الباحث القرآني

قَالَ السُّدِّيُّ: الْأَحْبَارُ مِنَ الْيَهُودِ، وَالرُّهْبَانُ مِنَ النَّصَارَى. وَهُوَ كَمَا قَالَ، فَإِنَّ الْأَحْبَارَ هُمْ عُلَمَاءُ الْيَهُودِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ﴾ [المائدة: ٦٣] وَالرُّهْبَانُ: عُبَّادُ النَّصَارَى، وَالْقِسِّيسُونَ: عُلَمَاؤُهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الْمَائِدَةِ: ٨٢] وَالْمَقْصُودُ: التَّحْذِيرُ مِنْ عُلَمَاءِ السُّوءِ وعُبَّاد الضَّلَالِ [[في ت، د، ك، أ: "الضلالة".]] كَمَا قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: مَنْ فَسَدَ مِنْ عُلَمَائِنَا كَانَ فِيهِ شَبَهٌ مِنَ الْيَهُودِ، وَمَنْ فَسَدَ مِنْ عُبَّادنا كَانَ فِيهِ شَبَهٌ مِنَ النَّصَارَى. وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "لَتَرْكَبُنَّ سَنَن مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَذْو القُذّة بالقُذّة". قَالُوا: الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: "فَمَنْ؟ ". وَفِي رِوَايَةٍ: فَارِسَ وَالرُّومَ؟ قَالَ: "وَمَن [[في ت، د، أ: "فمن".]] النَّاسُ إِلَّا هَؤُلَاءِ؟ " [[رواه البخاري في صحيحه برقم (٣٤٥٦) ومسلم في صحيحه برقم (٢٦٦٩) من حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.]] وَالْحَاصِلُ التَّحْذِيرُ مِنَ التَّشَبُّهِ بِهِمْ فِي أَحْوَالِهِمْ وَأَقْوَالِهِمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ﴾ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ يَأْكُلُونَ الدُّنْيَا بِالدِّينِ وَمَنَاصِبِهِمْ وَرِيَاسَتِهِمْ فِي النَّاسِ، يَأْكُلُونَ أَمْوَالَهُمْ بِذَلِكَ، كَمَا كَانَ لِأَحْبَارِ الْيَهُودِ عَلَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ شَرَفٌ، وَلَهُمْ عِنْدُهُمْ خَرْج وَهَدَايَا وَضَرَائِبُ تَجِيءُ إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ [[في د: "صلى الله عليه وسلم".]] اسْتَمَرُّوا عَلَى ضَلَالِهِمْ وَكُفْرِهِمْ وَعِنَادِهِمْ، طَمَعًا مِنْهُمْ أَنْ تَبْقَى لَهُمْ تِلْكَ الرِّيَاسَاتُ، فَأَطْفَأَهَا اللَّهُ بِنُورِ النُّبُوَّةِ، وَسَلَبَهُمْ إِيَّاهَا، وَعَوَّضَهُمْ بِالذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ، وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ. * * * وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أَيْ: وَهُمْ مَعَ أَكْلِهِمُ الْحَرَامَ يَصُدُّونَ النَّاسَ عَنِ اتِّبَاعِ الْحَقِّ، ويُلبسون الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ، وَيُظْهِرُونَ لِمَنِ اتَّبَعَهُمْ مِنَ الْجَهَلَةِ أَنَّهُمْ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ، وَلَيْسُوا كَمَا يَزْعُمُونَ، بَلْ هُمْ دُعَاةٌ إِلَى النَّارِ، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنْصَرُونَ. * * * وَقَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنزونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ هَؤُلَاءِ هُمُ الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنْ رُءُوسِ النَّاسِ، فَإِنَّ النَّاسَ عَالَةٌ عَلَى الْعُلَمَاءِ، وَعَلَى العُبَّاد، وَعَلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ، فَإِذَا فَسَدَتْ أَحْوَالُ هَؤُلَاءِ فَسَدَتْ أَحْوَالُ النَّاسِ، كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ [[هو عبد الله بن المبارك رحمه الله.]] وَهَل أفْسَدَ الدِّينَ إِلَّا المُلوكُ ... وَأحبارُ سُوءٍ وَرُهْبَانُها؟ ... وَأَمَّا الْكَنْزُ فَقَالَ مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: هُوَ الْمَالُ الَّذِي لَا تُؤَدَّى مِنْهُ الزَّكَاةُ. وَرَوَى الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عُبَيد اللَّهِ [[في أ: "عبد الله".]] عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَا أُدِّي زكاتُه فَلَيْسَ بِكَنْزٍ وَإِنْ كَانَ تَحْتَ سَبْعِ أَرَضِينَ، وَمَا [[في ت، أ: "وإن".]] كَانَ ظَاهِرًا لَا تُؤَدَّى زَكَاتُهُ فَهُوَ كَنْزٌ [[رواه البيهقي في السنن الكبرى (٤/٨٢) من طريق سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عمر مرفوعا وقال: "ليس هذا بمحفوظ، وإنما المشهور عن سفيان عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عمر موقوفا".]] وَقَدْ رُوي هذا عن ابن عَبَّاسٍ، وَجَابِرٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا [[أما حديث ابن عباس، فرواه الطبري في تفسيره (١٤/٢٢٥) مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ موقوفا، وأما حديث جابر، فرواه ابن عدي في الكامل (٧/١٨٩) من طريق يحيى بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جابر مرفوعا، ورواه الخطيب في تاريخ بغداد (٨/١٢) من طريق خصيف عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا، وأما حديث أبي هريرة، فرواه الترمذي في السنن برقم (٦١٨) قال العراقي: "إسناده جيد".]] وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، نَحْوَهُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: "أَيُّمَا مَالٍ أَدَّيْتَ زَكَاتَهُ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ وَإِنْ كَانَ مَدْفُونًا فِي الْأَرْضِ، وَأَيُّمَا مَالٍ لَمْ تُؤَدِّ زَكَاتَهُ فَهُوَ كَنْزٌ يُكْوَى بِهِ صَاحِبُهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ". وَرَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، فَقَالَ: هَذَا قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الزَّكَاةُ، فَلَمَّا نَزَلَتْ جَعَلَهَا اللَّهُ طُهرًا لِلْأَمْوَالِ [[صحيح البخاري برقم (١٤٠٤) .]] وَكَذَا قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعِرَاكُ بْنُ مَالِكٍ: نَسَخَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ [التَّوْبَةِ: ١٠٣] وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّهُ قَالَ: حِلْيَةُ السُّيُوفِ مِنَ الْكَنْزِ مَا أُحَدِّثُكُمْ إِلَّا مَا سَمِعْتُ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنِ جَعْدَة بْنِ هُبَيْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَرْبَعَةُ آلَافٍ فَمَا دُونَهَا نَفَقَةٌ، فَمَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْهُ [[في ت، د، أ: "أكثر من ذلك".]] فَهُوَ كَنْزٌ. وَهَذَا غَرِيبٌ. وَقَدْ جَاءَ فِي مَدْحِ التَّقَلُّلِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَذَمِّ التَّكَثُّرِ [[في ت: "التكثير".]] مِنْهُمَا، أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ؛ وَلْنُورِدْ مِنْهَا هُنَا طَرَفًا يَدُلُّ عَلَى الْبَاقِي، فقال عبد الرازق: أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، أَخْبَرَنِي أَبُو حَصِينٍ، عَنْ أَبِي الضحى، بن جَعْدَةَ بْنِ هُبَيْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي قَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنزونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: "تَبّا لِلذَّهَبِ، تَبّا لِلْفِضَّةِ" يَقُولُهَا ثَلَاثًا، قَالَ: فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم وَقَالُوا: فَأَيُّ مَالٍ نَتَّخِذُ؟ فَقَالَ: عُمَرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَا أَعْلَمُ لَكُمْ ذَلِكَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَصْحَابَكَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمْ [وَ] [[زيادة من ت، ك، أ.]] قَالُوا: فأيَّ مَالٍ نَتَّخِذُ؟ قَالَ: "لِسَانًا ذَاكِرًا، وَقَلْبًا شَاكِرًا [[في أ: "ذاكرا".]] وَزَوْجَةً تُعِينُ أَحَدَكُمْ عَلَى دِينِهِ" [[ذكره الزيلعي في تخريج الكشاف (٢/٧١) وعزاه لعبد الرزاق في تفسيره بعد أن ذكر من حديث ثوبان وعمر، ثم قال: "الحاصل أنه حديث ضعيف لما فيه من الاضطراب".]] حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنِي سَالِمٌ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الهُذَيْل، حَدَّثَنِي صَاحِبٌ لِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "تَبًّا لِلذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ". قَالَ: فَحَدَّثَنِي صَاحِبِي أَنَّهُ انْطَلَقَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَوْلُكُ: "تَبًّا لِلذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ"، مَاذَا نَدَّخِرُ؟. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لِسَانًا ذَاكِرًا، وقلبا شاكرا، وزوجة تُعين على الآخرة" [[المسند (٥/٣٦٦) .]] حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ [[في ت، ك: "وقال".]] الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَ فِي الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ [[في ت، ك: "في الذهب والفضة".]] مَا نَزَلَ قَالُوا: فَأَيُّ الْمَالِ نَتَّخِذُ؟ قَالَ [عُمَرُ: أَنَا أَعْلَمُ ذَلِكَ لَكُمْ فَأَوْضَعَ [[في ت، ك: "أعلم لكم ذلك قال: فأوضع".]] عَلَى بَعِيرٍ فَأَدْرَكَهُ، وَأَنَا فِي أَثَرِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْمَالِ نَتَّخِذُ؟ قَالَ] [[زيادة من ت، د، ك، أوالمسند.]] لِيَتَّخِذْ أَحَدُكُمْ قَلْبًا شَاكِرًا وَلِسَانًا ذَاكِرًا وَزَوْجَةً تُعِينُ أَحَدَكُمْ فِي [[في ت، د، ك، أ، "علي".]] أَمْرِ الْآخِرَةِ ". وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ، مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ [[المسند (٥/٢٨٢) وسنن الترمذي برقم (٣٠٩٤) وسنن ابن ماجه برقم (١٨٥٦) .]] وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ، وَحُكِيَ عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ سَالِمًا لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ ثَوْبَانَ. قُلْتُ: وَلِهَذَا رَوَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْهُ مُرْسَلًا واللَّهُ أَعْلَمُ. حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ مَالِكٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى الْمُحَارِبِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا غَيْلان بْنُ جَامِعٍ الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ أَبِي الْيَقْظَانِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ إِيَاسٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنزونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ﴾ الْآيَةَ، كَبُر ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَقَالُوا: مَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ مِنَّا أَنْ يَتْرُكَ لِوَلَدِهِ مَا لَا يَبْقَى بَعْدَهُ. فَقَالَ عُمَرُ: أَنَا أفرِّج عَنْكُمْ. فَانْطَلَقَ عُمَرُ وَاتَّبَعَهُ ثَوْبَانُ، فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: يَا نبيَّ اللَّهِ، إِنَّهُ قَدْ كَبُر عَلَى أَصْحَابِكَ هَذِهِ الْآيَةَ. فَقَالَ نبيُّ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضِ الزَّكَاةَ إِلَّا لِيُطَيِّبَ بِهَا مَا بَقِيَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ، وَإِنَّمَا فَرَضَ الْمَوَارِيثَ مِنْ أَمْوَالٍ تَبْقَى بَعْدَكُمْ". قَالَ: فكبَّر عُمَرُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: "أَلَا أُخْبِرُكَ بِخَيْرِ مَا يَكْنِزُ الْمَرْءُ؟ الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ الَّتِي إِذَا نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ، وَإِذَا أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ، وَإِذَا غَابَ عَنْهَا حَفِظَتْهُ". وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى بْنِ يَعْلَى، بِهِ [[سنن أبي داود برقم (١٦٦٤) والمستدرك (٢/٣٣٣) قال الذهبي: "وعثمان لا أعرفه والخبر عجيب".]] وَقَالَ الْحَاكِمُ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ. حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا رَوْحٌ، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ قَالَ: كَانَ شَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي سَفَرٍ، فَنَزَلَ مَنْزِلًا فَقَالَ لِغُلَامِهِ: ائْتِنَا بالشَّفْرَةِ نعْبَث بِهَا. فَأَنْكَرْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا تَكَلَّمْتُ بِكَلِمَةٍ مُنْذُ أَسْلَمْتُ إِلَّا وَأَنَا أخْطمُها وأزمُّها غَيْرَ كَلِمَتِي هَذِهِ، فَلَا تَحْفَظُونَهَا [[في ت، د، ك، أ: "تحفظوها".]] عَلَيَّ، وَاحْفَظُوا مَا أَقُولُ لَكُمْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: "إِذَا كَنَزَ النَّاسُ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ فَاكْنِزُوا هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ: اللَّهُمَّ، إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ حُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا، وَأَسْأَلُكَ لِسَانًا صَادِقًا، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ، إنك أنت علام الغيوب" [[المسند (٤/١٢٣) .]] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنزتُمْ لأنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنزونَ﴾ أَيْ: يُقَالُ لَهُمْ هَذَا الْكَلَامُ تَبْكِيتًا وَتَقْرِيعًا وَتَهَكُّمًا، كَمَا فِي قَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ [الدُّخَانِ: ٤٨، ٤٩] أَيْ: هَذَا بِذَاكَ، وَهُوَ [[في ت، د، ك: "وهذا".]] الَّذِي كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ لِأَنْفُسِكُمْ؛ وَلِهَذَا يُقَالُ: مَنْ أَحَبَّ شَيْئًا وَقَدَّمَهُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، عُذِّبَ بِهِ. وَهَؤُلَاءِ لَمَّا كَانَ جَمْعُ هَذِهِ الْأَمْوَالِ آثَرَ عِنْدَهُمْ مِنْ رِضَا اللَّهِ عَنْهُمْ، عُذِّبُوا بِهَا، كَمَا كَانَ أَبُو لَهَبٍ، لَعَنَهُ اللَّهُ، جَاهِدًا فِي عَدَاوَةِ الرَّسُولِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ [وَسَلَامُهُ] [[زيادة من أ.]] عَلَيْهِ [[في د، ك: "صلى الله عليه وسلم".]] وَامْرَأَتُهُ تُعِينُهُ فِي ذَلِكَ، كَانَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَوْنًا عَلَى عَذَابِهِ أَيْضًا ﴿فِي جِيدِهَا﴾ أَيْ: [فِي] [[زيادة من ك.]] عُنُقِهَا ﴿حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ﴾ [الْمَسَدِ: ٥] أَيْ: تَجْمَعُ مِنَ الْحَطَبِ فِي النَّارِ وَتُلْقِي عَلَيْهِ، لِيَكُونَ ذَلِكَ أَبْلَغَ فِي عَذَابِهِ مِمَّنْ هُوَ أَشْفَقُ عَلَيْهِ -كَانَ -فِي الدُّنْيَا، كَمَا أَنَّ هَذِهِ الْأَمْوَالَ لَمَّا كَانَتْ أَعَزَّ الْأَشْيَاءِ عَلَى أَرْبَابِهَا، كَانَتْ أَضَرَّ الْأَشْيَاءِ عَلَيْهِمْ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ، فَيُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وَنَاهِيكَ بِحَرِّهَا، فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ. قَالَ سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، لَا يُكْوَى عَبْدٌ بِكَنْزٍ فَيَمَسُّ دِينَارٌ دِينَارًا، وَلَا دِرْهَمٌ دِرْهَمًا، وَلَكِنْ يوسَّع جِلْدُهُ، فَيُوضَعُ كُلُّ دِينَارٍ وَدِرْهَمٍ عَلَى حِدَتِهِ [[في أ: "جلده".]] [[رواه الطبري في تفسيره (١٤/٢٣٣) من طريق سفيان به.]] وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مرْدُويه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وَلَا يَصِحُّ رَفْعُهُ، واللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَر، عَنِ ابْنِ طاوس، عن أبيه قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ الْكَنْزَ يَتَحَوَّلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا يَتْبَعُ صَاحِبَهُ، وَهُوَ يَفِرُّ مِنْهُ وَيَقُولُ: أَنَا كَنْزُكَ! لَا يُدْرِكُ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا أَخَذَهُ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الجَعْد، عَنْ مَعْدَان بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ ثَوْبَانَ أَنَّ نَبِيَّ [[في د: "رسول".]] اللَّهِ ﷺ كَانَ يَقُولُ: "مَنْ تَرَكَ بَعْدَهُ كَنْزًا مَثَل لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجاعًا أَقْرَعَ لَهُ زبيبتَان، يَتْبَعُهُ، يَقُولُ: وَيْلَكَ مَا أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا كَنْزُكَ الَّذِي تَرَكْتَهُ [[في أ: "كنزته".]] بَعْدَكَ! وَلَا يَزَالُ يَتْبَعُهُ حَتَّى يُلقمه يَدَهُ فَيُقَصْقِصَها [[في د، أ: "فيقضمها".]] ثُمَّ يُتْبِعُهَا سَائِرَ جَسَدِهِ". وَرَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ، عَنْ سَعِيدٍ بِهِ [[تفسير الطبري (١٤/٢٣٢) وصحيح ابن حبان برقم (٨٠٣) "موارد" ورواه ابن خزيمة في صحيحه برقم (٢٢٥٥) من طريق بشر ابن معاذ به.]] وَأَصْلُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [[صحيح البخاري برقم (٤٦٥٩) ولم أعثر عليه في صحيح مسلم من هذا الطريق.]] وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، مِنْ حَدِيثِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قَالَ: "مَا مِنْ رَجُلٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاةَ مَالِهِ إِلَّا جُعِلَ [[في د: "جعل له".]] يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ يُكْوَى [[في ت: "فتكوى"، وفي د، أ: "فيكوى".]] بِهَا جَنْبُهُ وَجَبْهَتُهُ وَظَهْرُهُ، فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ، ثُمَّ يَرَى سَبِيلُهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ" وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ [[صحيح مسلم برقم (٩٨٧) .]] وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ حُصَيْن، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ قَالَ: مَرَرْتُ عَلَى أَبِي ذَرٍّ بالرَّبَذة، فَقُلْتُ: مَا أَنْزَلَكَ بِهَذِهِ الْأَرْضِ، قَالَ [[في ت، د، ك، أ: "فقال".]] كُنَّا بِالشَّامِ، فَقَرَأْتُ: ﴿وَالَّذِينَ يَكْنزونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: مَا هَذِهِ فِينَا [[في ت، د، ك: "ما هذا".]] مَا هَذِهِ إِلَّا فِي أَهْلِ الْكِتَابِ. قَالَ: قُلْتُ: إِنَّهَا لَفِينَا وَفِيهِمْ [[صحيح البخاري برقم (٤٦٦٠) .]] وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ مِنْ حَدِيثِ عَبْثَرِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَذَكَرَهُ وَزَادَ: فَارْتَفَعَ فِي ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ الْقَوْلُ، فَكَتَبَ إِلَى عُثْمَانَ يَشْكُونِي، فَكَتَبَ إليَّ عُثْمَانُ أَنْ أُقْبِلَ إِلَيْهِ، قَالَ: فَأَقْبَلْتُ، فَلَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ رَكِبَنِي [[في ت: "ولقيني".]] النَّاسُ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْنِي قَبْلَ يَوْمَئِذٍ، فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ لِي: تَنَحَّ قَرِيبًا. قُلْتُ: وَاللَّهِ لَنْ أَدَعَ مَا كُنْتُ أَقُولُ [[تفسير الطبري (١٤/٢٢٧) .]] قُلْتُ: كَانَ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي ذَرٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، تَحْرِيمُ ادِّخَارِ مَا زَادَ عَلَى نَفَقَةِ الْعِيَالِ، وَكَانَ يُفْتِي [النَّاسَ] [[زيادة من أ.]] بِذَلِكَ، وَيَحُثُّهُمْ عَلَيْهِ، وَيَأْمُرُهُمْ بِهِ، وَيُغْلِظُ فِي خِلَافِهِ، فَنَهَاهُ مُعَاوِيَةُ فَلَمْ يَنْتَهِ، فَخَشِيَ أَنَّ يَضُرَّ بِالنَّاسِ فِي هَذَا، فَكَتَبَ يَشْكُوهُ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ، وَأَنْ يَأْخُذَهُ إِلَيْهِ، فَاسْتَقْدَمَهُ عُثْمَانُ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَأَنْزَلَهُ بِالرَّبَذَةِ وَحْدَهُ، وَبِهَا مَاتَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ. وَقَدِ اخْتَبَرَهُ مُعَاوِيَةُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ [[زيادة من أ: "عنهما".]] وَهُوَ عِنْدُهُ، هَلْ يُوَافِقُ عَمَلُهُ قَوْلَهُ؟ فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِأَلْفِ دِينَارٍ، فَفَرَّقَهَا مِنْ يَوْمِهِ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهِ الَّذِي أَتَاهُ بِهَا فَقَالَ: إِنَّ مُعَاوِيَةَ إِنَّمَا بَعَثَنِي إِلَى غَيْرِكَ فَأَخْطَأْتُ، فَهَاتِ الذَّهَبَ! فَقَالَ: وَيْحَكَ! إِنَّهَا خَرَجَتْ، وَلَكِنْ إِذَا جَاءَ مَالِي حَاسَبْنَاكَ [[في ت، أ: "حاسبناه".]] بِهِ. وَهَكَذَا رَوَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا عَامَّةٌ: وَقَالَ السُّدِّيُّ: هِيَ فِي أَهْلِ الْقِبْلَةِ. وَقَالَ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ: قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، فَبَيْنَا أَنَا فِي حَلْقَةٍ فِيهَا مَلأ مِنْ قُرَيْشٍ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ أَخْشَنُ الثِّيَابِ، أَخْشَنُ الْجَسَدِ، أَخْشَنُ الْوَجْهِ، فَقَامَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: بَشِّرِ الْكَانِزِينَ برَضْف يُحْمَى عَلَيْهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، فَيُوضَعُ عَلَى حَلمة ثَدْي أَحَدِهِمْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ نُغْضِ كَتِفِهِ، وَيُوضَعُ عَلَى نُغْضِ كَتِفِهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ حَلَمَةِ ثَدْيِهِ يَتَزَلْزَلُ -قَالَ: فَوَضَعَ الْقَوْمُ رُءُوسَهُمْ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ رَجَع إِلَيْهِ شَيْئًا -قَالَ: وَأَدْبَرَ فَاتَّبَعْتُهُ حَتَّى جَلَسَ إِلَى سَارِيَةٍ، فَقُلْتُ: مَا رَأَيْتُ هَؤُلَاءِ إِلَّا كَرِهُوا مَا قُلْتَ لَهُمْ. فَقَالَ: إِنَّ هَؤُلَاءِ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا. وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ لِأَبِي ذَرّ: "مَا يَسُرُّنِي أَنَّ عِنْدِي مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا يَمُرُّ عَلَيْهِ ثَالِثَةً وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ إِلَّا دِينَارٌ أَرْصُدُهُ لِدَيْنٍ" [[صحيح البخاري برقم (٦٤٤٤) .]] فَهَذَا -واللَّهُ أَعْلَمُ-هُوَ الَّذِي حَدَا أَبَا ذَرٍّ عَلَى الْقَوْلِ بِهَذَا. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ كَانَ مَعَ أَبِي ذَرٍّ، فَخَرَجَ عَطَاؤُهُ وَمَعَهُ جَارِيَةٌ لَهُ، فَجَعَلَتْ تَقْضِي حَوَائِجَهُ، فَفَضَلَتْ مَعَهَا سَبْعَةٌ، فَأَمَرَهَا أَنْ تَشْتَرِيَ بِهِ فُلُوسًا. قَالَ: قُلْتُ: لَوِ ادَّخَرْتَهُ لِلْحَاجَّةِ تَنُوبك وَلِلضَّيْفِ يَنْزِلُ بِكَ! قَالَ: إِنَّ خَلِيلِي عَهِدَ إليَّ أنْ أَيُّمَا ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أوكِي [[في أ: "أيما ذهبا وفضة أولى".]] عَلَيْهِ، فَهُوَ جَمْرٌ عَلَى صَاحِبِهِ، حَتَّى يُفْرِغَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ [[المسند (٥/١٥٦) .]] وَرَوَاهُ عَنْ يَزِيدَ، عَنْ هَمَّامٍ، بِهِ وَزَادَ: إِفْرَاغًا [[المسند (٥/١٧٥) وقال الهيثمي في المجمع (١٠/٢٤٠) : "رجاله رجال الصحيح".]] وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ بِسَنَدِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الشِّبْلِيِّ فِي تَرْجَمَتِهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَهْدِيٍّ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ صَدَقَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي فَرْوَة الرُّهَاوِيِّ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "الْقَ اللَّهَ فَقِيرًا وَلَا تَلْقَهُ غَنِيًّا". قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ لِي بِذَلِكَ؟ قَالَ: "مَا سُئِلتَ فَلَا تَمْنَع، وَمَا رُزقْت فَلَا تَخْبَأ"، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ لِي بِذَلِكَ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "هُوَ ذَاكَ وَإِلَّا فَالنَّارُ" [[انظر: مختصر تاريخ دمشق لابن منظور (٢٨/١٦٨) ورواه الخطيب في تاريخ بغداد (١٤/٣٩٠) في ترجمة الشبلى من طريق محمد بن مهدي المصري به.]] إِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا عُتَيْبَةُ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ أَصْرَمَ [[في جميع النسخ: "عيينة عن يزيد بن الصرم" والتصويب من المسند.]] قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: مَاتَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّة، وَتَرَكَ دِينَارَيْنِ -أَوْ: دِرْهَمَيْنِ -فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "كيَّتان، صلوا على صاحبكم" [[المسند (١/١٠١) .]] وقد روي هذا من طرف أُخَرَ [[رواه أحمد في مسنده (١/١٣٧، ١٣٨) من طريق قطن بن نسير ومحمد بن عبيد وحبان بن هلال كلهم عن جعفر بن سليمان به نحوه، وجاء من حديث عبد الله بن مسعود رواه أحمد في مسنده (١/٤١٢) ، وجاء من حديث سلمة بن الأكوع رواه أحمد في مسنده (٤/٤٧) من حديث طويل، وجاء من حديث أبي هريرة رواه أحمد في مسنده (٢/٤٢٩) .]] وَقَالَ قَتَادَةَ، عَنْ شَهْر بْنِ حَوْشَب، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ صُدَي بْنِ عَجْلان قَالَ: مَاتَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّة، فَوُجِدَ فِي مِئْزَرِهِ دِينَارٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "كيَّة". ثُمَّ تُوفي رَجُلٌ آخَرُ فَوُجِدَ فِي مِئْزَرِهِ دِينَارَانِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "كَيَّتَانِ" [[رواه أحمد في مسنده (٥/٢٥٣) والطبري في تفسيره (١٤/٢٢٢) من طريق قتادة به.]] وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْفَرَادِيسِيُّ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ يَحْيَى الْأَطْرَابُلُسِيُّ، حَدَّثَنِي أَرْطَاةُ، حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ الهَوْزَني، سَمِعْتُ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَا مِنْ رَجُلٍ يَمُوتُ وَعِنْدَهُ أَحْمَرُ أَوْ أَبْيَضُ، إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بِكُلِّ قِيرَاطٍ صَفْحَةً مِنْ نَارٍ يُكْوَى بِهَا مِنْ قَدَمِهِ إِلَى ذَقْنِهِ. وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خِدَاشٍ، حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّوْرِيُّ، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لَا يُوضَعُ الدِّينَارُ عَلَى الدِّينَارِ، وَلَا الدِّرْهَمُ عَلَى الدِّرْهَمِ، وَلَكِنْ يُوَسَّع جِلْدُهُ فَيُكْوَى [[في ت: "فتكوى".]] بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجَنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ، هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ" [[ورواه ابن مردويه كما في الدر المنثور للسيوطي (٤/١٧٩) .]] سَيْفٌ -هَذَا -كَذَّابٌ، مَتْرُوكٌ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب