرَطْنَاهُ لَكُمْ وَوَظَفْنا عَلَى أَنْفُسِنَا، فَلَا ذِمَّةَ لَنَا، وَقَدْ حَلَّ لَكُمْ مِنَّا مَا يَحِلُّ مِنْ أَهْلِ الْمُعَانَدَةِ وَالشِّقَاقِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب