الباحث القرآني

أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولَهُ ﷺ أَنْ يَبْرَأ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، وَأَلَّا يُصَلِّيَ [[في ت، أ: "ونهاه أن يصلي".]] عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ إِذَا مَاتَ، وَأَلَّا يَقُومَ عَلَى قَبْرِهِ لِيَسْتَغْفِرَ لَهُ أَوْ يَدْعُوَ لَهُ؛ لِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَاتُوا عَلَيْهِ. وَهَذَا حُكْمٌ عَامٌّ فِي كُلِّ مَنْ عُرِفَ نِفَاقُهُ، وَإِنْ كَانَ سَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيّ بْنِ سَلُولَ رَأْسِ الْمُنَافِقِينَ، كَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عُبَيد بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عمر قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ -هُوَ ابْنُ أُبَيٍّ -جَاءَ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَسَأَلَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ يُكَفِّن فِيهِ أَبَاهُ، فَأَعْطَاهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَامَ رسولُ اللَّهِ ﷺ لِيُصَلِّيَ عَلَيْهِ، فَقَامَ عُمَرُ فَأَخَذَ بِثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُصَلِّي عَلَيْهِ وَقَدْ نَهَاكَ رَبُّكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَيْهِ؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "إِنَّمَا خَيَّرَنِي اللَّهُ فَقَالَ: ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ وَسَأَزِيدُهُ عَلَى السَّبْعِينَ". قَالَ: إِنَّهُ مُنَافِقٌ! قَالَ: فَصَلَّى عَلَيْهِ [رسولُ اللَّهِ ﷺ] [[زيادة من ت، ك، أ، والبخاري.]] فَأَنْزَلَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، آيَةَ: ﴿وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ﴾ وَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ حَمَّادِ بْنِ أُسَامَةَ، بِهِ [[صحيح البخاري برقم (٤٦٧٠) وصحيح مسلم برقم (٢٧٧٤) .]] ثُمَّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ -وَهُوَ ابْنُ عُمَرَ -الْعُمَرِيُّ -بِهِ وَقَالَ: فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَصَلَّيْنَا مَعَهُ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا﴾ الْآيَةَ. وَهَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، بِهِ [[صحيح البخاري برقم (٤٦٧٢) والمسند (٢/١٨) .]] وَقَدْ رُوي مِنْ حَدِيثِ عمرَ بْنِ الْخَطَّابِ نَفْسِهِ أَيْضًا بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا، فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ عمرَ بْنَ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. يَقُولُ لَمَّا تُوفي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ [أُبَيٍّ دُعِيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ، فَقَامَ إِلَيْهِ، فَلَمَّا وَقَفَ عَلَيْهِ يُرِيدُ الصَّلَاةَ تحولتُ حَتَّى قُمْتُ فِي صَدْرِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعَلَى عَدُوِّ اللَّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ] [[زيادة من ت، ك، أ، والمسند.]] أُبَيٍّ الْقَائِلِ يَوْمَ كَذَا: كَذَا وَكَذَا -يُعَدِّد أَيَّامَهُ -قَالَ: وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَتَبَسَّمُ، حَتَّى إِذَا أَكْثَرْتُ عَلَيْهِ قَالَ: "أخِّر عَنِّي يَا عُمَرُ، إِنِّي خُيِّرت فاخترتُ، قَدْ قِيلَ لِي: ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ [التَّوْبَةِ:٨٠] لَوْ أَعْلَمُ أَنَّى إِنْ زِدْتُ عَلَى السَّبْعِينَ غُفر لَهُ لَزِدْتُ". قَالَ: ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهِ، وَمَشَى مَعَهُ، وَقَامَ عَلَى قَبْرِهِ حَتَّى فُرغ مِنْهُ -قَالَ: فَعَجَبٌ لِي وَجَرَاءَتِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ! قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا كَانَ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى نَزَلَتْ هَاتَانِ الْآيَتَانِ: ﴿وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ﴾ فَمَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَعْدَهُ عَلَى مُنَافِقٍ، وَلَا قَامَ عَلَى قَبْرِهِ، حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ. وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي "التَّفْسِيرِ" مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهِ [[المسند (١/١٦) وسنن الترمذي برقم (٣٠٩٧) .]] وَقَالَ: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَير، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عُقَيل، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهِ، فَذَكَرَ مِثْلَهُ وَقَالَ: "أَخِّرْ عَنِّي يَا عُمَرُ". فَلَمَّا أَكْثَرْتُ عَلَيْهِ قَالَ: "إنِّي خُيِّرت فاخترتُ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَنَّى إِنْ زِدْتُ عَلَى السَّبْعِينَ يُغْفَر [[في ك: "لغفر".]] لَهُ لَزِدْتُ عَلَيْهَا". قَالَ: فَصَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ثم انْصَرَفَ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا يَسِيرًا حَتَّى نَزَلَتِ الْآيَتَانِ مِنْ بَرَاءَةَ: ﴿وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ﴾ الْآيَةَ، فعجبتُ بَعْدُ مِنْ جُرْأتي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَعْلَمُ. [[صحيح البخاري برقم (٤٦٧١) .]] وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُبَيد، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَمَّا مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ، أَتَى ابْنُهُ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ إِنْ لَمْ تَأْتِهِ لَمْ نَزَلْ نُعَيَّر بِهَذَا. فَأَتَاهُ النَّبِيُّ ﷺ، فَوَجَدَهُ قَدْ أُدْخِلَ فِي حُفْرَتِهِ، فَقَالَ: أَفَلَا قَبْلَ أَنْ تُدْخِلُوهُ! فَأخرجَ مِنْ حُفرته، وتَفَل عَلَيْهِ مِنْ قَرْنِهِ إِلَى قَدَمِهِ، وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ. وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ الْحَرَّانِيِّ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ -وَهُوَ ابْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ بِهِ [[المسند (٣/٣٧١) والنسائي في السنن الكبرى برقم (٩٦٦٥) .]] وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَينة، عَنْ عَمْرٍو، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَتَى النَّبِيُّ ﷺ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ فِي قَبْرِهِ، فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ، وَوُضِعَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ، وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ، واللَّهُ أَعْلَمُ [[صحيح البخاري برقم (٥٧٩٥) .]] وَقَدْ رَوَاهُ أَيْضًا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مَعَ مُسْلِمٍ وَالنَّسَائِيِّ، مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، بِهِ [[صحيح البخاري برقم (١٢٧٠، ١٣٥٠، ٣٠٠٨) وصحيح مسلم برقم (٢٧٧٣) وسنن النسائي (٤/٣٧، ٣٨) .]] وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا مُجَالِدٌ، حَدَّثَنَا عَامِرٌ، حَدَّثَنَا جَابِرٌ (ح) وَحَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَغْرَاءَ الدَّوْسِيُّ، حَدَّثَنَا مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَمَّا مَاتَ رَأْسُ الْمُنَافِقِينَ -قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: بِالْمَدِينَةِ -فَأَوْصَى أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ [[في ت: "رسول الله".]] ﷺ، فَجَاءَ ابْنُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم فقال: إِنَّ أَبِي أَوْصَى أَنْ يُكَفَّنَ فِي قَمِيصِكَ -وَهَذَا الْكَلَامُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَغْرَاءَ -قَالَ يَحْيَى فِي حَدِيثِهِ: فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ﴾ وَزَادَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: وَخَلَعَ النَّبِيُّ ﷺ قَمِيصَهُ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَمَشَى فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَقَامَ عَلَى قَبْرِهِ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَمَّا وَلَّى قَالَ: ﴿وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ﴾ [[ورواه ابن ماجه في السنن برقم (١٥٢٤) من طريق يحيى بن سعيد عن مجالد به نحوه.]] وَهَذَا إِسْنَادٌ لَا بَأْسَ بِهِ، وَمَا قَبْلَهُ شَاهِدٌ لَهُ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّبَرِيُّ: حَدَّثَنَا [أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا] [[زيادة من ت، أ، والطبري.]] أَبُو أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، فَأَخَذَ جِبْرِيلُ بِثَوْبِهِ وَقَالَ: ﴿وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ﴾ وَرَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو يَعْلَى فِي مُسْنَدِهِ، مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ [[تفسير الطبري (١٤/٤٠٧) ومسند أبي يعلى (٧/١٤٥) .]] وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَقَالَ قَتَادَةُ: أَرْسَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ مَرِيضٌ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: "أَهْلَكَكَ حُبُّ يَهُودٍ". قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّمَا أرسلتُ إِلَيْكَ لِتَسْتَغْفِرَ لِي، وَلَمْ أُرْسِلْ إِلَيْكَ لِتُؤَنِّبَنِي! ثُمَّ سَأَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ أَنْ يُعْطِيَهُ قَمِيصَهُ أَنْ يُكَفِّنَ فِيهِ أَبَاهُ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ، وَصَلَّى عَلَيْهِ، وَقَامَ عَلَى قَبْرِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ﴾ وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ السَّلَفِ أَنَّهُ إِنَّمَا أَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ؛ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبيّ لَمَّا قَدِمَ الْعَبَّاسُ طُلب لَهُ قَمِيصٌ، فَلَمْ يُوجَد عَلَى تَفْصِيلِهِ إِلَّا ثَوْبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبيّ؛ لِأَنَّهُ كَانَ ضَخْمًا طَوِيلًا فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، مُكَافَأَةً لَهُ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَلِهَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَلَيْهِ لَا يُصَلِّي عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، وَلَا يَقُومُ عَلَى قَبْرِهِ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا دُعِيَ لِجِنَازَةٍ سَأَلَ عَنْهَا، فَإِنْ أُثْنِيَ عَلَيْهَا خَيْرًا قَامَ فَصَلَّى عَلَيْهَا، وَإِنْ أُثْنِيَ عَلَيْهَا غَيْرَ ذَلِكَ قَالَ لِأَهْلِهَا: "شَأْنُكُمْ بِهَا"، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهَا [[المسند (٥/٢٩٩) .]] وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَا يُصَلِّي عَلَى جِنَازَةِ مَنْ جُهِل حَالُهُ، حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَيْهَا حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ أَعْيَانَ مُنَافِقِينَ قَدْ أَخْبَرَهُ [[في أ: "أعلمه".]] بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ؛ وَلِهَذَا كَانَ يُقَالُ لَهُ: "صَاحِبُ السِّرِّ" الَّذِي لا يعلمه غيره أي من الصحابة. وَقَالَ أَبُو عُبَيد فِي كِتَابِ "الْغَرِيبِ"، فِي حَدِيثِ عُمَر أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى جِنَازَةِ رَجُلٍ، فَمرَزَه حُذيفة، كَأَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَصُده عَنِ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا، ثُمَّ حُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ "الْمَرْزَ" بِلُغَةِ أَهْلِ الْيَمَامَةِ هُوَ: القَرْص بِأَطْرَافِ الْأَصَابِعِ. وَلَمَّا نَهَى اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، عَنِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَالْقِيَامِ عَلَى قُبُورِهِمْ لِلِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ، كَانَ هَذَا الصنيعُ مِنْ أَكْبَرِ القُرُبات فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ، فَشَرَعَ ذَلِكَ. وَفِي فِعْلِهِ الْأَجْرُ الْجَزِيلُ، لِمَا [[في ت، أ: "كما".]] ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ وَغَيْرِهَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال: "مَنْ شَهِدَ الْجِنَازَةَ حَتَّى يُصَلِّيَ عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ". قِيلَ: وَمَا الْقِيرَاطَانِ؟ قَالَ: "أَصْغَرُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ" [[رواه البخاري في صحيحه برقم (١٣٢٥) ومسلم في صحيحه برقم (٩٤٥) .]] وَأَمَّا الْقِيَامُ عِنْدَ قَبْرِ الْمُؤْمِنِ إِذَا مَاتَ فَقَدْ قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى الرَّازِيُّ، أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَحير، عَنْ هَانِئٍ -وَهُوَ أَبُو سَعِيدٍ الْبَرْبَرِيُّ، مَوْلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ -عَنْ عُثْمَانَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا فَرَغَ مِنْ دَفْنِ الرَّجُلِ وَقَفَ عَلَيْهِ وَقَالَ: "اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ، وَاسْأَلُوا لَهُ التَّثْبِيتَ، فَإِنَّهُ الْآنَ يُسْأَلُ". انْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ أَبُو دَاوُدَ، رَحِمَهُ اللَّهُ [[سنن أبي داود برقم (٣٢٢١) .]]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب